صحافة إقليمية » أحمد رجب: رحيل الذي يستخرج النكتة من فك الأسد!


ahmadragab_300
محمد شعير

بعد تعيين أحمد رجب صحافيا فى مؤسسة &laqascii117o;أخبار اليوم"، كانت مهمته سكرتير تحرير الجريدة، يعمل مباشرة مع الأخوين علي ومصطفى أمين، فى تلك الفترة اعطاه علي أمين مقالا من 30 صفحة لكاتبة كبيرة، وطلب منه اختصاره، اختصر رجب الموضوع، ولكن أمين أعاده مرة أخرى، ليلخصه، وهكذا.. حتى أصبحت رزمة الأوراق مجرد عبارات قليلة، لكنها كاشفة وملخصة للموضوع الأكبر.. قال له أمين يومها: &laqascii117o;هذه هي الصحافة".. حيث التكثيف والعمق، والصياغة الفنية المستمدة من الموهبة والرؤية والنفاذ والبلاغة لتتواءم مع سرعة إيقاع العصر والقارئ المهموم، ليس بهدف الإضحاك، إنما الهدف الحقيقي أن يحقن القارئ بنكتة؛ بومضة مشرقة تضحكه ثم تنعش ذهنه ووطنيته.
&laqascii117o;نصف كلمة"
هكذا تمرن رجب على هذا النوع من الكتابة.. ليبدأ بكتابة بابه الشهير &laqascii117o;نصف كلمة" أشهر باب في الصحافة المصرية.. كتابة تضحك الناس، وتوجع قلوب المسؤولين، لم تكن &laqascii117o;نكتاً" أو لقطات كوميدية.. لكن كان &laqascii117o;ينقل بأمانة ما تفعله الحكومة"، بحسب قوله، معتبرا عمله أشبه بمن ينتقي &laqascii117o;الدودة والآفات من المجتمع".. من هنا اعتبره أنيس منصور &laqascii117o;أكبر ساخر في الصحافة العربية، يستخرج النكتة من أنياب الأسد".
هكذا، وجد أحمد رجب (المولود فى الإسكندرية عام 1928) والذي غيبه الموت أمس، بعد رحلة قصيرة مع المرض، اسلوبه الخاص، كتابة قصيرة مكثفة حادة، مهمتها &laqascii117o;تجريس" السلطة وفضحها.. وظل كذلك دائما، لأنه يدرك تماما ان الكتابة الباقية هي الكتابة الناقدة لا الكتابة المهادنة. ومن هنا أيضا لا يمكن اختصار رجب كونه كتب فى أيامه الأخيرة بعض المقالات القصيرة التي تؤيد السلطة، أو تنتقد ثورة الشعب المصري. رجب كان مؤمنا بما يفعل، لم يكن من طائفة الكتّاب &laqascii117o;القرود" القادرين على القفز والتنقل بين أشجار السلطة، ومدحها وتملقها بحثا عن مكسب خاص به. في السنوات الأخيرة من حكم مبارك، تعرض رجب للعديد من المضايقات التي ترك على اثرها كتابة &laqascii117o;نصف كلمة" في العدد الأسبوعي، بعد شكاوى الكثير من الوزراء لرئيس التحرير وقتها من أسلوبه اللاذع، وعندما تولى الإخوان حكم مصر، تعرض للعديد من المضايقات أيضا، وعرضت عليه إحدى الصحف الخاصة أن ينتقل إليها بالمبلغ الذي يريده.. لكنه رفض معللا ذلك بأنه عاش بين جدران &laqascii117o;أخبار اليوم"، مؤسسته، ويريد أن تخرج جنازته منها أيضا!
التوأم
وبالفعل سيرة حياته تلخص هذا العشق للكتابة الساخرة بين جدران هذه المؤسسة، فقد درس رجب مثل معظم أبناء جيله، القانون فى كلية الحقوق بالإسكندرية، ولكنه كان منشغلا أكثر بالصحافة، وتحرير مجلات الكلية، وتعرض للفصل أكثر من مرة بسبب مقالاته الساخرة في &laqascii117o;المجلة".. لم يمارس العمل في القانون على الإطلاق بعد ان انتهى من الدراسة، فقد التحق مباشرة بالعمل مع مصطفى وعلي أمين، وبعد عامين فقط من التحاقه بالصحافة أصبح رئيسا لتحرير مجلة &laqascii117o;الجيل" عام 1954. يرى رجب نفسه امتدادا لتراث المصري الفصيح، الذي يحمل مشكلات الناس إلى &laqascii117o;الحكومة" يوميا.. ففي فترات تدريبه الأولى كان مصطفى وعلي أمين يطلبان من المحررين التركيز على ما يقوله الناس، انطباعاتهم، ومشكلاتهم.. مثلا كان المحررون يصطحبون فى الجريدة عمالاً وبوابين الى السينما، ليكتبوا تعليقاتهم على ما يشاهدون من أفلام. وهكذا عرك أحمد رجب الحياة، فسخريته قائمة على قراءة للواقع الاجتماعي ونقده ما فيه بتأمل وحزن، ويستمد مقوماته من روح ساخرة وموهبة نادرة وثقافة عريضة وإسناد إلى تراث طويل للشعب المصري، وهو جزء أصيل من الوعي المصري والعربي، وكتاباته الواخزة المحمّلة بالحكمة والرؤية تبدو كأنها مواد دستور صاغها الضمير الجمعي للشعب.
فى عام 1972 وجد رجب توأمه الآخر مصطفى حسين، وهو رسام قادم من قلب اليسار المصري، اتفقا على أن يرسم مصطفى حسين، ويكتب أحمد رجب.. لقاء يومي ثابت.. يتناقشان في الكاريكاتير الجديد. كان اللقاء بين حسين ورجب لقاء ثابتاً لا يتغير، ولم ينقطع سوى فترة قليلة، عندما اختلف الاثنان الكاتب والرسام، وهي فترة شهدت أسوأ رسوم لمصطفى حسين على الإطلاق، فهو قادر على استخدام الريشة لكنه لم يكن قادراً على توليد الكوميديا من المواقف اليومية والحياتية، وهي المنطقة التي لا ينافس أحد فيها أحمد رجب. من أشهر الشخصيات التي ابتدعها الاثنان &laqascii117o;فلاح كفر الهنادوة" الرجل الأمي البسيط وريث الفلاح الفصيح الذي يلتقي كل أسبوع رئيس الحكومة ليقدم له النصيحة... عبد مشتاق (الحالم الأبدي بالسلطة التي لا تتحقق أبداً)، كمبورة (عضو المجلس النيابي الفاسد غالباً)، مطرب الأخبار (ذو الصوت المنفر لكنه رغم ذلك مستمر في الغناء)، عزيز بيه الأليط والحكيت (الفقير المعدم الذي يدخن سيجاراً مستعاراً من البيه ويتحدثان دائماً في شؤون وقضايا، وأكلات لم يسمع بها الكحيت)، عباس العرسة المنافق الأبدي أمام كل سلطة. والمفارقة أن رجب وحسين أدخلا الى المستشفى نفسه في التوقيت ذاته للعلاج، وقد خبأ الجميع خبر رحيل مصطفى حسين عن رجب الذي رحل أمس بدون أن يعرف خبر رحيل توأمه!
المصدر: صحيفة السفير

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد