ـ صحيفة السفير:
بأربعة أيام ولياليها، لم تتوقف غزة عن السير في جنازات تنظم على عجل لشهداء يتساقطون على مدار الساعة، بالعشرات، ولم تتعب من الهرع الى مستشفيات ومستوصفات بدائية لنقل المئات من الجرحى، الذين يسقطون كل لحظة، ولم تسجل حجم الدمار والخراب الهائل الذي تسببه واحدة من أشرس الحملات العسكرية الإسرائيلية وأعنفها على الإطلاق، على الشعب الفلسطيني. ولم يعد الوقت يعني سوى ذلك الارتفاع المتواصل في أعداد الضحايا وفي أرقام الخسائر المادية الهائلة التي حولت قطاع غزة الى ارض غارقة بالدماء والركام، تنطلق منها بضعة صواريخ تتحدى الموت، وتعلن إرادة الصمود والمقاومة، وتخترق سماء يحتلها العدو، ويغطيها بأعداد كثيفة من طائرات تحجب نور الشمس، قبل ان تطلق نيرانها على كل ما يتحرك على البر.
جديد الأرقام انه كشف أمس المزيد من أهداف حرب الإبادة الإسرائيلية، ورفع معدل الأطفال والنساء الذين سقطوا على مدى الأيام الأربعة الماضية، وزاد نسبة العائلات الكاملة التي دفنت تحت منازلها، او تحت المساجد والمراكز الإنسانية والدولية التي فرت إليها، بعدما كانت اسرائيل تزعم أنها لا تستهدف سوى المواقع الأمنية والسياسية لحركة حماس وحدها.
لكن هذا الجديد لم يرفع منسوب الغضب العربي، الذي ظل في حدوده الدنيا، ولم يرفع معدل الاستنفار العربي، الذي ظل محصورا في الاجتماع الوزاري المقرر اليوم في القاهرة، للبحث في قمة عربية طارئة لم تحظ بالغالبية المطلوبة، وما زال الخلاف يدور حول مكانها وزمانها.
وفي اليوم الرابع للعدوان ارتفع عدد شهداء المذبحة إلى أكثر من ،٣٨٥ والجرحى إلى أكثر من .١٧٠٠ وفيما تستمر إسرائيل في سياسة التضليل والتعتيم على الأهداف الحقيقية لعدوانها، فإن الفظائع التي ارتكبت خلال اليومين الماضيين، لاسيما استهداف المنازل والمراكز المدنية وسقوط عشرات الأطفال بين شهيد وجريح، وتجاهل الدولة العبرية للدعوات الدولية بتجنيب المدنيين »رصاصها المسكوب«، وإجهاضها لبعض المبادرات الخجولة للتوصل إلى هدنة انسانية لمدة ٤٨ ساعة اقترحتها باريس، توحي بأنّ ما يحضّر لغزة أبعد من »إسكات صواريخ حماس«.
وعلى وقع تواصل الغارات المكثفة، عززت إسرائيل قواتها البرية والمدرعة في المناطق المحاذية لغزة استعداداً لاجتياح محتمل للقطاع، فيما طلب وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك من الحكومة المصادقة على استدعاء ٢٥٠٠ جندي من الاحتياط، ليضافوا إلى ٦٧٠٠ تم تجنيدهم الأحد الماضي.
في المقابل، توعدت حماس إسرائيل بتوسيع »بقعة الزيت«، داعية قادة الاحتلال إلى الاستعداد لـ»لجنة فينوغراد ثانية«. وقال متحدث باسم كتائب القسام، الجناح العسكري للحركة، إنّ »براكين« ستنتظر جنود الاحتلال في حال قرر اجتياح غزة، مشيراً إلى أنّ رد المقاومة سيطال مناطق لا يتوقعها الإسرائيليون.
وكان لافتاً أمس سقوط صواريخ للمقاومة على تجمعات استيطانية لم يطلها القصف من قبل، حيث أعلنت كتائب القسام إطلاق صواريخ على مدينة بئر السبع، على مسافة ٤٨ كيلومتراً من الشريط الحدودي مع غزة، إضافة إلى مستوطنة كريات ملاخي، فيما تواصل سقوط الصواريخ وقذائف الهاون على المستوطنات حيث اعترفت إسرائيل بمقتل أربعة مستوطنين وجرح العشرات.
القمة العربية والتحرك التركي
يأتي ذلك، في وقت يبدو أن العرب قرروا أن يتركوا غزة تواجه مصيرها بنفسها، حيث ما زال الانقسام سيد الموقف، عشية الاجتماع المرتقب لوزراء الخارجية العرب في القاهرة اليوم، وسط حركة لافتة لأنقرة، التي دخلت على خط الأزمة، حيث يصل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى دمشق اليوم في جولة تقوده أيضاً إلى الاردن والسعودية ومصر، في محاولة لاحتواء الموقف. واستبق أردوغان جولته العربية بعقد لقاء مع نظيره القطري حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، الذي وصل الى أنقرة في زيارة بحث خلالها تطورات الوضع في غزة، فيما بقيت القمة العربية الاستثنائية، التي دعت إليها كل من قطر وسوريا، موضع شكوك في ضوء الخلافات على مجرّد مبدأ انعقادها. وأشارت مصادر دبلوماسية عربية لـ»السفير« إلى أنه حتى الآن تعارض دول عربية الإعلان عن موعد القمة، كالسعودية ومصر والأردن، وذلك بحجة »الحاجة للتحضير الجيد«، فيما يبرز عنصر خلاف آخر حول مكان انعقادها (القاهرة أو الدوحة).
في غضون ذلك، جدد الرئيس المصري حسني مبارك موقفه الرافض لفتح معبر رفح »في غياب السلطة الفلسطينية ومراقبي الاتحاد الأوروبي«، موجهاً انتقادات ضمنية لإيران وحزب الله، فيما اعتبر وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط أن دعوة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله المصريين للنزول إلى الشارع والجيش المصري للضغط على قادته لفتح معبر رفح »إعلان حرب على الشعب المصري«.
ويبدو أنّ الانقسامات العربية بشأن الموقف من حماس وفرص عقد قمة عربية قد انتقلت إلى أروقة الأمم المتحدة، حيث ذكرت مصادر دبلوماسية في نيويورك لـ»السفير« أنّ ليبيا كانت تدفع لعقد اجتماع مفتوح لمجلس الأمن الدولي لكي تحدد كل دولة موقفها علنا من العدوان الإسرائيلي، ولكن أعضاء آخرين في المجموعة العربية فضلوا التريث حتى ينهي وزراء الخارجية العرب اجتماعهم.
إلى ذلك، دعت اللجنة الرباعية للسلام في الشرق الأوسط الى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة »يتم الالتزام به كليا«، حسبما جاء في بيان للأمم المتحدة صدر في ختام محادثات هاتفية جرت بين ممثلين عن اللجنة.
كذلك، طالب الاتحاد الأوروبي، في أعقاب اجتماع لوزراء خارجيته في باريس، بـ»وقف فوري ودائم لإطلاق النار« في غزة، مشيراً إلى أنه سيرسل »قريبا جدا« وفدا وزاريا الى المنطقة. وفي السياق، أعلن مسؤول إسرائيلي أنّ الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، سيزور اسرائيل الاثنين المقبل في إطار الجهود الدولية لوضع حد للعدوان على غزة.
وفي لبنان يعم الحداد الوطني ، اليوم، تضامنا مع غزة الجريحة والمحاصرة بين نيران الأعداء و»الأشقاء«، فيما استعجل لبنان انعقاد القمة العربية من أجل وقف العدوان على غزة، في موازاة استمرار التحركات التضامنية في الشارع اللبناني، فيما تشهد مدينة صور غدا انعقاد الاتحاد البرلماني العربي بمبادرة من المجلس النيابي اللبناني، من أجل مطالبة الحكومات العربية بنصرة الشعب الفلسطيني ولو بالحد الأدنى المطلوب.
ومع الانشداد السياسي اللبناني نحو الحدث الفلسطيني وتداعياته اللاحقة على المشهد الإقليمي ومن ضمنه الواقع اللبناني، حافظ جيش الاحتلال الإسرائيلي على وتيرة استنفاره على امتداد خط الحدود مع لبنان، حيث تم رصد تعزيزات مكثفة واستقدام دبابات الى بعض المواقع وخصوصا موقع »المنارة«، قبل أن يصار الى سحبها لاحقا.
وفيما رفعت وحدات الجيش اللبناني المنتشرة في الجنوب درجة جهوزيتها الى الحد الأقصى، مع تكثيف الدوريات على امتداد »الخط الازرق«، اكدت مصادر جنوبية شمول هذه الاجراءات قوات »اليونيفيل«، واشارت الى ان المستجدات الاخيرة في الساحة الفلسطينية فرضت على قائد هذه القوات الجنرال كلاوديو غراتسيانو البقاء في جنوب لبنان وإلغاء عطلة خاصة كان ينوي تمضيتها في الخارج.
ونفى نائب الناطق باسم »اليونيفيل« اندريا تانينتي حصول أي طارئ مؤثر على مهمة »اليونيفيل« جنوبا، وقال ردا على سؤال لـ»السفير« إن لا تغيير في تقييم المخاطر عند »اليونيفيل«. اضاف أن »اليونيفيل« اعتمدت تدابير امنية شاملة، ولم تتخذ أي اجراءات امنية اضافية، ويبقى تركيز »اليونيفيل« منصبا على منطقة عملياتها وعلى تنفيذ القرار .١٧٠١ . وقال: نحن نتعاون بشكل وثيق مع الجيش اللبناني لتوفير بيئة آمنة، مشيرا الى ان »اليونيفيل« بعد اكتشاف الصواريخ الثمانية في منطقة الناقورة قبل ايام، قامت بتكثيف دورياتها، لكن يبقى الجيش اللبناني، هو المسؤول الاول عن امن المنطقة الواقعة جنوب الليطاني.
في هذا الوقت، انجزت التحضيرات التمهيدية لعقد الاجتماع البرلماني العربي في صور، حيث من المقرر ان تتمثل فيه مختلف البرلمانات ومجالس الشورى العربية، على ان تستمر وقائعه ليوم واحد، تصدر في ختامها توصيات بحجم المجازر التي يرتكبها العدو الاسرائيلي، على نحو ما اكدت مصادر قريبة من الرئيس بري، شددت على اهمية ان يكون البرلمانيون بمستوى آمال الشعوب العربية، بعدما خذلتهم الانظمة والحكومات.
وجاء نقل اجتماع البرلمانيين العرب الى صور بدلا من العاصمة السودانية نظرا للرمزية التي يشكلها الجنوب اللبناني ووقوعه على حدود القضية الفلسطينية المركزية.
رسميا، ادان لبنان مجازر اسرائيل ضد اهالي غزة، ودعا الى وقف العدوان فورا ورفع الحصار عن غزة. واعتبر مجلس الوزراء اللبناني العدوان الاسرائيلي على غزة، »عدوانا على الشعب العربي كله«. ودعا الى »الاسراع في عقد القمة العربية الطارئة«. وقرر مجلس الوزراء، اعلان اليوم، يوم حداد تضامنا مع غزة، وتقديم مبلغ مليون دولار مساعدة لاهالي غزة، بالإضافة الى مساعدات عينية هي عبارة عن مساعدات طبية وغذائية يجري العمل على تأمين إدخالها مع الصليب الأحمر الدولي و»الأونروا«.
الى ذلك، رد »حزب الله« بلسان رئيس المجلس التنفيذي السيد هاشم صفي الدين على رد وزير الخارجية المصرية أحمد أبو الغيط على كلمة الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله حول الموقف المصري من تطورات غزة، فقال »لا يحق لك (أبو الغيط) التحدث عن قائدنا وقائد المقاومة لأن تاريخك وتاريخ أسيادك حافل بالمخاذل«، مشيراً إلى أن ما يقوم به هو »هروب من الواقع وهو جهد العاجز والضعيف«.
وفي كلمة القاها في مجمع سيد الشهداء في الضاحية الجنوبية لمناسبة احياء الليلة الثالثة من ليالي عاشوراء، أوضح صفي الدين أن »أحداً لا يشك بأن أهل غزة يدافعون عن أرضهم وحقهم فهذا أمر بديهي«، معتبراً ان »تقديم الإعانة لأهالي القطاع واجب أخلاقي وشرعي وإنساني لمن له القدرة على ذلك«.
وجدد الدعوة الى فتح معبر رفح، مشيراً إلى »أننا وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم بسبب المواقف المتخاذلة لبعض الحكام«.
ـ صحيفة النهار:
نشرت صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية انه بعد ثلاثة ايام من الحملة العسكرية على غزة، بدأت اسرائيل تبحث عن مخرج سياسي من القتال. وقالت انه فيما يجري الاستعداد لشن عملية برية لزيادة الضغط على القطاع، تتبلور وجهة نظر اخرى لدى المسؤولين الكبار في الاجهزة الامنية مفادها ان الحملة اوشكت ان تحقق اهدافها، وانه اذا كان في الامكان التوصل الى تسوية مع "حماس" مريحة نسبيا لاسرائيل، فمن الافضل التوجه نحو ذلك.
ونقلت القناة العاشرة في التلفزيون الاسرائيلي عن تقويم لاجهزة الاستخبارات العسكرية ان الغارات الجوية دمرت ثلث ترسانة "حماس" من الصواريخ. وقالت ان لدى الحركة نحو الفي صاروخ بينها مئات من الصواريخ القادرة على الوصول الى مسافات بعيدة داخل اسرائيل. وذكرت انه كان لدى "حماس" في الاصل ثلاثة الاف صاروخ.
وتجدر الاشارة الى ان "كتائب عزالدين القسام" الجناح العسكري لـ"حماس" اطلقت صاروخا من نوع "غراد" على مدينة بئر السبع على مسافة اكثر من 40 كيلومتراً من حدود غزة. وكانت هذه ابعد نقطة تبلغها الصواريخ المنطلقة من القطاع. وهددت "حماس" باطلاق صواريخ ذات مدى ابعد اذا استمرت الهجمات الاسرائيلية. وتحدث ناطق باسم الجيش الاسرائيلي عن تدمير المقرات الثلاثة لمجمع الدوائر الحكومية التابعة لـ"حماس".
تأهب في الشمال
في غضون ذلك، اوردت صحيفة "الجيروزاليم بوست" الاسرائيلية ان الجيش الاسرائيلي رفع درجة الاستعداد في مناطق الشمال خوفا من ان "تطلق الفصائل الفلسطينية التي يدعمها حزب الله" صواريخ على اسرائيل في الايام المقبلة من اجل فتح جبهة اخرى امام اسرائيل. ونقلت في موقعها على شبكة الانترنت عن مسؤولين في وزارة الدفاع الاسرائيلية ان الوقت الحاضر يبدو مناسبا بالنسبة الى الجماعات الفلسطينية التي كانت تقف وراء هجومين صاروخيين اوائل هذه السنة على مستوطنتي كريات شمونة وشلومي لشن هجمات صاروخية لتأكيد اخلاصها لـ"حماس" في غزة، عقب خطف الجندي الاسرائيلي جلعاد شاليت قرب معبر كرم ابو سالم. واضافت ان ما يثير مخاوف اسرائيل ايضا هو اقتراب الذكرى الاولى لاغتيال القائد العسكري لـ"حزب الله" عماد مغنية، وقالت ان "حزب الله" الذي لا يزال يسعى الى الثأر سيستفيد من اعادة احتلال غزة لشن هجوم انتقامي خلال انشغال اسرائيل بعملية "الرصاص الصلب".
ـ صحيفة الأخبار:
وفق "هآرتس"، فإن إيهود باراك كان قد هاتف رئيس الحكومة إيهود أولمرت في الثاني عشر من تموز 2006 بعد ساعات من أسر الجنديين الإسرائيليين، قائلاً له: "من المهم تحديد متى وكيف يتم إنهاء العملية العسكرية، لأنه مع مرور الوقت، فإن إمكان التورط في لبنان سوف يتفاقم"
لم يكن حاكم مصر حسني مبارك في حاجة إلى قول ما قاله أمس، حتى يعرف العالم أن هدف الحرب الإسرائيلية هو فرض قواعد أمنية وسياسية وإنسانية مختلفة في قطاع غزة وعند حدوده مع مصر أو مع بقية فلسطين المحتلة، إذ إن ربطه فتح معبر رفح بتسليمه إلى عناصر أمنية تعمل تحت سلطة الرئيس محمود عباس، وبإشراف مراقبين دوليين، هو نفسه الكلام الذي كان يفترض بـ"حماس" وبقوى المقاومة القبول به على طاولة الحوار التي كانت الاستخبارات المصرية تعمل على جمعها بقصد التمديد لأبو مازن، وإنهاء مفاعيل الانتخابات التشريعية، وتحويل الحركة الإسلامية إلى فرقة صغيرة، إضافة إلى فرض حسابات مصر الإقليمية والدولية على الفلسطينيين. ومع ذلك، فإن وزير خارجية النظام هناك، أحمد أبو الغيظ، الذي أظهر مهارة فائقة في شرح تورّط حكومته بالعدوان على غزة، سارع إلى أنقرة وعرض على المسؤولين الأتراك ورقة تتضمن البنود نفسها: وقف لإطلاق النار مع تجديد للتهدئة من دون شروط، وإطلاق الحوار وفق قاعدة أن سلطة عباس هي المرجعية، وتولّيها أمن المعابر بضمانات دولية. لم ينتبه أبو الغيظ لماذا انتقلت مصر، خلال أيام قليلة، من موقع الجهة الراعية لتفاصيل الملف الفلسطيني، إلى مجرد طرف، علماً بأن رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" خالد مشعل، كان قد اجتمع برئيس الاستخبارات المصرية عمر سليمان على هامش أداء العمرة في السعودية، وقال له "في المنطقة دول إقليمية نافذة. لن أذكر لك سوريا، لأنك ستقول إن كلامي مرتبط بوجودنا هناك، ولكن هناك تركيا وإيران وإسرائيل. وللأسف لم تعد مصر لاعباً كبيراً، وإن السياسة التي تتبعونها أفقدتكم الدور الذي لم يكن أحد يرغب في أن يكون خارج مصر".
لم يكن هذا الجواب مريحاً لرئيس الاستخبارات المصرية، الذي يسعى لأن يحصد علامات إيجابية من عواصم القرار لعلّ في ذلك ما يرفع رصيده كمرشح لخلافة حسني مبارك، ما زاد من غضبه على مشعل وعلى "حماس كلها"، وهو الذي يعرف أن إسرائيل تسير نحو الصدام، ثم كان له رأيه الداعم، لأن ما أصاب "صبيانه" في فريق 14 آذار اللبناني عندما عجزوا عن تحقيق وعدهم بنزع سلاح المقاومة بالحوار، أصابه هو، ووجد نفسه مؤيداً لعمل تأديبي تقوم به إسرائيل بغية جعل "حماس" تعود إليه رافعة الراية البيضاء. ولأن في إسرائيل من أقنعه بأن الأمر سهل ويحتاج إلى أيام فقط، سارع عمر سليمان إلى وضع الخطة البديلة.
فجأة دبت الحركة في المداخل الخاصة لمطار القاهرة. أول الواصلين كان محمد دحلان، رجل مصر الأول في غزة الذي فرّ بعدما أُحبط مشروعه للانقلاب على نتائج الانتخابات هناك، ولحق به عدد آخر من القيادات والكوادر الأمنية، سواء تلك التي وزعت على عدد من دول الخليج، أو تلك التي انتقلت إلى رام الله أو الأردن. وبرنامج العمل محصور في بند واحد: الاستعداد ومباشرة الخطوات الآيلة إلى السيطرة على الوضع في قطاع غزة عند انهيار "حماس". وبدل أن يظل الكلام نظرياً، قررت الجهات الأمنية في القاهرة توزيع هؤلاء بين القاهرة، حيث تجري الاتصالات، ومقر خاص في مدينة العريش لمتابعة الأحداث.
دحلان، الذي وصل إلى القاهرة، أول من أمس، أجرى اتصالات مع مسؤولين في الاستخبارات العامة. تحدث عن اتصالات أجراها مع مسؤولين في الولايات المتحدة ومع بريطانيا وفرنسا، وهو رفض مقابلة الصحافيين، لكنه أبلغ من يهمه الأمر أن ما يجري في غزة اليوم سوف يكون مقدمة لحالة من الفوضى. وتوقع دحلان أن يخرج أبناء غزة في تظاهرات تطالب "حماس" بإلقاء السلاح ومغادرة القطاع.
رغم أن المعلومات الواردة خلال الساعات الماضية من غزة تفيد بأن أجهزة الأمن اتخذت إجراءات لقمع حاسم، ولو بالرصاص، لأي محاولة انقلابية يقوم بها أنصار دحلان، فإن الامر لا يقتصر على هذه المجموعات، إذ إن الرئيس عباس كلّف مستشاره نمر حماد تنسيق الأوضاع على الأرض مع القيادات الإسرائيلية المعنية، والهدف هو منع اندلاع انتفاضة شعبية أو مسلحة في الضفة الغربية. وتولّى عناصر من الشرطة التابعة لسلطة عباس توقيف واعتقال متظاهرين بحجة أنهم يعدّون لأعمال أمنية تخريبية، علماً بأن إيهود باراك كان قد كلّف قائد قيادة المنطقة الوسطى في جيشه الاجتماع مع قادة الأجهزة الأمنية الفلسطينية في مدينة جنين، حيث طالب الجنرال الإسرائيلي "بضرورة اتخاذ المزيد من الإجراءات الأمنية لمنع عناصر حماس من القيام بعمليات عسكرية". وسمع الجنرال الإسرائيلي في المقابل، وتحديداً من وزير الداخلية في سلطة رام الله عبد الرزاق اليحيى، أن لديه تعليمات واضحة بـ"إلقاء القبض على كل العناصر التي يمكن أن تثير الشغب من أئمة في المساجد وناشطين في المجموعات الطالبية وفي نقابات الأطباء والمهندسين والمعلمين".
ومع أن في مصر من لا يريد التعليق على اتهام النظام هناك بالتواطؤ، إلا أن المتابعين يتحدثون عن تقارير دبلوماسية عن نتائج زيارة وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني والرئيس عباس إلى القاهرة عشية وغداة انطلاق العدوان. حتى إن دبلوماسيين أوروبيين ينقلون عن نظراء لهم في تل أبيب قولهم إن ليفني تحدثت صراحة أمام قياديين من حزبها عن نتائج زيارتها، وقالت إنها "تحدثت صراحة مع الرئيس مبارك والوزير أبو الغيط ورئيس الاستخبارات عمر سليمان عن قرار حاسم من إسرائيل بضرب حماس وعدم انتظار أي جهود، وأنها ترى في عملية جراحية كبيرة في غزة نموذجاً صالحاً للتعميم باتجاه لبنان، وتحديداً باتجاه حزب الله"، وأنها وضعت المصريين "في أجواء رغبتها في تكليف شاؤول موفاز مهمة وزير الدفاع إذا فازت برئاسة الحكومة، وأنها طلبت منه منذ الآن إعداد الخطط الخاصة بعملية حاسمة ضد حزب الله".
أما مع الرئيس عباس، فإن مبارك شجّعه على السير في خطوات لمحاصرة "حماس" وتطويعها، وأبلغه أنه حصل على تأييد أميركي وأوروبي وروسي لتمديد ولايته. وشدد مبارك أمام عباس على أن "حماس صاحبة مصلحة في نسف التهدئة واستئناف المواجهات، لأن التوتر يبقيها مسيطرة على غزة".
إلا أن كلّ الكلام الدبلوماسي لم يعد ينفع داخل الحلبة العربية نفسها. ويبدو أن الوساطة التركية ستكون الأساس بالنسبة إلى المرحلة المقبلة. وإلى جانب اجتماعه بالرئيس السوري بشار الأسد، اليوم، فإن رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان سيسمع من مشعل كلاماً واضحاً عما يجري. وبحسب ما هو مفترض، فإن مشعل سوف يؤكد لأردوغان عدم معارضة الحركة لأي وساطة تستهدف وقفاً فورياً للعدوان. لكنّ الشروط التي تجعل الهدوء يستمر "تتطلّب تهدئة من نوع مختلف، حيث لا مجال لبقاء الحصار تحت أي ظرف، وحيث لا يمكن أن تتوقف الصواريخ إذا لم تتوقف العمليات العسكرية والأمنية والاغتيالات، وحيث إن الأمر لا يتم في غزة فحسب، بل في الضفة أيضاً، وحيث إن أمن المعابر سيكون بيد الحكومة المنتخبة، لا بيد آخرين، والحوار الفلسطيني ـــــ الفلسطيني له ظروفه، لكنّه ليس شرطاً لوقف العدوان".
وثمة من ينظر إلى موقف "حماس" هذا على أنه تصعيد في الهواء، لكنّ مشعل يعي حقيقة الوضع على الأرض. وعمليات الساعات الأولى التي أدّت إلى نتائج وحشية ومجازر سبّبت أذية للحركة، لكنّها لم تصب القيادات السياسية ولا القيادات العسكرية. وصدمة الساعات الأولى ذهبت، وثمة قدرة على إدارة المعركة، وثمة إمكانات وقدرات تكفي لأسبايع طويلة، وثمة تقديرات بأن خسائر إسرائيل ستزداد يوماً بعد يوم.
المفيد في المشهد الإسرائيلي أن باراك الذي يتسلّق شجرة غزة، سيدرك خلال أيام حاجته إلى النزول، وهو يعرف أنه ليس في إسرائيل ولا في فلسطين ولا في العالم من يقدر على مساعدته، ولذلك قرّر أن يبقي السلّم معه منذ اللحظة الأولى.
ـ صحيفة اللواء:
الحريري في الأليزيه الجمعة يحث ساركوزي على وقف العدوان على غزة لبنان يتحصّن بالقرار 1701 والقمة العربية .
اعلن في قصر الاليزيه ان رئيس كتلة المستقبل النيابية النائب سعد الحريري سيلتقي الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يوم الجمعة، لحثه على التدخل لوقف حمام الدم الاسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في غزة، وذلك قبل ايام من زيارة مقررة للرئيس الفرنسي الى لبنان في السادس من كانون الثاني المقبل، حيث سيتفقد وحدات بلاده العاملة في اطار القوات الدولية في الجنوب.
وأوضحت مصادر وزارية، انه طرح، خلال جلسة مجلس الوزراء، والتي وصفت بأنها كانت "الاكثر رواقاً وهدوءاً بعدما تم ترحيل كل الملفات الخلافية الى العام المقبل، ملف التعويضات لمتضرري حرب تموز،ومصير الهبة السعودية،بموضوعية وبعيداً عن أجواء التشنج, وتبين أن ملف التعويضات يحتاج الى مبالغ قيمتها ما بين 400 و450 مليون دولار أميركي، وهي غير متوفرة بعدما لم تف جهات خارجية بالتزاماتها في هذا المجال،والموارد المالية لها غير متوفرة ويقتضي الأمر البحث عن موارد لها, وعلم في هذا المجال، أن وزير العمل محمد فنيش طالب بصرف سلفة خزينة بقيمة مئتين وخمسين مليار ليرة لبنانية, وبعد نقاش تقرر تخفيض المبلغ الى مئتي مليار، من خلال تحرير 150 مليار منها من الهبة السعودية. كما تقررأعطاء صندوق المهجرين 60 مليار ليرة، ومجلس الجنوب 40 مليار ليرة من أجل أستكمال المهام الموكولة اليهما على طريق الإقفال النهائي. وكان من المتوقع ان يثير البند المتعلق بالتسوية بين الدولة وآل فتوش في موضوع الكسارات والمقالع، مشكلة داخل مجلس الوزراء.
تجدر الإشارة إلى ان تدابير امنية مشددة اتخذت امس، في محيط السفارة المصرية في بيروت، حيث تطورت تظاهرة احتجاجية على احداث غزة والموقف المصري منها يوم الأحد إلى مواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن, وأوضح مصدر امني لوكالة "فرانس برس" ان الإجراءات المتخذة "وقائية واحترازية تحسباً لحصول تظاهرات اخرى"، مشيراً الى ان الاحتمالات واردة طالما ان احداث غزة مستمرة, وقطعت الطرق في محيط السفارة المصرية في بئر حسن من اربع جهات بكتل اسمنتية وضعت على بعد اكثر من مئتي متر من السفارة, كما وضع شريط شائك من كل الجهات المحيطة بمقر السفارة.
أما رئيس الهيئة التنفيذية في "القوات اللبنانية" سمير جعجع فقد أسف لكلام نصر الله الذي قال أنه "يوزع الاتهامات في الداخل والخارج يميناً وشمالاً", وقال بعد زيارته بكركي التي زارها جنبلاط معايداً "لم أعد أعرف ما إذا كنا نحن في صدد محاولة بذل جهود لتخليص فلسطينيي غزة أو نحن في صدد إحداث ثورة وانقلاب كامل وشامل في منطقة الشرق الأوسط".
ـ صحيفة المستقبل:
جنبلاط وجعجع يرفضان مهاجمة مصر وتحوير النزاع مع إسرائيل
في حين وافق لبنان مبدئياً على المشاركة في قمة عربيّة تُخصّص لموضوع غزة مع التمني أن تكون "قمّة التضامن".. رفض رئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب وليد جنبلاط ورئيس الهيئة التنفيذية في "القوّات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع مهاجمة مصر أو أنظمة عربية أخرى أو تحويل "مأساة غزة إلى نزاع عربي ـ عربي". وقال النائب جنبلاط في حديث إلى محطة "برس.تي.في" الإيرانية، إن الوقت "ليس لمهاجمة مصر أو أنظمة عربية أخرى لأن ذلك سيدفعنا أيضاً للتذكير بأن النظام السوري الذي لا تزال أرضه محتلة وجبهته هادئة منذ عقود طويلة يخوض مفاوضات مع إسرائيل، وهو حتى أثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان سنة 2006 كان يفاوض إسرائيل". واعتبر أنه "بدل توجيه الاتهامات إلى الدول العربية لا بد من بذل الجهود لتوحيد الموقف الفلسطيني ووقف حالة الانقسام العميق الحاصلة بين الفصائل الفلسطينية كمدخل حتمي لمواجهة العدوان الإسرائيلي"، داعياً "الدول التي تدعم "حركة حماس إلى الدفع في هذا الاتجاه عوض تغذية الانقسامات والخلافات الفلسطينية". ورأى "أن الحل يكون بالعودة إلى المبادرة العربية للسلام التي أقرّتها الدول العربية والإسلامية وبقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة عاصمتها القدس وتأمين حق العودة للفلسطينيين"، مشدداً على أن "هذا العنف لن يؤدي إلا إلى المزيد مما يسميه الغرب الإرهاب في كل مكان في العالم". وإذ أكد جنبلاط ختاماً أن لبنان "حتماً سيدافع عن نفسه في حال تعرّض لعدوان إسرائيلي جديد" إلا أنه استبعد أن "يحصل أي تصعيد من جانب لبنان"، متسائلاً عن "الجدوى من هكذا تصعيد من الجنوب اللبناني الذي تحرّر في الوقت الذي لا يحرك النظام السوري ساكناً وأرضه لا تزال محتلة، لا بل هو يفاوض إسرائيل".
ـ صحيفة الحياة:
القصف يتركز على أنفاق غزة والعدوان «بلا سقف زمني» وخلافات على الاجتياح البري ... والقمة الطارئة تعقد في القاهرة اذا حظيت بالتوافق ... إسرائيل تستقبل بفتور إقتراح أوروبا «هدنة إنسانية»
عشية الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب في القاهرة لمناقشة العدوان على غزة، قالت مصادر ديبلوماسية عربية في لندن لـ «الحياة» إنه ليس معروفاً بعد مصير القمة العربية الطارئة التي دعت إليها سورية وقطر، «لكن يتوقع في حال الموافقة عليها أن تعقد في البلد المقر للجامعة العربية، أي في القاهرة، وليس في الدوحة كما ورد في الدعوة». وقال الناطق باسم الحكومة الإسرائيلية مارك ريغيف عندما سُئل عن الاقتراح الفرنسي: «نحن نريد أن نرى قوافل الدعم الإنساني تدخل قافلة بعد قافلة، ونحن مستعدون للعمل في شكل وثيق مع كل الأطراف الدولية المعنية لتسهيل هذا الهدف. لكن في الوقت نفسه، من المهم استمرار الضغط على حماس، لا منحها متنفساً من الوقت لإعادة تجميع صفوفها وتنظيمها».
وأبلغ وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير أبلغ وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك باقتراح لوقف النار لمدة 48 ساعة. وناقش الرجلان الاقتراح مرتين عبر الهاتف. واجتمع مساء أمس رئيس الوزراء المستقيل إيهود أولمرت ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني وباراك لدرس الاقتراح قبل تصريحات ريغيف. وأعلن قصر الاليزيه أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي سيستقبل ليفني غدا.
وكان الممثل الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي خافيير سولانا قال قبل ساعات من الاجتماع إن «الصيغة التي نعمل عليها تقوم على أساس ثلاث نقاط أساسية، الاولى وقف نار فوري، والثانية فتح المعابر بين غزة ومصر وبين غزة وإسرائيل، والثالثة الاستئناف الفوري للمساعدات الإنسانية».
وأكدت لـ «الحياة» مصادر قيادية في «حماس» إن الحركة لم تتسلم أي اقتراح خطي حتى مساء أمس، وليست لديها أي بنود مكتوبة لدرسها.
وفي سياق موازٍ، اتصل الرئيس الأميركي جورج بوش بنظيريه المصري حسني مبارك والفلسطيني محمود عباس لمناقشة الوضع في غزة. وقال الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل ابو ردينة إن عباس الذي تلقى الاتصال مساء أمس خلال تواجده في عمّان، حض بوش والإدارة الأميركية على «البحث عن حل سياسي سريع للوضع».
وأكد مسؤول في الخارجية الأميركية لـ «الحياة» إن واشنطن على تواصل «مكثف» مع أطراف إقليمية ودولية سعياً إلى «الوصول إلى وقف إطلاق نار» ودعم السلطة الفلسطينية. وأقر بأن تجدد أعمال العنف «يؤخر عملية السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين». وبدا أن الخطوط العريضة لأي اتفاق تهدئة، بحسب واشنطن، ستشمل شروطاً مسبقة والعودة إلى «الهدوء النسبي»، إلى جانب دعم حكومة عباس باعتبارها ممثلاً شرعياً للفلسطينيين.
ميدانياً، واصلت إسرائيل منذ ساعات الصباح الأولى أمس قصف غزة بعشرات الصواريخ، مركزة عملياتها على الأنفاق المنتشرة على امتداد الشريط الحدودي مع مصر، ما أدى إلى سقوط عشرة شهداء، بينهم طفلتان. واقترب عدد الشهداء من 400، فيما بلغ عدد البنايات التي تعرضت للقصف العدد نفسه تقريباً. هذا بخلاف نحو ألفي جريح. وذكرت صحيفة «هآرتس» أن ثمة صراعات داخل القيادة الإسرائيلية في شأن مدة العملية وطبيعتها، ففي مقابل جهات أمنية تدعو إلى مواصلة الحرب على القطاع لثلاثة أو أربعة أسابيع، هناك من يقدر في وزارة الخارجية أن «الساعة الرملية السياسية ستوقف إسرائيل في وقت مبكر أكثر بكثير».