أخبار لبنان » فرنجيّه لبرّي : ماذا فعلتُ لحزب الله

جورج عبيد

طرح النائب سليمان فرنجيّة سؤالاً على الرئيس نبيه برّي خلال زيارته له الأسبوع الفائت: 'ماذا فعلت لحزب الله؟' معظم المراقبين ركّزوا في أسباب زيارة فرنجيّة لبرّي ولم يغوصوا البتّة في المضمون، وهو الجوهر.

من الطبيعيّ وبعد ورود تلك المعلومة من قلب اللقاء، أن تتمّ الإضاءة على هذه المسألة من ضمن قراءة نقديّة يجريها مراقب تلقّى تلك المعلومة وتفاعل معها ليس حبًّا بسائلها وهو وعلى المستوى الشخصيّ جدير بكل تقدير واحترام، ولكن حبًّا بالحقيقة المنشودة في كل انعطافة مشتهاة على كلّ المستويات.

وفي معرض الإضاءة المرجوّ أن تنبلج بوضوح لا بدّ من تساؤل يطرح هل طرح فرنجيّة على نفسه هذا السؤال قبل طرحه على أيّ كان من الشخصيات التي التقاها أو يلتقي بها وعلى رأسهم نبيه برّي، وكأنه شاء القول بلا إفصاح مباشر بماذا أسأت للحزب حتى يجافيني مجافاة موجعة، والسؤال الاستتباعي النقديّ لماذا شاء صاحبنا طرح هذا السؤال على الرئيس النبيه ولم يطرحه بصورة مباشرة على حزب الله سواء على أمينه العام السيد حسن نصرالله أو على المعنيين الاخرين، وقبل طرح السؤال على أيّ كان هل قام صاحبنا بقراءة نقديّة وشخصيّة سواءً بينه وبين نفسه، أو بينه وبين مجموعة من أصدقائه المنزّهين عن الأهواء والمصالح الضيّقة، تعينه على استنباط الأجوبة الدقيقة بالمعاني والعبر، يستطيع من خلالها فهم ما حصل معه وله وانعكاس ما حصل عليه بدءًا من ترشيحه من فريق خصم للمحور المكنون فيه، وقد قال غير مرّة بأنّه يحيا ضمن تلك الأنظومة الاستراتيجيّة الممدودة من فلسطين إلى إيران مرورًا بسوريا والعراق ويبلغ من بعد القراءة النقديّة إلى عملية تفييميّة تصوّب المسرى من جديد بعد اعوجاج كبير؟ وقد كان له ان يظهر نفسه مدافعًا عن هذا المحور مقاتلاً سياسيًّا فيه، ولم يدرك جواب أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في حينه له خلال لقائه معه، بأن ترشيحه من قبل الرئيس سعد الحريري هو معطى آخر، أي معطى مختلف عن المعطى الذي كان إليه، والتعامل معه يكون في استنباط الهدف أي المضمون بتحليل دقيق وفحص شديد ليبنى على الشيء المقتضى.

مجموعة أخطاء وبحسب بعض المراقبين تراكمت وأدّت إلى جفاء طريّ بعض الشيء وليس جفاءًا مطلقًا وقد أكّد سماحة السيد على طرواة الجفاء غير المعلن بصورة مباشرة بتأكيده على أن فرنجيّة حليف في سياق تأكيده على أنّ العماد ميشال عون مرشح استراتيجيّ للحزب. العناوين كثيرة منها ما استراتيجيّ بالجوهر ومنها ما هو محصور في إطار الشكل، وهي على النحو التالي:

1-الخطأ الأوّل ظهر في طريقة تقديم ترشيحه لرئاسة الجمهوريّة، من رشّح سليمان فرنجيّة للرئاسة جعله جزءًا من ذاتيته السياسيّة بأهدافها المعلنة وغير المعلنة في آفاق الصراع. فمن الأهداف الظاهرة والمنطقيّة وقد تمّت الإشارة إلى ذلك المراد الساكن في قلب الأهداف ألا وهو خلق نزاع بين طرفين مسيحيين كبيرين في هذا الفريق عينًا فيؤدّي ذلك إلى إضعاف ظهير المقاومة بتمزيق وشاحها المسيحيّ وتقزيم حدود شرعيتها مسيحيًّا، فيسهل، تاليًا، بحسب ظنّ المرشّحين بتقديم هذا المرشّح جزءًا من ذاتيتهم، وقضم المقاومة سياسيًّا وتجويف ترشيح العماد عون من المحتوى، وثبت في المحصّلة بطلان ذلك.

2-الخطأ الثاني وهو مكمّل للخطأ الأوّل، أن سليمان فرنجيّة ولو في الشكل، ولكنّ الشكل في حقيقته كاشف للمضمون. فعلى طاولة الحوار المنعقدة برئاسة نبيه برّي تقصّد فرنجيّة الجلوس بين الرئيس فؤاد السنيورة والوزير بطرس حرب، وليس بين النائب الحاج محمّد رعد والوزير جبران باسيل، ولو أنّه على خلاف مع الأخير. الجلوس في موقع وموضع له هويّته السياسيّة وأهدافه الجليّة، يؤكّد فعل التموضع بلا التباس ولا ينفيه على الإطلاق وإن حاول نفيه في اللفظ. السلوك هو الأساس واللفظ قد يكون محاولة للتعمية من التكتيك المعتمد في المعارك السياسيّة.

3-الخطأ الثالث المكمّل للخطأ الثاتي، أنّ مضمون ترشيح سليمان فرنجيّة انطلق من مقايضة فعليّة وواقعيّة بينه وبين الرئيس بشار الأسد. وهذا ما حاول تبيانه والتدليل عليه وزير الداخليّة نهاد المشنوق بالتدليل على المضمون السعوديّ للترشيح، والمقايضّة بحدّ ذاها ساذجة، فهي تقوم على أنّ سعد الحريري يقبل بترشيح فرنجيّة على أن يعود حزب الله من سوريا إلى لبنان. ما معنى أن يعود الحزب من سوريا إلى لبنان؟ معنى ذلك 'خلع' الرئيس بشار الأسد من سدّة الرئاسة السوريّة، وانتصار الإسلام السياسيّ بشقّه التكفيريّ-السوريّ-الخليجيّ والمغلّف بغلاف ليبراليّ-لبنانيّ، شفّاف. الخطورة في الأساس بأنّ سليمان فرنجيّة قبل بذلك، وفي خطابه السياسيّ المترافق مع ترشيحه وبخاصّة في حديث له مع الزميل مارسيل غانم ركّز في قضيّة النفايات وتزفيت الطرقات، وما ركّز في موضوع المواجهة الضارية في سوريا بين حليفه الاستراتيجيّ وأخيه بشار الأسد ودعم حزب الله له والقوى والمنظمات التكفيريّة. وقد تبيّن بانّ المواجهة في سوريا ماضية نحو أقصى درجات من الحسم لا سيّما في حلب، والرهان على انسحاب حزب الله من سوريا هشّ ومعطوب ولم يحظ باهتمام أحد، فماذا جنى فرنجيّة من ترشيحه بتلك الشروط الواضحة؟

4-الخطأ الرابع، خلال العشاء مع النائب وليد جنبلاط في كليمنصو، أنّه ظهر مدينًا لجنبلاط، ولو على حساب حلفه وأخوّته مع الأمير طلال أرسلان وحزب الله، والقياس المنطقيّ يقول بأنّه كان يجدر بسليمان فرنجيّة إمّا أن لا يطلق هذا التصريح بشكله ومضمونه أو أن يقوم بسعي يجعل العشاء ثلاثيًّا او رباعيًّا أي يشارك فيه الأمير طلال أرسلان وحزب الله.

5-الخطأ الخامس بأنّ سليمان فرنجيّة سمح بالسجال السابق بين السيدة فيرا يمين وبين الوزير السابق وئام وهّاب على خلفيّة دعم وئام ترشيح للعماد عون لرئاسة الجمهوريّة، مع تناس واضح من قبل الوزير فرنجيّة أنّه قال غير مرّة بأن الأولويّة تبقى للعماد عون قبل أن يغيّر موقفه من مضمون هذا الترشيح وأولويته، وتناسى أيضًا بأنّ وئام وهّاب وقف غير مرّة إلى جانب فرنجيّة معتبرًا بأنّه خطّ أحمر بصيغته الاستراتيجيّة ولا يمكن تجاوزه والقفز فوقه والعمل على تهشيمه وتهميشه، وكان وئام ناطقًا باسم قوى الثامن من آذار وبخاصّة معبّرًا عن رأي حزب الله أيضًا.

6-الخطأ السادس بأن سليمان فرنجيّة، وحتى تلك الساعة مصرّ على ترشيحه على الرغم من خطاب السيد الواضح، ولم يقدم على خطوة جوهريّة تسمح بتدوير زوايا الخلافات بينه بين حزب الله، فالحزب مصرّ على عدم التفريط به كحليف جديّ وجوهريّ، فهل يجاريه فرنجيّة بتنزله عن ترشيحه وهو المدرك بأنّ الحزب سيكون حتمًا سعيدًا بقراره إذ به يقلب الطاولة على الرؤوس ويعيد اللعبة السياسيّة إلى طبيعتها وقاعدتها.

7-الخطأ السابع: وهذا ما ياخذه الحزب بأنّ فرنجيّة خلال حقبة ترشيحه وفي مرحلتها الأولى، انتشرت صوره مع الرئيس سعد الحريري، وفي مقابلاته التلفزيونيّة لم يظهر صوره مع سيد المقاومة أو مع الرئيس بشار الأسد صديقه، كما لم يظهر صور جدّه المغفور له الرئيس سليمان فرنجيّة مع صديقه التاريخيّ الرئيس حافظ الأسد، بل تقصّد إظهار صورة جدّه مع الأمير خالد بن عبد العزيز، وإن كانا على صداقة تاريخيّة لكن إظهارها مرتبط بسياق الصراع بين المملكة وحزب الله، والصراع لا يزال في أوجه.

 وبعد، هذا ما فعله سليمان فرنحيّة لحزب الله، وبرأي مصادر من الحزب لم يفت الوقت لكي يقرأ سليمان فرنجيّة عناوين المرحلة المقبلة، فليقرأها بعمق، والأبواب مفتوحة أمامه فيدخل الدار ويبدأ عهد جدبد بالعلاقة معه، والحزب جاهز لتدوير الزوايا بينه وبين العماد ميشال عون وبينه وبين الرئيس بشار الأسد. العهد الجديد بدايته قرار حاسم يعبّر عن شهامة الرجل ومروؤته وفروسيّته ووفائه المعهود.
المصدر: جريدة الديار

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد