تحقيقات » تدفّق الغزّيين عبر الحدود.. سيناريو الرعب الإسرائيلي!

جهاد أبو مصطفى
منذ اندلاع الهبّة الجماهيريّة الفلسطينيّة في وجه الاحتلال الإسرائيلي في الضفّة الغربيّة والقدس ومناطق الـ48 وقطاع غزّة، مطلع الشهر الحالي، ظلّت سلطات الاحتلال في حيرة من أمرها لجهة التعامل مع جبهة قطاع غزّة التي انضمّت إلى دائرة المواجهات. هُنا، طرح قادة الجيش الإسرائيلي سؤالاً: ماذا سيحدث لو نجح مئات الآلاف من الفلسطينيين بتجاوز السياج الحدودي شرق قطاع غزّة؟ وبعدما نجح الشبّان في ذلك، وجدت إسرائيل نفسها أمام سيناريو هو الأخطر بالنسبة إليها، وعليها التحضير لمواجهته.
خلال الأيام الماضية، نجح عشرات الشبّان الذين شاركوا في مسيرات حاشدة في قطاع غزّة تضامناً مع الجماهير المنتفضة في الضفة الغربيّة، في اقتحام السياج الحدودي الفاصل بين القطاع والأراضي المحتلّة، شرق مخيّم البريج، وسط قطاع غزّة، قبل أن يُجبرهم الاحتلال على العودة إلى غزّة تحت وابل من الرصاص الحي، فيما تمّ اعتقال أربعة من المُقتحمين الذين نجحوا في تحطيم السياج الحدودي واقتحامه، ورفع العلم الفلسطيني على أحد المواقع العسكريّة الإسرائيليّة.
إسرائيل اعتبرت هذا التطوّر المُتوقّع في المواجهات &laqascii117o;السيناريو الأسوأ" بالنسبة إلى إدارة المواجهات المندلعة ضدّها، من جهة حدود قطاع غزّة، بالقرب من المواقع والأبراج العسكريّة الإسرائيليّة المنتشرة على طول الحدود الشرقيّة والشماليّة للقطاع، خصوصاً أنَّ المنطقة تشهد حالة من التوتّر والمواجهات منذ أيّام. يوميا، يتظاهر الفلسطينيّون بالقرب من الحدود، ويرجمون الجنود والجيبات العسكريّة بالحجارة، وهو ما كان قد أسفر عن استشهاد ستّة فلسطينيين من قطاع غزّة، وإصابة العشرات، فيما لم تُسجّل أيّ إصابة في صفوف الإسرائيليين.
بالنسبة إلى الشبّان المُشاركين في التظاهرات، فهم يعتبرون محاولة تحطيم الحدود الإسرائيليّة، واقتحامها، ولو لأمتار قليلة، محل مفخرة وشجاعة، هذا من جانب. من جانب آخر، فإنّ غالبيّة هؤلاء الشبّان في ريعان الشباب، وناقمون من الأوضاع الاقتصاديّة المتردّية في قطاع غزّة، وقد نفروا إلى الحدود عند أوّل فرصة أتتهم؛ للتعبير عن غيظهم ومقتهم من الأوضاع التي لم يستطيعوا التعبير عنها في داخل غزَّة، وإفراغها في حكومة &laqascii117o;حماس" المُسيطرة على القطاع منذ أحداث صيف العام 2007، ليفرّغوا غضبهم في وجه المحتل الإسرائيلي، الذي يفرض حصاراً مُشدداً على قطاع غزّة منذ ثماني سنوات.
في كثير من الأحيان، هناك بعض المنطق في الجنون، على الأقل هكذا يُبرّر الشبان في غزّة اقترابهم لمسافات قريبة جداً من الحدود الشرقيّة للقطاع، وعلى مرمى بنادق جنود الاحتلال الإسرائيلي، غير آبهين برصاص القناصة، ولا قنابل الغاز السامة. تُرى، ماذا ينتظرون غير شعورهم بالفخر والشجاعة لتحطيم الحدود؟.. أحد المُشاركين في هذه التظاهرات، سألته: لماذا تُخاطر بحياتك وتقذف جنديا يختبئ وراء دبابة أو برج مُحصّن بحجر وأنت تعلم جيداً أنه لن يُصيبه، قالها بصراحة تامة: &laqascii117o;أنا جاي أتصاوب، وآخذ راتب جريح من السلطة!".
الشاب المتخرّج من كليّة الإدارة والاقتصاد، منذ عامين، ملّ من محاولات البحث عن فرصة عمل كريمة في قطاع غزّة، لذلك، لم يُلقِ بالاً لاحتماليّة استشهاده، لا إصابته كما يتوقّع، والحصول على راتب الجريح من السلطة الفلسطينيّة!
وبرغم محاولات أمن &laqascii117o;حماس" منع المُتظاهرين من الوصول إلى مسافات قريبة من الحدود، إلّا أنّ ذلك لم يمنع عشرات الشبان من انتظار مغيب الشمس، واقتحام بوابة موقع عسكري إسرائيلي شرق مُخيّم البريج قبل أيّام، من دون أيّ قلق.
الأكثر استهجاناً، أنَّ الشبّان هيأوا أنفسهم، وحملوا معهم مقصّات حديد، وتوجّهوا صوب البوابة الالكترونيّة من دون خوف، وحطّموها، ودخلوا الموقع الإسرائيلي لعدّة أمتار، قبل أن تُطلق قوات الاحتلال النار عليهم، وتعتقل أربعة منهم، لتُجبر البقيّة على العودة إلى قطاع غزّة، حاملين معهم أجزاء كبيرة من البوابة التي دمّروها إلى داخل المُخيّم. حملوها على &laqascii117o;تُكتُك"، ما جعل الجنود في حالة صدمة حقيقيّة من &laqascii117o;الجرأة المُفرطة" التي أظهرها الشبان أمام الدبابات والبنادق والمواقع والترسانة الإسرائيليّة!
إضافة لما سبــق، فــإنّ العديد من الشبان فــي غزّة حاولوا، خلال العــام الماضي، التسلُّل من القــطاع صوب الأراضي المحــتلّة، عبر الحدود الشرقيّة للقطاع، على أمل الوصول إلى الداخــل المحتل، وإيجاد فرصة عمل هناك، على غرار آبائهم الذين كانوا يعملون داخل إسرائيل قبل أن تمنعــهم الأخيرة وقــت اندلاع انتفاضة الأقصى. عددٌ كبير منهم نجح في ذلك، وعدد آخر اعتقله أمن &laqascii117o;حماس" على الحدود، وأُعــيد إلى قطاع غزّة. لذلك، يســتغلّ هؤلاء الشبّان، وغيرهم، حالة الفوضى التي تحدث على الحدود الشرقيّة للقطاع هذه الأيّام، على أمل الولــوج إلى الداخل المحتل، من دون أن يراهم الجنود المُنشغلون في التصدي للجماهير التي تتظاهر على الحدود يوميّا.
إلى ذلك، يرفض غالبيّة الفلسطينيين في قطاع غزّة تظاهر الشبان بالقرب من الحدود الشرقيّة والشماليّة للقطاع، وعلى مقربة من الأبراج والمواقع العسكريّة الإسرائيليّة، على اعتبار أنّهم يتظاهرون في أراضٍ زراعيّة مفتوحة، ما يمنح جنود الاحتلال فرصة للتلذذ في قنص المتظاهرين وقتلهم، عدا وقوع عشرات الإصابات، في وقت لا تستطيع سيارات الإسعاف الوصول إلى تلك المناطق، نظراً لخطورتها من جهة، ووعورتها من جهة أخرى.
وناشد العديد من المسؤولين والأكاديميين الشبان المتظاهرين بعدم التوجّه إلى حدود قطاع غزّة، والاكتفاء بالتظاهر في الأماكن العامة، وعدم المخاطرة بأرواحهم قرب خطوط التماس، لا سيّما أنَّها بعيدة جداً ومُحصّنة، ويعتبرها الاحتلال خطوطاً عسكريّة حمراء، ومناطق مُغلقة، ويراقبها بتوتّر شديد، في الوقت الذي يرجم فيه المتظاهرون فعليّاً كاميرات المُراقبة لا الجنود.
عمليّاً، فإن معادلة التظاهر بالقرب من خطوط التماس في قطاع غزّة تختلف تماماً عن الأوضاع في الضفة الغربيّة والقدس، فالجندي على حدود القطاع يقتل المتظاهرين بكلّ برودة أعصاب، ولا يُلقي له بالاً، لأنّه مُحصّن من الحجر الذي يقذفه الفلسطيني جيداً، وهو يعتريه الرعب في الوقت نفسه من أيّ اقتراب للمتظاهرين من الحدود، خوفاً من أن يحمل أحدهم حزاماً ناسفاً، أو أن يتسلّل أحد أفراد المقاومة، فتصبح هنا ردّة فعل الجنود عنيفة ودمويّة.
المصدر: صحيفة السفير

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد