تحقيقات » كلام الناس أم كلام السلطة؟

جويل بطرس
ست دقائق كانت المدّة التي خصّصها مرسال غانم لتلاوة مقدّمة حلقة &laqascii117o;كلام الناس" أمس الأوّل. كرّس الإعلامي المخضرم افتتاحيّة حلقته لوصف اللبنانيين بـ &laqascii117o;الغنم"، مستخدماً صيغة الـ &laqascii117o;نحن". &laqascii117o;وقفة التأمل" تلك كانت ضروريّة بالفعل، لو أنها أتت ممّن لم يرهن برنامجه طوال سنوات لخطاب السلطة.
قال غانم &laqascii117o;لو ما نكون غنم/ ما كانوا تجرأوا لا على استغبائنا، ولا على استحمارنا، ولا على استكرادنا". الرجل الساعي لاستنهاض الرأي العام وضخّ نبض الثورة في عروقه، حمّل رسالته مضموناً استعلائيّاً وعنصرياً منذ الجملة الأولى، موجّهاً إهانة للأكراد من حيث يدري أو لا يدري. فكلمة &laqascii117o;استكراد" مشتقة من كلمة &laqascii117o;كردي" ويستعملها اللبنانيون في معرض الإهانة. قد لا يعي الجميع أصل الكلمة ومعناها الفعلي، لكن من المستغرب أن ترد على لسان أحد أبرز مقدمي &laqascii117o;التوك شو" المفترض أن يعملوا على إلغاء بعض التوصيفات البشعة لا على إشاعتها وتكرارها.
لم تمضِ ساعات على بث الحلقة حتى أصدر غانم اعتذاراً على صفحة &laqascii117o;كلام الناس" على &laqascii117o;تويتر". &laqascii117o;عبارة استكراد فسرت بمعناها المرتبط بشعب أو إثنية، إنما استخدامها ليس بهذا السياق إطلاقاً". فات غانم أنّ هناك سياقاً ومعنى وتفسيراً واحداً للكلمة لا يتغيّر بحسب ظروف استعماله. أن تهين فئة لشتم فئة أخرى، يقع في خانة العنصرية. وتسويق التعابير العنصرية، وإن بغير قصد، لا تعدّ بداية حلقة موفقة لمقدم أراد أن &laqascii117o;يهزّ" الرأي العام.
&laqascii117o;لو ما نكون غنم ما كانوا..." ارتكز غانم على هذه اللازمة لإلقاء اللوم على الشعب اللبناني ووضعه في خانة المسؤول عن أخطاء السلطة الحاكمة. غاب عنه أنّ اللجوء إلى تشبيه الناس بالحيوانات، يشرّع التعرّض لهم، تماماً كما شرّع الإنسان لنفسه الحقّ بالتعرّض للحيوانات. وفات غانم أيضاً انه ساهم في مقدمته بجلد الضحيّة بدل محاكمة الجلّاد. ولوم الضحية &laqascii117o;فنّ" اشتهر به الإعلام اللبناني والجمهور على حدّ سواء. فالمرأة ملامة على عنف زوجها، والفقير ملام على فقره، والقتيل ملام على ظروف قتله. وطالما أنّ همّ غانم هو الناس، كان الأجدر به أن يتفادى التنميط السطحي، وألا يتجاهل نضال لبنانيين كثر، خرقوا الجدار، وصنعوا تغييراً ولو كان صغيراً.
تبسيط المفاهيم وتحميل اللبنانيين مسؤولية واقعهم لا ينتج خطاباً قادراً على استنهاض شعوب. فالرضوخ أمام الواقع لم يأتِ من عدم. انه تراكم لسنوات الحرب، لإعادة إنتاج السلطة عينها، لأوضاع اقتصادية واجتماعية متردية دفعت باللبناني للجوء إلى هذا النظام والاحتماء به. ولطالما وجد النظام في &laqascii117o;كلام الناس" حضن يرتمي فيه، عند كل منعطف. يذكر المشاهدون تماماً ظهور ميسرة سكر، رئيس مجلس إدارة شركة &laqascii117o;سوكلين" غداة اندلاع أزمة النفايات في تموز في العام 2015. أكثر من ساعتين خصصها غانم لضيفه لتلميع صورة الشركة المتهمة بالفساد في ملف النفايات، من دون أن يواجهه أي خبير أو ناشط. كما خصّص غانم حلقات عدّة لاستضافة تجّار بيروت، يبكون ما آلت إليه الأمور في أسواق المدينة بسبب المظاهرات المطلبية في الصيف. كما أنّ الوزير أكرم شهيب، المسؤول عن إدارة أزمة النفايات، حلّ ضيفاً أكثر من مرة في الأشهر الأخيرة على مرسال، لتسويق خططه وإقناع الناس بقبولها من دون مساءلة.
شكّل &laqascii117o;كلام الناس" في السنوات الأخيرة منبراً للعديد من مشاريع السلطة، وساهم في أكثر من مناسبة بتلميع صورة الحكام وبيعها للناس على أنّها أفضل المتوفّر. إذا كان هدف غانم من مقدمته إعلان ثورة على ذاته أولاً، وعلى السلطة الحاكمة ثانياً، فالأجدى أن يبدأ بتخصيص حلقات برنامجه للناس لا للسلطة. فطالما أن &laqascii117o;كلام الناس" هو في الواقع &laqascii117o;كلام السلطة"، سيكون من الصعب تقبّل عظته الأخيرة.
المصدر: صحيفة السفير

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد