عين على العدو » إسرائيل توجّه صفعة أخرى للإدارة الأميركية

حلمي موسى

لا أحد يعلم جدياً إن كان تصعيد التوتر مع إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما من جانب وزارة الدفاع الإسرائيلية مقصوداً أم أنه واحدة من كبوات وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان الذي كان في الماضي بين أسباب توتير العلاقات الإسرائيلية مع تركيا ومصر. وربما أن البعض سيجد في مسارعة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى التنصل من تبعات البلاغ الذي أصدرته وزارة الدفاع تعقيباً على كلام الرئيس الأميركي باراك أوباما دلالة على أن الأمر كان من فعل ليبرمان. لكن ليس مؤكداً أن هذا هو الحال، خصوصاً إن أخذنا بالحسبان أن أوباما غمز من قناة نتنياهو وليس ليبرمان في خطابه في الذكرى السنوية الأولى لإبرام الاتفاق النووي مع إيران.
واستغرب كثيرون صدور مثل هذا البلاغ الذي شبه الاتفاق النووي الذي أبرمه أوباما وتصادم من أجله مع إسرائيل قبل أيام من موعد الاتفاق على المعونة العسكرية الأميركية لإسرائيل في العقد المقبل. وكان لافتاً أن البلاغ صدر مع عودة رئيس الأركان الجنرال غادي آيزنكوت إلى تل أبيب من زيارة عمل وصفت بأنها ناجحة لواشنطن حلّ خلالها ضيفاً على رئيس الأركان المشتركة للجيوش الأميركية ونال وساماً رفيع المستوى. وسارع العديد من المعلّقين الإسرائيليين لاعتبار البلاغ الإسرائيلي تعبيراً عن استمرار النزاع مع الإدارة الأميركية بشأن الاتفاق النووي. لكن ما أثار استغرابهم هو أن البلاغ صدر عن وزارة الدفاع التي لم يسبق لها أن أصدرت مواقف علنية بشأن الخلاف مع الإدارة الأميركية احتراماً للمعونة وللمساعدات الجمّة التي تتلقاها. وكان الخلاف بين إسرائيل وإدارة أوباما محصوراً بأشكال مختلفة برئيس الحكومة الإسرائيلية الذي لم يدّخر جهداً لتأجيج الصراع، كلما اقتضت حاجته لذلك. ولهذا بدا غريباً أن يصدر البلاغ باسم وزارة الدفاع في حين تهرع رئاسة الحكومة للتلطيف من حدته ومحاولة تقليص الأضرار ما أمكن. وكان بين ذلك المسارعة للتواصل مع السفير الأميركي في تل أبيب دان شابيرو والتأكيد له بأن الأمر لم يتم بتنسيق مع رئاسة الحكومة.
وفي كل حال ليس مستبعداً أن يكون ما جرى تأكيد على ما سبق لوزير الخارجية الأميركي الأشهر، هنري كيسنجر، أن ما قاله عن السياسة الخارجية الإسرائيلية بأنها غير موجودة وكل ما هو موجود سياسة داخلية. وهذا ما دفع معلّقين في البداية لاعتبار ردّ وزارة الدفاع الإسرائيلية على كلام الرئيس الأميركي نوعاً من إثبات سيادة وزارة الدفاع في المؤسسة الأمنية على حساب رئيس الأركان آيزنكوت. فآيزنكوت هو المشتبه في أنه قال كلاماً في محادثاته مع العسكريين الأميركيين شكل أساساً لكلام أوباما. وآيزنكوت لم يُخفِ هو وعدد من أعضاء هيئة أركانه، بمن فيهم رئيس شعبة الاستخبارات، اعتقاده ببعض فوائد الاتفاق النووي مع إيران. وكل ما أبدى آيزنكوت خشية منه هو أن تعود إيران بعد انتهاء سريان الاتفاق إلى التعجيل في مشروعها النووي وصولاً إلى امتلاك سلاح.
ورغم أن ليبرمان أدار حتى اليوم علاقاته مع الجيش بطريقة مقبولة ولم يتدخّل وبقي في دائرة التعلّم منهم ومحاولة مراكمة خبرة إلا أن موقفه بشأن رفض تدخل الجيش في السياسة معروف. وقد تكون حدّة ليبرمان في بلاغ وزارته، تعبيراً عن ضجره من استمرار اختلاف الجيش عن الحكومة في العديد من المواضيع. ومعروف أن الجيش الإسرائيلي يخالف الحكومة في العديد من القضايا وبينها العلاقات مع الإدارة الأميركية ومع السلطة الفلسطينية وحتى مع حكومة حماس في غزة. وهذا دفع البعض للاعتقاد بأن ليبرمان، من خلال الصراع مع الإدارة الأميركية، يريد الإيحاء للجيش أنه لا يخشى الصدام مع أحد.
ومن غير المستبعَد أن ليبرمان وجد في الخلاف مع أميركا وسيلة لمناكفة نتنياهو وإعلان رفضه لسياسة الخنوع التي صار يبديها في تعامله مع الاشتراطات الأميركية بشأن مذكرة التفهم حول المعونة العسكرية للعقد المقبل. وهناك صراعات زعامة قائمة بين نتنياهو وليبرمان وهي صراعات قادت الأول إلى محاولة احتواء الثاني. وإذا كان هذا التحليل صائباً فإن في بلاغ ليبرمان إشهاراً واضحاً من ليبرمان بأنه غير قابل للاحتواء وهو قادر في كل الظروف على أن يبقى نفسه من دون أي تطويع.
ولكن أيضاً لا يمكن استبعاد نظريات مؤامرة قد تكون بين نتنياهو وليبرمان يمكن من خلالها تمييع أي رد فعل أميركي على موقف إسرائيلي معلن ومعروف. فأوباما انتهج على الدوام خطاً يفصل بين إسرائيل وسياسييها وعمل طوال الوقت على تعزيز قدرات إسرائيل العسكرية أكثر من أي رئيس أميركي آخر. بل إن إسرائيل تجري في أواخر عهد أوباما مفاوضات لشراء سرب آخر من طائرات F35 الاستراتيجية.
كتب المعلق الأمني في &laqascii117o;معاريف"، يوسي ميلمان أنه &laqascii117o;عندما يلقي غبي حجراً في بئر، كما يقول المثل، فألف ذكي لن يتمكّن من إخراجه. هذا بالضبط ما يحصل منذ نشرت وزارة الدفاع أول أمس بيانها الذي أثار العاصفة". وفي نظره شبّه البلاغ أوباما بتشمبرلين، رئيس الحكومة البريطانية الذي وقع على اتفاق ميونخ في 1938 مع ادولف هلتر. وخلص إلى أنه &laqascii117o;يحتمل أنه لم يكن من الضروري لأوباما أن يقول ما قاله علناً. ولكن رد وزارة الدفاع تجاوز كل اتزان ومثله كالصفعة في وجه إدارة عاطفة وودودة لإسرائيل، إدارة يتبين لها كل مرة من جديد كم هي إسرائيل تتصرّف كمتسوّل ناكر للجميل لحليفه الأهم".
المصدر: جريدة السفير

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد