تحقيقات » مشاهد العنف تجتاح الوسائل الإعلامية والأطفال أولى ضحاياها

صحيفة اللواء
لارا السيد
من المتعارف عليه ان وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة تترك تأثيراً هاماً على مواقف الناس وسلوكهم فالصور والرسائل الاعلامية تشكل قوة اجتماعية وثقافية وسياسية، وهي قادرة على احداث تغييرات في المجتمع على اختلاف فئاته·
وفي خضم الاحداث التي يشهدها لبنان والتشرذم الحاصل بين ابنائه وعدم الاستقرار السياسي والامني وما يرافقها من اغتيالات وانفجارات وأعمال شغب، يترك التلفزيون والصور التي يبثها تأثيراً على الناس وبشكل خاص على الاطفال·
فبعدما كانت الاسرة والمدرسة والرفاق تلعب دورها في تنشئة الطفل، بات واضحاً الدور الذي تساهم به الصورة في تنمية سلوكه· فإلى اي مدى يتأثر الطفل بما يراه، وما هو الدور الذي يجب ان يلعبه الاهل والوسائل الاعلامية للتخفيف من الآثار السلبية التي تخلّفها مشاهد العنف على نفسية الاطفال·
رأي علم النفس
تشير الاخصائية في علم النفس ألفت منصور الى ان وسائل الاعلام تسعى جاهدة لنقل صورة الاحداث لحظة وقوعها بشكل مباشر من دون التنبّه لرؤية الاطفال لهذه المشاهد المؤثرة وما لها من انعكاسات على نفسيتهم، اضافة الى الخوف الذي سيزرع في داخلهم جرّاء ذلك مما سيؤدي الى اختلال في التوازن النفسي لديهم ويؤثر على مستقبل البلد فيما بعد لأنهم هم عماد الوطن·
وترى منصور ان ما يلفت النظر هو ان معظم الاطفال يتكلمون بلغة الطائفية والحرب والموت والاعتداءات التي يسمعونها ويشاهدونها على التلفاز، كما وأن تداول الاهل لما يحصل آمامهم يشجع الاطفال على التكلم في هذه المواضيع·
وتلفت الى ان ذلك يُظهر عدم إدراك الاهل لخطورة هذا الكلام والصور التي تزرع في نفوس الصغار·
وترى ان المسؤولية الكبرى تقع على الاهل، في تربية ابنائهم إذ يجب عليهم عدم السماح لأولادهم في رؤية مشاهد العنف التي تحصل وعدم التفوّه بكلام العنصرية داخل المنازل وتوجيه الاطفال نحو مشاهدة الرسوم المتحركة والافلام الوثائقية والمسرحيات وإبعادهم عن كل ما من شأنه ان يعلمهم بما يحصل من حولهم من مشاكل ومصاعب في البلد وتسليحهم بالعلم والمعرفة وحب الحياة والوطن مما يساعد على انشاء جيل بنّاء يدعم الوطن بروحه وعطائه'·
الاطفال
ويبدو ان الاطفال منغمسين في مشاهدة كل ما يحصل من حولهم من احداث·
' والدة حياة عبد العال (4 سنوات) تحاول ان تبعد ابنتها عن رؤية مشاهد العنف قدر الإمكان لأنها عندما ترى الدمار والجثث وتسمع الصراخ وصوت الاسعافات ترتجف وتبكي·
اما حياة فتقول: 'ما بحب الانفجارات لأنو العالم عم بتموت وبصير فيه دم ونار كتير، وأنا بس شوف هيك بخبي وجهي'·
' اما نوال عبد العال (7 سنوات) فتشير الى انها ورفيقاتها تلعب لعبة الجيش والمخرّبين الذين يقتلون الناس ويخربون بيوتهم، وتضيف: 'الجيش بيربح بالآخر متل ما بيصير عنجد ويضع المجرمين في السجن لأنهم لا يحبون لبنان'·
' ويبدي محمد دياب (11 سنة) حزنه على كل الناس التي تستشهد، لكنه يشير الى انه لا يخاف فالذين يقومون بهذه الاعمال يريدون ان نخضع لهم و'هنّي' (لم يقل من) ما بيحبوا لبنان يصير حلو'· ويقول: 'عطول الجيش بيربح، وان شاء الله سيضع الاشرار في السجن'· آما والدته فتشير الى انها تسمح له برؤية ما يحصل حتى يعرف ان هناك من لا يحب لبنان وحتى ينمو عنده الحس الوطني·
وتبدو رشا محمود (8 سنوات) متأثرة بما يحصل على الساحة السياسية 'إن شاء الله يموتوا يللي عم يعملوا انفجارات، انا ما بحبن لأنو عم يقتلوا الناس ويسكروا الطرقات'·
وتضيف: 'عم يعملوا هيك لأنو ما بحبوا لبنان، بس إنو أحلى شي إنو بس يصير انفجار ما بروح عالمدرسة'·
' ولدى رؤية احمد عبد العزيز (7 سنوات) 'خبر عاجل' على الشاشة يصرخ لوالدته ويقول: 'تعالي شو في شو صار مدري مين مات'· ويسأل: 'من هذا وليش قتلوه وهو مع مين'· ويتسمّّر امام الشاشة غير آبه بدرسه ويريد ان يعرف أين حصل وما هو عدد القتلى والجرحى ويعاود السؤال هل حصل شيء في المنطقة، وهل غداً يوم دراسي أم عطلة 'لأنو ما بيعود يفوت برأسه لا حفظ ولا درس وبس يعرف إنو ما فيه مدرسـة يفرح'·
اما شقيقه محمد عبد العزيز (9 سنوات) فيقول 'إعتدنا على الانفجارات، أنا ورفاقي نلعب لعبة الانفجارات يعني ان بعضنا يسعى لقتل الآخر من خلال رشاش او مسدس يحتوي على ماء بدلا من الرصاص، وفي الآخر يربح منفذ الهجــوم تماماً كما يحــصل في لبنان'· 'اللي ما بيحبو لبنان يفلّوا منو، بدنا نعيش مرتاحين ببلدنا'، الكلام لسعيد سليم (7 سنوات) الذي يريد ان يدخل الى الجيش عندما يكبر حتى يدافع عن الوطن ويقـتل الاشرار·
ويقول: 'انا ما بخاف من الانفجارات لأنو انا قوي لأنو بدي صير مع الجيش عندما أكبر'·
علم الاجتماع
ويعتبر استاذ علم الاجتماع في كلية الاعلام هاشم الحسيني ان العنف موجود في التلفزيون منذ نشوته لانه مشهد مثير ويجتذب المشاهدين وان كان الجذب من ناحية السلبية لأن الناس ترغب بأن ترى الأمور التي تكرهها والتي ربما لا تؤذيها·
ويلفت الى ان الاعلام يهتم بمشاهد العنف التي لها تأثيرات على الناس الذين يكونون غالباً غير حياديين·
ويشير الى ان التأثير يكون وفقاً لنسبة الاعمار، فالكبار يمكن ان يحتملوا هذه المشاهد لتآلفهم معها، بينما على مستوى الاطفال المواظبين على مشاهدة البرامج التلفزيونية يكون التأثير اكبر على مشاعرهم وعلى سلوكهم·
ويرى انه على وسائل الاعلام ان تتحاشى في برامجها مشاهد العنف في الاوقات التي تكون فيها نسبة مشاهدة الاطفال لها لأنهم يشعرون بالخوف الشديد عند رؤيتهم·
ويقول الحسيني ان القانون يبيح عرض المشاهد العنيفة بخلاف الامور الخلاعية وغيرها·· لذلك يجب على وسائل الاعلان ان تظهر الامور بصورة جزئية او تلطّف منها خصوصاً مع نشوء تلفزيون الواقع الذي يعرض الامور بشكل فاضح، لذلك فمن المستحسن اظهار الحقيقة دون تشويه ولكن ضمن حدود·
ويضيف: 'هنا تدخل الاخلاق الاعلامية والمهنية فعلى الوسيلة الاعلامية نقل الصورة والخبر ولكن بشكل يخفف عرض المشاهد التي تقزّز النفوس وتــخدش مشاعر الناس·

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد