معلوماتية وإنترنت » الروبوتات الكاتبة تحرر جزءاً من الصحافة وتعدّ تقارير مصرفية ومالية

الروبوتات الكاتبة تحرر جزءاً من الصحافة وتعدّ تقارير مصرفية ومالية وتقارن بين فرق كرة القدم
إيف إود(*)

في 17 آذار (مارس) من العام الجاري، استفاق اهل لوس أنجيليس على هزّة أرضية خفيفة. وبعد 3 دقائق، نشر موقع صحيفة «لوس انجيليس تايمز» مقالاً أول تناول الخبر. وقراء الخبر ظنّوا ان مصدره وكالة أنباء أذاعته على وجه السرعة. ووقّع المقال مكتب الإعلام بالهزّات الأرضية في وكالة الولايات المتحدة الجيولوجية بناءً على معادلات جبرية. والكاتب يعمل في مكاتب الصحيفة، وهو صحافي ومبرمج معلوماتي معاً. وصباح الليل الذي حصلت فيه الهزّة، تلقى حاسوب الصحافي المبرمج معطيات رقمية من آلات تسجيل النشاط الزلزالي. وتلقف برنامج في الحاسوب المعطيات المنقولة، واختار منها المعلومات المفيدة، ثم حرر مقالاً باللغة الإنكليزية السائرة. وقرأ الصحافي المقال المحرّر، وكبس زر «الإرسال». ومثل هذا المقال كان في المستطاع نشره من غير تدخل انساني.

ونبهت الحادثة الإعلام الأميركي. فالصحيفة عمدت، في الأعوام الأخيرة، إلى صرف عدد كبير من الصحافيين العاملين، علاجاً لمشكلات مالية تعانيها. ولو ذهب الظن الى أن آلات حلت محلهم، لما اشتط كثيراً... فـ «الروبوتات» شقت طريقها، خفية، إلى بعض وسائط الإعلام، وبعض قطاعات إنتاج وثائق مكتوبة. وليست تقنية الكتابة الآلية والمؤتمتة في الولايات المتحدة وليدة الأمس. ومنذ أعوام تعهد باحثون في الذكاء الاصطناعي، يعملون في جامعة نورث ويسترن، غير بعيد من شيكاغو، هذا الحقل أو الفرع من مادة أبحاثهم. وأستاذ الكرسي الجامعي، لاري بيرنباوم، يجمع في وجهتي تدريسه، الكتابة الآلية المؤتمتة والصحافة، المادة الوليدة والمركبة. وهو أحد مبتكري نظام «كويل» (الريشة). وهو حين يشرح طريقة عمل النظام يميّز أربع مراحل متداخلة ومتشابكة.

في المرحلة الأولى، يتلقى نظام «كويل» من بنك معطيات خارجي معلومات تتولى برمجية صوغها على صورة لوائح أو جداول أو بيانات. وفي وسع أنظمة ذكية أخرى تحويل معلومات مبعثرة وغير مؤطرة، وبعضها نصوص، الى معطيات منسقة ومبوّبة تتلقاها الآلة المناسبة و»تفهمها». ومن هذا الطريق، تنتهي الى الروبوت الكاتبة جملة المعارف الإنسانية. والمرحلة الثانية من المهمات تقتضي القيام بـ «تحليل سردي»: تُفرز المعطيات وترتّب على مثال يرمي إلى بناء «رواية» أو «خبرية»، على قول لاري بيرنباوم، فتُنتخب وقائع، وتبرز أفعال وأرقام.

والمرحلة الثالثة هي أكثرها تجديداً: «تتولى البرمجية وضع مخطط، أو جدول وقائع، ثم تتولى نمذجة زوايا تحرير كتابي، وتخلص عملياً إلى مزيج من الكلمات والخطوط الاصطلاحية والخطوط البيانية، ووحدها الآلات تفهم هذا المزيج». وفي ضوء هذه المحصلة، ينتقل نظام «كيل» إلى الكتابة. وفي تصرفه، حين يبلغ هذه المرحلة، مكتبة من القواعد والنظم والكلمات والعبارات، بالإنكليزية المتداولة والمصطلح التقني والمهني. وهذه المرحلة تبدو معجزة في نظر من لا دراية لهم بتقنيات المعلوماتية والذكاء الاصطناعي. ولكنها، والحق يقال، ليست أشد المراحل تعقيداً. وفي وسع الحواسيب الكتابة بالإنكليزية منذ زمن طويل. وهي لم تكتب من قبل لأنه لم يكن «عندها» ما تقوله، ولم تكن موصولة بحجم كاف من المعلومات.

وتولى أستاذ آخر في نورث ويسترن، هو كريس هاموند، إنشاء شركة إنتاج سماها «نراتيف سيانس» (علم السرد أو العلم السردي)، أوكل، هو وفريق العمل، إليها تسويق النظام. وكريس هاموند على يقين من أن خطبة جيدة تفوق الرسم التخطيطي الأنيق منفعةً وموضوعاً. ويعود ذلك الى أن دماغ الإنسان مجبول على فهم الأفكار إذا أدتها واضحة. وهو يتوقع ان يكون في مستطاع كل الناس، في غضون الأعوام القليلة المقبلة، فهم مخطط الجداول إيكسيل، أو تأويل رسم بياني، من غير عناء أو حاجة الى الإلمام بالوسائل الجبرية. فينوب «كيل»، والأنظمة التي ستخلفه، عن التفكير المضني، وينقل نصوصاً واضحة لا يعصى فهمها أحداً من طريق طبيعية هي طريق اللغة.

وكان كريس هاموند لفت انتباه الجمهور حين قال إن 90 في المئة من المعلومات التي سيقرأها الجمهور العريض قبيل 2025، مصدرها الحواسيب. واستدرك قائلاً: ليس معنى هذا أن 90 في المئة من الصحافيين سوف يصرفون، وتحل محلهم حواسيب، بل إن حجم النصوص مقبل على التعاظم على نحو هائل. وعلى سبيل المثل، فإن مئات فرق البايسبول تتبارى مئات المباريات التي لا تستوقف وسائط الإعلام العامة، ولكن عشرات من الأصدقاء والأصحاب يولون المباراة الواحدة والهامشية اهتماماً حاراً ومحموماً، وإذا لُقن نظام «كويل» مصطلحات المباريات لن يستحيل عليه أن يعلق عليها بآلاف المقالات التي تشبه مقالات المعلقين الرياضيين المحترفين. ومنذ اليوم لـ «ناتيف سيانس» مواقع مختصة في الرياضة المحلية أو في المعلومات التي ينتظرها الشباب.

ويعنى نظام «كيل» بالمصارف، وهي باب من أبواب الكتابة التي يميل الناس فيها حين يتناولونها إلى التكرار. ويلاحظ كريس هاموند أن «فوربس» تستبق إعلان بعض الشركات نتائجها. وهي اليوم، بمعونة «كيل»، تستبق نتائج 5 آلاف شركة كبيرة. وعلى موقع «فوربس.كوم» يقرأ المتصفح مقالات تحمل توقيع «نراتيف سيانس». وتتوسل المصارف ووكالات التقويم، شأن عملاء في البورصة، بنظام «كيل» الى كتابة عدد لا يحصى من التقارير التي توصي عليها الإدارات ووكالات المراقبة. ويتولى قراءة التقارير قبل إرسالها مراقبون اختصاصيون. فالعمل لا يزال في مرحلة الاختبار. وهي قد تطول بضعة أشهر فقط، ثم ترسل الى الإدارة من غير أن تقع عليها عين إنسان.

ولا يتردد هاموند في القول إن «كيل» بداية مغامرة كبيرة. والكتابة المؤتمتة في طريقها إلى الاقتران بخطوة تكنولوجية أخرى هي تعقّب الأثر الفردي لبلايين من المستهلكين بواسطة مشترياتهم وملاحتهم على الإنترنت واتصالاتهم. وفي بعض خطبه نبه الرئيس أوباما الأميركيين إلى أنهم لو حرصوا على نفخ إطارات سياراتهم على وجه أفضل لوفروا 7 في المئة من محروقات السيارات. ولم تبلغ الحجة غايتها، ربما لأن الأميركيين لم يرغبوا في إمعان النظر في الحساب الذي دعاهم أوباما الى التأمل فيه. وفي غد قريب، في مقدور موقعكم الإخباري الأثير شرح المسألة على وجه آخر. فهو يعرف من أنتم، وماركة السيارة التي تقتنونها ومصروفها والمسافة التي عليكم اجتيازها في الأسبوع، وصنف المحروقات الذي تشترونه... وبناء على هذه المعطيات، يسع الموقع الإخباري كتابة مقال موجه إلى أحدٍ معيّن وفيه حساب الدولارات التي يمكنه توفيره إذا أحسن نفخ إطارات سيارته. وإذا عمّم المثل على دوائر الحياة المتفرقة من الصحة إلى السياسة، وجب في المستقبل أن تكون المقالات كلها فردية، أي لقارئ واحد.

وليست شركة «العلم السردي» وحدها في ميدانها. والروبوتات الكاتبة تثير منافسة قوية. وإحدى الشركات المتنافسة، «أوتومايتد إنسايتس»، ومركزها في كاليفورنيا الشمالية، تنتج نظاماً سمته «ووردزميت» (حِرَفي الكلمات). ويوصف النظام بأنه «قاعدة توليد لغة طبيعية»، ويقول مدير الشركة التجارية، آدم سميث، أن شركته أنتجت أكثر من 300 مليون نص في 2013، ويرجّح أن تتخطى البليون نص في 2014، ويحصي 12 زبوناً في مرحلة الاختبار، بينهم مجموعة غانيت الصحافية، التي تملك «نيوز توداي» و»ياهو نيوز». وتستعمل «ياهو!» نظام «ووردزدميت» في تحرير نصوص برنامجها «فَنتيزي سبورت» - ويدعو البرنامج المشارك الى تأليف فريق كرة القدم الذي يحلم به من لاعبون حقيقيون، وإلى إجراء مباريات احتمالية بين فريقه وبين فريق اللاعبين الآخرين.

ويتولى النظام تحليل إنجازات الرياضيين في مباريات حقيقية، ثم يخلص إلى تسمية الفريق المنتصر، ويروي المباراة طبعاً، يقول آدم سميث. ويحرر النظام إعلانات عقارية، وتقارير عن أحوال السوق وعن نشاط الشركات وأعمال البورصة. ويزعم آدم سميث أن معطيات أسعار الأسهم في البورصة تتيح كتابة ملايين الحكايات المختلفة، وكل حكاية تدور على تطور محفظة فردية. وصنعت الشركة الفرنسية «إزييوب» نظاماً قادراً على الكلام بالإنكليزية والفرنسية والإسبانية والبرتغالية وقريباً اليابانية. وتنشر الشركة على موقعها على الشبكة مقالاً مالياً بالإنكليزية. وتستجيب الفقرات أي تغيير يطرأ على رقم من الأرقام في الفقرة السابقة. فإذا لاحظت فقرة تطوراً إيجابياً صريحاً في الودائع المصرفية بالولايات المتحدة، أعادت التقدير إذا تغير الرقم، ولاحظت إما «هبوطاً ثانوياً» أو «تردياً جوهرياً».

وتجمع «إيزييوب» معلومات عن مديري الشركات مستقاة من ثلاثين مصدراً معظمها بنوك معطيات. ومن هذه المصادر السجل العدلي. وفي ضوء حاجة الشركات الكبيرة إلى تقارير كثيرة عن أوجه نشاطها، لا مناص لها من اللجوء الى انظمة الروبوتات الكاتبة، ومن ابتياعها من الشركات التي تصنعها وتسوقها. ويتصور أحد الباحثين في هذا الحقل تعاوناً متناغماً بين الروبوت وبين الإنسان: فالروبوت إذا افتقر الى معلومة توقف عن العمل، وطلب إمداده بما ينقصه، وحال حصوله عليها استأنف عمله. ويحمل هذا العاملين على السؤال عن علاقتهم بالروبوت: هل هي علاقة تكامل أم أن في مستطاع الحاسوب الاستغناء عن «زميل» عمله؟
(*) صحافي، عن «لوموند» (ملحق «سيانس إي مدسين») الفرنسية، 2/7/2014، اعداد م. ن.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد