افتتاحيات » لقاءات جريئة في هواء الساحة الطلق

عبده وازن

لم تُحدث التظاهرات التي أحيتها الحركات المدنية (&laqascii117o;طلعت ريحتكم" و&laqascii117o;بدنا نحاسب" وسواهما) في ساحتي قلب بيروت، ساحة رياض الصلح وساحة الشهداء، صدمة في المشهد السياسي والوطني فحسب، بل بلغت الصدمة ايضاً الإعلام المرئي وقلبت مقاييسه الثابتة. ولعلها من المرات النادرة التي يختفي فيها الضيوف الرسميون للشاشات التلفزيونية او &laqascii117o;نزلاؤها" الدائمون، وهم عادة من السياسيين التقليديين والمكرسين، وزراء ونواباً، الذين ملّهم الجمهور وسئم من أفكارهم المتكررة واللامجدية وأكاذيب بعضهم و&laqascii117o;بهوراتهم" وألاعيبهم المفضوحة... حلّت مكان هؤلاء وجوه جديدة، نقابية ومدنية، لم يألفها المشاهدون ولم يعتادوا نظافتها وبراءتها وأخلاقيتها السياسية وجرأتها في وضع النقاط على الحروف وتسمية ما يجب ان يسمى، وفي خلع الأقنعة عن وجوه السياسيين المقنعين. اما حركة التغطية الإعلامية السريعة والشاملة، فكانت من قبيل &laqascii117o;التحصيل الحاصل" وبدت القنوات كأنها في سباق مع ثورة الشارع وجنونه والمفاجآت التي حصلت. وتعرض اعلاميون لبعض الأخطار لا سيما خلال اطلاق الرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع وفتح خراطيم المياه، وبدوا متحمسين حماسة المتظاهرين وأكثر، وكأن القضية قضيتهم، ووظيفتهم ليس نقلها تلفزيونياً بصفتهم شاهدين، بل الانخراط فيها والتزام شعاراتها. على أن بضع قنوات كانت خفرة جداً في تعاطيها مع الحدث في اول انطلاقه ثم راحت تغطيه معوّضة ما فات (قناة ان.بي. ان مثلاً)، وكان تلفزيون لبنان شبه غائب عنها حتى اليوم الأخير.

ولم يكتف الإعلام المرئي بكاميراته ومذيعاته ومذيعيه، بالنزول الى الساحات المكتظة بالمتظاهرين ونقل الوقائع بحماسة وتقديم آراء الناس مباشرة من الشارع، على اختلاف مشاربهم السياسية والدينية، ومهما بلغت جرأة هذه الآراء، بل عمد الى انشاء &laqascii117o;استديوات" حية في الهواء الطلق لساحة الشهداء، مستضيفاً فيها اشخاصاً نقابيين وناشطين ومثقفين تحدثوا بحرية وجرأة.

وكانت قناة الفضائية اللبنانية سباقة في هذه الخطوة. فأنشأت &laqascii117o;استديوين" في قلب بيروت وفي أوقات مختلفة، مستعينة بالإعلاميتين القديرتين ديما صادق وندى اندراوس. وبدا &laqascii117o;استوديو" نهار الأحد غداة تظاهرة السبت الحاشدة اشبة بملتقى سياسي جرى خلاله تقييم النتائج الأولى واستخلاص العبر وتحليل المعطيات الناجمة عن الحدث الكبير. واللافت ان الإعلاميتين استقبلتا وجوهاً غير رسمية بتاتاً، مناضلين علمانيين وناشطين ومفكرين ومثقفين وفنانين كان لهم حضورهم في الساحتين. وبدت هذه اللقاءات المفتوحة أهم وأعمق من اللقاءات التي تمت داخل &laqascii117o;استديوات" التلفزيونات تبعاً لعفويتها وصراحتها وحصولها في قلب المعترك وعلى الأرض. وقد تعرضت ديما صادق، الإعلامية الذكية والحاذقة كما عهدناها في إطلالاتها الدائمة لحملة مباشرة من مناصري أحد الأحزاب الطائفية بل المذهبية اعتراضاً على وجود صورة احد رموزهم على لوحة ضمّت صور معظم السياسيين اللبنانيين الذين كيلت لهم التهم ولم يعترض منهم احد. وليست ديما هي التي رفعت هذه اللوحة بل فريق الفنانيين المحتجين والمعارضين الذي استضافتهم ليعبروا عن رأيهم بحرية ومن دون المساس بالكرامات الشخصية.

من تابع التظاهرات من خلال الشاشات التلفزيونية شعر فعلاً كأنه في قلب الحدث، فالكاميرات جعلته يحس كأنه يتظاهر ويهتف، وعرف الإعلاميون كيف يقدمون له ما يحصل في صورة بانورامية شاملة تضم أدق التفاصيل. وقد لفتني شاب توجّه علانية في كلام للكاميرا، الى زوجة احد الزعماء، مناشداً اياها ان تكف عن ضم المشاعات الى حسابها ومساعدته على توفير منزل ليتمكن من الزواج بعدما طال الانتظار.
المصدر: صحيفة الحياة

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد