تحقيقات » عيد الأم.. غصة لأمهات فلسطين

بتول سليمان

لأن وجعها مازال إلى الآن يمتد، لأن أنّتها تخطت حدود السجون الإسرائيلية إلى السماء، لأن أيامها أضحت متشابهة بفعل التنكيل والإحساس بالغياب والفراق، لأنها اللينة العنيفة .. الكاسرة المكسورة .. الطاهرة البريئة، لأنها كأمها فلسطين منكوبة مجاهدة صابرة، ولأنها شهيدة حيّة، فالعيد لا يكون إلا عيدها .. وبسمة العيد لا تليق إلا بها!

يطلّ عيد الأم خجلاً من نسرين، تلك الأم الفلسطينية التي تحكي فصلاً جديداً من حكاية المأساة والنضال. في أحياء غزة، منزل خفت نوره، أطفال سبعة وزوج مكسور سرقت منهم فرحتهم. فمنذ ستة أشهر اعتقل الاحتلال الإسرائيلي ربة المنزل نسرين أبو كميل التي اتُهمت من قبل العدو بتهمة تنظيم الشباب وتصوير مواقع إسرائيلية للمقاومة في غزة، حيث تم إستدعاؤها من قبل سلطات الاحتلال بحجة قبول طلبها بلم شملها مع عائلتها في حيفا، لكن ما كان ينتظرها هو إلقاء القبض عليها من دون إنذار مسبق أو حتى معرفة مسبقة بالتهمة.

عائلة 'أبو كميل' تفاجأت بالخبر وكذبت التهمة واعتبرتها ملفقة حسب قول معيل العائلة حازم أبو كميل الذي وجد نفسه فجأة أباً وأماً لسبعة أطفال أكبرهم يبلغ من العمر ١٦ عاماً وأصغرهم رضيع في عمر الثمانية أشهر.

أمّا أميرة ذات السنوات العشر، والفتاة الأكبر بين إخوانها، فقد وجدت نفسها صبية المنزل بعد أمها، فتركت طفولتها جانباً، وتخلّت عن مدرستها لتقوم بالأعمال المنزلية، وتنازلت عن حقوقها في اللعب واللهو للاهتمام بإخوتها لاسيما أخيها الأصغر.

 فكيف لفتاة في هذه السّن أن تحمل كل تلك المسؤولية الثقيلة التي وضعت على عاتقها؟ وكيف لعقلها فهم كل تلك الأحداث التي تدور من حولها؟

وذاك الرضيع الذي فطموه غصباً عن الحليب والحنان، من تراه يفهمه الواقع المرير؟ من تراه يسكت بكاءه المستمر وبحثه الدائم بين الزوايا والوجوه عن وجه أمه!

يكمل حازم بلهجته الفلسطينية 'الوضع صعب، ما في مين يعمل أكل وما في مصاري، وما عارف ايش اساوي، وما حدا بيسأل عنّا لا جمعيات خيرية ولا حتى حكومة أو بلدية، وأكثر من هيك البسطة لي بَبيع عليها وقفولي ياها البلدية وكيف منعيش والله ما بعرف'.

نسأل العائلة كيف ستقضي عيد الأم، يرد حازم بصوت تخنقه الدمعة 'أي عيد هذا؟! الأولاد كل يوم بيحطوا صورة أمهم وبيبكوا وما فينا نشوفها، وآخر مرة حكْيت من شهرين وما منعرف عنها إشي حالياً'.

ترى ما قيمة العيد من غير أُم، بمن يحتفلون، لمن يقدمون عربون المحبة والشُكر!

مصير نسرين سيبقى معلّقاً بيد سلطات الإحتلال حتى أواخر شهر أيار/ مايو المقبل، فإما يكون الإفراج وإما الإبقاء عليها أسيرة إلى أجل غير معروف. حازم تكبلت يداه،  فلم يجد سوى صرخة إنسانية يوجهها عبر الميادين نت لكل شخص لديه ضمير وأسرة عيال 'بقول إطلّعوا فينا، وللبلدية والحكومة بقول شوفوا حالتنا'.

آلاف الصرخات منذ 68 عاماً لم توقظ ضميراً نائماً، فهل هذه الصرخة توقظ النيام؟!

أمّا نسرين فماذا تراها فاعلة في يوم الأم؟ متحسرة على أطفالها وفراقهم، أم شاكية الجور الذي لحق بها وبعائلتها؟ أم ناعية عمراً سلب منها وحلماً لم يكتمل؟ أم مفترشة ذكرياتها مع خلّانها وبيدها صورة جمعتها يوماً مع بعضها وكلِّها!

 لك أنت يا أجمل الأمهات كل الحب، والإعتراف بالعطاء والصبر اللامحدود، ولجرحك الذي جعلتيه أغنية، ورتلتيه يوماً على مسامع طفل يشدّ على قماطه ويقول لأول مرة 'يا أمي' كل الاعتراف بالتقصير وسقوط الإنسانية.. أنت العيد وأنت شمعته!

المصدر: الميادين نت

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد