- 'السفير'
الإسـرائيلي أشـد بطشـاً... وأكثـر سـعادة وإنتاجـاً!
حلمي موسى:
احتفلت إسرائيل يوم أمس بالذكرى الرابعة والستين لإعلان إنشائها في العام 1948 على أنقاض الشعب الفلسطيني وللحيلولة دون بناء دولته على ترابه الوطني. وشكل الاحتفال مناسبة لاختبار مقدار النجاح والتغير الذي طرأ على الكيان الإسرائيلي من لحظة تحوله من &laqascii117o;ييشوف" يبلور مشروع دولة تحت الانتداب البريطاني إلى الدولة التي هي عليها الآن. وقد أسهب قادة إسرائيل في تعداد إنجازاتها على صعد اجتماعية واقتصادية وأمنية وسياسية. ومن المؤكد أن معاناة وعذابات الشعب الفلسطيني لا ترد ضمن هذه الإنجازات، لكنها كانت على الدوام الأساس الذي انطلقت منه. فالمشروع الصهيوني برمّته كان واحداً من المشاريع الاقتصادية الناجحة التي تم فيها استثمار مال وجهد وكانت النتيجة سرقة وطن واستثمار أرضه وتراثه.
وفي البداية أظهرت معطيات دائرة الإحصاء المركزي الإسرائيلي أن تعداد السكان في الدولة العبرية ازداد خلال الأربع وستين سنة الماضية حوالي عشرة أضعاف. ففي العام 1948 كان تعداد سكان الدولة المعلنة حديثاً 806 آلاف نسمة أقل من خمسهم من المواطنين العرب. وتعد إسرائيل اليوم 7 ملايين و881 ألف نسمة منهم مليون و623 ألف عربي يشكلون 20,6 في المئة من السكان. ويبلغ تعداد اليهود خمسة ملايين و931 ألفاً وإلى جانبهم 327 ألفاً من المهاجرين غير المسجلين كيهود. ومنذ &laqascii117o;عيد الاستقلال" السابق ولد في إسرائيل 160 ألف طفل، وتوفى 39 ألف شخص. ووصل إلى إسرائيل 19 ألف مهاجر مقابل 8 آلاف شخص هاجروا من إسرائيل. وخلافاً لما كان عليه الحال في العام 1948 حينما كانت نسبة مواليد البلاد من اليهود حوالي 35 في المئة فإن نسبة مواليد فلسطين بين السكان اليهود حالياً تزيد عن 70 في المئة. وفي العام 1948 كانت في إسرائيل مدينة واحدة يزيد تعداد سكانها عن 100 ألف وهي تل أبيب الموحّدة مع يافا في حين توجد حالياً أكثر من 14 مدينة يزيد تعداد سكانها عن 100 ألف وست منها يزيد سكانها عن 200 ألف. ويقيم أكثر من 90 في المئة من السكان في 75 مدينة كما أن ثلث سكان إسرائيل يعيشون في محيط تل أبيب في المنطقة المسماة &laqascii117o;غوش دان". وقد ازدادت تكلفة المعيشة في إسرائيل بشكل حادّ في العامين الأخيرين. وبحسب معطيات دائرة الإحصاء فإن عائلة من الطبقة الوسطى تحتاج شهرياً إلى 14250 شيكلاً شهرياً (أكثر من 3500 دولار) كما أن العائلات الغنية من العشرين في المئة الأعلى تنفق 22501 شيكل شهرياً (حوالي 6 آلاف دولار) وهو ما يزيد 2.6 أضعاف عما تنفقه عائلة من العشرين في المئة الأدنى بحوالي 8726 شيكلاً (2300 دولار).
ويعتبر متوسط الأجور اليوم 8883 شيكلاً (حوالي 2300 دولار)، كما أن معدل البطالة يبلغ 6.5 في المئة. ويبلغ عدد الأجيرين 3,28 مليون شخص فيما أن الناتج القومي يزيد عن 880 مليار شيكل (أكثر من 230 مليار دولار). ولكن المعطيات لا تتوقف هنا فمقابل تضاعف عدد السكان عشر مرات تقريباً تضاعفت صادرات إسرائيل من البضائع والخدمات 15 ألف مرة. وكانت صادرات إسرائيل العام 1948 6 ملايين دولار فقط، لكنها بلغت العام 2011 90 مليار دولار. وازدادت قيمة الصادرات للفرد خلال هذه الفترة من 7 دولارات عام 1948 إلى حوالي 11.5 دولار العام 2011. وقد تطلّعت إسرائيل إلى أن تكون بين الدول الخمس عشرة الأولى في العالم على صعيد الدخل القومي للفرد. وكانت بريطانيا في العام 1950 هدف التصدير الأول لإسرائيل بقيمة 11 مليون دولار (شكلت ثلث الصادرات الإسرائيلية ذلك العام) تلتها الولايات المتحدة بـ8 ملايين دولار. ومنذ العام 1970 غدت الولايات المتحدة الهدف الأول للتصدير. وفيما شكلت الصادرات الإسرائيلية لأوروبا في الخمسينيات والستينيات حوالي 70 في المئة من مجموع الصادرات فإن هذه النسبة تراجعت حالياً إلى 40 في المئة وإلى أميركا الشمالية 27 في المئة. وفيما كانت الصادرات لآسيا العام 1950 تشكل واحداً في المئة فقط شكلت هذه الصادرات العام 2011 حوالي 19 في المئة. وكانت المجر أول دولة تبرم اتفاقاً تجارياً مع إسرائيل في العام 1949 ولكن إسرائيل تقيم اتفاقيات تجارة حرة اليوم مع 39 دولة منها 27 في إطار اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي. ويظهر استطلاع نشرته صحيفة &laqascii117o;إسرائيل اليوم" أن 93 في المئة من الإسرائيليين يفخرون بكونهم كذلك وأن حوالي 70 في المئة يفخرون جداً. واعتبرت الصحيفة أن الاستطلاع الذي أجراه معهد &laqascii117o;أبحاث الموجة الجديدة" يشير إلى تفاؤل كبير يسود الإسرائيليين. فهناك أكثر من 80 في المئة يفضلون العيش فيها عن أي مكان آخر في العالم وفقط 9 في المئة يفضلون العيش خارجها. ويبدي 83 في المئة من الإسرائيليين استعدادهم لإظهار تفاخرهم القومي عن طريق رفع أعلام على بيوتهم أو سياراتهم. وقال 74 في المئة ممن شاركوا في الاستطلاع إن إسرائيل دولة يطيب العيش فيها فيما رأى أكثر من 17 في المئة عكس ذلك. والأكثر إحساساً بالسعادة في إسرائيل هم ممن تجاوزت أعمارهم 55 سنة والمتدينين وسكان القدس. كما أن المجموعة الأكبر بين السعداء تبلغ 50 في المئة هم ممن تتراوح أعمارهم بين 25-44 عاماً. والأمر الذي يثير قلق الإسرائيليين ليس الخطر النووي الإيراني (في المكان الثاني بنسبة 15.5 في المئة) وإنما الأمن الشخصي (العنف، المخدرات والجريمة) بنسبة 17.9 في المئة. والأقل خشية على أمنهم الشخصي هم الحريديم. ولا يبدو أن الإسرائيليين يخشون من العزلة السياسية (فقط 3 في المئة) ولكن الأمن على الحدود مقلق (14.9 في المئة) وحوادث الطرق (13.5 في المئة) والاقتصاد (12.9 في المئة) ومظاهر اللاسامية في العالم (12.1 في المئة). فالإسرائيلي يصنف نفسه أولاً كيهودي ثم كإسرائيلي (حوالي 65 في المئة مقابل 21 في المئة) وهذا يفسر الاهتمام باللاسامية.
- 'الحياة'
ما الذي يجب فعله حيال أفغانستان؟
باتريك سيل: (كاتب بريطاني مختص في شؤون الشرق الاوسط)
من المتوقّع أن يحتلّ موضوع أفغانستان حيّزاً كبيراً في القمة التي سيعقدها حلف شمال الأطلسي في شيكاغو في 20 و21 أيار (مايو) المقبل في حين يتعيّن على الزعماء المجتمعين مواجهة ثلاثة وقائع مزعجة.
أولاً، يبدو أنّ المحادثات مع حركة &laqascii117o;طالبان" لم تُجْدِ نفعاً، الأمر الذي أبعد احتمال بلوغ مخرج للنزاع يتمّ التفاوض عليه. ويعيد ذلك إلى الواجهة إمكان انسحاب حلف شمال الأطلسي قسراً، ما يعني إلحاق هزيمة مهينة به.
قدّم هذا الشهر أدلة مقلقة بشأن قدرة &laqascii117o;طالبان" المتزايدة على شنّ هجمات منسّقة في جميع أنحاء البلد حتى في المناطق التي تحظى بنسبة عالية من الأمن. وفي 15 نيسان (أبريل)، تسلّل مقاتلون انتحاريون تابعون لحركة &laqascii117o;طالبان" إلى كابول وشنّوا هجوماً على حيّ السفارات المحصّن والبرلمان. وقُتل نحو 36 متمرداً و11 عنصراً من قوات الأمن الأفغانية خلال تبادل لإطلاق النار بالمسدسات.
أما الواقع المزعج الثاني، فهو أنّ الرأي العام في الولايات المتحدة وفي الدول الحليفة لها تعب من الحرب ويبدو غير مقتنع بأنّ القتال والموت في أفغانستان البعيدة سيجعله في منأى عن الهجمات الإرهابية. ويدلّ التصريح الأخير الذي أطلقه ريان كروكر، السفير الأميركي في كابول، على أنّ إدارة أوباما لم تأخذ ذلك بالاعتبار: فقال: &laqascii117o;من شأن الانسحاب قبل أن يتمكن الأفغان من إحكام السيطرة على الأمن بالكامل أي بعد بضع سنوات، دعوة &laqascii117o;طالبان" وشبكة حقاني (وهي شبكة إسلامية موجودة في باكستان) وتنظيم &laqascii117o;القاعدة" إلى العودة والتحضير لهجمات أخرى شبيهة بتلك التي شُنّت في 11 سبتمبر 2011. وأظن أنّ هذا الخطر غير مقبول بالنبسة إلى أي أميركي".
هل كروكر على حق؟ من الواضح أنّ بعض حلفاء الولايات المتحدة يخالفونه الرأي، فأعلن أحدهم قراره الانسحاب قبل الإطار الزمني المتفق عليه عام 2014. وأشارت رئيسة وزراء أستراليا جوليا غيلارد هذا الأسبوع إلى أن القوات الأسترالية التي تضمّ 1550 جندياً، ستنسحب من الجبهة الأمامية بحلول منتصف عام 2013، على أن يقتصر دورها على تقديم الدعم. وفي شيكاغو، من المتوقّع أن تحاول إقناع زملائها أنّه يجب إنهاء الدور القتالي الذي يضطلع به حلف الأطلسي في أفغانستان في منتصف عام 2013 وليس في نهاية عام 2014. غير أنّ المرشح للرئاسة الفرنسية فرانسوا هولاند قدّم اقتراحاً أفضل، فتعهّد بإعادة 3550 جندي فرنسي إلى ديارهم في نهاية هذا العام في حال تمّ انتخابه رئيساً في 6 أيار كما يتوقع عدد كبير من الأشخاص.
ثالثاً، تبدو الولايات المتحدة عازمة على الحفاظ على وجود نوعي على المدى الطويل في أفغانستان بسبب ما تعتبره تهديداً إرهابياً مستمراً، ما أثار امتعاض إيران وباكستان. وقد يختلف زعماء حلف شمال الأطلسي خلال قمة شيكاغو حول الجهة التي ستتكبد فاتورة المساعدة المستمرة التي سيتمّ تقديمها إلى أفغانستان بعد عام 2014. وبما أنّ الميزانيات محدودة، أجمع أعضاء الحلف على أنه لم يعد ممكناً تمويل الجيش الأفغاني الذي يضمّ 352 ألف جندي وتزويده بالمعدات، علماً أنّ هذا الهدف طموح للغاية ومن غير المتوقع بلوغه هذه السنة. بدلاً من ذلك، يجب تقليص عدد أفراد الجيش إلى 230 ألف جندي، ما يكلّف المانحين حوالى 7 بلايين دولار في السنة. ويترتب على الولايات المتحدّة تسديد حصة الأسد، فيما تتولى دول حلف شمال الأطلسي تسديد المبلغ المتبقّي.
وفي حال تمّ تقليص عدد أفراد الجيش الأفغاني كما تمّ اقتراحه، ما الذي سيحل بالجنود البالغ عددهم 120 ألفاً الذين يتمّ تسريحهم؟ قد ينضمون إلى صفوف المتمردين، لا سيّما أنهم مسلحون ومدرّبون. ويشكّل هذا السيناريو كابوساً بالنسبة إلى حلف شمال الأطلسي. لقد سجّلت هذه السنة تطوّراً مزعجاً، إذ قام الجنود الأفغان في مناسبات عدّة بتوجيه أفواه بنادقهم نحو المدربين التابعين للحلف. ومنذ شهر كانون الثاني (يناير)، قتل الجنود الأفغان 16 من الجنود التابعين للحلف.
كما تمّ التوصل في عطلة نهاية الأسبوع الماضي إلى اتفاق حول مسوَّدة معاهدة استراتيجية بين الولايات المتحدة وأفغانستان لتقديم تعاون مضاد للإرهاب ومساعدة اقتصادية أميركية على مدى عقد على الأقل بعد عام 2014. وتمّ خلال المفاوضات المطوّلة حلّ مسألتين كانتا محطَّ نزاع، الأمر الذي مهّد الطريق أمام بلوغ اتفاق حول المعاهدة الاستراتيجية. أولاً، وافقت الولايات المتحدة على تسليم الأفغان مركز باروان للاعتقال حيث يتمّ اعتقال المتمردين المشتبه فيهم واستجوابهم. ثانياً، وافقت الولايات المتحدة على أن يهتم الأفغان بعمليات الدهم الليلية لمنازل الإرهابيين المشتبه فيهم التي كانت تنفذّها القوات الخاصة الأميركية. وتشمل عمليات الدهم الليلية اقتحام المنازل التي تنام فيها العائلات، ما أثار سخط الأفغان. كما تسبّب خرق خصوصية النساء بغضب كبير.
متى ستدرك الولايات المتحدة أن سياسات مناهضة الإرهاب تولد إرهابيين أكثر من أولئك الذين تقتلهم الطائرات من دون طيار والهجمات الجوية والأعمال العنيفة الأخرى؟ ولّدت &laqascii117o;حرب أميركا المستمرة على الإرهاب" مشاعر معادية للأميركيين في أفغانستان وباكستان واليمن والدول الإسلامية الأخرى، ما قوّض شرعية الزعماء في هذه البلدان، الذين اتُّهموا بأنهم يتعاملون مع الولايات المتحدة لشنّ الحرب على شعبهم.
وفي بداية الشهر، عرضت الولايات المتحدة تقديم مكافأة بقيمة 10 ملايين دولار لكلّ شخص يقدّم معلومات تؤدي إلى اعتقال حافظ سعيد، مؤسس &laqascii117o;عسكر طيبة"، وهي مجموعة مناضلة باكستانية. ولا يزال حافظ سعيد، الذي يبدو رجلاً شجاعاً يسرح ويمرح في أنحاء باكستان ويلقي خطابات نارية معادية للأميركيين وللهنود. ولا يبدو أنه يواجه خطر اعتقاله. لا يزال الرأي العام الباكستاني غاضباً بسبب الهجوم الجوي الأميركي الذي شُنّ في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي وأدى إلى مقتل 24 جندياً باكستانياً على الحدود. وأشار تقرير نشرته صحيفة &laqascii117o;فاينانشال تايمز" من إسلام أباد هذا الشهر، إلى أنّ العلاقات الأميركية-الباكستانية وصلت إلى ادنى مستوى منذ عشر سنوات.
وأضر عدد كبير من الأحداث المفاجئة بسمعة أميركا، كما دلّ على التدريب الضعيف الذي حصل عليه الجنود الأميركيون الشباب وعلى انحطاط أخلاقي. في شهر كانون الثاني، تمّ نشر شريط مصوّر ظهر فيه جنود أميركيون يبولون على جثث متمردين أفغان، وفي شهر شباط (فبراير) تسبّب حرق نسخ من القرآن عن غير قصد في قاعدة باغرام الجوية، بأعمال شغب واسعة النطاق. وفي شهر آذار (مارس)، قام جندي أميركي بقتل 17 مدنياً أفغانياً بما فيهم نساء وأطفال. وفي شهر نيسان (أبريل)، نشرت صحيفة &laqascii117o;لوس أنجليس تايمز" صوراً (قيل إنها التقطت عام 2010) يظهر فيها جنود أميركيون من الفرقة 82 المحمولة جواً يلتقطون صوراً مع أشلاء لجثث متمردين أفغان.
ويجدر بالولايات المتحدة أن تسأل نفسها عن سبب الكره الذي ولّدته في العالم الإسلامي وعمّا إذا كان يجب أن تحسّن سمعتها. قد تأخذ الاقتراحات التالية بالاعتبار. يجب وقف &laqascii117o;الحرب على الإرهاب" ووقف قتل المسلمين ووضع حدّ لبناء المستوطنات الإسرائيلية والترويج لقيام دولة فلسطينية وتقليص الوجود العسكري الأميركي في دول الخليج ليقتصر على وجود بحري بعيد.
يجب على الولايات المتحدة أن تسعى بنية حسنة للتوصّل إلى حلّ عادل مع إيران حول المسألة النووية. ويتعيّن عليها وقف حربها الاقتصادية ضد طهران مقابل تعهد إيران بوقف تخصيب اليورانيوم عند المستوى المسموح به بموجب معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية. وبدلاً من تحريض العرب ضد إيران وإذكاء النزاع السني-الشيعي، يجب أن تشجّع الولايات المتحدّة دول الخليج العربية على إدخال إيران في منظومة أمنية في المنطقة.
تبدو واشنطن غير مدركة أنها بحاجة إلى مساعدة إيران في حال وجب إرساء السلام والاستقرار في العراق وأفغانستان. ومن غير المرجح أن تحصل على تعاون طهران في ظلّ &laqascii117o;العقوبات المشلة" التي تفرضها عليها. ويعدّ ذلك أحد العناصر التي تميز السياسة الأميركية غير المتناسقة.
- 'الحياة'
مصير الديموقراطية العربية أمام النزعات الدينية
راغدة درغام:
أن يكون أحد المتنافسين على الرئاسة الأميركية أسود البشرة ابناً لأميركية بيضاء مسيحية ورجل أفريقي مسلم، والآخر من طائفة المورمون التي تشكل أقلية مثيرة للجدل أقله بسبب تعدد الزوجات، إنما هو دليل على تميّز أميركا. ذلك أن هذا البلد الذي توافد إليه المهاجرون بحثاً عن الحرية وفرصة بناء الذات إنما هو عظيم بسبب قدرته على تقبل واقع حيث باراك حسين أوباما يواجه ميت رومني في معركة على البيت الأبيض. انه القفز الفعلي على العنصرية والتحامل على الأقليات مهما كانت القاعدة الشعبية الأميركية تحوي من تطرف وفوقية وانحياز وتعصب ومحاباة. لا باراك أوباما ولا ميت رومني اسم على نسق جان سميث، فكلاهما غريب اللفظ نادر الوجود، والناخب الأميركي يتعجب ويتأقلم. هذا لا يعني أن الحال في الولايات المتحدة الأميركية بخير، وأن الدستور الأميركي يتوّج اللعبة السياسية ويسيّرها. واقع الأمر أن هناك اختلال خطير في العلاقة بين وداخل كل من السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية و &laqascii117o;السلطة" الإعلامية. أحد أسباب الاختلال عائد إلى الفساد الذي يلازم اللعبة السياسية وإلى تأثير اللوبي في الانتخابات وفي صنع القرار. السبب الآخر هو ما أسماه المعلق المرموق توماس فريدمان بـ &laqascii117o;الفيتوقراطية" نقلاً عن مؤلف كتاب &laqascii117o;نهاية التاريخ والإنسان الأخير" فرانسيس فوكوياما في مقالة بعنوان &laqascii117o;كل شيء يتداعى". أزمة السلطة في الولايات المتحدة ونظامها السياسي المشوه &laqascii117o;الذي أصبح الكونغرس فيه منتدى للرشى المقننة" أزمة خطيرة، بالتأكيد، لا سيما على مستقبل مرتبة العظمة الأميركية على الساحة العالمية. العملية الانتخابية، بحد ذاتها، تقيّد هذا البلد وتكاد تكون مساهماً في تحويله من الديموقراطية إلى الفيتوقراطية. وعلى رغم ذلك، أن مجرد التوقف لحظة للتفكير بباراك أوباما وميت رومني لا بد أن يذكِّر بأن هذا المشهد كان مستحيلاً قبل مجرد سنوات، وأن واقع ترشيح الرجلين شبه المؤكد لأعلى سلطة ومنصب في البلاد، إنما يشهد على عظمة أميركا. فالولايات المتحدة تعيد اختراع نفسها. بصورة أو بأخرى، بتغلبها على التعصب على رغم تفشّيه في القاعدة الشعبية، وبتعاليها على الاختلال على رغم تزيينه أكثرية رجال الكونغرس. في المنطقة العربية، حيث إعادة اختراع النفس عملية سائدة في أكثر من بلد مرّت به رياح التغيير، إن الخوف هو من غياب تقاليد صمام الأمان، مثل الدستور، ومن أخذ الأكثرية لا سيما من الأحزاب الإسلامية إلى اعتبار &laqascii117o;الفيتوقراطية" حقاً لها أنعمت عليها به العملية الديموقراطية. الخوف من أن يكون مفهوم النقض (الفيتو) بأنه سياسة بحد ذاته في أكثر من بلد عربي حيث التعطيل بات واقعاً يشل البلاد. حتى في مجلس الأمن الدولي، أخذت دول كبرى مثل روسيا والصين إلى الفيتوقراطية وسيلة لمنع الديموقراطية أن تأخذ مجراها من الساحة العربية، لربما خوفاً من تسللها إلى ديارهما.
الانتخابات الرئاسية في مصر محطة مهمة للمصريين ولمستقبل القيادة المصرية في المنطقة العربية. مصر تعيد اختراع نفسها. إنها في مخاض وفي خطر الانزلاق إلى الفوضى، حيناً، وهي في فرز ملفت بتنظيمه وإيقاظه لمن يتخيّل انه امتلك السلطة، حيناً آخر.
قد يغضب المعارضون المدنيون والإسلاميون للمجلس العسكري إذا قيل إن المجلس العسكري ضروري اليوم لضمان عدم الفلتان السياسي ولضبط نزعة &laqascii117o;النقضوية" لدى أكثرية الأحزاب الإسلامية – بمعنى نقض حق الآخر بمجرد تعريف مصر بأنها إسلامية والفرض عليه هوية لم يخترها. بالتأكيد، يجب ألا يحكم المجلس العسكري مصر، وبالطبع، يجب أن يسلم السلطة إلى الرئيس المنتخب. إنما، هذا لا يلغي دوراً متجدداً أو جديداً للمجلس العسكري بحلّة ما بعد إسقاط الرئيس السابق حسني مبارك. فالنظام في مصر لم يسقط كلياً بل إن المجلس العسكري هو الذي يدير العملية الانتقالية السياسية في مصر. ولا بأس في ذلك، طالما هناك آلية مراقبة له، شعبية ودولية كي لا يخطر على باله أنه بات مؤهلاً لأن يصبح بديلاً عن الحكم الديموقراطي التعددي.
رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، المشير محمد حسين طنطاوي بالطبع من بقايا النظام القديم لكنه يتحدث بلغة اختيار الشعب للرئيس الجديد من دون فرض أو وصاية من أحد. لجنة الانتخابات الرئاسية أجبرت &laqascii117o;الإخوان المسلمين" على التخلي عن شعار &laqascii117o;الإسلام هو الحل" من حملة مرشحها لانتخابات الرئاسة محمد مرسي بعدما طالبت اللجنة القضائية بحظره. وهذا في محله. و &laqascii117o;الإسلام هو الحل" ليس برنامجاً انتخابياً يقول للناس ماذا لدى حزب &laqascii117o;الإخوان المسلمين" ليقدموه إذا استحوذوا على الرئاسة، إلى جانب استحواذهم على البرلمان. خسروا عندما حاولوا الاستحواذ على صياغة الدستور في مصر بعدما صادروا ثورة الشباب. وهذه الخسارة علمتهم درساً بألا يفترضوا أنه من حقهم أن يستفردوا بالسلطة. ولقد كانت الهيئات المدنية شريكاً للمجلس العسكري في إحباط هذه المحاولة سيما عبر إلغاء لجنة صياغة الدستور الإسلامية الهوى.
من ناحية أخرى، هناك تناقضات مذهلة مثل قضاء محكمة مصرية تأييد سجن الفنان المشهور عادل إمام وتأييد حبسه 3 أشهر مع الشغل بتهمة ازدراء الدين الإسلامي عبر تجسيد شخصيات مسيئة للإسلام في بعض أعماله الفنية. الأوساط الفنية في مصر تلقت الحكم باستياء وغضب إنما يجب أن تكون هناك حملة منظمة أوسع من الكتاب والإعلام والفنانين دفاعاً عن حرية الفن والإبداع. هذا أمر لا يفرضه المجلس العسكري. انه يتطلب صوتاً عالياً من القوى غير الإسلامية لتوقف هذا النمط والمسار.
فصل الدين عن الدولة ليس مجرد شعار في مقابل الإسلام هو الحل. إنه مطلب وطني لأنه يفرض على الأحزاب الإسلامية أن تقرر أين يقع ولاؤها – مع الدين أو مع الدولة. مرشح &laqascii117o;الإخوان المسلمين" للرئاسة، محمد مرسي متهم بأنه تابع لمرشح السلفيين الذي تم استبعاده، خيرت الشاطر، بسبب رؤيته ونهجه الأقرب إلى السلفية بتطرفه. فمرسي يصفع مصر على الخدّين بقوله إن الترشح لرئاسة مصر وفقاً للشريعة الإسلامية يمنع النساء وغير المسلمين من الترشيح. أنصاره يهتفون &laqascii117o;القرآن دستورنا والشريعة دليلنا".
المرشح الإسلامي الليبرالي، بحسب ما يوصف، عبدالمنعم أبو الفتوح، انفصل عن الجماعة في حزيران (يونيو) الماضي بسبب نهجه الأكثر تعددية بالنسبة للإسلام ومصر. إنما هناك من يعتقد أن انفصاله يأتي ضمن توزيع الأدوار داخل جماعة &laqascii117o;الإخوان المسلمين" كي يكون من بينهم من هو &laqascii117o;متطرف" ومن هو &laqascii117o;ليبرالي" لضمان الفوز بالرئاسة. هذا بعدما تراجع &laqascii117o;الإخوان" عن التعهد بأنهم لن يسعوا وراء الرئاسة.
لجنة الانتخابات الرئاسية استبعدت عدة مرشحين، كل لأسباب خاصة به، من بينهم رجل الاستخبارات القوي في عهد حسني مبارك، عمر سليمان، إلى جانب مرشح &laqascii117o;الإخوان" حازم صلاح أبو إسماعيل والمرشح السلفي خيرت الشاطر. هذه الاستبعادات قد تكون لمصلحة الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى الذي قد يصبح صمام الأمان لمصر في هذه المرحلة الحرجة. عمرو موسى معروف دولياً ومقبول دولياً على رغم تحفظات إسرائيل والبعض في الولايات المتحدة عليه بسبب مواقفه الناقدة لإسرائيل. إنه لربما خشبة خلاص للأحزاب الإسلامية الأقل تطرفاً من ورطة اقتصادية تزج مصر فيها ستحتاج إنقاذاً لن يكون ممكناً ما لم تكن هناك شخصية غير إسلامية في الرئاسة. عمرو موسى مرشح غير إسلامي، وبالتالي تبدو فرصه ضعيفة إذا قيست بالزحف الشعبي نحو الإسلاميين، لكن عمرو موسى قد يكون تماماً ما تحتاجه مصر في مرحلة الانتقال من النظام السابق إلى نظام تعددي غير أوتوقراطي وغير فيتوقراطي وغير إملائي باسم الدين وإقحام الدين على السياسة وعلى الدولة. عمرو موسى قد يكون حلقة الوصل الضرورية بين المجلس العسكري وبين مصر ما بعد النظام، وقد يكون أيضاً فسحة التنفس التي تعطي شعب مصر فرصة للتدقيق في ما إذا كان حقاً يريد استحواذ الأحزاب الإسلامية على الحكم مهما تصرف بعضها بعشوائية وبعضها الآخر بتعصب وتطرف وكراهية واستبعاد للآخرين.
إذا كان الخيار اليوم بين مجلس عسكري ومجلس سلفي أو إخواني يدير البلاد، الأرجح أن مصر أكثر أماناً في أيادي المجلس العسكري تحت المراقبة والمحاسبة مما هي في أيادي أحزاب تتنافس على أقصى المواقف كي تستحوذ وتستفرد بالسلطة. المجلس العسكري بالتأكيد استخدم واستغل الأحزاب الإسلامية لتقويض ثورة الشباب وتشتيتها وهو الذي مهّد للإسلاميين مصادرة الثورة. إنه المجلس العسكري نفسه الذي ورّط الأحزاب الإسلامية في ارتكاب الأخطاء وفضحها أمام الشعب المصري. المجلس العسكري لعب لعبة قديمة العهد مع الأحزاب الإسلامية. فهو لم يخترعها من جديد انهما يعرفان بعضهما بعضاً جيداً. الأحزاب الإسلامية وقعت في فخ طمعها بالاستفراد في السلطة مفترضة أن افتقار الشباب للخبرة والتنظيم السياسي سيؤدي إلى انسحابهم من الساحة، وأن المجلس العسكري هو المستهدف حصراً من قبل الشباب المصري.
هذا الافتراض هو واحد من أخطاء عدة للأحزاب الإسلامية السلفية و &laqascii117o;الاخوانجية". الخطأ الفادح انهما يتنافسان على التطرف وعلى الأوتوقراطية. هذا فيما الأزهر يصدر وثيقة التعايش والتعددية وفيما يقوم مفتي مصر، علي جمعة، بزيارة القدس استجابة لدعوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس لكل المسلمين في العالم للذهاب إلى القدس والإطلاع على أوضاعها تحت الاحتلال.
جرأة المفتي وتجاوبه مع صرخة أطلقها فيصل الحسيني عندما قال للعرب &laqascii117o;تعالوا إلى القدس لتنقذوها" لاقت توبيخ &laqascii117o;الإخوان المسلمين" وانتقاداً من مصادر عدة. مدينة القدس تستعد لاستقبال وفود عربية وإسلامية تضامناً معها تلبية لدعوة من السلطة فيما العرب يغرقون في مهاترات ومزايدات على &laqascii117o;القضية الفلسطينية". فيصل الحسيني قال: تعالوا إلى القدس. امشوا في شوارعنا. ناموا في فنادقنا. تناولوا الطعام في مطاعمنا. تعالوا إلى القدس لتنقذوها.
مفتي مصر فضح أكثر من الأحزاب الإسلامية المصرية بل أيضاً قوانين كثير من البلدان العربية، فهناك من يُغرق نفسه في هوس امتلاك السلطة. وهناك من يعمل على إعادة اختراع نفسه أمام الوقائع الجديدة.
في المنطقة العربية، هناك خوف على مستقبل الديموقراطية أمام النزعات الدينية والعقائدية والأوتوقراطية، لا سيما في غياب الدستور – بل في محاولات مصادرة صياغته. في الولايات المتحدة، الخوف على مستقبل الديموقراطية في محله لا سيما مما وصفه فريدمان بالفيتوقراطية التي تشل البلاد. وفي الساحة الدولية، إن القلق في محله من استخدام أمثال روسيا والصين الفيتو في مجلس الأمن سياسةً للإملاء وللتعطيل وفيما الأسرة الدولية تغض النظر عن قيام نظام كالذي في دمشق بالإملاء عليها ما تفعل وذلك أيضاً باستخدامه الفيتوقراطية.