المقتطف الصحفي » ماديبا يوحّد الجميع لمرّة أخيرة

121742_250- صحيفة 'السفير'
فادي الطويل

كلّ ما يمكن أن يُقال عن سيلٍ إعلاميّ جارف، وطوفان معلومات وصور هائل، هو صحيحٌ بالضرورة إذا ما نظرنا لقيمة الشخصية &laqascii117o;موضوع" الحدث. من يستطيع أن يوحّد التيارات السياسية باختلافاتها، والمواقف بتجاذباتها، والتصريحات بتناقضاتها سوى شخصٍ بقيمة وحجم نيلسون (ماديبا) مانديلا؟
يومان من الاستعراض الإعلاميّ الذي لا يهدأ، في جميع الوسائط المسموعة والمرئية والمكتوبة، مروراً بالمنصّات الأكثر غلياناً من مواقع التواصل التي ينتشر فيها الخبر وتسري الصور كالنار في الهشيم. إجماع نادرٌ على إرث الزعيم/القائد/الأب الذي يختزل قيم النضال والمسامحة ونظرة بعيدة للمستقبل. شخصٌ أصبح مثالاً لكثيرين ممّن عاشوا جحيم السجن بسبب أفكارهم التحررية و نضالهم ضد الظلم. وزاد عليه هو ما دفع من أثمان لمناهضته نظام الفصل العنصري (الأبرتهايد) بعزيمة حديديّة نال على إثرها احترام سجّانيه ومستعبِدي شعبه قبل احترام العالم أجمع.
هنا، يبدو طبيعيّاً أن يمجّد أصحاب القضايا والنضال شخصيّة مانديلا، المثقف الذي تشهد له سيرته، أو ما نعرفه منها، عن اتّساق هذه الثقافة بسلوكياته الحياتية وطموحاته بتحقيق التطور في بلاده، وهو من قال يوماً: &laqascii117o;لا يمكن لبلدٍ أن ينجح ما لم يكن قادته مثقّفون". لكن ما يثير التساؤل هو هذا التشارك الملتبس بين المستضعِفين والمستضعَفين، المستغِلين والمستغَلّين، من يرون في أنفسهم ضحايا لأنظمة متسلّطة (كان مانديلا ذاته ينتهج نقد مبادئها وأساليبها)، ومدافعون عن أنظمةٍ يرون في رمز القائد الأفريقي العظيم تمثيلاً لصمودها ومقاومتها. صورةٌ ثنائية بمعانٍ وقراءات متوازية. لا يهمّ هنا مدى التشابك في هذا التشارك، لكن الأهم أن نيلسون (ماديبا) مانديلا استطاع في موته، كما في حياته، أن يجمع المتناقضات التي تصل إلى حدّ التطرّف. وسائل الإعلام بكافة توجهاتها وأطيافها، أصحاب الفكر السياسيّ بكافة ألوانهم وأفكارهم، كلّهم حملوا الإشادة وكالوا المديح إثر المديح، وهو مستحقّ بالتأكيد. صورة تمجيديّة رفعت القائد إلى مستوى القداسة، وغابت النظرة المعاكسة التي تشي بكون الرجل، في النهاية، بشراً، له أخطاؤه وهفواته. ولعلّ هذه الفكرة بالتحديد هي ما يمكن أن يظهر لاحقاً بعد الانتهاء من هذه الحالة من الانشغال ذو التوجه الواحد.
ومن بين التكريمات الإعلاميّة البارزة قبضة مانديلا على غلاف مجلّة &laqascii117o;ذا نيويوركر"... سيحمل العدد المؤرخ في 16 كانون الأول الحالي، غلافاً من تصميم الفنان الأميركي الأفريقي قادر نيلسون (وهو كان قد وضع سابقاً كتاباً يحكي بالرسومات قصة مانديلا)، ويحمل الغلاف كلمة &laqascii117o;ماديبا" اسم مانديلا القَبَليّ. يظهر في الغلاف نيلسون مانديلا رافعاً قبضته بقوة وإصرار يعكسان إيمانه بقضية شعبه ضد نظام الفصل العنصري. غلافٌ وصفه البعض أنه &laqascii117o;صادمٌ" ومؤثّر، دونك عما يمكن أن يحمله من دلالات مقارنة بتمثال الحرية... حينها تتخذ المقارنة اتجاهاً آخر، بين رمز الحرية والديموقراطية في العالم، ما تنطوي تحت ذلك من مفارقات، وبين شخصٍ استطاع تلخيص هذه القيم بواقعيّة، استمرّ في سباقه، هو المحبّ للسباقات الطويلة، حتى النهاية. وكان مثالاً حياً من لحم ودم لإرادة الحرية التي لا تموت حتى بعد إعلان وفاته التي وحّدت الجميع... لمرّة أخيرة.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد