كتاب وكاتب » قضايا وآراء من الصحف اللبنانية الصادرة الخميس 22/9/2011

سوريا تحطم قرن الشيطان.. ومحور المقاومة أمام غد جديد

ـ 'الثبات'

أحمد زين الدين:

كما بات واضحاً، فإن حركة المعارضات السورية باتت تنتظر يوم الجمعة للإعلان عن تسميات لتظاهرات يتجمع فيها المئات في مختلف أنحاء سورية، يجري تضخيمها في مختلف وسائل الإعلام التضليلية، ومواقع التواصل الاجتماعي، والمموَّلة لغرض التحريض ضد سورية ونظامها.
ثمة حقيقة ربما صارت أيضاً واضحة للجميع، خصوصاً للشعب السوري، وهي الدور المتزايد للكيان الصهيوني في حركة المعارضات السورية، سواء من خلال الصهيوني الفرنسي برنار هنري ليفي، الذي نظم وينظم لقاءات مختلفة للمعارضات السورية، يبقى في بعضها بعيداً عن العيون، كالتي تجري في تركيا والخليج، وفي بعضها يدخل علناً على خطها مع العديد من الصهاينة، خصوصاً تلك التي تُعقد في باريس وبعض العواصم الأوروبية.
أما في الدخول الإسرائيلي المباشر على خط الأزمة، فهو من خلال شن حرب نفسية ضد سورية، يشارك فيها مباشرة الجيش الصهيوني وأجهزة المخابرات المختلفة، ومختلف أنواع الإعلام في هذا المجال، وفي هذا الخصوص يؤكد الأستاذ الجامعي الصهيوني يواف شتيرن، أن هناك حرباً نفسية وإعلامية تشارك فيها إسرائيل ضد سورية، من خلال وحدة الحرب النفسية في الجيش الإسرائيلي المعروفة باسم مركز العمليات النفسية، أو الوحدة 'ملاط'، وهي استعانت بالدكتور يانيف لافيتان للمشاركة في الجهود ضد الرئيس بشار الأسد، إضافة إلى جهود دول صديقة، لتحقيق حلم إسرائيلي قديم بالتخلص من بشار الأسد، وقيام سلطة بديلة يفترض الإسرائيليون أنها ستكون موالية للسعوديين مكانه، وبالتالي موالية للغرب. هذه الوحدة كما هو معروف تشارك في جميع الأعمال الحربية التي يخوضها جيش الاحتلال الإسرائيلي، وهي تتبع لقيادة العمليات في رئاسة الأركان، لكنها إدارياً جزء من الأعمال التي تخضع لسلطة مدير جهاز المخابرات 'أمان'.

الوحدة 'ملاط' كانت قد خضعت عام ألفين لبعض الترتيبات التي قضت بتحويل عملها من الجيش إلى المراكز البحثية الخاصة التابعة للجامعات الإسرائيلية، لكن في العام 2005 أعاد جهاز أمان السيطرة على إعمالها، وحصل على موافقة قيادة الأركان لتأمين سبعين عالماً متخصصاً في علم النفس ممن يتقنون العربية باحتراف، ويقود هؤلاء ضابط استخبارات. وعلى هذا النحو، أصبحت هذه الوحدة منشغلة بسورية بشكل دائم ومستمر، وارتفع عدد العلماء العاملين معها من 70 إلى 147 عالماً، وتقول المعلومات إنهم من أكثر العلماء خبرة بسورية وقيادتها، وهذه الوحدة توفرت لها كل التجهيزات والإمكانيات الكبرى، وهي تمد أذرعتها إلى جميع الوزارات والهيئات الدبلوماسية الإسرائيلية، خصوصاً تلك الموجودة في الأردن ومصر والخليج وتركيا، وتتوفر لها كل وسائل الاتصال الأكثر تطوراً، مع وحدات عملية وأمنية تعمل حول سورية وعلى حدودها؛ في الأردن ولبنان والعراق وتركيا، ومن خلال هذه الوحدات تمتد أعمالها إلى الأراضي السورية وتقوم على:

- إرسال رسائل 'الأس أم أس' إلى المواطنين السوريين.
- حشد المؤيدين لصفحات الفيس بوك الخاصة بالمعارضات السورية.
- فبركة الإشاعات ونشرها عبر الإعلام العربي والسوري، أو عبر الأشخاص.
- نشر أخبار البروباغندا الموجهة إلى الشعب السوري من منافذ عربية صديقة.
- نشر مقالات وتقارير إخبارية مصممة خصيصاً لضرب معنويات القيادة السياسية والعسكرية والأمنية في سورية.
- وحدة الحرب النفسية الصهيونية في محاولتها شن حرب نفسية على الشعب السوري وقيادته تعمل على تسريب خطط العمل إلى المتظاهرين، والتي تتصاعد بالتدريج بعد كل تنازل يمكن أن يقدمه الأسد، فما أن يحصل المتظاهرون على تنازل حتى يصعدوا من تظاهراتهم أكثر، وهكذا أيضاً التصعيد بالهتاف؛ من الهتاف بالإصلاح إلى الهتاف لاحقاً ضد أسماء مقرّبة من الرئيس، ثم بعد ذلك تبدأ الهتافات المنادية بإسقاط النظام.
- تكثيف بث الأخبار التحريضية المفبركة، من خلال وسائل إعلامية ذات مصداقية، ولا يعرف عنها بأنها عدوة للنظام السوري (لاحظ عمل بعض الفضائيات اللبنانية، وكيف أصبحت معادية لسورية).
- تسريب نصائح ملغومة ومعلومات مضللة 'عن تدخل دولي محتمل أو عن تمرد واسع متوقع هنا أو هناك في المدن السورية'، من خلال أصدقاء سوريين لدبلوماسيين أجانب يعملون في دمشق، هم أيضاً (الدبلوماسيون الأجانب) أصدقاء لـ'إسرائيل'.
- استنباط شعارات وهتافات تنفع في التناغم مع مشاعر المواطنين السوريين.
- وضع خرائط عمل للمتظاهرين المبتدئين عن كيفية تنشيط المجتمع المدني.
في أي حال، رغم كل هذه الخطط الشيطانية، استطاعت سورية وقيادتها أن تحبط هذه الحرب، فلم تقع في الفخ الأميركي - الصهيوني، مما جعل القيادات الصهيونية، وخصوصاً الاستخباراتية، تعتبر وأد الرئيس بشار الأسد لهذه المؤامرة نصراً كبيراً، يعتبر تكريساً إضافياً وتجديداً لانتصار حرب تموز 2006، والتي سيترتب عليها في المستقبل القريب تداعيات كبرى، قد لا تتحملها قيادات الدول المشاركة في المؤامرة على سورية، وستكون نتيجة هذا الانتصار أنها أول من يدفع الثمن.
قريباً جداً جداً سيتم إعلان انتصار سورية الحاسم على المؤامرة وخطط التخريب، وبالتالي فإن المسرح في المنطقة سيكون أمام مشهد جديد تماماً محصن بأعلى قدر من الاستقلالية الوطنية المعززة بقدرات دفاعية مذهلة، وبروحية شعبية مقاومة تعتز بعروبتها وقوميتها، قادرة على التحدي ومواجهة الإمبريالي..
إن عصراً جديداً ستبدأ سورية المقاومة والممانعة والصامدة بتحديد أطره، فهل يستوعب بعض الأعراب الدرس جيداً؟


لبنان تحكمه دويلات أو وصايات منذ عقود
فهل تقيم جولات الراعي الدولة المنشودة؟

ـ 'النهار'

إميل خوري:

متى يكون في لبنان دولة قويّة، لا دولة سواها ولا سلاح غير سلاحها، ومتى يكون كل اللبنانيين للوطن ولا ولاء إلا له، ومتى يكون لبنان على الحياد عند اختلاف الدول العربية، لئلا يدفع الثمن في حال انحيازه؟
الواقع أن لبنان لم يعد لديه دولة قويّة منذ عام 1975، عام الانقسام الداخلي الحاد حول الوجود الفلسطيني المسلح على أرضه وبعدما حلّ محلّ الدولة في عدد من المناطق وخصوصاً في الجنوب، وقد أشعل ذلك حرباً لبنانية – فلسطينية ثم حرباً لبنانية – لبنانية دامت 15 عاماً.
وعندما توقفت تلك الحروب بالتوصل الى اتفاق على 'وثيقة الوفاق الوطني' التي عُرفت باتفاق الطائف، ووضع لبنان تحت الوصاية السورية على أمل أن تعيد هذه الوصاية قيام الدولة اللبنانية القوية القادرة على حفظ الأمن والاستقرار بقواتها الذاتية دونما حاجة للاستعانة بأي قوّة مستعارة بما فيها القوات السورية، إذا بالوصاية السورية تجعل لبنان في حاجة دائمة إليها، وتجعل العهود المتعاقبة فيه والحكومات تكرر في بياناتها الوزارية عبارة 'ان وجود هذه القوات شرعي وضروري وموقت'.
وعندما انسحبت القوات السورية من لبنان تحت ضغط الانتفاضة الشعبية التي سميت 'ثورة الأرز' كانت الوصاية السورية قد تركت في لبنان سلاحاً من مختلف العيارات يقتنيه 'حزب الله' بدعوى مواجهة اسرائيل، وسلاحاً تحمله التنظيمات الفلسطينية بدعوى الدفاع عن المخيمات وتأمين حق العودة...
وظل لبنان في هذا الوضع الشاذ بلا دولة قوية واحدة قادرة على تطبيق القانون في كل المناطق وبدون تمييز، بل دولة ضعيفة في وجه حاملي السلاح تسيطر على مناطق من دون أخرى وتواجه مشكلة مع حامليه استعصى عليها حلها.
وعندما وقّع 'حزب الله' و'التيار الوطني الحرّ' 'ورقة التفاهم' المشتركة (شباط 2006) ظن كثيرون ولا سيما منهم المسيحيون ان هذه الورقة قد تكون السبيل لايجاد الحلول للأزمات التي يتخبط فيها لبنان وذلك على قواعد ثابتة وراسخة لأنها انعكاس لارادة توافقية جامعة. وقد تضمنت الورقة:
1 – 'إجراء حوار وطني'(...).
لكن هذا الحوار راح يدور في حلقة مفرغة عند البحث في موضوع الاستراتيجية الدفاعية، وما صار اتفاق عليه بالاجماع ظل بدون تنفيذ...
2 – 'الديموقراطية التوافقية'.
لكن هذه الديموقراطية طبقت عندما كانت قوى 14 آذار أكثرية ولم تطبق عندما انتقلت هذه الأكثرية الى قوى 8 آذار...
3 – 'إن إصلاح وانتظام الحياة السياسية في لبنان يستوجبان الاعتماد على قانون انتخاب عصري قد تكون النسبية أحد أشكاله الفعالة'.
إلا أن خمس سنوات مضت ولم يتم التوصل بعد الى وضع هذا القانون، وقد يحين موعد الانتخابات النيابية المقبلة ولا يكون هذا القانون رأى النور...
4 – 'بناء دولة عصرية تحظى بثقة مواطنيها وقادرة على مواكبة حاجاتهم وتطلعاتهم(...)'.
هذه الدولة المنشودة لم تقم حتى الآن.
5 – 'ملف المفقودين في الحرب، وهذا الملف يحتاج الى وقفة مسؤولة تنهي هذا الوضع الشاذ وتريح الأهالي'.
وهذا الملف لا يزال حيث هو...
6 – 'حل مشكلة اللبنانيين الموجودين لدى اسرائيل من أجل عودتهم الى وطنهم'.
هذه المشكلة لم يتم التوصل الى حل لها.
7 – 'ادانة عملية الاغتيالات السياسية واستمرار التحقيق وفق الآليات المقررة رسمياً وصولاً الى معرفة الحقيقة'.
إن ما حصل حتى الآن كان خلاف ذلك. فالمحكمة الدولية اصبحت في نظر 'حزب الله' اميركية – اسرائيلية ومسيّسة وعلى لبنان الانسحاب منها وباتت معرفة الحقيقة وتحقيق العدالة خطراً على أمن لبنان واستقراره.
لا يزال الخلاف قائماً حول كيفية حماية لبنان وصون استقلاله وسيادته. فثمّة من يرى ان سلاح 'حزب الله' يشكّل جزءاً من هذه الحماية الى جانب الجيش والشعب، ومن يرى أن الافادة من هذا السلاح والتوافق على وجوده يكون بوضعه في تصرف الدولة اللبنانية وإمرة الجيش.
والسؤال المطروح هو: إذا كانت 'ورقة التفاهم' بين 'حزب الله' و'التيار الوطني الحر' ظلت حبراً على ورق وكان الكثيرون، ولا سيما منهم المسيحيون، يظنون ان ترجمتها ستقيم الدولة القوية، فهل تكون جولات البطريرك الراعي التضامنية والانفتاحية على كل المناطق اللبنانية وتقرّب 'حزب الله' منه وتقارب سيد بكركي من بعض ثوابت الحزب سبيلاً لقيام هذه الدولة؟


فلسطين بين 'أميركيي أميركا' و'أميركيي إسرائيل' !

ـ 'النهار'

سركيس نعوم:

الاميركيون من يهود وغير يهود المؤيدون على نحو مطلق لاسرائيل وإن على حساب الفلسطينيين وحقوقهم المشروعة منشغلو البال كثيراً في هذه الايام بسبب ما تشهده مصر بعد 'نجاح' ثورة شعبها في 'يناير' الماضي. والدافع الى ذلك ليس مصلحة مصر ولا الحرص على الحرية والديموقراطية فيها ولا التمسّك بحقوق اقلياتها، بل هو مصلحة اسرائيل. ذلك ان السلام التعاقدي الذي قام بينها وبين مصر سيكون الضحية الاولى للثورة المصرية في رأي هؤلاء نُخبهم. فالسلطات المصرية تعترف في رأيهم بأن أي مس بالسلام بين بلادها واسرائيل سيكون ضد مصلحتها كما ضد مصلحة مصر. لكنها تعرف في الوقت نفسه ان هذا السلام قد افرغ من مضمونه، ولم تبق منه إلا امور اربعة. اولها، تصدير الغاز المصري الى اسرائيل. وثانيها، المناطق الصناعية المُنشأة في مصر. وثالثها، العلاقات الديبلوماسية التي صارت في حدّها الادنى. ورابعها، التعاون الاستخباري بين الدولتين في ميدان مكافحة الارهاب والاسلاميين المتطرفين والعنفيين.
ومن الادلة على تدني مستوى العلاقات بين مصر واسرائيل مطالبة الاولى الثانية بتمديد اجازة سفيرها في بلاده تلافياً لعودته وسط أجواء شعبية محمومة ضد اسرائيل. وهذا يعني في رأي النخب الاميركية من يهودية وغير يهودية ان السلام المصري – الاسرائيلي يسير نحو الكارثة. طبعاً يطرح بعض هؤلاء اقتراحات لتلافي الاسوأ على هذا الصعيد ابرزها اثنان. الاول، التوصل الى اتفاق لـ'التجارة الحرة' بين اميركا ومصر. ومن شأن ذلك رغم صعوبة إصداره في الكونغرس توجيه رسالة تؤكد التزام اميركا مساعدة مصر. اما الاقتراح الثاني، فهو ايفاد الرئيس الاميركي نائبه جون بايدن الى القاهرة قبل الانتخابات لإقناع المصريين باهتمام اميركا جدياً بهم. وينبع هذا الاقتراح من اقتناع بأن زيارة بايدن للبنان كان لها الاثر الكبير في احتفاظ فريق 14 آذار بالغالبية في حينه.
هل الاقتراحان المذكوران ينقذان السلام المصري – الاسرائيلي المهدد؟ تجيب نُخب اميركية يهودية وغير يهودية ان من شأنهما ربما منع تسارع تدهور هذا السلام. لكنهما لن يفلحا في منع تحوّله 'كارثة' كما يخشى اميركيو اسرائيل من يهود وغير يهود. ذلك ان ما ابقى هذا السلام بارداً وما منع الشعب المصري من 'التطبيع' مع اسرائيل لم يكن يتعلق بالأوضاع داخل مصر وبالحال البائسة للشعب وبالفساد وبالبطالة والفقر، بل كان يتعلق بالقضية الاهم التي كانت دائماً في وجدان المصريين والعرب والمسلمين وستبقى كذلك وهي قضية فلسطين. والأحرى باميركيي اسرائيل من يهود وغير يهود الانتباه الى هذا الامر والسعي الى معالجته، بدلاً من دعم رئيس حكومة اسرائيل في ضربه كل مرتكزات السلام مع الفلسطينيين التي ارسى اسسها منذ عام 1993 الراحلون ياسر عرفات واسحق رابين وشيمون بيريس واميركا واوروبا، وقبلهم بسنوات الراحل انور السادات، وبدلاً من مساعدته على استكمال استيطان ما تبقى من الضفة الغربية'.
وتُعرب النخب المذكورة عن اعتقادها ان الوسيلة الفضلى لانقاذ عملية السلام على المسار الاسرائيلي، بل ربما لانقاذ اسرائيل نفسها من مهالك سيتسبب بها نتنياهو بقلة كفاءته، هو مبادرة الرئيس اوباما الى إقناع رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس بالتخلي عن طلب العضوية في الامم المتحدة لدولة فلسطين بواسطة مجلس الامن في مقابل امر من اثنين. الاول، ضمان عودة التفاوض الجدي بين الفلسطينيين واسرائيل. والثاني، في حال فشل الاول وذلك متوقع، تقدم الولايات المتحدة من مجلس الامن بمشروع قرار يتضمن موافقة على عضوية دولة فلسطين في المنظمة الدولية. واذا كان الامر الثاني هذا صعباً لأسباب عدة داخلية، فان اوباما قد يتعهّد رسمياً بعرض مشروع حل على الفريقين خطوطه العريضة: دولة على اراضي 1967 مع تبادل للاراضي في مناطق معينة وتقاسم لمدينة القدس. لكن النخب الاميركية اياها تخشى ان لا يفعل اوباما ذلك خوفاً من الكونغرس ذي الولاء المزدوج ومن الانتخابات الرئاسية المقبلة. إلا ان استمرار الفلسطينيين في طلب عضوية دولتهم رغم منعهم من ذلك قد يؤدي الى انتفاضة جديدة، ولا بد ان يؤسس لرد فعل سلبي قوي على متابعة اسرائيل تشليح الفلسطينيين ما تبقّى من اراضي 'دولتهم'.


الملف الإيراني، مفاوضات السلام، 'حزب الله' والدعم العسكري.. ملفات تهددّ التنسيق الثنائي
شراكة أميركا وإسرائيل استراتيجية وعند مفترق طرق!
مصالح إدارة أوباما ... وخيارات إسرائيل السياسية

ـ 'السفير'
اعداد: دنيز يمين وهيفاء زعيتر:

تُزعزع موجات المدّ والجزر السياسية، التعاون &laqascii117o;الأزلي" بين واشنطن وتل أبيب، خالقة حالة من عدم الانسجام على مستوى التنسيق بين القيادتين إلى جانب تصادم ثقافي ديني يتعدى التباعد بين شخصي باراك اوباما وبنيامين نتنياهو، وذلك في وقت تبحر منطقة الشرق الأوسط وسط تيار تغييري جارف لا تعرف الدولتان &laqascii117o;الحليفتان" متى ينتهي. هذا هو الإطار السياسي الذي انطلق منه المعهد الأميركي للدراسات الدولية والإستراتيجية (سي أس آي أس) في إعداده تقريراً مفصلا بعنوان &laqascii117o;مفترق طرق: مستقبل الشراكة الإستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل"، مفنّدا الفرق في الأولويات ووجهات النظر بين الإدارتين الإسرائيلية والأميركية لجهة ملفات عدة، على رأسها: التعاطي مع البرنامج النووي الإيراني، ملف المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وإستراتيجية الانفتاح تجاه العالم الإسلامي.
حاول نائب رئيس البرنامج لدراسة الشرق الأوسط في المعهد الأميركي، حاييم مالكا، الإضاءة من خلال 136 صفحة من القراءة المتأنية للعلاقات الإسرائيلية ـ الأميركية، على السجال الحاد الاستراتيجي والتكتيكي الذي يظلل التعاون المشترك، وتحديدا منذ العام 2009، مع ما يحمله الأمر من مؤشرات سياسية ضخمة تتزامن مع توجّه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى مجلس الأمن في 23 أيلول الحالي سعياً وراء الاعتراف العالمي بـ&laqascii117o;الدولة" الفلسطينية.
هذا ما تحاول &laqascii117o;السفير" قراءته في سطور مالكا في تقريره المقدّم إلى الإدارة الأميركية في دعوة منه لإعادة النظر في التعاون التاريخي مع إسرائيل (لا سيما العسكري والنووي)، وذلك في مراجعة تفصيلية للاجزاء 3، 4 و5 من التقرير المطوّل، حيث تحدّث الكاتب عن الدينامية السياسية في الولايات المتحدة التي انعكست تبدلا على مستوى الوفاء القاطع لإسرائيل، فضلا عن افتراق الاستراتيجيات بشأن امن إسرائيل ومصالح أميركا الخارجية.
إذاً، أمام واشنطن وتل أبيب تحدي التأقلم مع التغييرات الديموغرافية والاجتماعية والسياسية العميقة التي تعيد تشكيل التعاون المشترك، بدءا بأثر &laqascii117o;الربيع العربي" على كينونة إسرائيل وخطط أميركا في المنطقة وصولا إلى تبدّل الرأي العام الداخلي في كل من البلدين في قراءة العلاقة الثنائية بين الإدارتين (العلاقة العسكرية تحديدا)، وذلك على اعتبار ان إسرائيل اليوم ليست كما كانت عليه قبل 20 عاما، وان الدعم الأميركي العسكري والمادي للإسرائيليين قابل للتعديل وربما التحجيم، مع تحويل إسرائيل من دولة تتكئ كاملا على الكتف الأميركي إلى دولة &laqascii117o;شريكة" تخطت زمن الضعف والاضطهاد.
ترى الإدارتان الأميركية والإسرائيلية اليوم ان الخيارات السياسية لكل طرف منهما تقوّض مصالح الآخر، إذ يظهر ذلك من جهة في تشكيك الأميركيين بقيمة إسرائيل الإستراتيجية، وفي المخاوف الإسرائيلية المتنامية من مدى التزام واشنطن بأمن إسرائيل من جهة أخرى.

... ما وصلت اليه الأمور على خط واشنطن ـ تل أبيب لا يلغي تاريخ أكثر من 60 عاما من الالتزام الإيديولوجي والسياسي والاقتصادي وحّد مسارهما وأهدافهما، إلا أنها قد تولّد تبدّلات محورية على المستوى الاستراتيجي انطلاقا مما طبع العامين المنصرمين من توتر سياسي صاخب.
في 9 تشرين الثاني 2009، وأثناء قيام اكبر مناورات عسكرية اميركية ـ اسرائيلية امتدت لثلاثة اسابيع، كان الرئيس الاميركي باراك اوباما يستقبل في البيت الابيض رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو في زيارة غابت عنها اضواء الكاميرات، واتسمت بالغموض والتعتيم. بعد أشهر قليلة، ازداد منسوب التوتر بين الجانبين ليتّضح ان الدخان الأسود رافق نقاش اوباما ـ نتنياهو حول مسائل ثلاث هي: سياسة الرئيس الاميركي تجاه ايران، وجهة نظر أميركا من عمليات البناء المتواصلة للمستوطنات الإسرائيلية، وسياسة اوباما الانفتاحية تجاه العالم الإسلامي على حساب إسرائيل.
نزاع الرئيسين &laqascii117o;تحت الطاولة" ازداد زخماً في آذار 2010، يوم اعلنت إسرائيل عن بناء 1600 وحدة استيطانية جديدة خلال زيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن لتل أبيب. غضب بايدن والإدارة الأميركية، تُرجم بعد ايام قليلة في كلام لقائد القوات الدولية في أفغانستان آنذاك ديفيد بتراوس الذي قال صراحة ان &laqascii117o;النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي يذكي الشعور المعادي لأميركا.. فالغضب العربي بسبب القضية الفلسطينية يحجّم علاقة واشنطن بالأنظمة العربية المعتدلة ويضعف شرعية الأخيرة في العالم العربي".
في ربيع العام 2010، واجه التعاون الثنائي أسوأ أزمة دبلوماسية منذ 20 عاما، وذلك عندما انهالت الانتقادات للعلاقة الأميركية ـ الإسرائيلية على رؤوس أصحابها من قبل أميركيين لطالما اعتبروا من المتعاطفين مع إسرائيل وقضيتها والداعمين الأوفياء للتعاون المشترك. واعتبرت هذه الفئة الاميركية ان رفض إسرائيل المتابعة في السعي لاتفاق مع الفلسطينيين، يقوّض القدرة الأميركية على إدارة مروحة واسعة من المهمات السياسية والعسكرية المعقدة في الشرق الأوسط ومن ضمنها ملف إيران النووي. سعى &laqascii117o;الحليفان" في تموز 2010 إلى تصحيح العلاقات في استشعار لأهمية وحدة صفهما بالنسبة لمصالحهما المشتركة، فما كان الا ان استقبل اوباما &laqascii117o;صديقه اللدود" نتنياهو مرة اخرى، ولكن هذه المرة بحفاوة بالغة، معلنا آنذاك التزامه بأمن إسرائيل مقابل موافقة نتنياهو على استراتيجية العقوبات الاميركية ضد طهران. &laqascii117o;تجميل" التعاون ما لبث أن ارتطم مجددا بجدار الثورات العربية والاختلاف حول التعاطي معها، قبل ان تضاف إلى التغيير الجيوسياسي زيارة نتنياهو الأخيرة إلى الكونغرس في أيار الماضي والتي ترك صخبها امتعاضا كبيرا في نفوس العديد من الأميركيين.

الديناميات الإستراتيجية
أحجار العثرة على طريق العلاقات الإسرائيلية ـ الأميركية في المنطقة العربية كثيرة.. وهي إن بدت متناثرة، إلا أنها، في ظل تبلور مناخ عربي تغييري و&laqascii117o;سوء تدبير" يتهم كل طرف الآخر به، قد تتراكم لتصبح جبلاً.. جبلٌ، في أحسن أحواله، يهدّد بأن ينزع عن هذه العلاقة التاريخية &laqascii117o;حصريتها".
ليس هناك من ملف يثير هلع إسرائيل، رغم الذي تعيشه المنطقة من اضطرابات سياسية وأمنية، يضاهي ما يفعله الملف الإيراني. فسعي طهران إلى امتلاك السلاح النووي من جهة، ودعوة قادتها إلى تدمير &laqascii117o;الكيان الغاصب" من جهة أخرى، يضعان الكثير من الإسرائيليين أمام معضلة وجودية.
وطأة الخطر الإيراني، عزّزها بشدة خلال العقد الماضي دعم الجمهورية الإسلامية لحليفيها، &laqascii117o;حزب الله" و&laqascii117o;حماس"، عسكرياً وسياسياً ولوجستياً، في حربهما ضد إسرائيل. &laqascii117o;سلوك عدائي" تعتبر الأخيرة أنه سيصبح مضاعفاً عند امتلاك طهران للسلاح النووي، فضلاً عما سيقدمه هذا السلاح لها من &laqascii117o;هيبة" ستخطف من إسرائيل &laqascii117o;تفردها".
ليس هناك من أحد يشكك في أن الولايات المتحدة معنية بشكل أساسي بهذا الملف. لكن رغم ذلك، يبدو أن واشنطن وتل أبيب ليستا على الموجة ذاتها في استشعار أهمية الخطر الداهم. ففيما لا يملّ الدبلوماسيون الإسرائيليون من التهويل بأن إيران وصلت إلى &laqascii117o;نقطة اللاعودة النووية"، يتهمون أميركا أنها تتبنى خطاباً &laqascii117o;فضفاضا وفاترا" ضد إيران. أما &laqascii117o;الأكثر إحباطا"ً بالنسبة لهم، فهو اقتناعهم بأن لدى واشنطن القدرة العسكرية المطلقة لوقف التهديد النووي الإيراني، إلا أنها تتوانى عن استخدامها أو عن التلويح باستخدامها حتى.
وفي السياق، اعترف نتنياهو مؤخراً أن &laqascii117o;هناك فرقا في وجهات النظر وفي الأحكام.. اختلافا في القدرات.. ولسنا بحاجة للتنسيق في كل خطوة"...انعدام التنسيق بين الطرفين برز كذلك في السياسة التي انتهجتها إسرائيل خلال الأعوام الأخيرة لتعزيز قوات الردع لديها، تحت ذريعة أن منظومتها الدفاعية &laqascii117o;بدأت بالتآكل إثر انسحابها من لبنان في العام 2000". من هنا، كانت الحاجة إلى دحض مقولة السيد حسن نصر الله بأن &laqascii117o;إسرائيل أوهى من بيت العنكبوت"، ما دفع الجيش الإسرائيلي لشن حربه على حزب الله العام 2006 وبعدها عملية الرصاص المسكوب على غزة في 2008.

الإجماع العالمي، والغربي تحديداً، على أن حزب الله وحماس أصبحا أكثر قوة مما كانا عليه قبل الاعتداء، عرّض الحكومة الإسرائيلية لحملات من النقد اللاذع، جاءت أميركية إلى حد كبير. وقد توزع النقد هناك على جبهتين، بين يسار يأخذ على تكتيكات الجيش الإسرائيلي تسببها في وقوع الضحايا المدنيين، وبين يمين ينتقد فشل إسرائيل في هزيمة أعدائها وحسم المعركة باتجاه رسم واقع سياسي جديد. وازدادت حدة اللوم الأميركي لإسرائيل انطلاقاً من واقع أن واشنطن تهب، مضطرة، للدفاع عنها في كل مرة تتحرك فيها بشكل أحادي. فإدارة اوباما، على سبيل المثال، عملت جاهدة لإخراجها من مشكلة الاعتداء على سفينة &laqascii117o;مافي مرمرة"، من هنا يرى المسؤولون الأميركيون ان هذه التصرفات المتهورة ستصل بإسرائيل في نهاية المطاف إلى هزيمة فادحة، لا بد ان تلقي بظلالها على أروقة السياسة الأميركية.
... ويبقى الإحباط المتواصل لعملية السلام الفلسطينية ـ الإسرائيلية أبرز مسببات الانطباع السائد في واشنطن بأن حكومة نتنياهو أصبحت جزءاً من المشكلة وليست الحل. من هنا، يأخذ المسؤولون الأميركيون على إسرائيل ترددها في تقديم تنازلات بعيدة المدى بشأن التوصل إلى حل للنزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، الذي ترى فيه الإدارة الأميركية أهمية بالغة في حماية أمن إسرائيل، وفي دعم جهودها الرامية لتوسيع نفوذها في المنطقة.
بعد حرب غزة حاول أوباما أن يدفع باتجاه اتفاق سياسي بين طرفي الصراع، إلا أن نتنياهو أصرّ على المضي قدماً بمشروع الاستيطان بـ&laqascii117o;هدف إضعاف هيبة أوباما بشكل علني"، كما يرى المسؤولون الأميركيون، الذين يؤكدون أن هذا التصرف يضعف الولايات المتحدة، سند إسرائيل، ككل وليس الرئيس الاميركي وحده. وفي الآونة الأخيرة، لم يعد المسؤولون الأميركيون يترددون في التعبير عن مخاوفهم علانية، فالـ&laqascii117o;الصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل يغذي المشاعر المعادية لأميركا في المنطقة، ويضعف مشروعية الأنظمة المعتدلة في العالم العربي، مقابل استغلال &laqascii117o;القاعدة" وباقي الجماعات المتشددة الغضب العربي لحشد التأييد". (ديفيد بترايوس).
صحيح ان الرواية الإسرائيلية تحظى بتعاطف أميركي ساحق، لكن هناك مناخاً من التشكيك بات يلف سياسات إسرائيل، التي فقدت قيمتها الإستراتيجية بالنسبة لأميركا جراء فشلها في إحراز أي تقدم على طريق السلام. وفي وقت يجزم كثيرون في الداخل الإسرائيلي أن هذا الموقف يعكس محاولة التفافية من الجانب الأميركي، فإن الأخير يرى في سياسته توجهاً أكثر واقعية نحو فهم، وبالتالي الانخراط في، التطور الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط حاليا.

جدليّة أنماط التعاون
كيف يمكن السيطرة على التوتر الذي يرافق العلاقة الأميركية-الإسرائيلية؟ سؤال يستحوذ حاليا على كامل اهتمام الإدارتين اللتين تتخبطان بانقسام الاراء الداخلية حول نقطتين أساسيتين: 1 ـ الضمانات الأمنية الرسمية بين أميركا وإسرائيل. 2 ـ قضية استقلال إسرائيل عن أميركا عسكرياً.
ينطلق البحث في الملف الأول من &laqascii117o;التعويذة" الأميركية التي باتت تُردد يوميا على لسان المسؤولين الأميركيين دون إدراك معظمهم لأبعادها المترتبة عليهم، وهي &laqascii117o;التزام أميركا بضمان امن إسرائيل والمشاركة العسكرية في ردع الجهة المهددة او المعتدية عليها". يقف بعض الاستراتيجيين الإسرائيليين عند هذه النقطة لتأكيد أهمية الالتزام الأميركي في تقوية إمكانيات إسرائيل العسكرية وقدرتها على الدفاع عن نفسها. لكن هل لمثل هذه الالتزامات ان تبدد مخاوف إسرائيل من إيران وتقنع الإسرائيليين بالتوصل لاتفاق سلام مع الفلسطينيين؟
هنا، يظهر التوتر السائد بين &laqascii117o;الحليفين" في تخوف إسرائيل من ضمانات واشنطن &laqascii117o;الغامضة" ومقدار التزامها بعيد الأمد، مطالبة على لسان بعض مسؤوليها بتوثيق التعاون العسكري بين الجانبين على شكل معاهدة خصوصا بعد انتهاء الاتفاق الساري بحلول العام 2017. ويرى أنصار الضمانات &laqascii117o;الرسمية" في اسرائيل ان الاخيرة لن تقوّي فقط قوة الردع الإسرائيلية بل ستكون بمثابة اداة سياسية ترسخ العلاقات الثنائية اكثر في المستقبل خصوصا على مستوى التعاون الاستراتيجي. ويقول المستشار السابق للامن القومي الاسرائيلي عوزي اراد ان مثل هذه المعاهدة &laqascii117o;ستضمن عدم تأثير التغييرات السياسية في الولايات المتحدة على التزامها بالدفاع عن اسرائيل" كما انها ستؤكد استمرارية التعاون الاستراتيجي.

وفي وقت تعتبر اسرائيل ان مثل هذا الاتفاق الرسمي سيدعّم قوتها العسكرية في وجه ايران وغيرها من الاعداء (رغم بروز أصوات إسرائيلية معارضة للاتفاق على اعتبار انه سيحدّ من حرية تل ابيب في اتخاذ القرارات العسكرية)، ينظر الأميركيون إلى الامر من منظارين متناقضين: الفئة الاميركية الأولى ترى ان مثل هذه الالتزامات ستساعد في التوصل إلى اتفاق سلام عربي ـ إسرائيلي، وتوقف إسرائيل عن اتخاذ قراراتها العسكرية الاحادية الجانب، وتدعم العلاقة الطويلة الأمد مع إسرائيل كقوة اقليمية محورية في وقت يسود انطباع حول تأثر نفوذ الولايات المتحدة بالتغييرات العربية. اما الفئة الأميركية الثانية، فتعتبر ان عيوب الاتفاقية أكثر من حسناتها. فالامر قد يشوّه العلاقة الأميركية مع الأنظمة العربية أكثر مما هي الحال عليه ألان، وتحديدا مع دول الخليج. كذلك، من المرجح ان تستدرج المعاهدة واشنطن إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع طهران، بالإضافة إلى ما يمكن ان يحمله هذا النقاش في الكونغرس من مشادات سياسية &laqascii117o;مرعبة" بين موافق ومعارض، خصوصا انه في حال الـ&laqascii117o;نعم"، سيكون على أميركا مهمة تشكيل قوة عسكرية خاصة لتنفيذ الضمانات تجاه إسرائيل.
ملفٌ آخر هو محور جدل واسع بين واشنطن وتل أبيب ويدخل أيضا في اطار التعاون العسكري، ينطوي على &laqascii117o;اعتماد إسرائيل المطلق على أميركا" وإمكانية كسر حصرية هذا الاعتماد العسكري بإشراك &laqascii117o;حلفاء" جدد كالهند والصين وأوروبا وحتى روسيا. اقتراح تطرحه اليوم النخبة الإسرائيلية السياسية متحدثة عن ضرورة ان تعتمد إسرائيل على قدراتها الذاتية أكثر وان تستقل تدريجيا استعدادا للظرف الذي يصبح فيه الدعم الأميركي اقل من اليوم. من هنا، ينظر المسؤولون الإسرائيليون إلى اهمية &laqascii117o;فتح قنوات من المصالح المشتركة" مع دول اقليمية اخرى في عالم يتجه إلى التعددية القطبية حيث لن يكون نفوذ الولايات المتحدة فيه كما هو عليه الان...
اتت زيارة وزير الخارجية الاسرائيلي افيغدور ليبرمان إلى موسكو العام 2009 في هذا الاطار خصوصا ان عنوان &laqascii117o;الحوار الاستراتيجي بين اسرائيل وروسيا" هو الذي رافق اجتماعات الجانبين. كذلك الامر بالنسبة إلى الصين، حيث نجحت اسرائيل في التقرب من بكين في الفترة المنصرمة، الا ان اعتماد الاخيرة نفطيا على الشرق الاوسط بشكل عام يعيق تطوّر مثل هذه العلاقة. اما التعاون مع &laqascii117o;الناتو" فيبقى اكثر تعقيدا خصوصا لجهة عدم اطمئنان اسرائيل لدوام وجوده كجسم اوروبي عسكري مثقل بالمهمات...
وبالرغم من اعتقاد الإسرائيليين الباطني بأن ما من قوة أخرى غير الولايات المتحدة قادرة على دعمهم بالاسلوب ذاته، يدرك معظمهم ان على اسرائيل التأقلم مع مساعدات اميركية اقلّ سخاء، خصوصا ان واشنطن تستخلص اليوم بوضوح ان مساعدة اسرائيل العسكرية لم تنجح في اقناعها بالانسحاب من الاراضي الفلسطينية او بالتوقيع على اتفاق سلام ينهي الازمة التاريخية.


كلام حول حكومة لبنانية جديدة الصيف المقبل

ـ 'الديار'
جوني منير:

تبادل الرسائل الاقليمية عبر الساحة اللبنانية ادت الى هذه البرودة الثقيلة على مستوى الحركة السياسية اللبنانية الداخلية، وبالتالي وضع الملفات على نار خفيفة. فالتعيينات الادارية والامنية امامها فترة انتظار غير محددة قبل انجاز اتفاق حولها. والانتخابات البلدية يبدو مصيرها رماديا وسط حديث قوي في الكواليس عن ان تأجيلها هو الاكثر ترجيحا، ويبدو ان الفريق الذي ما يزال يتريث في الشروع في تأجيل هذه الانتخابات يسعى لان ينال ثمنا سياسيا من الفريق الذي حسم امره لناحية تأجيل هذه الانتخابات.
ولذلك تظلل الرتابة الخطاب السياسي الداخلي، على عكس الرسائل الاقليمية الملتهبة عبر صندوق البريد اللبناني. فالضغط الاعلامي الاسرائيلي المكثف الذي نفذ للتأثير على الشارع اللبناني منذ الاعلان عن نجاح اسرائيل في تجربتها للصواريخ المضادة للصواريخ، وبالتالي اكتمال الاستعدادات الاسرائيلية لتنفيذ عملية عسكرية على لبنان ستكون قاسية ومدمرة، قابلتها رسالة امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله اول من امس والتي هدفت الى اجهاض الضغط النفسي الاسرائيلي، وتحويله الى ضغط نفسي معاكس باتجاه الشارع الاسرائيلي.
فالمعادلة التي اعلنها نصرالله بأنه مقابل تدمير كل بناية في الضاحية ستدمر ابنية في تل ابيب، ومقابل البنى التحتية اللبنانية ستضرب البنى التحتية الاسرائيلية، انما جعلت عمق الشارع الاسرائيلي والذي يثق جدا بكلام امين عام حزب الله، تحت هاجس الضغط والخوف من الحرب.ورسائل الضغط المتبادل بين الحكومة الاسرائيلية وحزب الله ليست معزولة بالطبع عن المشهد الاقليمي العام.فالساحة الفلسطينية تتنفس على وقع المفاوضات الاميركية - الاسرائيلية الشائكة.

الحكومة الاسرائيلية اجهضت افكار ادارة اوباما حول التسوية السلمية، فيما واشنطن دقت ناقوس الخطر على اعتبار ان محور محمود عباس - سلام فياض يتآكل وهو بات في سباق مع الوقت قبل ان ينهار كليا وبالتالي زوال آخر حلفاء واشنطن على الساحة الفلسطينية وسيطرة حماس المطلقة على الملف الفلسطيني.
والمخيمات الفلسطينية في لبنان وفي طليعتها مخيم عين الحلوة تتفاعل مع تطورات الداخل الفلسطيني وتنقل الرسائل المرمزة الى الاطراف الاقليمية.فالتآكل والاهتراء الذي يصيب السلطة الفلسطينية ينعكس بدوره تفككا وانقسامات على مستوى حركة فتح في لبنان، وبلغ وهن السلطة الفلسطينية ان محمود عباس اصدر قرارا يقضي بإجراء تعيينات جديدة على حركة فتح في لبنان، لكن قراره بقي في الدرج ولم يتجرأ على ارساله للتنفيذ لخشيته ان يؤدي ذلك الى انفجار الصراع داخل اجنحة حركة فتح وبالتالي تجاوز السلطة الفلسطينية نهائيا.فالشارع &laqascii117o;الفتحاوي" يعيش حالة اهتراء نتيجة عاملين: الفساد المستشري وغياب القضية التي تجمع وتوحد القواعد الشعبية.
وفي موازاة الصراع الاقليمي في الداخل الفلسطيني، خصوصا محاولة سوريا الامساك بجزء اساسي من الورقة الفلسطينية في مقابل شراسة مصرية لابعادها، جاءت الحركة الاقوى في لبنان حين استعاد ابو موسى حركته وحضوره بعد طول غياب.يومها لم يفهم اللبنانيون حقيقة الرسالة التي نطق بها المسؤول الفلسطيني الموالي لدمشق، لقد ارادت سوريا من خلال ابو موسى ارسال اشارة الى العاملين على الخط الفلسطيني بأنه لا يجب تجاوزها، وتلك الرسالة جاءت خلال الجولة التي قام بها الموفد الاميركي الخاص جورج ميتشيل الى المنطقة وقبيل وصوله الى بيروت.ولم تتأخر الرسالة الثانية بالظهور، ولكنها حملت الطابع &laqascii117o;الحربي" هذه المرة من خلال اندلاع اشتباكات عنيفة في مخيم عين الحلوة، الدبلوماسيون الذين تابعوا مسار المواجهات الدامية في عين الحلوة ادركوا على الفور ان ثمة رسالة بليغة جرى توجيهها من خلال القذائف الصاروخية والاقتحامات التي طالت مواقع استراتيجية لحركة فتح في المخيم، فالصدامات الاخيرة لم تكن عادية، اي بمعنى انها ليست وليدة احتكاك عادي يجري تطويقه بسرعة.
وحسب هؤلاء الدبلوماسيين فإن الواقع الميداني لحركة فتح بدا ضعيفا ومتراجعا، في مقابل توحد الحركات الفلسطينية المتحالفة مع سوريا والمجموعات الاصولية. وحسب هؤلاء الدبلوماسيين فإنه لو قدر لهذه المعارك ان تستمر، لكانت ربما ادت الى خروج حركة فتح من معادلة مخيم عين الحلوة اكبر مخيمات لبنان.

وكانت هذه الاوساط الدبلوماسية وفي اطار متابعتها للواقع الفلسطيني في لبنان قد استنتجت ان حال الاهتراء لدى حركة فتح في لبنان ستجعل من هذه الحركة في حال اندلاع مواجهات مع اخصامها ثلاثة اجزاء: الجزء الاول سيقف جانبا ويترك ارض المعركة، والجزء الثاني سيقاتل، اما الجزء الثالث، وهو المفاجأة سينضم الى القوى الاخرى من منظمات متحالفة مع دمشق واخرى اصولية. وفي استنتاج هؤلاء ان الرسالة التي وجهتها دمشق من خلال المنظمات الفلسطينية المتعاونة معها، انها كانت قادرة على ترسيخ معادلة فلسطينية جديدة مناقضة تماما لتلك السائدة الان، وانها قادرة على تنفيذ ذلك كل لحظة اذا جرى تجاوزها على مستوى مشاريع التسوية المتعلقة بالملف الفلسطيني. وتقرأ الاوساط الدبلوماسية الاوروبية انه آن الاوان ربما لانجاز تسوية ما مع دمشق حول الواقع الفلسطيني في لبنان قبل الوصول الواقع اخطر. فحسب هؤلاء فإن التحالف القائم الان بين المنظمات المتحالفة مع دمشق والحركات الاسلامية، انما هو تحالف الضرورة وتفرضه معطيات المرحلة.

فلا دمشق تستسيغ هذه الحركات التي بدورها اكثر ما تخشاه هي المنظمات الفلسطينية المتحالفة مع دمشق مثل &laqascii117o;القيادة العامة" وان ترك الامور على غاربها الان وفي هذه المرحلة ستعني تعشعش المتطرفين الاسلاميين داخل المخيمات الفلسطينية لدى الانهيار الكامل لحركة فتح مما سيعيد لبنان كساحة جهادية مع صعوبة لا بل استحالة اخراج هؤلاء من جديد من هذه المخيمات. ويعتقد هؤلاء ان تنفيذ صفقة مع دمشق الان يشارك بها لبنان من خلال التفاهم على انهاء الوجود الفلسطيني المسلح خارج المخيمات وخصوصا ان هذه المواقع لم تعد ذات اهمية عسكرية او استراتيجية والعمل على ادخال هذه المنظمات الى داخل المخيمات، وهو ما سيشعرها بالقوة ويجعل منها الطرف الاقوى القادر على ضبط اوضاع المخيمات وانهاء ملف التيارات الاصولية بداخلها. وطبعا هذا سيسعد دمشق كونه سيدخلها كلاعب اساسي كبير في الملف الفلسطيني وربما سيفتح مستقبلا باب التنافس بين سوريا وايران من خلال العمل على امتلاك الساحة الفلسطينية، وفي الوقت نفسه تكون الحكومة اللبنانية قد عززت اوراقها واستعادت جزءا من هيبتها بإغلاق ملف السلاح الفلسطيني خارج المخيمات.وهنالك من يتحدث عن حركة ستحصل مع دمشق حول هذا الملف وتسوياته.لكن هنالك من يعتقد ايضا ان هذا الملف لا يمكن ان يحصل الا من خلال حكومة جديدة في لبنان قادرة على مواكبة هذه المرحلة بكل ابعادها وتفاصيلها. فالحكومة الحالية (حسب هؤلاء) هي حكومة تسوية انتهت مفاعيلها لان مرحلة التسوية اصبحت وراءنا وما ينتظر لبنان مرحلة مواكبة المشاريع.
ففي العراق انتخابات نيابية سينتج عنها حكومة جديدة، والمملكة العربية السعودية مهتمة كثيرا بالواقع العراقي والذي يتشارك معها وفق حدود لا بأس بها، وفي المقابل سوريا امسكت بالكثير من الاوراق العراقية وهي قادرة على المساومة بها مع الرياض بعيدا عن ايران التي تقض مضجع الخليج العربي.وفي لعبة مصالح الامم، هنالك تبادل مشاريع، السعودية مهتمة بالواقع العراقي كأولوية، وسوريا مهتمة بالواقع اللبناني كأولوية مطلقة.
لذلك، هنالك من يتوقع سقوط هذه الحكومة وولادة حكومة لبنانية جديدة بعد اتضاح الصورة في العراق، اي الصيف المقبل، على ان يكون طابع الحكومة المقبلة عملي ومواكب للمشاريع الكبرى في المنطقة بدءا من الملف الفلسطيني وصولا الى الخطوط المتشابكة والمعقدة بين سوريا وايران وتركيا والسعودية.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد