تحقيقات » الخطاب السياسي في لبنان: تحريضي طائفي وغير آبه بوحدة الكيان ومصالح اللبنانيين

منبره الحوارات التلفزيونية وأهدافه تغيير عقول الأجيال الجديدة
صحيفة اللواء
نغم أسعد
بعد أن عجز السياسيون اللبنانيون عن إيجاد الحلول للمشاكل القديمة المستجدة على الساحة اللبنانية، احتكموا إلى الشارع اللبناني لإثارة غرائزه وعصبياته من خلال خطاب سياسي تحريضي تخويني فإتخذت معظم الفئات اللبنانية حالات غرائزية مستثارة سياسياً لابسة لبوس السلبية والتدمير·
الخطاب السياسي السائد اليوم يعبّر عن مأزق أصحابه ورؤاهم، كما يعبّر عن جزء من المأزق الوطني العام· فمن يريد البناء السياسي لا يلجأ إطلاقاً إلى لغة السباب والشتائم التي يلجأ إليها البعض، فتسيء إلى المواطن ووسيلة الاعلام وصاحبها، بالإضافة إلى ضررها الأكيد في إشعال الشارع البسيط وتفجر عصبياته· ولهذا كله تحصل 'اشتباكات' لا يستفيد منها سوى الخارج ومصالحه·
تعابير 'القرد'، 'الطلاق'، 'من تحت زنّاري'، 'وسرمايتي سوا'، 'الأفعى'، 'كشتبنجي' و'أنصاف الرجال' كلمات كثيرة صارت جزءاً من لغة جزء واسع من السياسيين اللبنانيين، وهي لغة تلعب بعض وسائل الاعلام المرئي دور ترويجها سواء أرادت ذلك أم لم ترد، دون الأخذ في الاعتبار مصلحة الوطن والمواطنين، والقواعد الأخلاقية الصحيحة والصحية للتخاطب، ومدى إنعكاس ذلك على 'شوارع' تئن تحت وطأة الأزمات المعيشية والوطنية وفقدان الأمل·
'اللــــــواء' حملت قضية مستوى الخطاب السياسي الدارج وتأثيره السلبي على لبنان والمواطنين وخروجه عن المألوف وطرحتها على السادة:
نقيب الصحافة محمد البعلبكي، والباحث الاقتصادي زياد الحافظ، والفنان غازي قهوجي، والصحافيين سعد محيو، جورج علم ونهاد حشيشو وعالمي الاجتماع عايدة الجوهري وانطوان مسرّة والأستاذ رشيد القاضي·
وهنا التحقيق:

baalbaki_150البعلبكي: خطاب يندى له الجبين
وصف نقيب الصحافة محمد البعلبكي الخطاب السياسي بالأمر الذي يندى له الجبين وبأنه جديد على الساحة، إذ لم يشهد لبنان مثله منذ الإستقلال· وإعتبر ان هذه المرحلة جديدة من حيث تجاوز ما يمكن تسميته بـ 'الخطوط الحمر' في الخطاب السياسي·
ولفت النقيب البعلبكي أن لبنان شهد طوال المراحل الماضية نزاعات وخلافات وصدامات سياسية، لكن الخطاب السياسي بقي محافظاً على الحد الأدنى من الرقي والتهذيب السياسي·
وأضاف أن ما نسمعه اليوم من تصريحات عدد من رجال السياسة تتولى وسائل الاعلام نقلها انطلاقاً من واجبها إذ أنها ليست مسؤولة عما يصرح به هذا السياسي أو ذاك· واعتبر أن مهمة وسائل الاعلام ان تنقل صورة صادقة عن الواقع وتبصير الرأي العام بما يجري في الحياة السياسية، لذلك لا يمكن أن تلام وسائل الاعلام بنقل الخبر كما هو إذا ما تثبت من صحته·
وأردف انه إذا كان هناك من لوم على وسائل الاعلام على اختلافها فهو يتناول ما يعتري موضوع 'إبداء الرأي' من تحريف للوقائع ليبنى على هذا التحريف مقتضاه من الموقف السياسي· وهذا أمر لم نعهده في المراحل السابقة وهو يهدد بتفاقم الأوضاع السياسية بدل أن يساعد في تهدئة الأجواء وصولاً إلى الحل المنشود·
وتابع: إن هذا التوجه إلى التصعيد والشتائم والتحديات والتخوين لا يساعد في الوصول إلى حل للأزمة القائمة· ولفت إلى أن ما نشهده من اشتباكات في الشارع ناجم عن الوضع المتأزم اضافة إلى ان هناك خوفاً من الآتي، إذ كما يقول الشاعر: 'ومعظم الشر من مستصغر الشرر'·
وتمنى على السياسيين ووسائل الإعلام الالتزام بأصول الحوار الراقي· وإذا كان كل طرف متمسكاً برأيه ويجزم أن رأيه وحده هو الصواب فهذا سيؤدي إلى اصطدام·
وينشب عنه تفتق في وحدة المجتمع ما يشكل خطراً على مستقبل المجتمع ومصالحه لأن الأذى عندها سيعم ويشمل كل الناس دون استثناء· وختم البعلبكي كلامه بالتوجه إلى السياسيين قائلاً: كفاكم نزاعاً، لن يؤدي إلى نتيجة ايجابية لخير لبنان واللبنانيين وأتمنى علكيم جميعاً ممارسة واجبكم بغير أسلوب 'المكر'· هذا المكر عواقبه وخيمة، وهنا لا اتحدث عن فريق دون الآخر، كفاكم مكراً بعضكم ببعض، لأن هذا الأسلوب لن يفيد لبنان ولا اللبنانيين وستكون له عواقب وخيمة جداً ليس فقط على لبنان واللبنانيين بل على هذه القيادات السياسية نفسها·
محفوظ: مواطنون في طوائف
mahfoascii117z_150لفت رئيس المجلس الوطني للاعلام، عبد الهادي محفوظ إلى أنه ما كان يمكن للتحريض الطائفي ان يخدم الأجندة الأميركية - الإسرائيلية كما تستنتجون لو كان المجتمع اللبناني متماسكاً ولو كان هناك تغليب لأن نكون مواطنين في وطن لا مواطنين في طوائف· فالمشكلة في الأساس هي في النظام الطائفي والمجتمع السياسي يعيد انتاج الطائفية في حروب متجددة حفاظاً على مصالح امراء الطوائف·
وأضاف أنه لا شك أن الخطاب السياسي الحالي هو خطاب قطيعة بين الموالاة والمعارضة· ومثل هذا الخطاب يتم تظهيره في الاعلام عبر اثارة الغرائز الطوائفية وثقافة الخلاف· ولعل هذه الحقيقة هي التي دفعت الإمام موسى الصدر في السبعينات إلى الاستنتاج المبكر بأن الفتنة الأهلية هي أشد خطراً من العدو الإسرائيلي· ففي المواجهة مع العدو يتوحد اللبنانيون اما في الفتنة فيقتلون ويجلبون 'الحالة الإسرائيلية' إلى الداخل اللبناني·
وإستطرد تجنب الاثارة الطوائفية والدعوة إلى العنف في المجتمع أمور ينص عليها القانون المرئي والمسموع 94/382 ويعاقب عليها بايقاف المؤسسة المرئية لثلاثة أيام ولشهر وحتى انه يمكن للحكومة ان تسحب الترخيص الذي يعطى للمؤسسة بشرط احترام القانون والدستور والسلم الأهلي والالتزام بالموضوعية والشفافية· ولكن المشكلة في الأساس ان التراخيص وزعت على أساس طوائفي خلافاً للقانون· ان مخالفة القانون 94/382 تأتي من جانب الدولة في اعطاء تراخيص للفضائيات بدون الرجوع إلى القانون المرئي والمسموع· وهذا ما يوسع من دائرة المخالفات في المجال الاعلامي·
وأشار إلى ان الرقابة على البرنامج والأخبار في المؤسسات المرئية والمسموعة تعود للمجلس الوطني· انما لا يملك المجلس مؤسسات رقابية يُفترض ان توضع بتصرفه من جانب الحكومة ووزارة الاعلام كما ينص على ذلك القانون المرئي· عدا عن انه ليس هناك إلى الآن هيئة بث إذاعي وتلفزيوني ينص عليها القانون· ومن هنا وفي ظل الانقسام السياسي والطوائفي الحاد وفي ظل توزّع المؤسسات المرئية على اعلام موالي ومعارض ومع تراجع فكرة الدولة والمؤسسات فان دور المجلس الوطني للاعلام ليس فعالاً· ومن جهة ثانية ليس للمجلس صلاحيات تقريرية وتنفيذية خلافاً لما هو عليه واقع المجالس الاعلامية في الدول المتحضرة والتي أخذ عنها القانون 94/382 · فصلاحيات المجلس هي استشارية وتقتصر على رفع توصيات للحكومة تأخذ بها أو لا تأخذ·
وأضاف محفوظ ان الاحتقان موجود كنتيجة للخطاب السياسي· وبالتأكيد هذا الاحتقان يتغذى يومياً بالتصاريح الحادة والمهرجانات والمؤتمرات الصحافية· وبحكم كون الوسائل الاعلامية المرئية منقسمة بدورها بين اعلام موالٍ واعلام معارض فان الشاشة التي تدخل إلى كل بيت تحمل هذا الانقسام وتعممه· وبالتأكيد فان الكلمة الحادة تؤسس لنقل الانقسام إلى الشارع وإلى ترجمة ذلك بغرائز متفجرة وبمتاريس متقابلة وبرصاص جاهز·
وتابع محفوظ ان الاعلام أما أن يكون بناء أو يكون هدّاماً وفقاً للوظيفة التي أعطيت له· في الحالة اللبنانية الراهنة الإعلام يغذي الانقسام· علماً بأن القانون المرئي والمسموع 94/382 وقانون المطبوعات يشددان على موضوعية الاعلام وشفافيته وأمانته وعلى ان ممارسة الحريات الاعلامية ينبغي ان تمارس في اطار الدستور والقوانين النافذة وعلى الابتعاد عن بث كل ما من شأنه أثارة النعرات الطائفية أو التعرض للنظام العام ومقتضيات المصلحة الوطنية أو التحريض على العنف في المجتمع· لو التزمت المؤسسات المرئية بمضمون القانون 94/382 وبدفاتر الشروط لساعدت كثيراً في لجم الخطاب الطوائفي وفي تهدئة النفوس وفي ابعاد الطوائفيين أياً كانوا عن الشاشات· لكن المشكلة هي أن المحاصصة الطوائفية اصابت القطاع المرئي والمسموع خلافاً للقانون·
وأشار إلى أن تراجع فكرة الدولة هو الذي يحول دون تطبيق القانون 94/382 · وإلا لأمكن للدولة سحب رخص المؤسسات المخالفة التي أعطيت لها على أن تمارس 'الحرية الاعلامية' في سياق الدعوة إلى تغليب 'المشترك' بين اللبنانيين وتغليب فكرة المواطن في وطن على فكرة المواطن في طائفة· فالمؤسسات المرئية تستعمل الفضاء الذي هو مرفق عام· وبالتالي لا يمكنها ان يكون لها سياسة تروج لشخص أو حزب أو تيار· يمكن ان يكون لكل مؤسسة اسلوبها الخاص لا سياستها الخاصة· ومن هنا فان حماية السلم الأهلي تقع في صلب الوظيفة الاعلامية للمؤسسات· لكن المشكلة هي في القرار السياسي· والحل غير ممكن الا في توسيع صلاحيات المجلس الوطني للاعلام من صلاحيات استشارية إلى صلاحيات تقريرية· كما أن المدخل الأساسي لمعالجة السياسة الاعلامية هو في مناخات وفاقية يمكن ان يكون انتخاب الرئيس التوافقي مكاناً لتحقيقها ولتبديد الرؤوس السياسية الحامية·
القاضي: غياب فكرة الدولة وتسلّط 'الوصولية'
kadi_15mediaobserver.org0وشرح الأستاذ رشيد القاضي ان الخطاب السياسي التصعيدي ومضمونه المتدني ليس بجديد في التراث العربي لأنه نوع من الهجاء، والهجاء جزء أساسي من الشعر العربي· وكم من حرب قبلية قامت من جراء قصيدة هجاء وكم زرعت هذه القصائد أحقاداً وضغائن، غير أن السياسيين حوّلوا الشعر الهجائي إلى نثر هجائي واستعملوا كلمات مختلفة لعوزهم الثقافة اللغوية المطلوبة·
ولفت القاضي إلى أن الخطاب التصعيدي له موسمان يزدهر فيهما وهما الانتخابات والأزمات، ففي الإنتخابات يكون الترشيح على أسس فردية، وبالتالي فإن المرشح لا يملك وسيلة للوصول إلاّ التجريح بالخصم، إضافة إلى عوزهم للفكر والثقافة السياسية وبالتالي لا يملكون سوى إعتماد الخطاب البذيء· أما في الأزمات، فما يهم السياسي هو أن يبقى جمهوره إلى جانبه لأنه لا يملك القدرة على التغيير·
فالمعارضة تملك الخطاب التصعيدي والإثارة والتحريض والطعن بالأخر لأنها لا تملك القدرة على التغيير الذي تعد الناس به· أما الموالاة، فهي أولاً وصلت إلى الحكم بوعود برّاقة وخلاّقة وعجزت عن تحقيق ما وعدت به وأصبح همها الاستمرار بالسلطة· لذلك يلجأ بعض الموالاة إلى الرد بالرغم من عدم إمتلاكه منطق الرد وأصوله·
وأضاف القاضي ان الخطاب الحالي خطاب غير حواري وليس هناك من يناقش السياسيين فيه، فالسياسي يهاجم خصمه ويدينه دون وجود من يدافع عنه، وهذا دليل عجز عن الإنجاز، فيتم استبدال الإنجاز بالخطاب والفعل بالقول، وهكذا يزدهر الخطاب التجريحي·
وأردف القاضي ان ما يدور في البلد ليس حواراً بل هو سجال وتجريح، هو ليس خطاب الدولة لأن فكر الدولة مفقود، فهو قائم على 'التهييج' الذي يلقى صداه عند الجمهور بالرغم من عيوبه وتفاهته وعدم قدرته على تحقيق أي شيء ايجابي· وهنا أصبح الجمهور أشبه بـ 'الثور الهائج'· والسبب في ذلك غياب رجال الدولة وتسلط 'الوصولية' كما أن الجماهير ليست على مستوى الحوارات لأنها لا تملك الثقافة الحوارية ولا مقومات الحوار ولا تربية الديمقراطية للإعتراف بالآخر·
وتابع القاضي أن وسائل الاعلام المرئية منحازة إلى فريق معين من هنا، لا يتم احترام الأسس المهنية في العمل وتمثل مصالح وأهداف وانتماءات أصحاب المحطة، لذلك لعب التلفزيون دوراً سلبياً مؤثراً جداً يتمثل في تغليب مصلحة المؤسسة على المهنية· فالحيادية مفقودة كثيراً ومتى فقدت الحيادية فقدت الموضوعية· أما الأغرب من ذلك كله فهي مقدمة نشرة الأخبار إذ تنفرد المحطات اللبنانية بمثل هذه المقدمات في العالم وتعتبر هذه المقدمة تكملة للخطاب السياسي الحالي· لذلك يجب إعادة صياغة وتطبيق قانون الإعلام المرئي والمسموع، أما الإعلام المكتوب فهو الأكثر قرباً إلى الموضوعية المهنية·
ووجّه القاضي سؤالاً إلى السياسيين قائلاً: 'هل بإمكان أي فريق أن ينفرد بحكم البلد؟ وهل سبق وحصل أن حكم لبنان فريق واحد؟ لا مفر من التفاهم والمشاركة المتوازنة· وبالنهاية العودة إلى المؤسسات وكل المشاكل يجب أن تسحب من الشارع وتعود إلى المؤسسات ليتم معالجتها بالشكل الصحيح·
وختم القاضي بأنه لا يمكن أن يعيش بلد في ظل الخوف المتبادل الذي هو في الأصل وهم وهاجس، إذ لا أحد يشكل خطراً على الآخر· وأود أن أقول لنواب لبنان: إذا كنتم لبنانيين حقيقيين إنتخبوا رئيساً للجمهورية·
مسرّة: الإعلام المخدوع والسياسي الخادع؟
أشار عالم الاجتماع الدكتور أنطوان مسرّة إلى أنه يجب دراسة الخطاب السياسي السائد· إذ ان لغة الخطاب والجسد هي التي تتكلم بشكل تهديدي· وهذا الاتجاه هو الذي يساهم في تأزيم الوضع السياسي· كما أن هذا الخطاب يتميز بأنه شعبوي بسيط في مفاهيمه يطلق شعارات التغيير التي يتأثر بها المواطنون 'شبه النائمين' والشباب الذين يطلبون التغيير·
أضاف مسرّة أن اللبناني تحول إلى زبون أكثر منه مواطن فأصبح مستزلماً للقادة السياسيين· وإذا ما قامت بسؤاله 'أي المواطن' عن تغيير الخطاب عند زعيمه بين ليلة وضحاها، يقول لك أن السياسي يعرف لماذا· وهذا الأمر هو الأخطر لأن المواطن يتبع الزعيم مهما فعل دون معرفة الأسباب والحيثيات· وهذا الظاهرة وجدت أيام النازية فكان الشباب يتبعون هتلر دون معرفة خفايا ما يقوم به· واعتبر مسرّة أن وسائل الاعلام ساهمت في ضرب العقول وضرب القيم 'الجمهورية'· فبعض المسؤولين عن البرامج يديرون ما يقال بأنه حوار يتلقفون العبارات والمصطلحات وكأنهم حياديون· فمن مساوئ رجال الاعلام أنهم ملتصقون بالسياسيين كما يوجد تبعية سياسية لوسائل الإعلام وكسل في البحث عن المعلومات·
وأضاف مسرّة أن النزاعات تنشأ في المستنقعات وفي الحوارات المسائية التي تكون دون معايير ودون رقيب أو قواعد· وبهذا تحوّلت وسائل الإعلام إلى منبر للسياسيين·
وختم مسرّة أن ما يحصل هو استراتيجية أبعد من الإعلام تهدف إلى ضرب المؤسسات لجعل النظام غير قابل للحكم· والاعلامي مخدوع·
قهوجي: الخطاب السياسي الحالي سلاح دمار شامل
kahwaji_150وشرح الفنان غازي قهوجي الآلية التي ينمو فيها الخطاب السياسي ويتحوّل من موضوعي إلى غرائزي وعصبي· وأشار إلى أنه في أزمنة الإنحطاط وفي خضم الأزمات المستعصية، وفي أتون الصراعات الدينية والمذهبية والأثنية والمناطقية·· يتراجع 'المنطق' وينهزم 'الحق' وتنحسر الموضوعية وتصحو وتتقدم وتعلو 'الغرائز' والعصبيات وتتفتح وتزهر في كل المجالات وتكشف أوراقها الصفراء ومقولاتها المتخلفة عن ركب العصر والمعاصرة، وتكون جاهزة، مستنفرة لإستقبال ما ينعش ويطرب نوازعها الغارقة في مفاهيم عفا وغفا عليها الزمن·
واعتبر أن الخطاب السياسي الحالي كنص تصريح أو بيان هو اليوم من حيث الشكل 'الدرامي' المشهدي منبري بامتياز، هجومي كاسر، كاريزماتيكي بقوة فعل عاطفة الانتماء! ومن حيث المضمون هو تهديدي تحريضي بلا ضوابط ولا حدود 'من دون الاهتمام أو الالتفات إذ زال أو بقي ما يسمى الوطن'· وتلعب الشتائم - أحياناً - وما يعادلها من سباب دوراً - فولكلورياً - محبباً لدى المناصرين المهووسين في تأجيج العواطف وخلق مناخ 'منحط' يؤسس للعبث بكل ما هو أخلاقي أو إنساني عام وإذا كان الخطاب السياسي الحالي 'يُعبئ' الجماهير - وهذا هو واقع الحال - فمعنى ذلك أن تلك الجماهير 'فارغة'!!
وأضاف: أن الخطاب السياسي اليوم في لبنان هو سلاح دمار شامل! ونحن أكدّنا وثبتنا بالممارسة والمماحكة والتسويف والتشاطر والتذاكي·· هشاشة وركاكة وضحالة 'الكيان' الذي نعيش فيه، المرفوعة أعمدته على 'الغرائز' والعصبيات، وتلعب بأهله رياح الخطابات 'الميكيافيلية' المدمرة بحسب أهواء الخارج المختلفة·
وعن دور هذه الخطابات في خلق الانقسام في صفوف الرأي العام، لفت قهوجي إلى أن الخطابات السياسية الأخيرة وبكل أنواعها فعلت ما لم تفعله 'التسوناميات' من دمار وغرق وموت و'تمويت' ويأس و'تيئيس'! والمجتمعات 'الرخوة هذ عادة، وحسب منطق التاريخ ومساره قابلة للإنحلال ولبنان، بلد غير محصَّن بثوابت 'وحدوية'، فهو - للآن - تركيبة 'پازل' للوحة أو لصورة من خارج العصر، وسهلة الانفراط والانشطار والتقسيم والتقاسم·
أما عن دور وسائل الاعلام في تغذية هذا الصراع وهذه التعبئة فلفت قهوجي أن وسائل الاعلام 'بانحيازاتها' المكشوفة تتحمل الجزء الخطير في نشر وتعميم وتغذية التوتر والانشقاق، وهي المروجة في المسموع والمرئي والمقروء للخطاب السياسي للجهة التي تمثلها أو تؤيدها· وفي زمن الانحطاط - والذي نحن فيه - لا مكان ولا شأن ولا قيمة 'للحياد' أمام الإنهيارات والمفاهيم المتخلفة· أعتقد بأنه آن الأوان للتفريق بين 'السكوت' وبين 'الإصغاء'!·
الحافظ: مرآة للمشهد السياسي القائم
hafez_150اعتبر الباحث الاقتصادي الدكتور زياد الحافظ ان الخطاب السياسي الحالي من تصاريح ومؤتمرات ومهرجانات، مرآة للمشهد السياسي القائم· فهذا الخطاب على صعيد الشكل لا يهدف بالأساس إلى بلورة وجهة نظر تمهيداً لحوار ما أو لإقناع أكبر عدد ممكن من اللبنانيين· فهدفه أولاً وأخيراً تعبئة جماهير الفئات المتصارعة في لبنان· كما أنه ليس هناك أي اعتبار لردود الفعل الممكنة من خطاب فئة ما على الفئات الأخرى وكأن الفئات اللبنانية جزر منفصلة عن بعضها البعض·
وتابع الحافظ: 'أما على صعيد المضمون فالخطاب السياسي الرائج يتردد بين الخطاب المذهبي الضيق وبين الخطاب السياسي الذي يخوّن الآخر وكأن الرأي الآخر مرفوض· كما أنه من الواضح أن بعض الخيارات السياسية المطروحة مرفوضة من زاوية المصلحة الوطنية ولكن ذلك الرفض لا يبرر الانحدار إلى مستوى الشتيمة لنقد الرأي الآخر·
وأضاف الحافظ أن المخرج الوحيد من المأزق الحالي هو تبني خطاب، 'وطنية' مضامينه الأساسية التوافق بين اللبنانيين لحماية السلم الأهلي معتبراً أن الخطاب الحالي يهدد مباشرة السلم الأهلي والتوافق هو المخرج لافتاً إلى أن المسألة الوطنية لن تعالج بشكل عقلاني في أجواء متشنجة·
واستطرد الحافظ أن الخطاب السياسي المتشنج والتصعيدي خارج عن القيادات السياسية وعن النخب التي تدور في فلكها· فالتصعيد في المواقف هو هروب إلى الأمام لتفادي مواجهة عقم الطروحات الأساسية لأصحاب الخطاب السياسي· كما أن هناك شكوك حول مصداقية الكلام الصادر عن تلك القيادات والنخب التابعة لها وكأنهم جميعاً يفون بالتزامات تعهدوا بها وفقاً لمصالحهم وليس لمصلحة الوطن· فالمصلحة الوطنية مغيبة كلياً من الخطاب السياسي القائم وكأنه ليس هناك من تفاهم على مضمون المصلحة الوطنية· فهناك اختزال لمفهومها وإذابة لها في بوتقة المصالح الخاصة وأنانيات القيادات السياسية ونخبها· وبالنتيجة هي مسؤولة عن انقسام اللبنانيين·
وعن دور وسائل الاعلام في هذا الصراع اعتبر الحافظ انها مكوّن أساسي من النخب التي تدور في فلك القيادات السياسية لأسباب عديدة جميعها غير مشرّفة لها· وبالتالي تحوّلت وسائل الاعلام إلى أفتك الأسلحة لشحن النفوس عبر الخلط بين الخبر اليقين والرغبات والتحريض· فغياب العقل النقدي من وسائل الإعلام يغذي التشنجات ويهدد السلم الأهلي·
وختم الحافظ بأن التاريخ لن يغفر لوسائل الإعلام المرئي دورها في تغذية التشنج·
سعد محيو: سياسيونا لا يحصدون الشعبية إلا بزرع العصبيات الطائفية
mehiyascii117_150إعتبر الصحافي سعد محيو ان مشكلة معظم السياسيين في لبنان ومشكلتنا نحن المواطنين العاديين معهم مزدوجة·
فهم أي السياسيون مستهلكون للنظام الطائفي ومنتجون له· إنهم أباؤه وأبناؤه في آن واحد· الطائفية تصنعهم، ثم يقومون هم بإعادة إنتاجها· وهذا يتم بالتضامن والتآزر في ما بينهم، برغم الحروب الأهلية التي يشعلونها كل عشر سنوات تقريباً، والتي تهلك فيها جماهيرهم نفسها· مع الطائفية، لا مجال لبروز رجال دولة إلا في حالات إستثنائية جداً· فقط هناك رجال السياسة ليس بالمعنى العلمي للكلمة (فالسياسة هي علم التسويات والحلول الوسط الراقية) بل بالمعنى الغرائزي· سياسيونا لا يحصدون ريح الشعبية، إلا إذا زرعوا عاصفة العصبيات الطائفية·
كما أنهم وبسبب إستنادهم إلى العصبيات الطائفية، يفتقرون بالضرورة إلى الهوية الوطنية· وهذا ما يجعلهم 'سفراء' لطوائفهم مع الدول الخارجية، أكثر منهم 'نواباً' لوطن· هذا ما يسميه د· جورج قرم 'ثقافة القناصل' التي تحكمت بمصير لبنان في القرن التاسع عشر، ولا تزال تتحكم به في القرن الحادي والعشرين، وستظل تتحكم به في القرن الثاني والعشرين، ما لم يتم تجاوز الطائفية السياسية·
وأضاف محيو أن التصريحات والمؤتمرات الصحافية والمهرجانات التصعيدية التي يقيمها السياسيون الطائفيون لا تلعب فقط دور إستثارة الإحتقان، بل تضرب كذلك على وترين خطيرين اثنين: الأول، إثارة المخاوف لدى فريق من الناس وتصوير الصراع لهم على أنه تهديد لوجود كل فئة، ثم الدعوة إلى التعبئة لمواجهة هذا الخطر!· إنها اللعبة نفسها لإستهلاك وإنتاج النظام الطائفي·
وختم محيو أن التهمة الدائمة للإعلام اللبناني منذ العام 1975 وحتى الآن، هي أنه يساهم إلى حد كبير، إن لم يكن هو المسؤول الأول، عن التحريض العصبوي والطائفي· ورأى أن هذه التهمة صحيحة بالفعل في سلوكيات وسياسات معظم محطات التلفزة المحلية والفضائية، التي ترتبط بدورها بقادة الطوائف، لكن ليس مع الصحافة المكتوبة التي (وبرغم حاجتها إلى التمويل) أبدت، ولا تزال، قدراً معقولاً من الحس الوطني، والصدقية، والموضوعية·
حشيشو: غياب الجوهر السياسي العملي
hashisho_150من جهته، اعتبر الصحافي نهاد حشيشو ان الانحطاط في الخطاب السياسي الحالي أتى نتيجة للفراغ السياسي بمعنى أنه عندما تتحول السياسة إلى نوع من اللعبة ويكون الناس قد اتخذوا اتجاهاً معيناً، يتحول السياسي إلى لاعب وتتحول السياسة إلى لعبة ويتحول الإعلام إلى معبر لهذه اللعبة وهنا تضيع السياسة، وعندها تتحول الاطلالات الاعلامية إلى تمرين يومي للسياسيين، وهذا يعبّر عن غياب الجوهر العملي السياسي بغض النظر عن مدى إقتناع الرأي العام بالآراء السياسية للأطراف·
واستطرد حشيشو ان ما يحصل هو مأزق تاريخي كبير يعيشه اللبنانيون ويعبّر عنه السياسيون 'بالهيجان الشعبي'، فهم يتجهون إلى السباب والشتائم ليعوّضوا عما يحصل لأن أي طرف لا يريد أن يظهر للعلن 'المأزق' كما هو لذلك يقفزون·
وأضاف ان الخطاب السياسي الحالي يتعدّى الأصول الصحافية بحيث يكون هناك اختزال للموقف السياسي وتحوّله إلى اخباري يومي هجومي دون أن يتضمن نوعاً من التقنين بل هو هدر يتحول في أيام كثيرة إلى سجال من السباب والشتائم ويضيع فيه المحتوى·
وتابع حشيشو أن وسائل الاعلام تلجأ إلى مداخلات وتلعب دور المخبر تقدم لك ما تريده هي ثم تقدم لك الخبر إمّا مجتزأً ومحرّفاً وكل ذلك يهذف نحو الخط الإعلامي الذي تمثله الوسيلة·
وختم حشيشو ان الخطاب الحالي يسرّع ويكبّر الإطار للمواجهة والخوف هنا هو من فقدان السيطرة والوصول إلى ما يحدثوننا عنه ويخيفوننا منه·
علم: الاعتبار المذهبي والطائفي يطغى على المصلحة الوطنية
إعتبر الصحافي جورج علم ان الخطاب السياسي الحالي يعكس بطبيعة الحال المستوى السياسي في لبنان وهو أمر لم نشهده من قبل حتى في ما يسمى بالحرب الأهلية وحروب الخارج حيث كان هناك قادة على خلاف عميق فيما بينهم، ولكن بالرغم من ذلك كانوا يجرون إتصالات مكثفة لمعاينة الوضع وإعطاء الأولوية للمصلحة الوطنية، أما ما نشهده اليوم فهو مزيد من التشبث في المواقف لدى السياسيين الذين يتجهون إلى حماية مصالحهم، ولكنهم في الوقت نفسه يؤدون ومن خلال هذا التشبث بالرأي إلى ضرر كبير في البنية المجتمعية· وهذا إن دلّ على شيء فإنه يدل أن التعقيدات ليست في الداخل اللبناني وليست في يد السياسيين اللبنانيين وأن الاعتبار المذهبي والطائفي هو الذي يطغى على المصلحة الوطنية· وأضاف علم أن الخطاب السياسي له شعبية واسعة لإعتبارات عديدة وأهمها تكوين النظام السياسي في لبنان الذي يدفع إلى وجود مرجعية أو زعيم ووجود الوضع الاقتصادي المتردي الذي يدفع الناس إلى العودة إلى المرجعية والتأثر بها· يضاف إلى ذلك تكوين لبنان التنوعي المتعدد الطوائف خلافاً للمناخ السائد في الشرق الأوسط· وهذا ما دفع بالولايات المتحدة الأميركية إلى أن تعيد الأصولية ليس على المستوى الديني فقط بل على المستوى الثقافي والإجتماعي وغيره· هذه الإعتبارات دفعت بالخطاب إلى أن يكون له الأثر العميق بين صفوف اللبنانيين وأن يكون هؤلاء موزعين على القيادات والزعامات وفق إنتماءاتهم·
وأردف علم ان لكل فئة وزعيم وسيلته الإعلامية· وعندما يكون الخطاب السياسي على هذه الحدة فلا يسأل عندها عن الخطاب الصحافي، وبما أنه ليس هناك من اعلام مستقل في لبنان فإن المطلوب ليس أن يصلح الإعلام بل أن يصلح السياسيون·
الجوهري: فقدان اللغة الmediaobserver.orgسياسية المقنعة
jawhari_150اعتبرت عالمة الاجتماع الدكتورة عايدة الجوهري ان الخطاب السياسي الحالي هو عبارة عن ضغط يمارس من قبل كل طرف على الطرف الآخر من خلال استخدام الكلمات القاسية· ويهدف هذا الخطاب إلى احراج كل طرف للآخر· اما عن أسباب اللجوء إلى هذا النوع من الكلام اشارت الجوهري إلى أن كل طرف يلجأ إلى استخدام العبارات القاسية والمنفرة لانه يدرك انه غير مقنع· كما ان هناك افلاس في استخدام اللغة العلمية· وفي المحصلة انه عندما يكون هناك نظام طائفي مثل النظام الموجود في لبنان فان التهويل سوف يسود وعندها يتصرف المسؤولون كضحية ويلجأون إلى تهويل الآخر· كما ان اللعبة السياسية في لبنان ليست لعبة ديمقراطية· إذ ان كل طائفة باسم حقوقها وباسم انها مهمشة تحاول الضغط على الطرف الآخر انطلاقاً من مبدأ المظلومية·
وأردفت الجوهري ان هناك تخويناً كبيراً من الطرفين اضافة إلى العنف الكلامي وهذا ناتج عن الحالة التي يعيشها الطرف السياسي· فخطاب الطرف السياسي المدجج بالصواريخ سيكون حتماً على مستوى الصواريخ ولن يكون خطاباً مهادناً وتسووياً· فعندما يكون طرفاً حاملاً للسلاح فأي حوار ممكن ان ينشأ؟ هنا أنت بحاجة إلى علاقات قوة جديدة لتفرض خطاباً جديداً· أما بالنسبة للطرف الآخر فهو سياسياً غير شرعي غير أننا إذا اخذنا الموضوع من المنظور الوطني والديمقراطي فهم جميعاً غير شرعيين لأنهم يجمعون بعض الأشخاص ويعتبرون أن هذه المجموعة تمثل الرأي العام اللبناني والمسؤولية تقع هنا على النظام الطائفي الذي يوصل هؤلاء الناس· ولكن لا أحد منهم يمثل كنهج عام شريحة كبيرة من الناس ولا رأي عام بل انه يعكس رأي المجموعة التي يمثلها· يضاف إلى ذلك انهم يغيرون السياسة من سياسة بمعنى ادارة الشأن العام والمصلحة العامة والتخطيط للنهوض بالبلد إلى رغبة بالسيطرة·
وأضافت: ان هذا التوجه يدل على فقدان اللغة السياسية المقنعة فعندما لا استطيع ان اقنع الطرف الآخر ولا التحاور معه الجأ إلى هذه اللغة التي هي من دون قواعد سياسية منطقية، فليس هناك من لغة توصف الواقع لذلك يلجأون إلى التصعيد في الخطاب· وعن تأثر الرأي العام بهذا الخطاب اعتبرت الجوهري ان اللبنانيين مفروزون اصلاً وهم سبق واتخذوا خياراتهم واصبحت كل طائفة هي التي تشكل خياراتها السياسية· لذلك فهم لا ينتظرون الخطاب السياسي كي يؤدي إلى انقسامهم·
وعن دور وسائل الاعلام في زيادة الاحتقان في الشارع اشارت الجوهري إلى انه لا يمكن لوسائل الاعلام ان تكون هادفة، فهي من حيث تركيبتها تعبر عن جهة سياسية معينة· فكيف نطلب منها الحياد؟ واضافت ان توزيع وسائل الاعلام هو توزيع غير ديمقراطي وغير مدني وغير عادل· وأنا استغرب عندما يطلب المجلس الوطني للاعلام ان يكون هناك هدنة اعلامية لتفادي الشحن· وهذا الأمر لا يمكن ان يحصل لأن كل محطة اعلامية تعبر عن رأي سياسي معين، وهذا أمر يدل ان هناك مشكلة بنيوية وليس مشكلة طارئة·

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد