صحافة دولية » فِرَق من الاتحاد الأوروبي لدحض الدعاية ضده في الإعلام الروسي

صوفيا - محمد خلف

مع احتدام الصراع السياسي بين روسيا والولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين، يرتفع منسوب المواجهات الإعلامية بين الجانبين الذي تتميز فيه حتى الآن روسيا التي تنجح في حملاتها الدعائية ضد اوروبا في دول اوروبا الشرقية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وتعود الإنجازات الروسية في هذا المجال الى وجود نفوذ مزمن لروسيا في الفئات الاجتماعية المتقدمة عمرياً والتي ارتبطت عضوياً بالأحزاب الشيوعية التي بدلت جلدها وتبنت نظريات الاشتراكية الديموقراطية واتخذت اسماء جديدة، لكن من دون ان تتخلى كلياً عن الذهنية الشيوعية والولاء لروسيا التي ساهمت في خلق طابور جديد نسجته من تحالفات غير مقدسة بين قادة الحزب الشيوعي المنحل، وعصابات المافيا التي استغلت الفوضى الشاملة بعد انهيار المنظومة الشيوعية وما تبعه من انهيار للكيان المؤسساتي للدولة، إضافة الى ما وفرته لها من مفاصل مكنتها من نهب ثروات الدولة وخصخصة مؤسساتها والاستحواذ غير المشروع على ممتلكاتها العامة بحيث اضحت المتحكمة في مصير البلاد والعباد على رغم مرور اكثر من عقدين ونصف عقد على حركة التغييرات الديموقراطية.

بعد ربع قرن على سقوط جدار برلين يتواصل التنافس بين الغرب وروسيا على مناطق النفوذ في بلدان اوروبا الشرقية ودول منطقة البلقان المضطربة بالنزاعات الدينية والعرقية والسياسية. ويشير تقرير نشرته &laqascii117o;لو نوفيل أوبسرفاتور" الفرنسية بعنوان &laqascii117o;اللعبة الكبرى لروسيا والغرب في البلقان"، الى ان موسكو تراهن على روابطها التاريخية مع شعوب المنطقة الأرثوذكسية وتطلق نداءات الأخوة &laqascii117o;السلافية" لتعزيز مصالحها الاقتصادية والسياسية.

وتبقى بلغاريا التي وصفها سفير روسيا في بروكسيل فلاديمير تشيجوف بأنها &laqascii117o;حصان طروادة روسي في الاتحاد الأوروبي"، بمثابة الدولة الأولى في الرعاية والاهتمام ومركز للصراع والتنافس بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وواشنطن وبروكسيل.

والعلامة الفاقعة التي تكشف تركيز روسيا على بلغاريا تتمثل في اهتمامها بتقوية نفوذها في مؤسساتها الإعلامية وفي رشوة مالكيها وشراء ذمم المزيد من الصحافيين للترويج لسياساتها ومواقفها والدفاع عن مصالحها القومية، وهي تنفق لتحقيق اهدافها هذه 10 ملايين يورو سنوياً وفق بيانات نشرتها الصحيفة الفرنسية.

يملك الكرملين نفوذاً مماثلاً في البلدان الأخرى في المنطقة، ولا تخفي موسكو نشاطاتها الرامية لوضع يدها على اكبر المؤسسات الإعلامية في هذه البلدان، وتوجيهها لخـــدمة مصالح روسيا السياسية والاقتصادية، ومحاربة الغرب وتقويض العلاقات بين مجتمعات هذه الدول والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

وتقوم روسيا لهذا الغرض بتمويل العشرات من المواقع الإلكترونية باللغات المحلية لهذه البلدان بلغات اجنبية انكليزية وفرنسية وألمانية وغيرها وتضع يدها على محطات التلفزيون والإذاعات عبر دفع مبالغ باهظة للاستحواذ على ملكيتها. وفي هذا الإطار أطلقت روسيا قناة تلفزيونية ارثوذكسية على الإنترنت موجهة لشعوب صربيا وتشيخيا وبلغاريا واليونان.

طاقم الحرب الإعلامية

المواجهة الإعلامية بين الاتحاد الأوروبي وروسيا اضحت حامية مع قرار بروكسيل تشكيل طاقم خاص يتولى عملية دحض الأكاذيب التي تطلقها ابواق الدعاية الروسية امام جمهور متلقيها من الناطقين باللغة الروسية في اوروبا والعالم، وتقديم الدعم لوسائل الإعلام المستقلة في الفيديرالية الروسية.

ويتكون الطاقم من عشرة من الاختصاصيين وخبراء الميديا والاتصالات والدعاية السياسية، تشاركهم مجموعة من الموظفين الذين يتحدثون الروسية، ويتخذ هذا الطاقم مقراً له في الدائرة الديبلوماسية للاتحاد الأوروبي في بروكسيل. وأبلغ مصدر ديبلوماسي في ممثلية المفوضية الأوروبية في صوفيا &laqascii117o;الحياة" ان هذا المشروع الذي ليس له موازنة محددة حتى الآن، وافقت على تأسيسه الدول الـ 28 الأعضاء بعد ضغوط شديدة مارستها حكومات دول الاتحاد السوفياتي السابق التي نالت عضوية الأوروبي لقلقها البالغ من احتمالات قيام روسيا بتحريض أقلياتها الناطقة بالروسية على تبني نزعات انفصالية، مثلما فعلت في المناطق الشرقية من اوكرانيا.

وتروّج وسائل الإعلام الروسية لأفكار وطروحات تستند الى معلومات مفبركة وافتراءات صيغت في دوائر الاستخبارات الروسية، تصف النزاع الأوكراني الذي سقط فيه حتى الآن أكثر من 6800 قتيل في فترة 16 شهراً بأنه مقاومة للعنف الذي تمارسه ضد الأقلية الناطقة بالروسية في الأجزاء الشرقية من البلاد، الحكومة الأوكرانية &laqascii117o;الفاشية". ووفقاً للديبلوماسي الأوروبي فإن الهدف من وراء هذه العملية &laqascii117o;ليس شن حرب دعائية على موسكو، بل الرد عند الضرورة على حملات التشوية والتحريف التي تديرها روسيا ضد الاتحاد الأوروبي".

ويتضح من محتوى البرنامج الذي وضعته المفوضية الأوروبية وأناطت بالطاقم الإعلامي تنفيذه، ان القصد منه هو رصد ما ينشر ويبث في روسيا والدول التي فيها اقليات ناطقة بالروسية من معلومات ومن ثم الرد عليها بأسرع ما يمكن وباللغة الروسية في المواقع الإلكترونية وعبر وسائل الاتصال الاجتماعي وحسابات الشخصيات الأوروبية الرسمية في هذه المواقع وغيرها، بطريقة تسلط الأضواء على السياسات والقيم الحقيقية للاتحاد الأوروبي.

ويسعى الاتحاد الأوروبي الى تعزيز حضوره في وسائل الإعلام الروسية المختلفة، بصورة توفر ما يكفي من الحوافز التي من شأنها ان تدفع مسؤولي اوروبا الكبار ومن مستويات اخرى متعددة الى اجراء الكثير من المقابلات الصحافية، والإسراع في التدخل ومعالجة القضايا المطروحة والمثيرة للنقاش التي توجب اتخاذ الإجراءات الحاسمة. وأوكلت المفوضية إلى هذا الطاقم مهمة ايجاد الطرق والأساليب الفعالة، وفي اطار القوانين و التشريعات المعمول بها في روسيا، لتقديم الدعم الى وسائل الإعلام الروسية المستقلة.

وكانت لاتفيا اوقفت في نيسان (ابريل) الماضي ولفترة ثلاثة اشهر محطة PTP التلفزيونية التي تبث برامجها باللغة الروسية بعد ان وجهت الاتهام لمالكيها ومديريها بممارسة الدعاية من خلال بث برامج تصور مسار الحرب في اوكرانيا بصورة تخدم النظام الروسي. وورد في لائحة الاتهام التي تلاها قاضي التحقيق امام المحكمة أن المحطة &laqascii117o;تحرّض على استخدام العنف، ونشر أنباء و تعليقات لمصلحة الكرملين".

واقترحت ليتوانيا على الاتحاد الأوروبي أوائل العام درس مشروع أعدته يقضي بتأسيس محطة تلفزيونية ناطقة بالروسية تنافس في شكل مباشر القنوات الروسية في كل البلدان التي تبث فيها برامجها، لكن الاقتراح لم ينل موافقة كل الدول الأعضاء التي لا تخفي انقساماتها وخلافاتها حول سبل التعامل مع روسيا على خلفية تدخلها في الأزمة الأوكرانية.
المصدر: صحيفة الحياة

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد