كتاب وكاتب » قوات التحرير الشعبية: التاريخ المظلوم

صقر أبو فخر
files.php_283

كُتب الكثير عن الثورة الفلسطينية المعاصرة التي أطلقت حركة «فتح» رصاصتها الأولى في سنة 1965، وحظيت الفصائل المقاتلة باهتمام شديد لدى الإعلام ومراكز الأبحاث، وصدرت في هذا السياق مئات الكتب عن مؤسسي هذه الفصائل وقادتها واتجاهاتها السياسية والفكرية وعملياتها العسكرية وانشقاقاتها التنظيمية وعلاقاتها العربية والدولية، وارتباطاتها الحزبية. غير أن هناك تجربة مهمة جدًا في التاريخ الحديث للحركة الوطنية الفلسطينية لم تحظَ بالاهتمام الذي تستحقه هي «جيش التحرير الفلسطيني» وجناحه الفدائي «قوات التحرير الشعبية». ولولا بعض المقالات والمعلومات المتناثرة هنا وهناك في المصادر الفلسطينية المختلفة لما أمكن الاستناد إلى مصادر موثوقة عن «جيش التحرير الفلسطيني» و«قوات التحرير الشعبية». وقد تأخر العميد صبحي الجابي كثيرًا، وهو أول رئيس لأركان هذا الجيش، حين نشر مذكراته في سنة 2007 عن مؤسسة الرسالة في بيروت. وعلى غراره نشر اللواء عبد الرزاق اليحيى مذكراته بعنوان «بين العسكرية والسياسة» في سنة 2006 عن «مؤسسة الدراسات المقدسية» في القدس بالاشتراك مع مركز «شمل» في رام الله. وثمة دراسة ليزيد صايغ بعنوان «جيش التحرير الفلسطيني: تحديات مرحلة التكوين» ظهرت في مجلة «الدراسات الفلسطينية» (العدد 35، صيف 1998). وفي ما عدا ذلك من العسير العثور على معلومات شبه وافية عن هذه التجربة إلا في بطون الكتب، مثل «الموسوعة الفلسطينية» ومؤلفات أحمد الشقيري وغيرها. وهذا الكتاب الموسوم بعنوان «جيش التحرير الفلسطيني وقوات التحرير الشعبية ودورهما في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي 1964- 1973» الذي وضعه العميد عبدالله محمود عياش، ونشره «مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات» في بيروت سنة 2014 يسد، بلا ريب، نقصًا كبيرًا في المصادر المتعلقة بـ«جيش التحرير» و«قوات التحرير الشعبية». والواضح أن المؤلف واجه مصاعب جمّة في جمع المادة الأولية عن تأسيس الجيش وعن العقبات التي واجهت عملية التأسيس، والصراعات التي رافقت تلك المرحلة، وثقل الأوضاع العربية التي ألقت بأحمالها على المؤسسين الأوائل. وجراء الافتقار إلى المصادر عمد المؤلف إلى إجراء 167 مقابلة لتعويض هذا النقصان. ولا شك في أن هذا الجهد الذي بذله الكاتب كبير جدًا؛ فإجراء 167 مقابلة وتفريغها وتصنيف المعلومات الواردة فيها مهمة تفوق مقدرة شخص واحد. وفي ما يتعدى هذه العملية البحثية، فإن هناك فائدة إضافية في هذا الكتاب هي أن بعض المقابلات باتت تعتبر، في حد ذاتها، وثائق نادرة بسبب مكانة أصحابها وخبراتهم التأسيسية أمثال عارف خطاب ويونس الكتري وفخري شقورة، ولأن بعضهم غادر هذه الدنيا. والكتاب، في حد ذاته، وثيقة تحتوي مجموعة من المحفوظات التي يصعب العثور عليها في مكان واحد مثل قانون التجنيد الإلزامي الذي وضعه مؤسسو «جيش التحرير» ولم يُنفذ إلا في سوريا، ومثل الهيكلية العامة للجيش. وعلاوة على ذلك فإن هذا الكتاب يعتبر سجلاً وافيًا يحتوي العمليات الفدائية التي نفذتها «قوات التحرير الشعبية»، والمعارك التي شارك فيها «جيش التحرير الفلسطيني» خاصة على الجبهتين السورية والأردنية، وأسماء القادة والضباط والشهداء الذين ترددت أسماؤهم خلال هذه التجربة المظلومة.
البدايات
المعروف أن بدايات التفكير في إنشاء قوة عسكرية للفلسطينيين ظهرت في العراق قبل مصر وسوريا، حين دعا عبد الكريم قاسم في خطاب ألقاه في 27/3/1960 (الكتاب يجعله في سنة 1959) إلى تأسيس فوج فلسطيني مقاتل، وأصدر لهذه الغاية قانونًا خاصًا. وبالفعل ظهر «فوج التحرير الفلسطيني» في سنة 1961، وكان مؤلفًا من 150 ضابطًا و 300 صف ضابط وجندي، وتلقى هؤلاء التدريبات في معسكر الرشيد. وفي حفل التخرج كان الحاج أمين الحسيني يستعرض المتخرجين، وتولى قيادة الفوج المقدم أيوب عمار، وكان من بين ضباطه مصطفى ديب خليل (أبو طعان). ولاحقًا ضُمَّ هذا الفوج إلى جيش «التحرير الفلسطيني»، واعتُبر نواة لـ«قوات القادسية».
لم يتمكن الباحث عبدالله عياش من التوسع في التأريخ لهذا الفوج، لأن المعلومات التفصيلية عن هذه التجربة السبّاقة ما برحت مطوية في سجلات الجيش العراقي. ولعل الباحث استعصت عليه إمكانية العثور على هذه السجلات جراء الأهوال التي يمر بها العراق. ومهما يكن الأمر، فإن «جيش التحرير الفلسطيني» ظهر واقعيًا في سوريا في 1/9/1964 من ثلاثة ألوية هي:
1- «قوات عين جالوت» بقيادة منصور الشريف التي رابطت وحداتها في مصر وغزة. ومنصور الشريف متخرج في الكليات الحربية المصرية.
2- «قوات حطين» بقيادة عثمان حداد التي رابطت كتائبها في سوريا. وعثمان حداد أحد متخرجي دورة قطنا المشهورة في سوريا.
3- «قوات القادسية» بقيادة أيوب عمار التي رابطت وحداتها في العراق والأردن وسوريا. وأيوب عمار متخرج في الكليات الحربية العراقية.
أُضيفت إلى هذا الجيش في ما بعد «كتيبة زيد بن حارثة» التي تحول اسمها في سنة 1980 إلى «قوات بدر» ورابطت في الأردن. ويروي الكتاب كيف اختار أحمد الشقيري اللواء وجيه المدني لقيادة هذا الجيش، واستقدمه من وزارة الدفاع الكويتية التي عمل فيها بعد استقالته من الجيش السوري، وهو أحد متخرجي دورة قطنا سنة 1947-1948. وقام وجيه المدني بتسليم العلم الفلسطيني لأول كتيبة فلسطينية في سوريا في عرض عسكري جرى في 3/5/1965 بحضور الرئيس أمين الحافظ، وأُطلق على هذه الكتيبة اسم «قوات حطين».
الجيش والانشقاق
يسرد الكتاب بعض مظاهر الخلافات التي عصفت بجيش التحرير الفلسطيني لكنه لا يركز على أحد أهم تلك الخلافات، وهو التمرد الذي نشب في تموز 1968 حين أُعفي العميد صبحي الجابي من رئاسة أركان الجيش، وعُين بدلًا منه عبد الرزاق اليحيى، فما كان من «قوات حطين» إلا أن قام بعض أفرادها باقتحام مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في دمشق، واحتجزوا رئيس الأركان الجديد ومعه نمر المصري ومحمود الخالدي، وكان على رأس المتمردين الضباط عثمان حداد وحسام طهبوب ومحمد الشاعر. وفي أي حال فإن الكتاب يروي، ببعض التفصيل، وقائع الانشقاقين اللذين تعرض لهما جيش التحرير؛ الأول الذي وقع في سنة 1976 في سياق الخلاف على الموقف من دخول الجيش السوري إلى لبنان الذي كان متحالفًا آنذاك مع «الجبهة اللبنانية» خلافًا لإرادة الحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية. وهذا الانشقاق الذي جرى في عهد اللواء مصباح البديري قاده محمود أبو مرزوق وعبدالله صيام وهما من «قوات عين جالوت». والثاني الذي وقع في سنة 1983 في سياق الخلاف الفلسطيني ـ السوري غداة انشقاق مجموعة أبو موسى وأبو خالد العملة على حركة «فتح» وتلقيها الدعم من النظام السوري.
«قوات التحرير الشعبية»
تعتبر هذه القوات الجناح الفدائي لـ«جيش التحرير الفلسطيني» الذي أُعلن عن تأسيسه في شباط 1968 بعد تعاظم شأن المنظمات الفدائية ولا سيما حركة «فتح» و«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» و«جبهة التحرير الفلسطينية» (الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة في ما بعد) و«جبهة النضال الشعبي الفلسطيني». ويروي الكتاب، بمزيد من التفصيلات المهمة، قصة تأسيس هذه القوات ثم ضمورها وانحلالها لاحقًا، فقد كان لها في الأردن مجموعة من القواعد الفدائية في القطاع الأوسط بقيادة أحمد صرصور، وفي القطاع الشمالي بقيادة يحيى مرتجى، وفي الكرامة بقيادة نمر حجاج، علاوة على مركز تدريب في جرش بقيادة وليد أبو شعبان، ثم توالى على قيادته كل من فايز جراد وأحمد صرصور ومحمد رزق. والمعروف أن شهداء قوات التحرير الشعبية في معركة الكرامة وحدها بلغوا 33 شهيدًا.
معلومات النشر:
العنوان: جيش التحرير الفلسطيني وقوات التحرير الشعبية ودورهما في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي 1964-1973
تأليف:  العميد المتقاعد/ عبد الله محمود عياش
عدد الصفحات: 538 صفحة
تاريخ الصدور: الطبعة الأولى، 2014
السعر: 20 $
الناشر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات – بيروت

المصدر: صحيفة السفير

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد