أبحاث ودراسات » كيف تحول الإعلام المصري إلى نقطة ضعف في مواجهة الإرهاب؟

 

sina2015a_300

 

د. صبحي عسيلة(*)
بينما كانت مصر تتعرض لموجة هي الأسوأ من العمليات الإرهابية بدأت باغتيال النائب العام في 29 يونيو 2015 مرورا بالتفجيرات التي شهدتها بعض المناطق في القاهرة ومحافظات أخرى في ذكرى ثورة 30 يونيو وانتهاء بما حدث من 'حالة حرب' خاضها الجيش في سيناء طيلة يوم الأربعاء الأول من يوليو 2015 ضد الجماعات الإرهابية المسلحة التي هاجمت عدة أهداف عسكرية بشكل متزامن وحاصرت قسم مدينة الشيخ زويد، بينما كان ذلك يحدث بدأ الإعلام المصري يجاهد للتخلص من آثار التخمة التي أصابته نتيجة المسلسلات والإعلانات الرمضانية، حيث تم استدعاء 'كتيبة' من الإعلاميين ومقدمي النشرات والبرامج الحوارية الليلية لتغطية الأحداث.
وهكذا بدا للرأي العام من التغيرات الحادثة على الشاشات أن ثمة أمر جلل يحدث في مصر. فمن جهة أطل نجوم 'التوك شو' بعد احتجاب الكثير منهم خلال شهر رمضان تخفيفا لجرعة السياسة التي يتعرض لها الرأي العام، ومن ناحية أخرى استجابت القنوات الفضائية الخاصة لخطوة التليفزيون المصري بإيقاف عرض المسلسلات يوم اغتيال النائب العام. ومن ثم، أزيلت في ذلك اليوم الحواجز بين الإعلام بمفهومه الإخباري/ السياسي والرأي العام مجددا. ولكن يبقى السؤال قائما؛ ماذا قدم الإعلام المصري وخاصة الفضائي والورقي في تلك الأزمة وهل كان مساندا للدولة في حربها ضد الإرهاب خلال الأيام الثلاثة الماضية؟    

الإعلام ومساندة الدولة
منذ العملية الإرهابية في 24 أكتوبر 2014 التي راح ضحيتها 33 مجندا في العريش خرجت الدعوات على الفور بضرورة أن يكون للإعلام دورا في مساندة الدولة في حربها ضد الإرهاب. فاجتمع أعضاء غرفة صناعة الإعلام المرئي والمسموع (التي تضم قنوات &laqascii117o;CBC، والنهار، والحياة، وONTV، والقاهرة والناس، ودريم، وصدى البلد، والمحور، والتحرير"، ويرأسها رجل الأعمال محمد الأمين، مالك قنوات CBC وصحيفة الوطن)، مع ممثلي اتحاد الإذاعة والتليفزيون بعد يوم واحد من تلك العملية، لبحث الدور الذي يرونه واجب على الإعلام المصري في الوقت الذي تحارب فيه الدولة الإرهاب.
وقد أعلنت الغرفة في بيان مشترك 'أن الإعلام المصري قادر على أن يرتفع إلى مستوى التحدي الذي يخوضه وطن يبني ويحارب، وأن هذا الإعلام سيعلي ضميره المهني والوطني، فمن حق ملايين المصريين أن يجدوا في وسائل إعلامهم الحقائق الموثقة والأخبار المدققة والآراء والمناقشات التي تفتح أمامهم آفاقًا جديدة في الفكر والعلم والاقتصاد والدين والفن والحياة التي يجب أن يشارك فيها كل صوت مصري وطني بعيدًا عن ادعاء البطولة الزائفة أو النفاق الرخيص أو الانتهازية أو إثارة نزاعات مختلفة أو تصفية الحسابات الشخصية والمصالح الضيقة والترخص في القول والفعل'.
وبعد ذلك بيوم أخر (26 أكتوبر 2014) اجتمع رؤساء تحرير أكبر الصحف القومية والخاصة في مقر حزب الوفد، لإعلان مساندتهم للحكومة ووضع إستراتيجية مشتركة للإعلام لدعم الدولة في حربها المعلنة على الإرهاب، وأعلن رؤساء تحرير الصحف وشخصيات إعلامية أخرى أن الدور الأساسي للإعلام في هذه المرحلة يجب أن يكون مساندة الدولة في حربها ضد الإرهاب، ويجب تقديم هذا الدور على أي اعتبارات أخرى. وكما هو واضح فإن الاجتماعين يشيران إلى رغبة الصحف والقنوات التليفزيونية في مساندة الدولة في حربها ضد الإرهاب، ولكن المشكلة الأساسية بقت في عدم توافر القدرة.
فالإعلام المصري (المرئي والمقروء) يعاني من الكثير من المشكلات الهيكلية التي تقف حائلا دون وضع رغبته في مساندة الدولة موضوع التنفيذ، وهو ما برز في عدة مؤشرات:
أولها، ضعف تأهيل وعدم اتصال أغلب المحررين العسكريين بالمصادر الأساسية للموضوع وهم المتحدث العسكري للقوات المسلحة وإدارة الشئون المعنوية ورئيس جبهة سيناء، بما يؤدي إلى إفادة المؤسسات الإعلامية بالأرقام الصحيحة ومسار 'الحرب العسكرية النظامية'.
ثانيها، غياب وجود همزات وصل بين عدد من مراسلي الصحف بأهالي سيناء بما يساعدهم على الارتباط بالحدث في لحظاته الأولى، مقارنة بقناة الجزيرة التي اصطحبت الجماعات الإرهابية في هجماتهم ضد قوات الجيش والشرطة، وقدمت صورا وأشكال توضيحية، وهو ما أكده بيان المتحدث العسكري في مساء الخميس الماضي.
ثالثها، النقل الأعمى عن وكالات أنباء عالمية مثل رويترز وقنوات فضائية أجنبية مثل سكاي نيوز دون التحقق من صحة مصدر أخبارها، بل تم التعامل معها من جانب بعض وسائل الإعلام المصرية المختلفة وكأنها 'الحقيقة' دون الانتظار أو البحث عن مصادر إعلامية أخرى.
ولعل الأحداث التي تلت هذين الاجتماعين تؤكد تلك النتيجة، حيث ظل أداء الإعلام المصري في كل الأحداث التالية كما هو دونما تطور ودونما قدرة على تقديم الدعم المطلوب للمؤسسة الأمنية (الجيش والشرطة) في مواجهة الإرهاب، بيد أن الفشل الإعلامي اتضح بما لا يدع مجالا للشك خلال الحرب التي شهدتها سيناء في الأول من يوليو 2015.

جبهة حرب أخرى
تواجه مصر حربا إعلامية حقيقية لا تقل ضراوة عن الحرب العسكرية الممثلة في مواجهة الإرهاب. وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى ما قاله وزير الدفاع الأمريكي 'دونالد رامسفيلد' في عام 2006 في تعقيبه على الحرب الأمريكية على الإرهاب: 'في الحروب الكبيرة (تعليقا على حرب العراق وأفغانستان) لا تجري المعارك الأكثر دقة بالضرورة في جبال أفغانستان أو الشوارع العراقية بل في مكاتب التحرير في مدن مثل نيويورك ولندن والقاهرة وغيرها، وأنه لابد من إنشاء مؤسسات جديدة لشن هذه الحرب الإعلامية الجديدة'.
وفي الواقع فإن النجاح في مواجهة الحرب الإعلامية التي تتعرض لها مصر مرهون أولا بإدراك النظام بأهمية الإعلام وأهمية دوره في مواجهة الحرب التي تواجهها مصر، وثانيا بقدرة الإعلاميين وأهليتهم للقيام بدورهم الذي تفرضه عليهم المرحلة الراهنة. وفيما يتعلق بالأمر الأول يبدو واضحا أن ثمة إدراكا وتعويلا من النظام على الإعلام. إذ أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي في أكثر من مناسبة على إدراكه لأهمية دور الإعلام في مواجهة التحديات التي تواجهها مصر، حيث قال للصحفيين في أحد لقاءاته المتعددة بهم ' أنتم لكم دور كبير في تشكيل الوعي، في الحرب التي نخوضها'. مضيفا 'أن دور الإعلام في المرحلة الراهنة هو دور 'حاكم جدًا، وهو القادر على استعادة اصطفاف المصريين، بعد الاستقطاب الكبير الذي حدث في المجتمع'. بل إنه قال خلال حديثه فى احتفال بدء حفر قناة السويس الجديدة أن 'عبد الناصر كان محظوظا لأن الإعلام كان وراه'.
ويتضح من خلال متابعة الإعلام المصري خلال الأزمة الأخيرة أن الإعلام المصري لم يكتف بفشله في تقديم المساندة والدعم للدولة في حربها ضد الإرهاب، ولم يكتف بفشله في تقديم نموذج للإعلام أثناء الحروب، ولم يكتف بضعف قدرته على الارتقاء لمستوى الحدث كما نادى القائمون عليه من قبل، حيث ضعف مستوى العاملين به سواء كانوا مراسلين أو مقدمي برامج. فالمراسلون غير مؤهلين لتغطية الأحداث الساخنة كتلك التي تدور في ساحة الحروب وليس لهم أي تواجد على الأرض في المناطق التي تشهد اشتباكات، إضافة إلى ضعف الإمكانيات المادية التي تحول دون تزويدهم بأحدث التقنيات أو حتى التأمين عليهم في حالة الوفاة أو الإصابة.
ومن ثم، تركت الساحة لوسائل الإعلام ووكالات الأنباء العالمية التي أصبحت هي المصدر الرئيس للمعلومات للإعلام المصري في ظل ضعف التواصل بين غرفة العمليات بالقوات المسلحة ووسائل الإعلام. وقد ساهم تضارب الأنباء ومبالغة القنوات المعادية للدولة المصرية في عدد ضحايا القوات المسلحة في إحداث نوع من 'البلبلة' لدى الرأي العام خاصة أنه القنوات المصرية نفسها أذاعت نفس الأخبار وعدد الضحايا، بينما خرج البيان الرسمي في نهاية يوم العمليات ليؤكد أن ضحايا القوات المسلحة هم 17 شهيدا و13 مصابا.
لم يكتف الإعلام بذلك بل تحول إلى ساحة أخرى للحرب ضد القوات المسلحة في حربها ضد الإرهاب، وبات على القوات المسلحة أن تخوض الحربين في أن واحد، حيث قال العميد محمد سمير المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة لبرنامج 'على مسئوليتي' المذاع على فضائية 'صدى البلد' في 1 يوليو الجاري 'إن مصر خاضت اليوم حربين، أحدها حرب من وسائل الإعلام بما فيها وسائل الإعلام المصرية، بعدما وقعت في الفخ، سايرت المواقع الأجنبية في نشر أعداد مغلوطة لأعداد شهداء القوات المسلحة، مؤكدًا أن الصحف الأجنبية، تعمدت نشر تلك الأرقام؛ لبث الإحباط وخفض الروح المعنوية لدى الشعب المصري'، مناشدًا وسائل الإعلام بالانتظار حتى سماع البيانات العسكرية خلال الفترة المقبلة.
وقد أثار نشر أرقام متضاربة ومبالغ فيها لأعداد الضحايا من جانب القوات المسلحة الكثير من الجدل والتخوفات بشأن ما يحدث وساعدت الماكينة الإعلامية للإرهابيين والقنوات المعادية في النيل من الروح المعنوية ليس فقط لأفراد القوات المسلحة بل من لقطاعات واسعة من الرأي العام المصري. أما الحرب الثانية فهي بالطبع الحرب ضد الإرهابيين على الأرض.

نقطة ضعف
باختصار، فإنه مع الاعتراف بأهمية الدور الذي لعبه ويلعبه الإعلام في الأزمات التي تتعرض لها الدولة المصرية، فإن الإعلام المصري ما زال حتى الأن دون مستوى تحدي الحرب الذي تواجه مصر سواء على الأرض أو عبر الشاشات والصحف. ولعل متابعة أو مراجعة الأداء الإعلام الأمريكي بعد أحداث ١١ سبتمبر والإعلام الفرنسي عقب الهجوم علي مجلة 'تشارلي إيبدو' تكون مفيدة لعمل الإعلام في مثل أزمات هكذا. إذ بدا الإعلام في الدولتين في تغطيته لتلك الأحداث متخليا عن كل الاعتبارات المهنية الصحفية ومساندا لموقف الدولة وما تتخذه من إجراءات. فالإعلام الحقيقي يمثل حجر الزاوية لكسب أي معركة خاصة في العقود الأخيرة في ظل التطور الذي تشهده وسائل الإعلام وقدرتها على الانتشار، ولكنه في ذات الوقت قد يتحول ليكون حلقة رخوة أو نقطة ضعف، بل وربما خنجرا في خاصرة الدولة ما لم يكن قادرا ومؤهلا للقيام بما يجب عليه القيام به في وقت ما.
(*) باحث أول مشارك متخصص في شئون الرأي العام والإعلام
المصدر: المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد