كتاب وكاتب » المشاهد العربي في أوروبا.. الانتماء والهويّات الهجينة


زاهرة حرب
ماذا يشاهد المهاجرون العرب في أوروبا؟ سؤال شغل باحثين في الشأن الإعلامي العربي، في دول أوروبية عدّة. أجريت دراسات كثيرة في هذا الإطار، حول عادات المشاهدة عند هؤلاء المهاجرين، من دون أن تتخطّى الحدود الجغرافية لدولة أوروبية أو أخرى. قبل نحو ثلاثة أشهر صدر كتاب للباحثة كريستينا سليد في بريطانيا، بعنوان &laqascii117o;مشاهدة التلفزيون العربي في أوروبا"(*)، يحوي حصيلة دراسة تولّت إعدادها، تشمل عادات المشاهدة عند المهاجرين العرب، في عواصم ستّ دول أوروبية هي بريطانيا، وفرنسا، والسويد، واسبانيا، وهولندا، وقبرص.
لا يبحث الكتاب في عادات المشاهدة ووجهتها فقط، بل يبحث في فهم المشاركين لمفهوم المواطنة والهوية. يؤكّد الكتاب على ما توصلت إليه دراسات أخرى أن المهاجرين العرب ليسوا كتلة واحدة، ولا يتبعون عادات مشاهدة واحدة. هناك من يجمع بين ثقافتين، وهناك متعدّد الثقافات، وهناك الجامع بين الثقافات المكوّن لثقافة هجينة.
يتوق المهاجرون العرب، الذين شملتهم الدراسة، إلى الانتماء والاندماج في المجتمع الأوسع، لكنّ بعضهم يشعر بالإقصاء. ويلحظ المشاركون أنّ إحساسهم بالانتماء إلى البلد الذي يحملون جنسيته أو إلى أوروبا محكوم بقلة التعاطف الذي يلقاه العالم العربي في إعلام هذه البلدان. ويكرّس هذا الإحساس ما يعتبره المشاركون في الدراسة عدم عدالة التغطية التي تلقاها القضايا العربية في وسائل الإعلام الأوروبية. ويأتي ما نشهده في الأيام الأخيرة من انحياز مؤسسة أوروبية عريقة مثل &laqascii117o;بي بي سي" البريطانية تجاه إسرائيل، في تغطيتها الحرب على غزة، وما أثاره ويثيره هذا الانحياز من ردود فعل لدى المهاجرين العرب في بريطانيا والداعمين للقضية الفلسطينية، ليؤكد مثل هذا التوجّس.
أثبتت الدراسة أن المشاهد العربي في أوروبا هو مشاهد ناقد ويفتخر بأنّ لديه القدرة على استقصاء الأخبار من أكثر من مصدر ومقارنتها. هم إذاً ليسوا بالمتلقين السلبيين تقول سليد، بل يخضعون ما يشاهدونه للسؤال والمقارنة. هم لا يشعرون بغربة عن المجتمعات التي هاجروا إليها، ولا بغربة عن إعلامها. تتوزّع مشاهدة تسعين في المئة من المشاركين في الدراسة، بين القنوات المحلية الأوروبية والقنوات الفضائية العربية. المفأجاة كانت أنّه في عصر الانترنت، لا تزال أغلبية المهاجرين تستخدم التلفزيون كمصدر أول للأخبار. تختلف نسبة المشاهدة للمحطات المختلفة بين دولة وأخرى. لا تزال الجزيرة تحظى بأفضلية المشاهدة عبر العواصم، إلا في باريس حيث أنّ نسبة المشاهدة متدنية جداً.
لا بد من الإشارة هنا إلى أنّ الدراسة أنجزت في آذار 2011، ومن الممكن أن تكون نسبة مشاهدة &laqascii117o;الجزيرة" قد تغيّرت بعد الانتقادات التي تعرّضت لها في تغطيتها لما بعد الانتفاضات العربية، لا سيما أن المشاهدين العرب أثبتوا أن وجهة مشاهدتهم تتبع بالدرجة الأولى قناعاتهم السياسية. وأشار الكتاب إلى أن المهاجرين العرب يعتبرون القنوات الوطنية العربية ـ ملجأً لهم لإبقاء الصلة مع جذورهم. اللافت هو استحواذ القناة الدينية &laqascii117o;اقرأ" على نسبة مشاهدة عالية، خصوصاً عند المهاجرين المغاربة بالإضافة إلى قناة السادسة الدينية المغربية. وتبين أن قناة &laqascii117o;الحرة" الممولة من الإدارة الأميركية لم تذكر في جدول المشاهدة. أما &laqascii117o;بي بي سي عربية"، فيبدو أن شعبيتها تكمن فقط عند المهاجرين العراقيين في الدول الست. أما من القنوات اللبنانية فهناك قناتان أورد بعض المشاركين، وتحديداً المتحدرين من المشرق العربي ذكرهما، وهما &laqascii117o;المنار" و&laqascii117o;أل بي سي آي". تتركّز مشاهدة &laqascii117o;المنار" في العاصمتين اللتين تتوفر فيهما فقط، أي ستوكهولم وبرلين، وهناك بعض من يشاهدها في لندن عبر الإنترنت.
على الرغم من توزيع المشاركين في الدراسة أوقات مشاهدتهم بين المحلي الأوروبي، والفضائي العربي، فإنّ ذلك لم يقدهم إلى عزل أنفسهم عما يدور حولهم في المجتمعات التي استقرّوا فيها. الدراسة تأتي لتناقض العديد من الأفكار النمطية عن المهاجر العربي في أوروبا ـ وتؤكد أن الاختلاف الثقافي لا يعني الانعزال أو العزل. إشكالية الهوية وحيثياتها تتعزّز بالهجرة، وكما يقول أمارتيا سن، فإنّ الهوية مفهوم هجين تتقاسمه وتحددّه متغيرات عدة، منها مكان الإقامة ونوع الجندر والطبقة الاجتماعية والأصول الجغرافية وإلى ما هنالك. من هنا تكمن فكرة أنّ الهوية بالمطلق مفهوم هجين وأن المهاجرين العرب في أوروبا ليسوا بمنأى عن هذا المفهوم.
(*) أستاذة الصحافة الدولية في جامعة سيتي لندن
Watching Arabic Television in Eascii117rope
From Diaspora to Hybrid Citizens
By Christina Slade
Palgrave Macmillan (2014)
المصدر: صحيفة السفير

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد