صحف ومجلات » مقالات وتحليلات الصحف اللبنانية الصادرة صباح اليوم الأحد 27/7/2008

ـ صحيفة المستقبل
فارس خشان:
لا يستطيع 'حزب الله' أن يتنازل عن وجود فقرة في البيان الوزاري تُمدّد الشرعية الحكومية المعطاة لـ'المقاومة الإسلامية في لبنان'. هذا التنازل ليس بمتناول يديه، حتى ولو اقتنع به، على اعتبار أن ما يُصطلح على تسميتها 'مقاومة' ليست شأناً لبنانياً على الإطلاق، بل هي شأن إيراني بامتياز، لا بل حاجة إيرانية ملحة في المرحلة الزمنية التي تُغطّي عمر الحكومة الحالية. ووجود بند في بيان وزاري هي مسألة وجودية، فإيران لم تكن في أي لحظة بحاجة الى 'حزب الله' حاجتها إليه في هذه اللحظة الدولية بالذات، بعدما جعلته جزءاً لا يتجزّأ من 'سلة الحوافز'التي تُقدمها للمجتمع الدولي في إطار 'الكباش' معه حول 'الملف النووي'.وبهذا المعنى، فإن 'حزب الله' يستحيل أن يُعطي أي إشارة الى الغرب والشرق بأن القوى اللبنانية قادرة على تعديل مساره، في إطار بحث داخلي، وفي سياق البحث عن المصلحة الوطنية العليا.وهذه الحقيقة لم يعد يتستّر عليها أحد، لا في لبنان ولا في إيران. والعارفون بحقائق الأمور، يؤكدون أن 'حزب الله'، 'استنجد' بإسرائيل لتقوية ضغطه الرامي الى تمديد 'شرعيته الحكومية'، وذلك من خلال 'تنازله'، وبصورة مفاجئة، عن شرط الإفراج عن معتقلين عرب في السجون الإسرائيلية، في سياق المفاوضات للتوصل الى صفقة الأسرى، التي يتوسّلها حالياً من أجل شنّ حملة على كل من يطالب بإضعاف 'القوة التي أعادت الى لبنان عزّته وبنيه وكرامته'.

ثمة أطراف في لبنان، تُعرب عن اعتقادها بأن القبول بما يطالب به 'حزب الله' ليس استسلاماً له فحسب بل هو تسليم البلاد الى الإرادة الإيرانية، بحيث يُصبح مستقبل لبنان رهناً بأي قرار تجده إيران ملائماً لها، فإذا وجدت أن إشعال مواجهة مع إسرائيل يُعزّز مواقعها التفاوضية فهذا يعني أن لبنان الذي أقر بشرعية 'المقاومة' الموصوفة إيرانيتها، هو الذي سيتحمّل تبعات تدميرية غير مسبوقة، ولهذا فإن الحكمة تقضي بفصل الدولة عن المقاومة من دون أن يجر ذلك الى تصادم بين الدولة والمقاومة.

إلا أن أوساطاً سياسية أخرى، تعتبر أن هذا المنحى، ولو كان صحيحاً من ناحية القانون الدولي فهو ليس كذلك من الناحية العملية، على اعتبار أن تل أبيب اتّخذت القرار وبلّغته الى جميع من يعنيهم الأمر بأن إقدام 'حزب الله' على المس بأمنها، سواء في إسرائيل أم في الخارج، سيؤدي الى تدمير لبنان، كل لبنان، ف'حزب الله' لم يعد هو العدو المستهدف حصراً بل الدولة اللبنانية التي تتحمّل مسؤولية إيوائه والصمت عن أعماله والعجز أمامه، كحالة أفغانستان مع تنظيم القاعدة، بعد ضربات الحادي عشر من أيلول الإرهابية.

وبهذا المعنى ترى هذه الأوساط أن 'حزب الله' وإسرائيل متشابهان، فالإثنان يريدان أسر الدولة اللبنانية تحقيقاً لمصالحهما المتضاربة، والإثنان يتكئان على فائض القوة من أجل تحقيق أهدافهما اللبنانية.

وتأسيساً على هذا الواقع السيئ، تدعو هذه الأوساط الى تخطي الجدال على البيان الوزاري 'بالتي هي أحسن' من أجل السماح بإطلاق عجلة المؤسسات، لأن البديل الوحيد عن ذلك، هو انقضاء المهلة الدستورية لتقديم البيان الوزاري أمام المجلس النيابي، وهي ثلاثون يوماً، ولم يتبق منها سوى أيام قليلة فقط، وتالياً إدخال لبنان في فوضى دستورية، كما في فوضى أمنية على اعتبار أن شعار 'السلاح من أجل السلاح' لا يزال ساري المفعول، وهو في مفهوم 'حزب الله' لا يعني مطلقاً استعمال السلاح في الداخل، بل منع 'مؤامرة الداخل مع الأميركيين' (كذا) من 'النيل من المقاومة'.

وفي اعتقاد هذه الأوساط أن الضرر المحتمل من لعبة إيرانية ­ إسرائيلية واقع لا محالة، بفعل الأمر الواقع، ولذلك لا بد من 'إنقاذ ما يمكن إنقاذه' بإعادة الاعتبار الى وظيفة الدولة، من جهة أولى وإعطاء رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان فرصة إطلاق الحوار الوطني بحضور عربي، وفق منطوق اتفاق الدوحة، لوضع استراتيجية دفاعية يستحيل إلا أن تكون موزّعة على مراحل تفصل بين مرحلة أمر الواقع وبين مرحلة الأمر المُرتجى، من جهة ثانية.

ولا يُمكن لمن يُدقق جداً بالمسار السياسي الداخلي إلا أن يكتشف بُعداً سورياً في غاية الخطورة يرتسم في أفق إدارة الاختلاف حول البيان الوزاري، فميدانياً، تنشط الميليشيات التي أنشأتها المخابرات السورية في جبل محسن كما في طرابلس، على جذب البلاد الى هاوية الحرب الطائفية، وسياسياً ينشط 'سوريو لبنان' ـ وبينهم كريم بقرادوني الذي لن تجف دموعه من البكاء على الوزير الشهيد بيار الجميل ـ الى جذب رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الى هاوية صراع المواقف من خلال 'تخوينه'، على أمل إعادة خلط الأوراق في لبنان، في ظل فترة 'الصفقات القذرة' التي سوف تستكمل الاستعدادات السورية ـ الإسرائيلية للجلوس علناً إلى طاولة المفاوضات. وعلى هذا الأساس، فإن حوار البيان الوزاري محكوم بأن يختار بين خطر إيراني مرجأ يتجلى بتنفيذ مطالب 'حزب الله' وبين خطر سوري داهم يتجلّى بمقاومة 'المقاومة' على ورق البيان الوزاري حتى... آخر المطاف.


ـ صحيفة المستقبل
وسام سعادة:
(...) 'المشاركة' و'المقاومة' مشروعان في غاية التناقض. ليس كافياً القول إن أحدهما هو 'ستار' أو 'وسيلة' للثاني. لا يخطئ من يرى أن العمل في 'المقاومة' يزيد من حصّة الراعين لها أو 'المدافعين' عنها، ويوسّع حيّز 'المحاصصة' في إطار الدولة 'المشتركة' مع الطوائف الأخرى. ولا يخطئ أيضاً من يرى أن توسيع 'الحصة' السياسية والإدارية للقائمين بالمقاومة في إطار 'الدولة المشتركة' من شأنه ترسيخ 'الدولة الخاصة' التي يقيمها مشروع المقاومة كـ'دولة أشرف الناس' المنتصرة أبداً، إن شئنا الاستعارة من معجم 'حزب الله'، أو كـ'دولة أهل الحق' إن شئنا الاستعارة من مأثور القرامطة، أو كدولة 'أهل الخير' إن شئنا الاستفادة من 'إخوان الصفاء'. بيد أن هذه المنفعة التي ينالها مشروع 8 آذار في 'المشاركة' من مشروع 8 آذار في 'المقاومة'، أو العكس، لا تلغي استمرار التناقض بين المشروعين. ليس يقدّم الواحد منهما حلاً للآخر. لذا يبقى المشروعان 'مستحيلان' طالما أن الواحد منهما ملتصق بالآخر ومتناقض معه في آن. لأجل ذلك يمكن القول إنه من الأفضل 'سيادياً' للدولة اللبنانية، أن توقّع 'على بياض' للمقاومة، سواء بحجّة 'حدودية' أو من دون، بدلاً من أن توقّع هذه الدولة تنازلاً مشروطاً للمقاومة في ظلّ تغلغل الأخيرة في جسم وأجهزة الدولة وفي ظل القنبلة الموقوتة التي اسمها 'الثلث الضامن'. ففي الحالة الأولى، ستتنازل الدولة بالكامل عن أمر ليس لها سلطة عليه، ولا يضيرها إشهار ذلك ببيان وزاري. 'ليس لنا سلطة عليكم'، مثلما ليس لحكومة كولومبيا سلطة على مناطق شاسعة من أراضيها، ومثلما ليس لحكومة باكستان من سلطة على منطقة القبائل. لن يكون ما يعيشه لبنان في هذه الحالة وضعية ينفرد بها عن غيره من دول العالم الثالث. بل سيكون قادراً على التعامل مع الأمر بروية وحكمة والقول للمقاومين بأنكم أقوياء كفاية كي تفرضوا علينا التسمية التي تريدونها لأنفسكم، فقاوموا ما شئتم وكما يحلوا لكم، وحققوا انتصاراتكم 'في ما وراء الإجماع والخلاف' وتحملوا في الوقت نفسه تبعات أعمالكم لوحدكم. لكم منّا 'شيكاً على بياض' ما دمنا نتنازل لكم عمّا كان يفترض بالدولة أن تملكه لكن لا قدرة لها على تحقيق ذلك، ولا قناعة عندكم لتأمين ذلك. لكن إدغام مشروعي 'المقاومة' و'المشاركة' لا يرضى بذلك. هو لا يريد أن تكون الدولة 'شريكة' في المقاومة، لكنه يريدها 'شريكة' في 'حماية المقاومة'. وبدلاً من أن تطالب الدولة بالتنازل للمقاومة عن أراضٍ لا قدرة لتسلّل قانون الدولة إليها، ولا قدرة لبسط سلاح الدولة بل لا قابلية لانتشار فكرة الدولة المدنية المستقلّة بحدّ ذاتها، فإن هذه الدولة تطالب 'بعكس ذلك' تماماً من قبل 'حزب الله' وحلفائه. تُطالَب الدولة بأن تنكر رسمياً أنّ سيادتها منقوصة بفعل المقاومة، على ما يشي به القراران 1559 و1701، وتُطالَب الدولة أن تعلم القاصي والداني، بمن فيهم المجتمع الدولي الذي يتابع تطبيق القرارين المذكورين، بأنها دولة ليست تشتكي من أي 'مقاومة' تنشب فيها، وأن 'المقاومة' ليست 'ميليشيا'. 'المقاومة الإسلامية' تفاخر بأنها لم تعد بحاجة إلى إجماع، وأنها لم تنتظره دوماً. لكن 'المقاومة الإسلامية' نفسها تفرض على الدولة، وعلى الحكومة، الإقرار بأن الإجماع محقق تماماً حول المقاومة وسيّدها.ما تطالب به 'المقاومة' مستحيل. هي تفرض رأياً على الآخرين وتفرض معه أن 'يقتنعوا' به بالفعل. هي تطلب من الآخرين أن يكونوا 'رئة' لها وتقبض على خناقهم في الوقت نفسه.

وهذه هي أيضاً مشكلة العلاقات اللبنانية ـ السورية. النظام الحاكم في دمشق أراد أن تكون بيروت 'رئة' له، لكنه أراد أيضاً أن يقبض على خناقها. بعد الانسحاب السوري في لبنان، انتقلت هذه 'العقدة' إلى 'حزب الله'. صار عليه هو الآخر أن يقبض على خناق شريكه في الوطن الذي يريده في نفس الوقت 'رئة' له. وصار عليه أن يحاذر دوماً من مغبة فقدان الأعصاب، لئلاً يهمّ فعلاً بعملية الخنق. في 7 أيار قبض 'حزب الله' على خناق بيروت أكثر من أي وقت مضى، وكاد يورّط نفسه في الخنق. طالبه بعض الشياطين بأن يدخل إلى سرايا بيروت ويصفّي 'المخالفة الدستورية' وطالبه آخرون بأن يدخل إلى المناطق المسيحية. لكن لم يفعل. فقدَ مصداقيته تجاه الداخل اللبناني وتسبّب بجراح عميقة ومزمنة، لكنه لم يفقد أعصابه. لم يخنق 'رئة' الآخر التي يحتاجها أكثر من أي كان. مع أنه لم يكن أمامه غير ذلك لو لم تكن الظروف مؤمنة للذهاب إلى الدوحة والعودة منها بصلح.

'صلح الدوحة' أنقذ 'حزب الله' من ورطة حقيقية. أنقذه من انتصار مسموم. لكن المشكلة أن 'حزب الله' بعد 'الدوحة' أخذ يتصرّف كما لو أنه استطاع 'حسم' المعركة بشكل تام وصاف قبل 'الدوحة'، وكما لو أنه دخل السرايا وكليمنصو وقريطم ومعراب وقضي الأمر لصالحه. يحسب 'حزب الله' أنّ 'صلح الدوحة' قد منحه سلاحاً سحرياً هو 'الثلث الضامن' بحيث يضمن القبض على خناق الشريك الآخر في الوطن والاستفادة من رئته في الوقت نفسه. لكن 'الثلث الضامن' سلاح سحري ذو حدّين. وللعب على حافة الهاوية محاذيره. لا يمكن أن تقبض على خناق الآخر طول الوقت، مخففاً الطوق حيناً ومشدّداً إياه حيناً آخر. في النهاية إما أنك ستتورّط في خنق الآخر الذي تريده 'رئة' لك، وبالتالي ستخنق نفسك بنفسك، وإما أنك سترفع يديك عن خناق الآخر.


ـ صحيفة النهار
روزانا بومنصف:
يتوقف متابعون ديبلوماسيون في بيروت عند اصرار 'حزب الله' على الحصول على اجماع مجلس الوزراء وتاليا الأفرقاء اللبنانيين على المقاومة وسلاحها وكذلك الحصول على شرعية رسمية لهذا السلاح، مناقضاً بذلك ما كان اعلنه الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله في احدى خطبه التي اعقبت تحويل السلاح نحو الداخل في بيروت والجبل، عندما قال ان سلاح الحزب لا يحتاج الى اجماع اللبنانيين. وهذا الاصرار الذي يصل الى حد تعطيل صدور البيان الوزاري للحكومة الأولى في عهد رئيس الجمهورية ميشال سليمان لا يتصل، بحسب هؤلاء، برغبة الحزب في الحصول على تغطية شرعية أو رسمية لتحركه في الداخل او حتى ضد اسرائيل اذا ما اتيح له ذلك، بل يُعتقد ان الاصرار على هذا النحو يتصل بعوامل واعتبارات اقليمية في موازين التجاذب العربي القائم في لبنان. اذ ان 'حزب الله' لم يفقد 'الشرعية' او التغطية العربية لنشاطه المسلح في حوادث بيروت الاخيرة في شهر ايار المنصرم بل فقدها في حرب تموز 2006 وما ادت اليه، الامر الذي ترجم في الموقف السوري الرسمي الذي هاجم مواقف زعماء عدد من الدول العربية الفاعلة على ما اعتبره كشفا عربيا لعمل المقاومة ضد اسرائيل. والسعي حالياً الى اعادة تأكيد هذا الحق في البيان الوزاري للحكومة يرمي الى تأمين تغطية رسمية تحرج الدول العربية المؤثرة مثل مصر والمملكة العربية السعودية وحتى عدد من الدول الاوروبية باعتبار ان لا حرب تموز 2006 وتداعياتها ولا حرب ايار 2008 وتداعياتها خففت من اهمية الدعم الرسمي لسلاح الحزب الذي يعني وفقا للتغطية الرسمية عبر الحكومة واي دعم لها او لبيانها الوزاري تأييدا غير مباشر لنشاط الحزب. وهذه الدول ستكون مرغمة في هذه الحال على تقديم الدعم للبنان ايا تكن نتائج ما يقوم به الحزب المغطى رسميا وشرعيا في المبدأ. ولفت المتابعين سعي افرقاء في المعارضة الى طلب مساعدة السفير السعودي تحديدا من اجل الضغط على الاكثرية كي تقبل بالصيغة المقترحة من ' حزب الله' او تلك الملطفة لفظيا بعض الشيء من الرئيس نبيه بري، وذلك على قاعدة ان عدم الضغط السعودي سيقود في المرحلة التالية الى شن هجوم على المملكة مجددا. وهذا ما يتوقع بعضهم حدوثه في حال تأخر التوافق أكثر على البيان الوزاري من خلال القول ان السعودية هي وراء تصلب الاكثرية واصرارها على عدم الموافقة على طلب الحزب، علما ان اتصالات من قادة في المعارضة بالمسؤولين القطريين سعت الى الهدف نفسه قبل وقت قصير لتوظيف كل القنوات المتاحة، بما فيها رمي كرة عدم اتاحة المجال أمام اقلاع عهد سليمان وتاليا زيارته المرتقبة لسوريا على عاتق الأكثرية. ولفت هؤلاء المتابعين الديبلوماسيين الاسبوع الماضي ما ورد في وسائل اعلامية معينة مما يشكل مؤشرا في تعاطيها وحملاتها الى المنحى التي تؤخذ اليه الامور.

ويراهن اقطاب في المعارضة على تدخل يقوم به رئيس كتلة 'المستقبل' النائب سعد الحريري وكذلك رئيس 'اللقاء الديموقراطي' النائب وليد جنبلاط على وقع حوادث الشمال اولا ورغبة الاثنين في عدم ترك الامور 'تجرجر' اكثر وانجاز البيان الوزاري بما يريح لبنان واللبنانيين، وعلى وقع الرهان على ان الاثنين لم يعد يعنيهما التوقف عند العبارات ما دام ' حزب الله' يذهب الى ما يريده إما بقوة السلاح وإما بقوة تعطيل البلاد وخصوصا ان أقل من عشرة اشهر تفصل عن استحقاق مفصلي هو الانتخابات الرئاسية المقبلة.

ويتابع هؤلاء ما ستؤول اليه الامور ملاحظين خطورة تساهل فريق الاكثرية حيال هذه المسألة بأبعادها الاقليمية لاعتبارين على الاقل لهما مبرراتهما الجوهرية والواقعية: ان المقاومة التي يقوم بها الحزب لم تعد مبررة بكل المقاييس في ضوء تطورات الاعوام الماضية وبعد خطاب القسم لرئيس الجمهورية واعلانه من باريس اولوية العمل الديبلوماسي في تحرير مزارع شبعا على العمل العسكري. ولم يعد خافيا ان المقاومة لم تعد تحظى باجماع اللبنانيين بل باتت نقطة خلاف جوهرية وقوية في ما بينهم. كذلك لم تعد تبدو المقاومة مبررة كما كانت في ضوء التصريحات شبه اليومية لمسؤولين ايرانيين يهددون اما باستخدام جنوب لبنان للرد على اي اعتداء على ايران في موضوع ملفها النووي، او باستخدام لبنان ورقة مساومة في بازار الملف النووي على ما اعلن نائب الرئيس الايراني الذي قال قبل يومين ان بداية المفاوضات حول الملف النووي تساهم في التوصل الى حلول لمناطق عدة سمى منها لبنان والعراق. وهذا يعني ان لبنان يُستخدم عبر سلاح الحزب، اما ورقة مساومة لسوريا أو ورقة مساومة لايران.

والاعتبار الآخر الذي يشكل تحديا لقوى الاكثرية هو ان ما يحدث في طرابلس وفق وتيرة متفاوتة، كان نتيجة مباشرة لتحويل ' حزب الله' سلاحه نحو الداخل في ايار الماضي. ومفاعيل تشريع نشاط الحزب الذي تجاوز عمل المقاومة ضد اسرائيل ستشكل مأخذا كبيرا على الافرقاء السياسيين المشاركين في الحكومة. وهذه مسؤولية يتحملون تبعاتها في التشريع غير المباشر لاي استخدام للسلاح في اي منطقة وتحت اي ذريعة. ومع ان المناقشات في مجلس الوزراء حول المقاومة والصيغة التي يفترض اعتمادها تبدو مسألة تجاذب بين قوى الاكثرية والمعارضة على تعابير بسيطة في قضية جوهرية صعبة، إلا ان في طياتها خطورة كبيرة ليست ظاهرة للعيان بالنسبة الى كثيرين. ومن هنا ضرورة الاصرار على معالجة الموضوع على طاولة الحوار، في حين يرفض 'حزب الله' ذلك ويصر على شرعية رسمية مبكرة تضع المتحاورين امام امر واقع جديد لا يمكن القفز فوقه.


ـ صحيفة النهار
أحمد عياش:
يجب الاعتراف اليوم بأن تاريخ لبنان في الاعوام القليلة التي تلت استشهاد الرئيس الحريري ورفاقه يكتب غالبية احداثه 'حزب الله'. فهو بإقدامه وإحجامه، باعتداله وتهوره، بانتهاج الديموقراطية وبالارتداد عليها الى تسلط السلاح، يصنع الاحداث. اما الغالبية من اللبنانيين فعلى اعقابه تنسج ردودها. لكن هذا السياق يبدو الآن في حالة ارتباك، فاذا كان 8 آذار العظيم قد صنع 14 آذار الاعظم فان غزو بيروت المشؤوم في 7 ايار لم يخلق حتى اليوم ردا مجيداً بل دوائر سوداء آخر تجلياتها احداث طرابلس اليوم.

لبنان ومن يمثل سلمه الاهلي وروح انتفاضة الاستقلال التي صنعها استشهاد الحريري ورفاقه، بحاجة الى سياق جديد. فخروج 'حزب الله' بالسلاح على السلم الاهلي لن يعالج بخروج مماثل من جهات ومشارب عدة. المعادلة اليوم هي: مشروع الدولة في مواجهة مشروع الدويلة. لكن الدولة التي شاهد اللبنانيون نماذج لها منذ 7 ايار لا تطمئن والبديل من الدولة سيكون الدولة انما ليس على قاعدة بأي ثمن. ان كثيرا من السلوك اليوم في لبنان يشي وكأن العراق مثلاً بعد سقوط صدام حسين بقيت فيه المؤسسات ذاتها. لكن هذا لم يحدث هناك، انما حدث في لبنان بعد خروج الجيش السوري في نيسان 2005. آن الأوان أن يبدأ التغيير، مهما يكن مؤلماً، من اجل قيام لبنان المستقل حقاً. آن الأوان لممارسة سلطة يحاسب فيها من يحاسب مهما علا شأنه. آن أوان الخروج من عقدة قراري المطار والشبكة الخليوية لـ'حزب الله'. انها ليست عقدة فيتنام، بل هي عقدة التراجع عن الايمان بالدولة ام ضغط الدويلة. علما أنهما كانا قراري فعل وليس رد فعل. لنأمل قرار طرابلس اول الغيث بالانفكاك عن هذه العقدة.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد