أبحاث ودراسات » قانا أم كفركنا.. صنع في لبنان

صقر أبو فخر
كثير من اللبنانيين لديهم مَيل إلى إعادة كل أمر حسن إلى لبنان. والبعض ممن ضاقت مداركه وقصرت معارفه ما برح يردد أن إهدن هي &laqascii117o;إيدن" التوراتية، أي جنة عدن، وأن فلاحي قَرْطَبا اللبنانيين هم الذين أسسوا مدينة قُرطبة (كوردوبا) الأندلسية. وعندما فاز كارلوس منعم برئاسة الأرجنتين قالوا إنه لبناني، وتبين أنه سوري. وحين عُيِّن جون سنونو رئيساً لموظفي البيت الأبيض ذكروا، على الفور، أنه لبناني، وظهر أنه من أصل فلسطيني. واعتقد كثيرون أن المخرج العالمي إيليا كازان لبناني من آل قازان. وعلى هذا المنوال أجرت إحدى الصحف اللبنانية (الأنوار) تحقيقاً موسعاً في البترون عن أنطوني زيني قائد القوات الأميركية في العراق لاعتقادها أنه من آل الزعني اللبنانيين. وفي كتابه &laqascii117o;ظلال الأرز في وادي النيل" (بيروت: دار الفارابي 2009) لم يذكر الكاتب فارس يواكيم اسم عمر الشريف بين اللبنانيين المتمصرين كما هو شائع في لبنان، وكنت أعرف أن ميشال شلهوب أو عمر الشريف هو دمشقي وليس من زحلة. ومع ذلك سألت الصديق فارس يواكيم عن هذا الأمر، فضحك وقال لي إن بيتهم في الإسكندرية كان قريباً من منزل عمر الشريف، وكان عمر صديقه منذ الطفولة ودرسا معاً في إحدى المراحل، وهو يعرف تماماً، أن ميشال شلهوب دمشقي وليس زحلاوياً.
في ليلة الميلاد تبارى بعض الذين لا يؤخذ كلامهم على محمل العلم، في الحديث عن مغارة قانا، وأن المسيح أجرى معجزة تحويل الماء إلى خمر في ذلك المكان، وانتشت محطة NTV بهذه الرواية كأنها تكتشف أعجوبة جديدة. والحقيقة أن الأحافير الموجودة في هذه المغارة اكتُشفت في 20/7/1968، وبقيت في نطاق القرية والجوار لأن لا أحد اعتقد أن المسيح حضر عرس قانا في مغارة مثل هذه، وكان الجميع يعتقد أن قانا الجليل الواردة في الإنجيل هي &laqascii117o;كفركنا" اليوم في فلسطين. لكن، في 25/12/1993 أقام الأب مخايل عبود قداس الميلاد في هذه المغارة، وعلى الفور أراد البعض أن يبني كنيسة في المكان، فما كان من الشيخ جعفر بدر الدين الصائغ إلا أن رفض ذلك، وبادر في 31/12/1993 إلى وضع حجرين في المكان تمهيداً لبناء مسجد. وكادت الأمور تتدرج نحو فتنة طائفية. آنذاك سألت المطران جورج خضر، وكان ضيفنا في &laqascii117o;اللقاء الثقافي الفلسطيني" الذي أسسه الدكتور أنيس صايغ، عن هذه المسألة، فتضاحك وقال لي: يا ابني، بين الناصرة وكفركنا (أي قانا بحسب الإنجيل) مسيرة ساعة أو ساعتين. والسيدة مريم يمكنها أن تذهب على ظهر دابّة (حمارة) وتعود في اليوم نفسه بعد أن تُشارك في عرس قانا؛ أما لو أرادت مريم أن تأتي من الناصرة إلى قانا القريبة من صور فستستغرق الرحلة على ظهر الدابّة ثلاثة أيام في الذهاب وثلاثة في الإياب.
مهما يكن الأمر، فهذه الحكاية روّجها الأب يوسف يمين في كتابه &laqascii117o;المسيح ولد في لبنان لا في اليهودية" (إهدن، الجمعية الكونية، 1999)، وهو كتاب غايته تطويع العلم لخدمة الأيديولوجيا، ولا علاقة له بالعلم البتة، إذ لم يثبت علمياً أي صلة لهذه القرية المجاورة لصور بالمعجزة الواردة في الإنجيل. وحده يوسف يمين &laqascii117o;أفتى" بأن المسيح ومريم ويوسف وأهلهم وأقاربهم أصلهم من لبنان ومن قانا الجليل اللبنانية، وأن قبر جده يواكيم (عمران عند المسلمين) موجود إلى اليوم في لبنان في ضواحي قانا الجليل في مقام النبي عمران. وبالطبع لم يُثبت علم الآثار صحة هذا الادعاء، وكل ما في الأمر أن مزاراً للنبي جليل (عمران) موجود على إحدى تلال قرية قانا، فصارت قانا هذه قانا الجليل. ووجود هذا المزار لا يبرهن أن يواكيم جد المسيح هو من قانا. وعلى سبيل المثال، فإن قرية النبي أيلا في البقاع لا تعني أن النبي إيليا متحدر منها، وأن قرية النبي شيت هي مكان ولادة شيت. أما النقوش في مغارة قانا فقد وُجدت في مرحلة لاحقة، وهي محاكاة للقصة الإنجيلية، وعمر هذه النقوش لا يمتد كثيراً إلى الماضي.
المصدر: صحيفة السفير

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد