افتتاحيات » إلى الرعاع في لبنان: تحيتان من البغدادي والجولاني

ربيع بركات
حقق كل من &laqascii117o;داعش" و&laqascii117o;النصرة" نجاحاً باهراً. نجح الإثنان في استفزاز لبنانيين مهيئين في العادة للانفجار، عند كل مفترق حدث. لم تكن المهمة صعبة. ففي لبنان شبه دولة يُخطف جندها بالعشرات فيما بعض مسؤوليها يتابعون عيشهم كأن شيئاً لم يكن. وفيه أيضاً ما يكفي من الغوغاء في الشارع لحرف الأزمات عن أصلها، ولوضعها على سكة أكثر تفجّراً.
ليس صعباً فك شفرة ما يصبو التنظيمان إليه من خلال خطف جنود لبنانيين واحتجازهم، قبل الإجهاز على بعضهم بحد السكين، توازياً مع السير بلعبة مفاوضات تبادل السجناء على الشاكلة الراهنة.
&laqascii117o;جبهة النصرة" تحاول استمالة &laqascii117o;أهل السنة" في لبنان، لذلك أطلقت المنتمين إلى الطائفة وأبقت على &laqascii117o;الأغيار"، ودعت في بيانٍ لها، من تزعمُ الحديث باسمهم، إلى الانشقاق عن &laqascii117o;الجيش الصليبي". لـ&laqascii117o;النصرة" مشروعها السلفي الذي لا يتسع للآخرين من الطائفة، لكنها تديره بذكاء. وهي تعول في دعايتها داخل لبنان، على شرذمة من أدعياء &laqascii117o;الثورة" الذين يشتمون &laqascii117o;داعش" ويغنون على ليلها بصوتٍ خفيض. كذلك تستفيد من مقارنتها التلقائية بتنظيم &laqascii117o;الدولة" لتبرئة نفسها من الغلو، برغم مسارها الحافل بالتطرف، في الأدبيات كما في المسلك. بعد أكثر من شهر على الاحتجاز، نجحت جماعة الجولاني في اللعب على الوتر الطائفي بفعلتها، فأرخت خيط &laqascii117o;السنة" وشدت أعصاب الجماعات الأهلية الأخرى، وحققت بذلك &laqascii117o;ضربة معلم".
تنظيم &laqascii117o;داعش"، في المقابل، فضل اعتماد أسلوب مختلف. لم يفرق بين الجماعات الأهلية أصلاً. هو أكثر صراحة من &laqascii117o;النصرة". من لا يطيقهم مرفوضون على الملأ، سواء انتموا إلى &laqascii117o;الطائفة" أم لا. يفضل الوضوح منذ البداية، عوضاً عن التمرحل في كشف أجندته وتنفيذها. &laqascii117o;الكفر" و&laqascii117o;الردة" عنده لا لبس فيهما. يلمعان وضوحاً كحد السيف. أعدم وحوش &laqascii117o;الدولة" الرقيب علي السيد بدم بارد، ثم انتظروا الماء في القدر اللبناني ليغلي على مهل، قبل أن يذبحوا زميله العسكري عباس مدلج. تعويلهم كان على الفعل الثاني. فمدلج من &laqascii117o;الطائفة الشيعية"، وقتله، مرفق بسباب للطائفة وتهديد لوجودها، ولو في البيانات، فعّال في إثارة أبنائها، وفي إخراج الرعاع منهم عن طورهم.
الوالدان المكلومان أظهرا وعياً رفيعاً. رأى كل منهما أن شهيده يتسع لكل الوطن وقالا كلاماً موحداً. والد الجندي &laqascii117o;الشيعي" شدد على رفض الفتنة التي بدأت تطل برأسها من حادثة إعدام ابنه الأسير. فيما زاد رئيس الهيئة الشرعية في &laqascii117o;حزب الله" الشيخ محمد يزبك على كلامه، أثناء العزاء، مؤكداً رفض التعرض للنازحين السوريين، ومعتبراً إيواءهم واجباً إنسانياً.
لكن صدى الكلام المذكور لم يخرج عن نطاقه الضيق. فـ&laqascii117o;داعش" كانت قد سجلت هدفها ورمت الكرة في ملعب الغوغاء. هكذا، خرج فاقدو العقل من المتسترين بـ&laqascii117o;الطائفة" عن طورهم في الشوارع، ليعتدوا على نازحين في بعض الأحياء، وليعطوا مادة دسمة لمن يتمنّونها. في المقابل، أخذ بعض أدعياء &laqascii117o;الثورة" يسوّقون على وسائط التواصل الاجتماعي رواياتٍ عن اعتداء &laqascii117o;جماعة حزب الله" على السوريين، قاصدين بذلك تعميماً طائفياً مضمراً، وتوظيفاً سياسياً سريعاً.
تحولت المسألة بين ليلة وضحاها من قضية عسكريين مخطوفين لدى جماعات متطرفة، لاقى إثرها الجيش دعم الغالب الأعم من اللبنانيين، إلى هيام الغوغاء في الشوارع بحثاً عما يحقق لهم ثأراً معنوياً.
رد الفعل &laqascii117o;الشوارعي" يسير بالبلاد على حافة سكين، شبيه بذاك الذي يمسك به الذابحون. يُفرح هذا الأمر كلا التنظيمين المعنيين بخطف الجنود لا ريب. فأي أمر أعظم من خلط الأوراق وجعل ثلة من المغفلين حصان طروادة للجماعتين من أجل التمدد في ربوع البلاد؟
سبق للبنانيين من أنصار &laqascii117o;الثورة" أن انفعلوا على مشاركة سوريين في الانتخابات الرئاسية منذ أمد قريب، فدعا سياسيون وإعلاميون منهم إلى طرد اللاجئين الذي يثبت &laqascii117o;تورطهم" في عملية الانتخاب. لكن الأمر لم يتعدَّ الكلام حينها.
ثمة وضع مختلف اليوم. فالاستثمار في الدم المراق، لا في الموقف السياسي فقط. والقضية مرشحة لمزيد من التفاقم مع إتقان الجماعتين اللعب على التناقضات وإمساكهما برقبة الدولة اللبنانية وبجزء معتبر من أراضيها. تُضاف إلى ذلك قابلية للانفجار الأهلي لا يوقفها عند حدها سوى قرار إقليمي - دولي بالحفاظ على لبنان خارج مدار الزلازل.. حتى الآن.
ليس الانفعال سوى جزء من الدائرة المفرغة التي تتفرع عن الأزمة السورية، سواء في موطنها أو في البلدان المحيطة. ثمة منطق يعيد إنتاج نفسه، ببساطة لأن العنف يولّد مثله، ولأن الظروف التي شجعت عليه كانت داخلية سورية وخارجية أيضاً.
هكذا، بعد انطلاق الاحتجاجات السورية بأشهر قليلة، وفي مقابل قمع السلطة، سوّق البعض للعنف كحل للأزمة المتمادية. لم يتورّع كثير من هؤلاء عن الدفع نحو التطييف والعسكرة والتدويل، ملاقين النظام في منتصف الطريق. قام رعاع، تحت راية &laqascii117o;الثورة"، بمشاركة الأجهزة الأمنية في القضاء على سوريا، دولة ومؤسسات ونسيجاً وطنياً، بحجة أن التدمير والبطش مباحان في إطار &laqascii117o;رد الفعل" على عنف النظام.
اليوم، يقوم رعاعٌ لبنانيون بالاعتداء على سوريين وفق المنطق ذاته. يريد هؤلاء أن تُدفع جزية الذبح، فيتنقلون من حارة إلى أخرى كما يحوم الذباب فوق الدم المسال، باحثين عن ضحية يشفون بها بؤسهم، فيما الدولة العاجزة عن حماية جنودها، أعجز عن وضع تصور يفيد في منع انفلات الأمور من عقالها.
لهؤلاء كلام مستحقٌ من البغدادي والجولاني على السواء: تحية شكر وتقدير.
المصدر: صحيفة السفير

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد