عين على العدو » مقاومة غزة تفضح الارتباك الإسرائيلي وحدود القوة

تعيش القيادة الإسرائيلية حاليا بعضا من أشد أيامها حلكة بسبب المفارقة الكبيرة الكامنة في واقع الحرب الدائرة. فإسرائيل التي تهدد إيران وتفرض سطوتها على كل الدول العربية تقريبا وتعرض نفسها كواحدة من القوى العسكرية الأعظم في العالم تجد نفسها عاجزة عن حسم معركتها مع قطاع غزة. وإذا كانت تحاول بث الذعر في نفوس أقل من مليوني فلسطيني في رقعة صغيرة من الأرض لا تعادل أكثر من 1.5 في المئة من أرض فلسطين فإن المقاومة في هذه الرقعة ترد ببث الذعر في نفوس الإسرائيليين في كل أرض فلسطين. والأدهى أن صواريخ إسرائيل كلها عاجزة عن أن تفرض على المقاوم في غزة وجمهوره شروطها مما يبرز بعدا يتماهى مع بعد المقاومة اللبنانية في حرب تموز 2006 وهو بعد النموذج.
صحيح أن إسرائيل بذاتها ليست أوهن من بيت العنكبوت ولكنها بالتأكيد كانت تستمد، وطوال عقود، قوتها من ضعف عدوها. ومن المؤكد أيضا أن إحساس إسرائيل بهذا الضعف تعاظم في ظل تفشي حالة الاقتتال العربي - العربي سواء من أجل الحفاظ على نظام أو الإطاحة به أو من أجل نبذ سيطرة هذه الطائفة أو فرضها. ولذلك من المهم أن الحرب الدائرة حاليا تعيد إلى الواجهة نموذجا افتقدناه وهو إثبات أن قوة إسرائيل ليست قدرا وأن بالوسع مواجهتها. فإذا كانت غزة الصغيرة والمحاصرة حتى من العربي وليس فقط من الإسرائيلي قادرة على أن تكون ندا في هذه اللحظة فإن ذلك يعني الكثير. فليس لإسرائيل أن تثق بأن فرقة العرب تضمن أمنها وأن هنا وهناك فئات مقاتلة مستعدة لإثبات هذه الحقيقة لإسرائيل بين حين وآخر.
والأدهى أن العملية البرية التي يهدد الجيش الإسرائيلي بها غزة طوال الوقت لا تبشر الإسرائيليين بشيء. وبدلا من الأحاديث عن اجتياح قطاع غزة خلال ساعات صار الحديث عن عمليات اقتحام محدودة وقرب الحدود. وكانت بشائر هذه العمليات محاولة الكوماندو البحري الإسرائيلي، &laqascii117o;شييطت 13"، وهي إحدى أهم وحدات النخبة، تنفيذ عملية في منطقة لا تبعد عن الحدود أكثر من 2 كيلومتر ففشلت وكانت بحاجة لقوات جوية وبحرية وبرية تخوض حربا من أجل إنقاذها. وبديهي ان نتائج هذه العملية والخشية من الأنفاق والتورط أكثر تدفع القيادة الإسرائيلية للتركيز على الغارات الجوية.
وكتب المعلق العسكري لـ&laqascii117o;هآرتس" عاموس هارئيل أن &laqascii117o;دخول الجيش الاسرائيلي برا الى قطاع غزة سيلاقي جهدا دفاعيا من حماس التي ستستعمل الصواريخ المضادة للدبابات والمتفجرات ونظاما دفاعيا من انفاق تحت الارض. ويتوقع أن تزيد في الوقت نفسه محاولات اطلاق القذائف الصاروخية على المراكز السكنية في اسرائيل، وستضطر الحكومة المصغرة الى أن تفكر في أنه هل يوجد قدر كاف من المعلومات الاستخبارية الدقيقة، وهل توجد اهداف يمكن احرازها بعملية برية محدودة قبل الموافقة عليها. وستكون حيرة الوزراء بين الخشية من أن يبدوا مستعدين لانهاء المعركة بنتيجة التعادل مع حماس (التي ستعرض التعادل على أنه انتصار كبير) وبين الخشية من التورط واصابات في قوات الجيش الاسرائيلي. وقد اصبحت الساعة السياسية تتكتك في الخلف".
لكن الغارات الجوية لا تمثل حلا لواقع أسلوب عمل المقاومة في القطاع حيث يجري قصف المكان مرات ومرات وتستمر الإطلاقات الصاروخية من ذات المكان. وقد لجأ الجيش الإسرائيلي إلى أسلوب تنفيذ مجازر كالتي وقعت في الكثير من البيوت والمساجد حيث لا يتورع عن قتل مدنيين بهدف الردع. كما لجأ إلى الأسلوب المجرب والذي فشل مرارا بمحاولة خلق شرخ بين الأهالي والمقاومة عبر مطالبة أحياء بكاملها بترك بيوتها والهجرة إلى أماكن أخرى في القطاع. وخلافا لمنطق إسرائيل في السعي لتحقيق حسم سريع في المعارك فإنها هذه المرة تحذر منذ البداية أن المعركة ستكون طويلة بقصد الإيحاء باستعدادها لذلك. لكن من يعرف واقع إسرائيل النفسي والاقتصادي يدرك أن نافذة الوقت أمام القيادة الإسرائيلية تغلق وبسرعة ليس فقط بسبب ضغوط دولية ولكن أصلا بسبب ضغوط داخلية.
إن معضلة إسرائيل مع غزة مزمنة ولا حل لها في المستقبل المنظور. والمسألة لا تكمن فقط في إطلاق النار من عدمه لأن ذلك نتيجة حتمية لواقع أشد عمقا. فالقطاع محاصر وهو التجسيد لفكرة إسرائيل في حشر الفلسطينيين في أضيق نطاق والتمتع بأكبر قدر ممكن من أرضهم. ولذلك فإن مسألة غزة ليست الحصار وإنما الحل الشامل الذي من دونه يتعذر أبدا حل المعضلة. فغزة من دون حل شامل يضمن الحقوق لا يمكنها أن تهدأ وإن هدأت فإلي حين. إذ ليس صدفة أن ثلثي أهالي قطاع غزة هم من اللاجئين الذين يرون من شرفات بيوتهم أرضهم في الجانب الآخر من الحدود.
وفي كل حال من الواضح أن إسرائيل محتارة جدا ليس فقط في تحديد أسلوب التعامل العسكري مع غزة وإنما أيضا محتارة في تحديد الأهداف التي تريدها من كل تصعيد. صحيح أن اليمين المتطرف يطالب نتنياهو باستخدام &laqascii117o;عقيدة الضاحية" وتحويل &laqascii117o;الشجاعية إلى الضاحية"، غير أن نتنياهو لا يزال يدرك القيود المفروضة على القوة الإسرائيلية. والأهم أن الشجاعية، مثل الضاحية، لم تعد تقبل أن تكون الضحية الصامتة وهي تملك من القوة ما يجعلها بالغة الإزعاج لإسرائيل. لذلك فإن الخيارات الأهم هي بين المعركة البرية واتفاق وقف إطلاق النار. ويبدو أن وقف النار هو الأقرب والأقل تكلفة لإسرائيل.
تقديم وترجمة: حلمي موسى
المصدر: صحيفة السفير

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد