ـ صحيفة السفير :
لو أن بلدا يحترم نفسه، هل يجوز لأي مسؤول أجنبي أن يدخله من النوافذ وليس من الأبواب، ولو أن بلدا يحترم نفسه، لماذا يسمح مسؤولوه لهكذا مسؤولين أجانب بأن يلتقوهم ويقيمون مآدب على شرفهم، وفي غياب وزير الخارجية وكأنهم يملون عليهم من يشاؤون أن يحضر أو لا يحضر، ثم تأتي المحاضر الرسمية لمجلس الوزراء لكي تشيد بالزيارة ولتؤكد أن الانفتاح (الاقليمي) &laqascii117o;لن يكون على حساب لبنان"؟ لو أن بلدا يحترم نفسه، كيف يسمح لسفيرة دولة أجنبية أن تدخل الى دائرة رسمية وأن تسأل عن أرقام الموازنة ووجهة صرف مجلس الجنوب وأن تحرض جهة لبنانية على جهة ثانية، وأن تتدخل أيضا في تفاصيل الأسماء والمرشحين والدوائر الانتخابية واسم رئيس المجلس النيابي المقبل؟
لو أن بلدا يحترم نفسه، هل يسمح لأية طائرة أجنبية أن تنزل على أراضيه دون أن يعلم من وماذا تحمل على متنها، وهل يعقل أن طائرة مروحية أجنبية تنزل في أرض سفارتها مباشرة، بلا اذن أو دستور، من الدولة المعنية؟
لو أن بلدا يحترم نفسه، لماذا تصر الأجهزة الأمنية فيه على طلب نقض قوانين أقرها مجلس النواب مثل القانون 140 الخاص بحماية حق تخابر المواطنين، وهل هناك من يريد التسلل من خرم الجرائم والحوادث الأمنية من أجل ممارسة ضغط على السلطة السياسية وحتى على السـلطة التشـريعية مـن أجـل تعزيز المفهــوم الجـديـد للدولـة الأمنيـة تحت شـعارات الحرية والسيادة والاستقلال؟... لو أن بلدا يحترم نفسه، لماذا يصر كبار المسؤولين فيه، على &laqascii117o;العناد" وشخصنة القضايا، حتى تعطى الأرقام المالية تفسيرات سياسية تحت طائلة تطيير الحكومة ووضع البلد في مهب الفوضى؟ لو أن بلدا يحترم نفسه، هل يجوز أن يصور نفسه عاجزا عن اقرار الموازنة للسنة الخامسة على التوالي، وما هي الرسالة المطلوب ايصالها الى اللبنانيين أولا والى الخارج؟
هذه عينة من اسئلة سريعة من وحي اللحظة السياسية، التي كانت احدى عيناتها، مجريات جلسة مجلس الوزراء، مساء أمس، وكيف تتحول فيها الأرقام التي يفترض أن تكون عناوين لقضايا تهم وتمس حياة اللبنانيين، الى أرقام للنكايات السياسية... ولعل رئيس مجلس النواب نبيه بري لم يخطئ عندما قال لـ&laqascii117o;السفير" قبل اقل من ساعتين من انتهاء جلسة مجلس الوزراء بأنه يخالف المتفائلين بأن الموازنة ستقر في جلسة الأمس، لأن هناك من يصر على افتعال أزمة والانقلاب على أية تسوية، وسأل &laqascii117o;هل أصبحت تجربة حكومة الوحدة الوطنية عبئا على البعض وصار بالتالي يريد أن يعلن بالملموس عن فشل هذه التجربة والدعوة الى البحث عن بدائل أخرى قبل موعد الانتخابات"؟
الجواب جاء من مجلس الوزراء الذي استنفد على مدى أكثر من أربع ساعات مناقشة موازنة مجلس الجنوب وعناوين أخرى في الموازنة العامة، وعندما أقفلت الأبواب بوجه المخارج، وصل الجميع الى المحظور، أي الى محاولة احراج المعارضة عبر جعلها تستخدم &laqascii117o;الثلث المعطل" أو &laqascii117o;الضامن" ضد أية موازنة لا تتضمن الاعتمادات التي يفترض أن ترصد قانونيا لمجلس الجنوب... ولكن حسنا فعل وزير الأشغال العامة والنقل غازي العريضي عندما أنقذ الموقف وحال دون التصويت الذي كاد يدخل البلاد في أزمة سياسية من جهة ويحرم لبنان من الموازنة العامة للسنة الخامسة على التوالي من جهة ثانية. فقد بادر الوزير العريضي الى مناشدة رئيس الجمهورية ميشال سليمان أن يستخدم حقه الدستوري وأن يؤجل التصويت وأن يعطى الموضوع فرصة جديدة للمشاورات... وبالفعل، جرى استمزاج رأي الوزراء، فتم تبني موقف العريضي وتفادى الجميع &laqascii117o;الكأس المرة".
واللافت للانتباه، أن وزير المال محمد شطح، الذي كان قد أبرم اتفاقا مع المسؤولين في مجلس الجنوب، قدم تقريرا الى مجلس الوزراء، تضمن معطيات لم تكن مطروحة للنقاش قبل الجلسة، وهو أمر ظهرت تباشيره من السرايا الكبير، عندما نفى الوزير جان أوغاسبيان، أن يكون قد تم التوصل الى اتفاق حول موضوع موازنة مجلس الجنوب، في موقف جاء معبرا عن موقف رئيس الحكومة، الذي كان الأكثر تشددا في مجلس الوزراء.
وفي المقابل، برز تساهل مع اقتراحات المعارضة من جانب وزراء &laqascii117o;اللقاء الديموقراطي" بالاضافة الى وزير الدفاع الياس المر الذي تبنى اقتراح وزير الصحة محمد جواد خليفة بالسير بموازنة الستين مليارا مع الأخذ في الاعتبار كل المعطيات القانونية التي تلزم مجلس الجنوب بالأصول المرعية الاجراء في التعامل مع رئاسة الحكومة، وكذلك التزام أصول الرقابة على أن تلغى هذه الموازنة وغيرها لاحقا اذا تم الأخذ باقتراح انشاء وزارة التصميم. وقد أشار شطح في تقريره المفاجئ الى عدم اقتناعه ببعض الدراسات والمشاريع المقدمة من مجلس الجنوب بقيمة 73 مليار ليرة بينها مشروعا مدرستين في الجنوب لم يتم تنسيق موضوعهما مع وزارة التربية وكذلك أحد المشاريع المائية التي تعتبر من صلاحية مجلسي الانماء والاعمار كونه حصل على هبة مخصصة لهكذا مشاريع الخ... وقد بدا منذ تقديم العرض الملتبس لشطح ونزول أرقامه من الستين مليار ليرة الى حوالي الـ45 مليار ليرة، ومن ثم اعتراض وزير الصناعة غازي زعيتر على مضمونه، أن المسألة تعدت المبدأ حول ان تكون هناك موازنة لمجلس الجنوب أو لا تكون بعدما أصبح المبدأ مقرا به من الجميع، وصار السؤال المطروح هل من المسموح اقرار الأرقام التي طالب بها مجلس الجنوب ورفضها الرئيس فؤاد السنيورة وكيف يمكن حفظ ماء وجه الرئاسة الثالثة وهل هناك من &laqascii117o;تخريجة" أو &laqascii117o;وصفة سحرية" كفيلة بتجاوز عقدة الموازنة؟
حتى الآن لم يتخذ القرار باسقاط الموازنة وبالتالي اعتماد القاعدة الاثني عشرية، وثمة فرصة أسبوع حتى موعد الجلسة المقررة الخميس المقبل من أجل ابتداع الحلول ولعل أحدها ما طرحه وزير العمل محمد فنيش داخل الجلسة نفسها، لجهة ضم الاعتماد المخصص لصرف تعويضات لأصحاب المنازل والأملاك المشغولة من قبل قوات الطوارئ الدولية ضمن الموازنة، الى موازنة مجلس الجنوب أو أن يتم كسر رقم الستين مليارا ولو بليرة واحدة حتى لا تكسر كلمة رئيس الحكومة الذي أخذ على من قالوا بوجوب أن يخضع المجلس لوصايته أن رئيسه يرفض التحدث معه أو أن يرد عليه نهائيا! واللافت للانتباه، انه بالتزامن مع الازمة المفتوحة حول موضوع مجلس الجنوب، فان وزيرة التربية بهية الحريري قررت اقامة حفل تكريم على شرف رئيس الحكومة في دارتها في مجدليون، علما بانه راجت تكهنات في الاونة الاخيرة حول احتمال ان يرشح رئيس الحكومة نفسه عن احد المقعدين النيابيين في صيدا، الا انه رفض تأكيد او نفي ذلك حتى الان.
من جهة ثانية، شهدت جلسة مجلس الوزراء تحفظا واضحا من جانب الوزيرين المعارضين جبران باسيل ومحمد فنيش حول اصرار القوى الأمنية وتحديدا فرع المعلومات على الحصول على &laqascii117o;داتا" المعلومات الكاملة من وزارة الاتصالات من دون تضييق الفترة الزمنية أو المدى الجغرافي وغير ذلك من الضوابط التي تحد من التنصت المفتوح وبما ينسجم مع مضمون القانون .140 وجاء طرح موضوع التنصت من زاوية شكوى الأجهزة الأمنية من النتائج السلبية للآليات التي أقرها مجلس الوزراء في التعامل مع موضوع الاتصالات اعتبارا من 19 كانون الثاني الماضي، وتقرر في ضوء المناقشات أن تمدد مهلة العمل بهذه الآلية حتى الخامس عشر من آذار المقــبل، على أن تقدم اللجنة الوزارية المخــتصة تقــريرها الأمني التقني قبل ذلك الوقت، وهو أمر أشار اليه وزير الداخلية زياد بارود مؤكدا في الوقت نفسه أن هذا التقرير صار شبه جاهز.
وبدا واضحا من خلال مناقشات مجلس الوزراء ومعطيات القوى الأمنية أن الحوادث الأمنية الأخيرة ومنها اختفاء الموظف في &laqascii117o;الميدل ايست" يوسف صادر، قد أعطت مبررات للأمنيين بأن يحملوا الآليات مسؤولية التأخير في إماطة اللثام عن بعض القضايا، وهو أمر رفضه وزير الاتصالات قائلا :&laqascii117o;سجلوا تحفظي على مبدأ استغلال الحوادث الأمنية لأخذ معلومات ليست الأجهزة الأمنية بحاجة اليها نهائيا"، محذرا من نية البعض نسف القانـون 140 والانقلاب عليه. يذكر أن رئيس الجمهورية تطرق الى الحوادث الأمنية الأخيرة، وقال انه يترتب على الجميع القيام بدور فاعل في التهدئة السياسية والاعلامية بما يعزز قدرة الأجهزة العسكرية والأمنية على القيام بواجباتها.
وفي موازاة جلسة مجلس الوزراء، شكّلت زيارة النائب وليد جنبلاط الى قائد الجيش العماد جان قهوجي، أمس، في اليرزة، تعبيرا واضحا عن وجود رغبة جنبلاطية بطي التباسات ما بعد الاطلالة التلفزيونية الأخيرة لرئيس &laqascii117o;اللقاء الديموقراطي"، وخاصة ما تضمنته من انتقادات علنية لقائد الجيش ومديرية المخابرات وبعض الضباط، وكذلك قطعت الطريق على من يريد &laqascii117o;الاستثمار" لاطلاق النار سياسيا على الجيش، وهو الأمر الذي عبّرت عنه مناخات الزيارة الايجابية التي تمت بمبادرة من جانب جنبلاط نفسه، ولاقت أصداء ايجابية كبيرة داخل المؤسسة العسكرية.
وحسب بيان وزعته مديرية التوجيه في قيادة الجيش، أبدى جنبلاط ثقته بالمؤسسة العسكرية الضامنة للسلم الأهلي في البلاد، وأشاد بالجهود التي بذلتها أخيرا لضبط الوضع الأمني وتوقيف المعتدين على سلامة المواطنين وحرياتهم. ورد قهوجي مؤكدا أن الجيش &laqascii117o;لن يألو جهدا للحفاظ على أمن الجمــيع واستقرارهم".
ووصفت مصادر عسكرية اللقاء بأنه كان ممتازا وأن الجانبين اتفقا على استمرار التواصل بينهما، خاصة بعد عودة قهوجي من زيارته الى واشنطن التي ستبدأ الأحد وتليها لاحقا زيارة الى القاهرة، في اطار السعي الى تعزيز قدرات الجيش اللبناني. وعلمت &laqascii117o;السفير" أن رئيس مجلس النواب نبــيه بري كلّف وفدا من قيادة حــركة &laqascii117o;امل" برئاسة النائب علي حسن خليل بأن يزور اليوم بلدة الشــبانية، في قضاء عاليه، من أجل تقــديم واجب العزاء الى ذوي ورفاق الشهيد الاشتراكي لطفي زين الدين