ميديا راما » حرّيّة الإعلام العربي من بيروت: الرضوخ لسلطة الواقع

زينب سرور

مبادرة تأسيس آليّة إقليميّة خاصّة بدعم حرّيّة الإعلام في العالم العربيّ؟ الكلّ يُريد ذلك. ولكن في آليّة نشأة الآلية" كلامٌ كثير.
يسهل الحديث عن الحريات. حريةُ الإعلام جزءٌ منها. تُستقى التّجارب من الخارج. وتُسقط على الإعلام المحلي.
العالم العربي يتربّع على عرش التّسميات. أمس، ظهرت إلى السّطح مبادرة جديدة. محاولة استحداث رؤية جامعة للإعلام العربيّ. محاكاة وضعه. تفنيد واقعه. القول: إعلامُنا العربيّ بحاجة إلى مساحةٍ واسعة من الحرية. لا جديد في الكلام. الحرّيّة. فعلاً، إعلامُنا العربيّ بحاجة إلى تلك المساحة. ولكن أيّ إعلامٍ عربيّ. أو بالأحرى، أيّ عالمٍ عربيّ.
ليس صعباً على من يقرأ مُبادرة التّأسيس الخاصّة بحرية الإعلام في العالم العربي، التي استضافت حلقة حوار عنها &laqascii117o;الأونيسكو" أمس في بيروت، وضع الملاحظات.
أمس، وضعت مجموعةٌ من الصحافيين والمعنيّين بالمجال، على رأسهم &laqascii117o;الأونيسكو"، الرّؤية التأسيسية. خُصّصت ندوةٌ لمناقشة الانطلاقة. كان حاضراً رئيس &laqascii117o;المجلس الوطني للإعلام" عبد الهادي محفوظ، رئيس &laqascii117o;الاتّحاد الدولي للصّحافيين" جيم بوملحة، أمين سر &laqascii117o;نقابة المحررين اللبنانيين" جوزف قصيفي، منسق البرامج في مؤسسة &laqascii117o;سمير قصير" نسيم أبي غانم، مديرة &laqascii117o;دائرة حرية التعبير وتنمية الإعلام في الأونيسكو" سيلفي كودراي، مدير مؤسسة &laqascii117o;بكرة" يان كولين.
طالب المعنيّون الحكومات بالتّوقيع عليه. هو الإعلان غير المُلزم للحكومات العربيّة بأن توائم قوانينها كي تتلاءم مع بنوده. وغير المُلزمة كذلك للحكومات بأن توقّع أساساً عليه. وعلى الرّغم من تأكيد المنسق الإقليمي لـ &laqascii117o;الاتّحاد الدولي للصّحافيين" منير زعرور وجود &laqascii117o;التزام من قبل عددٍ من الدّول بالتّوقيع على الآليّة خلال شهر أيّار"، سيبقى &laqascii117o;الإعلام العربيّ" منتظراً كرم أخلاق حكوماته كي تفعل ذلك.
فلنتعمّق أكثر في التفاصيل، والثّغرات. مَن سيتولّى إنشاء الآليّة؟ تحت شرط &laqascii117o;ضمان الفعاليّة والاستقلال عن الجهات الحكوميّة"، الجواب الّذي طرحه المعنيّون هو، جهات أربع. &laqascii117o;جامعة الدّول العربيّة"، &laqascii117o;لجنة حقوق الإنسان العربية"، &laqascii117o;الشبكة العربية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان"، &laqascii117o;الاتحاد البرلماني العربي".
في عملية تعيين منصب المقرّر المعنيّ بحرية الإعلام في &laqascii117o;الوطن العربي" تمّت الاستعانة بتجربة &laqascii117o;الأمم المتّحدة المفيدة والبنّاءة، من خلال عملية تنافسية يستطيع فيها أي شخص ترشيح نفسه لهذا المنصب". هنا تمّ الاستناد إلى شيءٍ كهذا &laqascii117o;تتمتّع الآليّات المعنية بحرية التعبير التابعة للأمم المتحدة ومنظّمة الدول الأميركية ومنظّمة الأمن والتعاون في أوروبا بفترة أولية للولاية مدّتها ثلاث سنوات.. يجب الأخذ بعين الاعتبار تطبيق منهجيّة مماثلة بشأن مدّة الولاية ومعايير إعادة التعيين". في الشّكل، لا غبار على الأمر. ولكن إلى أيّ حدّ تستطيع هذه الآليّة تطبيق تجارب &laqascii117o;الخارج" الدّيموقراطيّة، ولو في التّفاصيل، على الأنظمة الداخلية؟.
وفي مسألة تحقيق الاستقلاليّة. رأى المنظّمون أنّ مسألة التّمويل هي الفيصل في حسم المسألة. اقترحوا إنشاء صندوق مستقلّ لدعم الآليّة. رأوا أنّ هذا الأمر من شأنه تحقيق الاستقلال. في مكانٍ آخر، طالب المعنيّون الحكومات بتمويل المؤسسة الإعلاميّة. مع التّأكيد على ضرورة أن لا يتمّ التّدخّل في شؤونها. حسناً، كيف يُمكن للتّمويل الحكوميّ أن يكون سبباً لانعدام الاستقلاليّة في مكان، وأن يكون قابلاً للخضوع للقوانين والتّطويع في مكانٍ آخر؟
ثمّ ما هو خطاب الكراهية الّذي يجب أن تتولّى الحكومة إيقافه؟ وكيف يُمكن مطالبتُها بعدم حجب أيّ موقعٍ على شبكة الانترنت ثمّ مطالبتها بإيقاف تلك الأنواع من الخطابات؟ كيف ستتعامل تلك الآليّة، في حال توقيعها، مع اعتبار الحكومة أنّ هذا الخطاب يصبّ في خانة الكراهية وذاك في خانة التّحريض؟
الحقوق مشروعة. ولكن كيفيّة تحقيقها هي المُعضلة. تحديد الهدف. البلد. هل النّظام المصري العسكري قابل لتقبّل أن تكون &laqascii117o;القوانين مدنيّة"؟ وإذا لم توقّع مصر على الآليّة، من يحمي الصّحافيّين المصريّين؟ ألا يتناقض ذلك مع مفهومي المساواة و &laqascii117o;العالم العربيّ"؟
مشكلة الآليّة أنّها غابت عن معالجة الأساسيّات. ما حصل أمس كان أشبه بشراء سيّارة من دون عجلات. صحافيّو العرب، أو فلنقل النّاطقون باللّغة العربيّة، بحاجة إلى حمايةٍ تتعدّى مسألة &laqascii117o;التواصل مع الدول المعنيّة". هؤلاء الصحافيون بحاجة إلى حماية من دولهم نفسها. ومن الدّويلات القابعة داخل الدّول. تيسير النجار، شيماء الصباغ، سمير كساب، إسحاق مختار، وغيرهم بحاجة إلى عملٍ جدّيّ.
ما لا يحتاج إلى نقاش، أنّ العالم العربيّ لم يعُد تلك الكُتلة الموحّدة. مصر، السّعوديّة، لبنان، الإمارات، المغرب، تونس، سوريا، البحرين، اليمن، العراق. لكلٍّ ثقافة، قوانين، أنظمة، خصوصيّات، فهم منفرد لمفاهيم الدّيموقراطيّة والعدالة. ولكلّ أيضاً أساليب متنوّعة. ما يُطبّق في لبنان يستحيل تطبيقه راهناً في مصر. وبين السّعوديّة والإمارات الواقع نفسه. الكلّ يستحقّ الحّرية، ولكن تلك الحرية الّتي يُمكن تطبيقها. صحافيو العرب لا يُريدون كلاماً في الهواء. يُريدون البدء من أرضيّةٍ ما. واحترام الاختلاف، والعمل على تطوير المجتمعات، خطوةً خطوة، نحو الأفضل، هو تلك الأرضيّة. عدا ذلك، كلامٌ لا تُبنى عليه الآمال.
هنا، دخل سؤال الصّحافيّ الزّميل نصري الصّايغ في العمق &laqascii117o;هل المجتمع العربيّ على استعدادٍ كي يستقبل حالة إعلاميّة سليمة"؟ &laqascii117o;هذا المجتمع يريد هذا الإعلام، ولا يُريد غيره".

المصدر: جريدة السفير

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد