كتاب وكاتب » زافين قيومجيان بين تأريخ وحنين: مئة لحظة صنعت ذاكرتنا الجماعية

 

zaven_310

 

زينب حاوي
يعيش الإعلامي زافين قيومجيان (1970) هذه الأيام فرحة حصاده خمس سنوات من الجهد والبحث أثمرت كتابه الجديد &laqascii117o;أسعد الله مساءكم... مئة لحظة صنعت التلفزيون" (هاشيت - أنطوان). &laqascii117o;أسعد الله مساءكم" تلك العبارة السحرية التي ترددت لسنوات على شاشة &laqascii117o;تلفزيون لبنان" وطبعت معها مرحلة من الزمن الجميل، رددها قيومجيان عام 1992 في مناسبة ارتداء هذه القناة حلّتها الجديدة في الأخبار والبرامج. يومها، ختم الإعلان الترويجي &laqascii117o;تلفزيون لبنان المبتدأ والخبر" بهذه العبارة. كان زافين من بين الوجوه الشابة مع اثنتين من زميلاته: رجاء كموني وندى صليبا.

لا شك في أنّ هذه اللحظة أثرت في الإعلامي اللبناني لحثه على إنتاج هذا الكتاب. والى جانب هذه اللحظة، كان تكليفه من قبل فريق الأخبار بإعداد تقرير عن أرشيف &laqascii117o;تلفزيون لبنان". وقتها ذهل الشاب بهذه الكنوز وعاد بالزمن الى الوراء، الى أزمنة ذهبية طبعت الشاشة الرسمية طويلاً. هاتان الحادثتان شكلتا هذا الحافز ليصدر اليوم مولوده الجديد.

قصة قيومجيان مع التلفزيون ليست مستجدة. يروي لـ&laqascii117o;الأخبار" أنّه منذ عامه العاشر، كان يطمح ليكون مراسلاً حربياً، رغم سكنه في منطقة فردان التي لم تشهد على هول الحرب الأهلية. كان يسمع فقط أصوات المدافع والقذائف ويراها على شاشة التلفزيون: &laqascii117o;لم أر في حياتي قتيلاً، ولا بناية مهدمة".

هذا الأمر تحقق مرتين في مسيرته الإعلامية، عندما ذهب في عامي 1993 و1996 الى الجنوب اللبناني وغطى الاعتداءات الإسرائيلية هناك. لا شك في أنّ تغطيته مجزرة قانا (1996) كان لها الوقع الأبرز في هذه المهمة. مهمة المراسل الحربي انتهت هنا، لتبدأ مسيرة أخرى داخل القناة الرسمية وانتقالاً الى شاشة &laqascii117o;المستقبل". وضمن طيات هذه السنوات، لا يخفي المقدم الشاب صعوبة دخوله الى هذا المضمار لأسباب عدة، ضمنها أنه ليس وسيماً كما يقول. أيضاً، يرى أنّ انتماءه الى الطائفة الأرمنية جعل حظوظه تنكفئ بسبب الصيغة اللبنانية التي كانت مطروحة آنذاك بأن &laqascii117o;الأرمني" لا يعمل في التلفزيون مذيعاً، بل توكل إليه مهمات أخرى كالمونتاج والتصوير وغيرهما. يرى قيومجيان أنه كسر &laqascii117o;الكليشيه" اللبناني وظهر على الشاشة الصغيرة بعد طلبه من البطريرك الأرمني بالتوسط لتوظيفه، وأعطاه الدفع الكامل في هذا الوقت المدير العام فؤاد نعيم ومدير الأخبار عارف العبد. أصبح ينادى &laqascii117o;التلفزيونجي" كما بات يكنّيه والده.

بعد أكثر من 20 عاماً على عمله في التلفزيون، يقف الإعلامي اللبناني على حافة مختلفة يرفض تقويمه بعد كل هذه السنوات تبعاً لنسب المشاهدة التي يحوزها برنامجه &laqascii117o;بلا طول سيرة" على &laqascii117o;المستقبل"، بل حسب ما قدمه لهذا التلفزيون من &laqascii117o;تجديد وريادة". في عصر البرامج الفضائحية التي تنافس بعضها بعضاً اليوم، لا يخفي قيومجيان تورطه بداية في فخ لعبة الإثارة والتسطيح التي يتطلبها العمل التلفزيوني. لكنه يستدرك قائلاً بأنّه اجتهد أكثر للخروج منها حتى لا يصبح &laqascii117o;استهلاكياً". يطل على الواقع الحالي لهذا القطاع، معتبراً أنه فقد الصدقية التي تبنى عادةً مع المشاهد، عبر فبركة الفضائح والعمل على أن تكون الإثارة &laqascii117o;وجه الصحارة لهذه البرامج لا بهاراتها".

في إصداره الأخير، برز قيومجان باحثاً موثّقاً لحقبة نشأة التلفزيون اللبناني (1959 ــ 1989). إصدار تطلب البحث عن موارد نادرة لصعوبة توافر المراجع المعنية، وينتظر إنتاجاً آخر في العام المقبل يؤرخ لزمن التسعينيات الى اليوم. لا شك في أنه سيحمل حساسية عالية نظراً إلى حداثة المرحلة، وأيضاً لأنها تتضمن ذكراً لمسيرته الشخصية.

بين الذاتي والموضوعي، تميل الكفة الى الذاتي بما أن الكاتب أقحم نفسه في التقويم وإبداء الآراء. مع ذلك، وفي صراع بين الباحث والصانع للتلفزيون والمشاهد، ربح الباحث داخله كما يقول لنا. فالمهم ما يؤكد &laqascii117o;الخبرية" وليس من &laqascii117o;يخبر". في الهاجس الذي كان يعتريه طوال تحضيره لهذا العمل، كانت الأولوية تنحصر في تخليد رموز لبنانية صنعها التلفزيون وليس إرضاء الجميع. هذه الرموز التي بقيت ضمن ذاكرة جيلها واستحالت طيفاً اليوم، يكرس لها الكتاب هذه الحصة لتتثبّت في الذاكرة الشعبية للبنانيين الى حدّ أسطرتها.

في صفحات الزمن الجميل والزمن القبيح للتلفزيون اللبناني، لم يرو قيوميجان في كتابه، كما كشف لنا، مراحل الحرب العبثية و&laqascii117o;تجاوزاتها" وتحوّل التلفزيون وقتها الى أداة &laqascii117o;بشعة"، ولا سيما في حرب &laqascii117o;عون/ جعجع". لم يطل على جزء من حركة دراما الثمانينيات التي كانت تنشط في موازاة الحرب الأهلية، ربما بسبب تصدر لغة المدافع على ما سواها من أصوات. قابل أكثر من 200 شخصية من صنّاع التلفزيون في هذه الحقبات، تأرجحت انطباعاتهم وهم يسردونها، فمنهم من آثر الانغلاق على نفسه واعتبر الكلام &laqascii117o;اقتحاماً لحميمية داخلهم"، ومنهم من تعاون. لكن تبقى النقطة الأهم في استخلاص شخصي قام به قيومجيان من خلال هذا العمل وهو التمرين على مسلّمة يجب أن تمر بها كل البشرية من خلال صناعة هذا الكتاب، ألا وهي المرور بمراحل متفاوتة بين النجاح والفشل والنكران.


*****


أسعد الله مساءكم يا أهل الزمن الجميل

إنه الإصدار الثالث لزافين قيومجيان بعد &laqascii117o;لبنان فلبنان" (دار النهار ـ 2002) و&laqascii117o;شاهد على المجتمع" (2013 ـ أكاديميا)، يطل كتاب &laqascii117o;أسعد الله مساءكم- مئة لحظة صنعت التلفزيون في لبنان" (هاشيت- أنطوان) بعد خمس سنوات من الجهد والبحث. هذه المرة، أبحر الإعلامي اللبناني في السنين الأولى لتأسيس التلفزيون في لبنان (1959) وصولاً الى عام 1989: ثلاثون عاماً من ذاكرة شعبية حبلى بالأحداث والتغيرات الجذرية في العالم المرئي المحلي. سرد هذه السنوات سيحيلنا بالتأكيد على عمل مضنٍ تطلّب العودة الى أرشيف ضخم ومشاهدة مئات الساعات التلفزيونية، عدا تلقف آثار جزء من هذه الذاكرة التي لم تؤرّخ بسبب غياب التسجيل وقتها، وحضور البث المباشر بثقله. تكمن أهمية هذا التأريخ والتوثيق لهذه الحقبات بحلوّها ومرّها، في ندرة الأبحاث والمنشورات التي تتحدث عن تاريخ التلفزيون في لبنان. إبحار بالزمن الى 4 حقبات كما قسّمها الكتاب وتسجيل لأبرز وأهم اللحظات التلفزيونية ضمن مئة لحظة.

الكتاب الذي يمتد لـ 315 صفحة، يتمتع بلغة مشوّقة وحيوية تنتشل النصوص من الملل المفروض على السرد التاريخي، فاتحة نافذة للقارئ على عالم غنيّ بالمعلومات والصور النادرة منها والمنتشرة. بعد مرور 55 عاماً على ولادة التلفزيون في لبنان، يولد &laqascii117o;أسعد الله مساءكم... مئة لحظة صنعت التلفزيون في لبنان" ليعّرف الجيل الحالي على أيقونات الماضي الجميل ولحظات أحدثت الفرق في هذا العالم.

يطل على مرحلة الحرب الأهلية والشرذمة التي خلّفتها في النفوس وضمن المناطق اللبنانية، ويقف عند نهاية العقد التاسع بعيد نشوء &laqascii117o;المؤسسة اللبنانية للإرسال" (1989) والنقلة التي أحدثتها بعد سنوات من هذه الانطلاقة.
الحديث عن هذه الحقبات، يحتاج إلى التوثيق الدقيق والعلمي. وهذا ما فعله الإعلامي اللبناني الذي أرّخ باليوم والسنة واليوم وحتى الساعة لهذه اللحظات التلفزيونية. ورغم سطوة السرد وضرورة الالتزام بمسار معين يخفي الذات ويترك للتاريخ أن يتحدث، الا أنّ هذا الكتاب خلط بين الذاتي الى درجة تمرير التعليقات والنقد في إيجابياته وسلبياته، وبين الموضوعي الذي التزم أصول التوثيق العلمي.

انتخابات ملكات الجمال اللبنانيات، ظهور شوشو، زواج صباح، أجرأ وأطول قبلة في الدراما اللبنانية...

يدشن الكتاب بالحديث عن نشأة التلفزيون في لبنان (1959) بعيد انتهاء الحرب الأهلية وبدء مرحلة الحرب الباردة، واستثمار صناعة التلفزيون بغية &laqascii117o;توحيد الشرائح اللبنانية" وكسر &laqascii117o;عزلة" المناطق وقتها.
وفي الانتقال الى العقود التالية، تنتقل المفاهيم وتتبدل. في العقد السادس وتحديداً عام 1964، حضر الريف بقوة على التلفزيون من خلال تصدير قيمه وتجسيدها عبر شخصيات طبعت هذه المرحلة أمثال &laqascii117o;أبو سليم" و&laqascii117o;أبو ملحم". في هذه الفترة، انتشرت أجهزة التلفزيون بشكل أوسع من المناطق الساحلية لتشمل المناطق النائية. وهنا يسجل غياب لأرشيف كامل طبع هذه المرحلة بسبب النقل المباشر بدل التسجيل. لكن مع ذلك، استطاع هذا الجهاز وما يحويه من إحداث ثورة كما يروي الكاتب.
بعدها، انقلبت المفاهيم وتعززت الثقافة المدينية وظهر برنامج &laqascii117o;استديو الفن" (1973) على يد المخرج سيمون أسمر والى جانبه الراحل رياض شرارة الذي حلّ مكان نجيب حنكش في سرد الطرائف والنكات. في فترة السبعينيات، سجلت الاستعانة بالمذيعات ليكنّ وجوهاً جديدة في الدراما اللبنانية ويكرّسن لاحقاً كأبرز نجمات هذا العصر وما تلاه: ألسي فرنيني، نهى الخطيب سعادة، وهند أبي اللمع.

ومع الانتقال الكلّي الى عصر التصوير الملّون (1975)، كانت ولادة لنشرتين إخباريتين تعززان الانقسام الطائفي بين قناتيّ تلة الخياط والحازمية في بداية شرارة الحرب الأهلية، الى أن وحدتا ووحدت معهما القناتان بعد عامين في عهد الرئيس الياس سركيس إبان تسلم شارل رزق لمهامه كمدير عام فيها، وتصبح القناتان &laqascii117o;تلفزيون لبنان". في بداية الثمانينيات عهد أفول الشيوعية وهيمنة الرأسمالية والقيم الاستهلاكية، سجلت أسوأ فترة للتلفزيون اللبناني بوصفه أداة بروباغندا حزبية. تعطلت حركة الإنتاج الدرامي وقتها. في هذه الفترة، عادت وانقسمت الشاشتان عقب &laqascii117o;انتفاضة 7 شباط" (1984) التي قامت بها &laqascii117o;حركة أمل" في عهد الرئيس أمين الجميل.

ولعلّ الحدث الأبرز هنا ولادة مقدمات نشرات الأخبار التوجيهية. مع ولادة lbc عام 1988، بدأ انتقال جديد في صناعة التلفزيون وبرزت تقنيات استخدمت للمرة الأولى كالبث المباشر، إضافة الى العمل على إبراز صورة نقية تتمتع بقوة إرسال عالية.
ومع كل هذا المرور على الحقبات، يتوقف الكتاب في كل حقبة عند وجوه نسائية في الغالب: سونيا بيروتي ومرحلة قلبها لمعايير المذيعة الجميلة، مادلين طبر، نجوى قزعون (أول وجه يطل على شاشة شركة &laqascii117o;تلفزيون لبنان")، وأيضاً عند افيشات الإعلانات التي تطوّرت مع مرور الزمن. 4 أقسام تقدم كل منها توطئة تاريخية سردية، لتكرّ بعدها سبحة تسجيل المئة لحظة تلفزيونية التي اختارها الكاتب بين ملايين اللحظات. هكذا نبحر في غمار هذا الكتاب ويستذكر الجيل الماضي ما حدث، ويتعرّف الجيل الحالي إليها: انتخابات ملكات الجمال اللبنانيات، ظهور فيروز وشوشو، أجرأ وأطول قبلة في الدراما اللبنانية، زواج صباح، ارتباط نجيب حنكش، لحظة وفاة فريال كريم على المسرح...

كتاب غني ومشغول بعناية يضعه زافين قيومجيان بين أيدينا، ليكون مرجعاً في تاريخ التلفزيون اللبناني، على أن يستكمل في العام المقبل جزؤه الثاني الذي يدخل في عصر التلفزيون الحديث من التسعينيات حتى اليوم. ولا شك في أنّها أيضاً رحلة صعبة وشاقة يخوضها الإعلامي اللبناني ليستكمل &laqascii117o;Pascii117zzle" أكثر جهاز أدخل المتعة والدهشة، وأيضاً السطحية والإثارة الى بيوت الناس: إنه التلفزيون في لبنان.

(*) يوّقع زافين قيومجيان كتابه: &laqascii117o;أسعد الله مساءكم... مئة لحظة صنعت التلفزيون في لبنان" (هاشيت ـ انطوان) اليوم في &laqascii117o;مكتبة أنطوان" (اسواق بيروت) ابتداء من الساعة الخامسة عصراً

المصدر: صحيفة الاخبار

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد