فضحت &laqascii117o;القمة الثانية للدول العربية مع دول أميركا الجنوبية" القمة العربية الحادية والعشرين، خصوصاً أنهما عقدتا متعاقبتين زمنياً، الاثنين والثلاثاء، وفي قاعة واحدة من قاعات فندق شيراتون ـ الدوحة في قطر، بعد تبديل في اللوحات ولغة الشعارات..
لقد كشفت القمة الثانية القمة الأولى في هزال خطابها السياسي كما فضحت هشاشة العلاقات المضطربة التي تسود العلاقات بين الإخوة ـ الأعداء.
من باب التذكير، لا أكثر، نشير إلى أن المسؤولين من القادة العرب كانوا هم هم في القمتين، بكل ما هو معروف من سلوكياتهم التي يتداخل فيها الشخصي مع العام، وعن شرعياتهم، خصوصاً أن بينهم عدداً ملحوظاً من المنتمين إلى أسر حاكمة يتوارث أفرادها العرش كابراً عن كابر.. والنسب هو الأصل والأساس ومصدر الشرعية، وبغض النظر عن الأهلية والمعاصرة والمستوى العلمي والوعي بخطورة الاقتصاد، مثلاً، وتأثيره الحاسم في عالم القرن الحادي والعشرين..
وأما القادة الآتون من بعض أهم دول أميركا الجنوبية، فإنهم جميعاً في مواقعهم نتيجة انتخابات ديموقراطية مشهودة، وعبر منافسات حادة، وعلى قاعدة صلبة من البرامج السياسية ـ الاقتصادية التي تثبت الأهلية والاستعداد بالكفاءة لمعالجة مشكلات البلاد، وهي &laqascii117o;نامية" أيضاً بمعايير التقدم الدولية، وإن كانت تسبق بلادنا ـ والأغنى قبل الأفقر ـ بمراحل واسعة.
فأما القمة العربية التي استٌولدت قيصرياً واختُتمت عجائبياً بنجاحها في تخطي الانفجار من الداخل، ودائماً باللجوء إلى القاعدة الذهبية ـ الأبدية عربياً ـ &laqascii117o;سيروا بخطى أضعفكم" ولو بكلفة تتمثل في التخلي عن الأهداف المرجوة من انعقادها، والتعزية باستنقاذ الحد الأدنى في المواقف ولو على حساب &laqascii117o;القضية" التي تشكّل مبرر التوافق والتلاقي، فقد نجحت فانعقدت واختتمت... بسلام!
و&laqascii117o;السلام" يعني تهدئة الخصومات بأسبابها المتعددة التي يختلط فيها الشخصي بالعام، والسياسي المتصل بتركيبة النظام مع السياسي العام بأبعاده الدولية والإقليمية، الاقتصادية والاجتماعية، في انتظار أن يحلها الزمن أو يوفر فرصة أفضل في غد لتسويتها أو تصفيتها في الغرف المغلقة.. وبغير شهود!
من هنا فإن معظم الخطب في القمة الأولى (العربية) كانت أقرب إلى المجاملات والمواقف المبدئية التي لا يمكن الاختلاف حولها.. بمعنى أن الكثرة الكاثرة من خطباء الجلسة الافتتاحية قد ردّدوا الشعارات والمبادئ العامة والنوايا الطيبة والعواطف الحارة والحرص على القضية الفلسطينية، لا فرق أن يكون ذلك بالتفاوض أو بالصمود أو بالإرجاء أو بالاعتماد على حسن نوايا الإدارة الأميركية الجديدة... أو على تداعيات الأزمة الاقتصادية الدولية، أو على تطرف الشارع الإسرائيلي الذي تجاوز كل السقوف المعروفة سابقاً، بحيث تستطيع حكومة نتنياهو ـ ليبرمان ـ باراك الادعاء أنها &laqascii117o;معتدلة" وتحسن قراءة خريطة طريقها في فلسطين بعد إخلائها من شعبها الفلسطيني تماماً!
.. وأما الخطب في القمة الثانية فكانت أقرب إلى البرامج أو الخطط المدروسة لوجوه التعاون الممكنة ومجالاتها المتاحة والمفيدة للطرفين.. برغم اللمسة العاطفية التي عبقت بها مقدمات الخطب، والتنويه ـ بغير مبالغة ـ بتحدر أعداد ملحوظة من أبناء دول أميركا الجنوبية من أصول عربية، أبرزها السوري واللبناني ثم الفلسطيني (وإن كان معظم هؤلاء قد &laqascii117o;فقدوا" أبناءهم، بمعنى أنهم عجزوا عن تثبيت عروبتهم لغة، في البداية، ثم اهتماماً وسلوكاً، في الشباب الجديد المنتمي كلية إلى بيئته (الوطنية) الجديدة، ليس فقط لأسباب عملية، بل أيضاً وربما أساساً بسبب ما يسمعه من أهله عن الأوضاع المحزنة في بلاد الآباء والأجداد التي جاءوا منها...
في الشكل الذي يعادل المضمون، أحياناً: بين القادة الذين جاءوا من أميركا اللاتينية رئيستان لدولتين (الأرجنتين وتشيلي)، في حين أن الوفود العربية الرسمية جميعاً لم تكن تضم بين أعضائها إلا سيدة واحدة برتبة وزير، إذا ما نحن تجاوزنا الملحقات الصحافية أو الزميلات الصحافيات والسكرتيرات الناشطات..
أما في المضمون فإن السيدتين الرئيستين هما شخصيتان قياديتان بارزتان، كل في بلادها، ولكل منهما تاريخ &laqascii117o;نضالها" السياسي في بلادها، ثم أنهما مثقفتان ومتمكنتان من موضوع الحديث، خطياً وشفاهة، ومع احترام بالغ للأرقام والمعلومات التي لا تحتمل فصاحة الديباجة أو التقديرات والتخمينات التي تعوّد على إطلاقها بعض القادة العرب مشفوعة بالعبارات الناقضة للجهد مثل &laqascii117o;بعون الله" و&laqascii117o;بحمد الله"، فضلاً عن اللازمة التقليدية &laqascii117o;إن شاء الله" والتي تتردد في مؤتمرات القمة بقدر ما تتردد في المساجد..
من باب الطرافة التي لا أفترض أنها تسيء إلى جدية الاستعدادات القطرية، وحسن الإعداد وكرم الضيافة، لا بد من التنويه بأن الشعار الجميل للقمة الحادية والعشرين قد تضمن بيت الشعر الشهير لشاعر العرب الأكبر أبي الطيب المتنبي والقائل &laqascii117o;الخيل والليل والبيداء تعرفني، والسيف والرمح والقرطاس والقلم"!
في الروايات إن هذا &laqascii117o;البيت من الشعر" كان السبب المباشر في الاغتيال الملتبس، لأن قائله دعاه إلى المبارزة لإثبات صحة معرفته باستخدام السيف والرمح... فكانت القاضية! وقيل بعدها إن الشاعر العــظيم قد ذهب ضحية... عبقريته الشعرية!
... ومبروك للدوحة نجاحها، وبقي على أميرها الداهية ومعاونه الذي تعلّم منه السحر، أن يفيدا من سنة طويلة في الرئاسة... المستحيلة!
زحمة' ترشيحات وارتباك عند الأكثرية والمعارضة
بين 'التحالف الاستراتيجي' و'زعل' بعضهم... الأولوية للتحالف
صحيفة النهار
سمير منصور
طبعاً يحق للنائب السابق غطاس خوري، كأي مواطن لبناني تتوافر فيه الشروط المطلوبة، ان يترشح للانتخابات النيابية في منطقته، اي الشوف. وبالفعل هو لا ينتمي حزبياً وتنظيمياً الى 'تيار المستقبل' بل كانت تربطه علاقة متينة بالرئيس الشهيد رفيق الحريري ومن بعده بالنائب سعد الحريري، ولكنه في الوقت نفسه احد البارزين في تحالف قوى 14 آذار. اذاً لم يخطئ الرجل بطرحه اسئلة حول حقه في الترشح في منطقته، بدون ان يعلن ترشيحه 'رسمياً'.
ومع ذلك، وعلى خلفية تصريحات لرئيس 'اللقاء الديموقراطي' النائب وليد جنبلاط ينتقد فيها بعض الترشيحات، في اشارة واضحة الى خوري وغيره بدون ان يسميهم، كان من الطبيعي رسم علامات استفهام وطرح اسئلة اقلها يتعلق بمدى علاقة الحريري بالمواقف التي اطلقها خوري مفتتحاً حملته الانتخابية من دير القمر، وعما اذا كانت تعكس سجالاً غير مباشر او 'بالواسطة' بين الحريري وجنبلاط، بل حول حقيقة موقف الحريري من ترشح خوري. فالمسألة هنا لا تتعلق بشخص بل بتحالف 'عميق واستراتيجي'. لذلك كانت الاجابة سريعة وواضحة، بل استباقية من 'تيار المستقبل' وفي توقيت لافت صباح الاحد الماضي، اي قبل ساعات من المهرجان الانتخابي الذي دعا اليه غطاس خوري، وجاءت على لسان 'مصدر في قيادة تيار المستقبل' نشرته صحيفة 'المستقبل' في ذلك اليوم وكررته مصادر التيار امس لمن استوضحوها: 'ان التحالف الاستراتيجي بين التيار والحزب التقدمي الاشتراكي ثابت ومستمر، خصوصاً في منطقة الشوف حيث ستتم ترجمته في الانتخابات المقبلة. وكل ما يصدر خلاف ذلك يعتبره تيار المستقبل خارجاً عن نطاق قرار قيادته في هذا التحالف الاستراتيجي'.
وفي سياق رده على بعض التساؤلات التي بدأت تطرح منذ ما قبل الاحد الماضي، ونفيه لبعض ما قيل ونشر وسرّب حولها، اكد الحزب التقدمي الاشتراكي من خلال مفوضية الاعلام فيه، انه 'ثابت في موقعه وتحالفاته السياسية وفي طليعتها تيار المستقبل بما يتطابق مع المصلحة الوطنية ومصلحة قوى 14 آذار ووحدتها'.
واكد الطرفان، 'المستقبل' والاشتراكي، ان جنبلاط والحريري كررا تأكيد هذه 'الثوابت' خلال اتصالات بينهما في الايام الماضية.
وهكذا يبدو واضحاً انه بين 'التحالف الاستراتيجي' و'زعل' محتمل لاي مرشح، وحتى اذا كان من الاقربين والاعزاء كما هي حال غطاس خوري مع الاثنين معاً، فإن الخيار في النهاية سيكون الحرص على التحالف. وهي ليست المرة الاولى التي تأتي الظروف معاكسة لترشيح خوري وعلى حسابه. ففي الانتخابات الماضية عام 2005 كان 'عزوفه' لاسباب اقتضتها ظروف الانتخابات لمصلحة المرشحة صولانج الجميل. وكانت حتماً ظروفاً قاهرة، بالاستناد الى ما هو معروف عن مكانة الرجل في بيت رفيق الحريري وعند سعد الحريري ومحيطه الاقرب، وعند سائر قوى 14 آذار.
على ان مصدراً واسع الاطلاع من المحيط المذكور اشار امس الى ان هناك اتصالات هادئة ومشاورات لم تحسم حتى الآن، ولا شيء نهائياً بعد، وانه 'كان هناك تمنٍ على خوري انتظار ما ستؤول اليه الاتصالات، وتحديداً بين الحزب التقدمي و'تيار المستقبل' وسائر مكونات 14 آذار ليس في ما يتعلق بالشوف فحسب، بل بأكثر من منطقة. ويبدو ان خوري لم يشأ الانتظار فدعا الى مهرجان انتخابي طرح فيه تساؤلاته بدون ان يعلن ترشيحه'، مع الاشارة الى ان 'ما حصل كان خلافاً لرأي تيار المستقبل'.
ويعترف المصدر نفسه بأن 'مشكلة قوى 14 آذار تكمن في انها لم تستطع حتى الآن التوصل الى لوائح موحدة في الانتخابات، وانها تعاني مشكلة ترشيحات في اكثر من منطقة'. ولكنه يشير في الوقت نفسه الى ان 'هناك مشاكل اكثر بكثير عند قوى 8 آذار، ولكن عندنا لا اسرار، وكل شيء في الاعلام'. ويعدد مشاكل الترشيحات عند الطرف الآخر وبالاسماء، من الجنوب الى الشمال مروراً بالعاصمة وبعبدا والجبل والبقاع، معتبراً ان 'لا احد افضل من الآخر في هذا المجال'.
واذا كان البعض عند الطرفين يتحدث عن تأخر في اعلان اللوائح الانتخابية، فإن معظمها بات معروفاً، ولا تنافس حقيقياً في معظم المناطق، مع تمايز واضح في المتن وكسروان وجبيل وبعض الدوائر في الشمال والبقاع، وكذلك في دائرة بيروت الاولى حيث التركيز اللافت وشبه اليومي لرئيس 'تكتل التغيير والاصلاح' النائب ميشال عون على منطقة الاشرفية دعماً لمرشحه عصام ابو جمرا، وذلك عبر هجوم متكرر ومركّز على المرشحة نايلة جبران تويني خصوصاً، وعلى جميع 'الآخرين' عموماً، وآخر اهدافه كانت 'العائلات' التي تهجّم عليها فاتحاً كما كل مرة 'جبهة' جديدة و'شارياً' المزيد من الاخصام، وفق مصادر يمكن وصفها بانها مستقلة، وذات خبرة في انتخابات الدائرة الاولى بالعاصمة خصوصاً. وقد آلمها، كما كثيرين، 'ان يصل الامر بعون الى التهجم على الشهيد جبران تويني ووصف تحالفاته معه بـ'الموسمية'، في استفزاز مباشر لمحبيه ولأهل الاشرفية عموماً بمن فيهم مؤيدون لعون نفسه'، ودائماً حسب المصادر نفسها التي تخلص الى القول: 'ما هكذا يكون الخطاب السياسي الراقي. وما هكذا تخاض الانتخابات'.
واما حديثه عن 'الاولاد' و'العائلات' فتحيله مصادر في 14 آذار على 'الاولاد الذين بنى عون امجاده على اكتافهم وخاض بهم وبعائلاتهم حروبه العبثية'.
في المقابل، وفي سياق دفاعها عن مواقف عون، لا تخفي مصادر اعلامية قريبة منه، ومن 'الرعيل الاول'، عدم تقبل كثيرين وبينهم مؤيدون له الكثير من مضامين خطابه الانتخابي ولا سيما في ما يتعلق بالاشرفية، ولكنها تذكّر في الوقت نفسه بـ'هجمات وحملات' يتعرض لها 'الجنرال' وان بعضهم يحرضه وينقل اليه اجواء ليس اقلها 'انهم يقولون في الاشرفية انك تسعى الى اعادة الهيمنة السورية الى لبنان' وهذا اكثر ما يثير اعصابه وانفعالاته، في مقابل نصح له بالتروي وعدم 'شراء' المزيد من الاخصام سواء في السياسة او في الاعلام. ويعرف عون والمحيطون به ان في هذا الاعلام بما فيه 'النهار' مؤيدين له ربما اكثر مما فيه من المعارضين لنهجه و'سلوكه السياسي' فلِمَ شراء الخصوم؟
سؤال ينسحب على كثيرين من السياسيين وان يكن بينهم من سجل الرقم القياسي!
على ماذا سيستفيق الناس في 8 حزيران المقبل?
صحيفة الأنوار
كتب المحلل السياسي:
في لبنان، هل العلة في النظام أو في (رجال النظام)?
هل هناك إمكانية للإصلاح أم أن المأزق يكمن في كون (النظام مقفل) ولا إمكانية لإصلاحه?
وهل صحيح ان أي إصلاح يحتاج إلى (حرب) لأنه لا يمكن إجراؤه على (البارد)?
هذه التساؤلات والهواجس تحتمها الألغاز التي تواكب مسار الإعداد للإنتخابات النيابية، فأكثر من أي وقتٍ مضى تبدو هذه الإنتخابات (معلَّبة)، في جانب كبير منها، فالحمى الطائفية، بل المذهبية، مستشرية، والبرامج الإنتخابية (إذا وُجدت) تضيع وتتبخَّر بسبب البرنامج الحقيقي الوحيد وهو (المخاوف الطائفية) قلائل هُم المؤمنون وكُثُر هم الطائفيون، وبين الإيمان والطائفية فرقٌ شاسع، فالأول علاقةُ الإنسان بربه، والثانية (نهجٌ وصولي) لتحقيق غاية ظاهرها عام وحقيقتها خاصة.
* * *
لنعُد إلى الأساس، ما هي وظيفة الإنتخابات النيابية?
بكل بساطة أن يختار الشعب نوابه لتكوين السلطة وهُم يراقبونها فيمنحونها الثقة لتعمل ويحاسبونها إذا أخطأت، فهل هذا ما نحن فيه?
بالتأكيد كلا، ففي الإنتخابات النيابية الذي يجري هو ما يلي:
الأقطاب يختارون المرشحين ويطلبون من الشعب إنتخابهم، ولأن الفضل هو للأقطاب وليس للشعب، فإن النواب يصبحون في خدمة هؤلاء وليس في خدمة الشعب، أما لماذا الأقطاب لديهم هذا التأثير وهذا (السحر) فلأنهم يوهمون شعبهم بأنهم يحافظون على (حقوق الطائفة)، فيهرول الشعب وراءهم مدفوعاً بوهم أن هذا القطاع يحافظ على حقوق الطائفة ولا بد من إعطائه الصلاحيات المطلقة وتركه وشأنه في أن يختار ويُقرر.
هذا الوهم يُنسي الناس حقوقهم الأساسية:
أين الخدمات لهم من مياه وكهرباء وطرقات وتعليم وإستشفاء وفرص عمل?
هذه في البلدان المتحضِّرة حقوق مقدِّسة، فماذا عندنا منها?
كيف على عتبة إجراء الإنتخابات النيابية لا نستطيع إقرار الموازنة العامة التي هي أساس تحريك عجلة الدولة?
كيف تجري إنتخابات نيابية ووضع الكهرباء في لبنان في حالٍ يُرثى لها?
* * *
تُصبح وظيفة الإنتخابات في هذه الحال، مجرد (وجاهة) يتنعَّم بها قلة من الناس فيما عامة الناس في أوضاع تزداد سوءاً.
إنطلاقاً من كل هذه المعطيات، يُصبح من المؤكد القول إن الإنتخابات في لبنان فقدت وظيفتها في إصلاح النظام الذي يتنقَّل من مأزق إلى مأزق أكثر عمقاً وتعقيداً، من دون أن يلوح في الأفق، القريب منه والبعيد، أي مؤشر إلى إصلاح أو تحسين.
* * *
هذا المشهد المُحبِط لن يراه الناس بالعين المجرَّدة سوى في الثامن من حزيران المقبل.
نصف الألف خمسمئة !
صحيفة النهار
راجح الخوري
كان في وسع ميشال عون أن يواصل هجومه المضحك على نايلة تويني فيعطي بذلك حملتها الانتخابية زخماً اضافياً. فالناس يعرفون في الدائرة الأولى وفي العاصمة وكل لبنان، أن شبابها المفعم بالتهذيب والهدوء، واحترامها الرأي الآخر، وحماستها الممزوجة بالوعد المنبثق من الحزن، يكفي لكي يرفع نسبة الادرينالين الى فوق معدلاتها الطبيعية عند عون الذي يتحسس منذ الآن كيف ستدور 'الدوائر' الانتخابية!
ولكن ان تصل العصبية التصاعدية والغضب الساطع عند الجنرال الى درجة شن هجوم على والدها الشهيد جبران تويني والقول انه كان 'موسمياً'، فالأمر لا يثير أبداً في 'النهار' الغضب وان يكن يستأهل ما هو أكثر من الغضب' بل يثير فينا الشفقة على الأقل لأن ليس في وسع عون، وهو بطل سياسة الـ'GIROascii85ETTE' والتقلّب والاكروبات، ان يتحدث عن 'المواسم'. ثم ان دورة الفصول عنده واقفة عند شباط ومستقرضاته الارثوذكسية.
❐ ❐ ❐
بالتأكيد ليس هناك من يحتاج الى نصائح ميشال عون لنايلة تويني ولا غيرها. والذين كانوا يستمعون الى نصائحه قبل عشرين عاماً معظمهم طافش الآن في انحاء المعمورة. ولا حاجة بنا الى التوسع في الاستذكار والشرح، فهو يعرف هؤلاء أكثر منا. ولكن ان يعود الجنرال الى الحديث عن الحرب و'هز المسامير' ليقول بالحرف:
'ماذا افعل اذا كان من هم أكبر من نايلة لا يعرفون كيف تبدأ الحرب وتنتهي، ولماذا يجب ان تنتهي؟ فكيف يعالج هؤلاء الشؤون العامة، ونحن لا نتصرف بشعورنا بل بعقولنا (...)'.
فعلاً ان يعود عون الى الحديث عن الحرب فتلك مسألة تفتح جروحاً تبدأ في بعبدا حيث كان 'بيت الشعب'، وتنتهي في ملاجئ الجمهورية حيث نام الشعب في 'حرب التحرير' تحرير لبنان من سوريا وقد بدأها الجنرال يوم كانت سوريا شريكاً دولياً في تحرير الكويت، ثم 'حرب الالغاء' - عفواً لأن عون يسميها حرب 'توحيد البندقية'.
❐ ❐ ❐
بعد عشرين عاماً لا يتردد عون في الحديث عن الحروب واسرارها، وهو لم يتكرم يوماً ويشرح للبنانيين كيف بدأ حروبه، ولماذا بدأها، وعلى اي أساس، ووفق اي حسابات؟
أما كيف انتهت ولماذا انتهت فلا داعي اطلاقاً لكي يزعج نفسه ويشرح، فالناس تعرف جيداً. اما ما لا يعرفه الناس ولن يعرفوه قط فهو:
إذا كان نصف الألف خمسمئة كما يقال، فلماذا كل هذا الغضب الهادر من بكركي الى الاشرفية مروراً بنايلة تويني ونديم الجميل... وأيضاً بعين التينة؟!
ولماذا لا يسود الخطاب الهادئ وتتوقف الاتهامات والتهجمات ونترك للصناديق ان تفيض بالارتياح هنا وبالقهر هناك؟
ولو نصف الألف 500.
(ملوك) بلا تيجان !!
صحيفة الأنوار
فؤاد دعبول
هجموا ... لتقديم ترشيحاتهم.
وهذا فألٌ حسن.
والملاحظة الأساسية، أن المعارضين سبقوا الموالين في الترشيح.
هل يعني هذا، أن المعارضة، ومعظمهم ممن رسبوا في الانتخابات السابقة، أشدّ حرارة للسباق... الانتخابي.
لا أشدّ مضاضةً من الموالاة، في الخدمة العامة!
و(المضاضة) هنا تعني العزوف لا الإقدام.
ما زال الناس في نقاش حول (الوسطية) و(الاستقلالية).
أيهما أفضل، ومَن هو الأسوأ?
الحقيقة أن هناك جماعة (شوشطوا) الطبخة.
ظلوا يروّجون للوسطية، حتى هرب منها الناس، ودأبوا على التشجيع على الاستقلالية، حتى نفر منها الناخبون.
معظمهم يريدون (رافعة) للعهد.
وأكثرهم لا يستطيعون الارتفاع من الحضيض الى فوق.
فكيف (بدهم) يرفعون العهد من المهاترات الى الحوارات?
اتصل ذات يوم شاعر مرهف، وأشاد باستعمال لفظة (بدهم).
وتساءل ببراءة الشاعر، كيف يكونون (رافعة) للعهد، وهو براء منهم.
وهم ليسوا براء من كل المآسي.
وليسوا غريبين عن محاور الفساد.
***
نعم، (هجموا) على وزارة الداخلية.
أو كلَّفوا محامين لتقديم ترشيحاتهم، نيابةً عنهم.
وهم (بدهم) محامين للدفاع عن ماضيهم، لا محامين لتقديم ترشيحاتهم.
وهذا الكلام ينطبق على مَنْ هم في الموالاة.
أو يتربعون على عروش المعارضات.
هناك مشكلة (عويصه) شوي.
في الموالاة عناصر طيبة، وأخرى مخادعة.
وفي المعارضة قادة كبار، ولاعبون صغار.
ودور الناخب أن يختار العناصر الكفية في الموالاة.
وأن ينبذ الوجوه الكالحة عند المعارضة.
وهذه عملية صعبة، لأن المرشحين، ولا سيما البارزين منهم، يطلبون انزال اللائحة على عماها.
أو (زي ما هيي).
وهذه مخالفة دستورية لـ (ديمقراطية الانتخابات).
ورحم الله الشهيد الذي أطلق ذات مرة هذا التعبير.
وذهب مثلاً سائراً على الشفاه.
***
بعض المرشحين (الأقوياء) شعبياً - كما يزعمون - نصَّبوا أنفسهم ملوكاً على عروش الانتخابات.
والملك، هو ملك، ولو كان (التاج) على رؤوس سواهم.
وملوك آخر زمان، ديمقراطيون.
لا يريدون أن يقتحم مرشح آخر، (ممالكهم).
ولا يتحملون المنافسة، ولو جاءت من مرشح مبتدىء.
قالوا لهم إن هذه المواقف دليل ضعف لا قوة.
وردّوا بأنهم ديمقراطيون، لكنهم يتحمّلون (الزكزكات).
و(الزكزكة) غير ملحوظة في (الشريعة الديمقراطية).
اليوم، أول شهر نيسان.
وهذه (كذبة) الكذبات!
المرشحون زادوا على المائة وستين شخصاً.
(هيك) عملوا بانتخابات رئاسة الجمهورية.
يومئذ، قالوا إن دفع (الهواة) الى الترشح، (شرشحوا) المعركة الأعلى في البلاد.
هل هناك خطة لشرشحة الانتخابات النيابية قبل أن تجري.
كل شيء في هذا الوطن، عجيب وغريب!!
إنتخابات 'المتصرفية'
صحيفة النهار
جهاد الزين
سأضع جانبا 'الكلام الكبير' الذي يطلقه العديد من السياسيين اللبنانيين حول الانتخابات النيابية الآتية او 'الكلام الكبير' (وغالبا الفارغ) الذي يصرون على اطلاقه في معرض وصف طبيعة 'المعركة'.
الظاهرة المتفق عليها، بمعزل عن الاختلاف في التوصيف، ان هذه الانتخابات ستجري عمليا في 'الدوائر المسيحية' اي في الدوائر ذات الثقل الاقتراعي المسيحي.
عملياً: اي في كل الدوائر التي كانت تشكل جغرافيا 'متصرفية لبنان' والتي اقتطع منها التقسيم الفرنسي بعد 1920 مناطق اخضعها اداريا لشمال وجنوب وبقاع لبنان الكبير.
اذاً، هي انتخابات لبنان الصغير. وليس لبنان الكبير اذا اعتبرنا، وهو كذلك، ان النتائج محسومة في المناطق - الطوائف السنية، الشيعية. بل حتى هي انتخابات في 'لبنان الاصغر'، وليس فقط الصغير طالما ان الحالة الدرزية، من حيث سيطرة الحزب الواحد العملية على الطائفة، شبيهة بالحالتين الشيعية والسنية، ستجعل دائرتي الشوف وعاليه خارج نطاق المنافسات التي ستجري في دوائر جبل لبنان الاخرى كما في دوائر البترون وزغرتا والكورة في الشمال وزحلة في البقاع وجزين في الجنوب، وهي كلها كما سبقت الاشارة، مناطق كانت جزءا من المتصرفية السابقة لإنشاء دولة 'لبنان الكبير'.
ما اسميناه بعد نتائج انتخابات عام 2005 بـ'النضوج الفيديرالي للبرلمانية اللبنانية' متواصل اليوم مع هذه السمة التنافسية الخاصة في البيئة المسيحية الغائبة، لا من حيث الشكل بل من حيث النتائج المختلفة عن المناطق غير المسيحية.
هكذا في جبل لبنان الشمالي والدوائر المقتطعة من 'المتصرفية' في المحافظات الاخرى، لا تبدو المعركة فقط في 'لبنان الاصغر'، بل كأنها بصورة من الصور في لبنان القديم. لبنان ما قبل 1975. قوى ومكونات عائلية وحزبية، مناطقية وجهوية بالمعنى نفسه الذي كانت عليه تشكيلات ما قبل 1975. حتى الاسماء المستجدة التي تشكلت خلال الحرب الاهلية 1975 - 1990 كـ'القوات اللبنانية' او بعد الحرب كـ'التيار الوطني الحر' تبدو زاوية النظر هذه حاملة معها نفس العناصر الامتدادية العابرة للمناطق التي كانت لاحزاب 'الكتلة الوطنية' و'الوطنيين الاحرار' و'الكتائب' او ما بقي لها من امتداد او 'ذكريات امتداد'.
ربما 'التيار الوطني الحر' اي حزب ميشال عون هو الوحيد الذي بدا عام 2005 مع النتائج 'الكاسحة' التي حصدها يومها وكأنه اقرب الى مشهد الطائفة - الحزب الذي بدا عليه الحزب التقدمي الاشتراكي لدى الدروز و'تيار المستقبل' لدى السنة وتحالف 'امل - حزب الله' لدى الشيعة، ولعل اهم ما سنعرفه في الانتخابات الآتية هل لا تزال البيئة المسيحية في 'دوائر المتصرفية' مهيأة للتصويت لحزب عابر للمناطق في جبل لبنان التاريخي ام ان التعددية السياسية الانتخابية اصبحت سمة ثابتة لدى البيئة المسيحية؟
تستقر التنافسية المسيحية الانتخابية في المشهد الطوائفي اللبناني وكأنها التفتتية الوحيدة قياسا بـ'وحدة' كل من الدروز والشيعة والسنة. التعابير هنا تحمل 'حكم قيمة' سلبياً، اذاً، يجب ان نكون حذرين. فما نصفه بالتفتتية مع شحنته السلبية يتحول هو نفسه الى شحنة ايجابية اذا استخدمنا تعبير الحالة الديموقراطية الوحيدة. ثم ان فكرة 'الوحدة'، 'وحدة الطائفة' عدا عن كونها فكرة وهمية اذا جرى قياسها عدديا، اي انها فكرة مستحيلة، هي ايضا في النظام الطائفي اللبناني حين يصبح نظام حرب اهلية، فكرة قمعية مورست باشكال دموية بين الحين والآخر.
لكن في الوقت عينه تحمل فكرة الحزب الطائفي الاقوى، مضمونا سوسيولوجيا واقليميا واقتصاديا كما هو الحال الآن عند السنة والشيعة والدروز، او كما هو الأمر مع 'الكتائب - القوات' بين 1975 - 1990.
ها نحن اذاً امام لبنانين في هذه الانتخابات:
لبنان القديم في 'المتصرفية' باستثناء الشوف وعاليه.
لبنان 'الجديد' في المناطق الاخرى!
المفارقة المرتبطة بهذا التوصيف بصورة او بأخرى ان البيئة المسيحية التي تعرض موقعها للضعف، او اصبحت عمليا ضعيفة بمعايير تحولات النظام الطائفي اللبناني هي البيئة التي لا تزال:
1 - لبنان القديم!
2 - تنافسية.
3 - متعددة التعبيرات العائلية والمناطقية والحزبية وحتى 'الايديولوجية'، اذاً اكثر ديموقراطية.
بينما البيئة المسلمة التي 'تقدمت' مواقعها السلطوية بمعايير النظام الطائفي والذي اصبح نظام تنافس الشيعية السياسية مع السنية السياسية في الديناميكية الداخلية - الاقليمية الراهنة هي بيئة:
1 - لبنان المستجد!
2 - غير تنافسية عموما.
3 - منطفئة التعبيرات العائلية والمناطقية والحزبية وحتى الايديولوجية! (ربما حصلت بعض الاستثناءات النادرة التي لا تغير القاعدة)
من هذا الخليط - ولا يمكن ان يكون دائما ولو كان طويل الامد - يتشكل لبنان السياسي الحالي بحيث سيقرر لبنان الصغير بل لبنان الاصغر اية اكثرية برلمانية سيولد منها برلمان لبنان الكبير، وبالتالي اقليته... في سياق لن يغير جوهريا توازنات الصيغة السياسية التعايشية بين الطائفيات المسيطرة. فعلى هذا الصعيد، الرأي القائل إن الانتخابات الآتية ليست مصيرية، هو رأي واقعي ويحمل الى واقعيته قوة توازنات تصنع البرلمان ولا يصنعها البرلمان، من دون ان يقلل ذلك من جاذبية نتائج الانتخابات لمعرفة بعض المصائر الشخصية - السياسية ذات الطابع المحلي في البيئة المسيحية.
ستستقوي الطائفيتان غير المسيحيتين الرئيسيتان المتصارعتان بنتائج الانتخابات ولكن وجودهما السلطوي لن يتقرر على ضوء النتائج، اعني احداهما استقواء والاخرى استضعافا.
هذا هو نظامنا الطائفي في حالته الراهنة، وهو اذا كان نظاما اثبتت التجربة التاريخية منذ العام 1926 بل 1920 انه يصبح اكثر طائفية منذ ذلك الحين رغم كل المحاولات الاصلاحية، بل رغم المحاولة الوحيدة الجادة وهي المحاولة الشهابية، فهو في الوقت نفسه يثبت انه نظام متغير من حيث توازناته الطائفية.
اذاً، انه نظام اكثر طائفية.
وهو في الوقت نفسه ليس النظام الطائفي نفسه السابق!
وسيأتي يوم في جيل لاحق مَن يحصد تحولات نظام طائفي آخر جديد لان المسألة باتت تتطلب انتظار التغيير على مدى جيل مثلما جاءت القوى الحالية الممسكة بالنظام الطائفي من جهود جيل بكامله ايضا وصل بواسطة تغييرات انظمة وسياسات دول وثورات في المنطقة انعكست وغيرت بنية الطوائف على مدى عقود.
الخلاصة: انها الانتخابات في لبنان المتصرفية. مع فارق بدأ يشير إليه بعض المثقفين الموارنة، شفاهياً على الاقل، وهو أن زمن 'المتصرفية' العثماني ثبت أنه زمن صعود الموارنة فيما زمن 'المتصرفية' الحالي هو زمن انحدارهم السياسي!؟
فولكلور القمة
صحيفة السفير
ساطع نور الدين
المهرجان الفولكلوري كان مختصرا هذا العام، لكنه احتوى على كل عناصر الاثارة التي تسعى الى اجتذاب جمهور عربي سئم من مثل هذه المهرجانات وبات يعتبرها حدثا سنويا عابرا، يهدف الى المحافظة على التقليد، اكثر مما يعبر عن الرغبة في التجديد.
صارت القمم العربية العادية مملة اكثر من اي وقت مضى، برغم انها لا تزال المناسبة السنوية التي تجمع زعماء 22 دولة في قاعة واحدة، يدّعون الانتماء الى امة واحدة، ويزعمون الالتقاء على مصير واحد، ويتحدثون بلغة واحدة.. ويعملون على تقليد التكتلات الاقليمية والدولية الكبرى التي تعقد مؤتمرات دورية تناقش قضايا جوهرية، وتتخذ قرارات تساهم في صنع التاريخ، ولو بدرجات متفاوتة.
استوفت قمة الدوحة الشكل بالكامل: آي من الذكر الحكيم، تلتها عملية تسلم وتسليم للرئاسة الدورية، ثم خطابات مكررة، يقطعها الشغب الليبي المعهود، ويقاطعها التمرد اليمني المألوف، ويغيب عنها بعض الزعماء العرب لأسباب خاصة، ثم صورة جماعية باهتة ترسل الى الارشيف العربي، وتسبق جلسة ختامية احتفالية، صيغ بيانها النهائي على عجل، ووزعت قراراتها على من يرغب من هواة حفظ الوثائق التي ليس لها اي قيمة.
اختصار القمة ليوم واحد، واختزال جلساتها المغلقة الى جلسة يتيمة وعاجلة، كان له اكثر من سبب: ثمة من قال إن الزعماء العرب لا يمكن ان يناموا ليلة واحدة معاً، من دون ان تنفجر الخلافات في ما بينهم. وثمة من روج ان بعض الزعماء لا يستطيع ان يبيت خارج قصره لانه يخشى ان يعود فلا يجده. وثمة من رأى ان بضع ساعات تكفي لمثل هذا اللقاء العربي الذي يعقد في الوقت الضائع بين سلسلة من التحولات الخارجية المهمة. وثمة من نسب الى محطات التلفزيون الفضائية الرغبة في الا تطول القمة كي لا تضطر الى الغاء برامجها المعتادة وتخسر مشاهديها!
لم يصدق احد من الجمهور العربي تلك المصالحات الشخصية التي تمت على هامشها، ولم يؤمن احد بأن الزعماء العرب يمكن ان يتوصلوا الى آلية لادارة خلافاتهم، ولم يكترث احد لمتابعة اعلان الدوحة ولا لقراءة القرارات الختامية، التي كانت استنسخت عن قرارات قمم سابقة، واضيفت اليها بعض التفاصيل الصغيرة التي استدعتها التطورات الاخيرة في السودان او الصومال او جزر القمر.
اللقاء بحد ذاته مهم طبعاً، لكن الزعم بأنها قمة ترسم مجمل السياسة العربية للسنة المقبلة يلحق الضرر بالزعماء العرب انفسهم، الذين يكررون كل عام تقريبا الوقوع في الفخ نفسه: التعامل مع قضايا الامة دفعة واحدة، من دون تحديد للأولويات ولا الاختصاصات، بينما يقوم نظراؤهم الاوروبيون او الاميركيون او الآسيويون مثلاً، بتحديد شعار لأي قمة من قممهم، وإعداد جدول اعمال مختصر بقضية مركزية واحدة تحتاج الى نقاش وقرار تسبقه صياغات وحسابات مطولة، لكي يصبح جاهزا للتوقيع والتنفيذ
لا يمكن لأحد ان يسلم بحقيقة ان عقول الزعماء العرب قادرة على استيعاب هذا الكم من الازمات العربية الكبرى، او ان رؤوسهم قادرة على حفظ تلك القرارات التي تصدر سنوياً...
أعصاب وذاكرة
صحيفة النهار
جورج ناصيف
I
صباح مساء ينتفض جنرال الارض والجو على المرشحة نايلة تويني. ينتفض ويقصف ويفتري ويتشاوف ويدّعي أبوّة كذوباً.
من يفسّر لي ولعموم مشاهديه على الشاشات سرّ هذا الغضب الذي يعصف به كلما ورد الى مسمعه ذكر نايلة تويني؟
عندي ثلاثة اسباب (قابلة لمن يضيف):
1 - لان نايلة تذكره، بشخصها وحضورها، بخيانته الموصوفة لوالدها الشهيد جبران. هذه شهادة ناطقة، فصيحة، كان يشتهي لو تصمت او تغيب او تنسى او تتلعثم.
2 - لان الفتاة العشرينية تقارع ببراعة مرشحا بحسب صاحبه انه صاحب وزن ثقيل، فخاب وانتفض وارتعش.
3 - لانه يبصرها امامه وقد باتت نائبة، فيعتريه الدوار.
المسألة ببساطة، مسألة أعصاب وذاكرة.
عرفتموه من دون أن أسمّيه؟
II
رغم انه لم يعد يفصلنا عن موعد الانتخابات البرلمانية سوى شهرين وبضعة ايام، الا ان السجال السياسي الذي يتصل بالانتخابات يجانب المواضيع الاساسية.
فبعد البرنامج الذي خرجت به حركة 14 آذار، تراكمت النزاعات الانتخابية الصغيرة، وإن بشكل خافت، ولزمت 8 آذار الصمت لجهة الجهر ببرنامجها الجامع، وطغت على اخبارها انباء الشقاق العلني بين 'التيار الوطني الحر' والرئيس نبيه بري، بفعل التنازع على المقاعد المسيحية في الجنوب.
لكن المسألة ليست هنا، بل في الصمت المستغرب سياسيا واعلاميا على المسائل الجوهرية التي تشكل عصب العملية الانتخابية.
ما هو رأي الكتل او المرشحين المنفردين في تشكيل 'الهيئة المستقلة للاشراف على الانتخابات' عوض اشراف وزارة الداخلية؟ وما الرأي في التمثيل النسبي البسيط او المركب؟ وتنظيم الاعلام والاعلان الانتخابيين؟ وهل يؤيدون خفض سن المرشح للانتخابات الى 21 - 22 عاما؟ كيف يرون الآليات التفصيلية لاقتراع غير المقيمين؟
وماذا في شأن المشاركة النسائية؟ أتكون عبر 'الكوتا' النسائية؟ وهل من يفكر في آليات اقتراع ذوي الحاجات الخاصة والسجناء وافراد السلك العسكري؟
والادهى ان وسائل الاعلام نفسها لا تبدو منشغلة بهذه الهموم، فلا تفرد لها مكانا مخصوصا، على سبيل رفع مستوى الاهتمام الشعبي بمضمون الانتخابات.
لقد قيض لنا هيئات من المجتمع المدني اشتغلت لسنوات على هذه الموضوعات المحورية، وفي طليعتها 'الجمعية اللبنانية من اجل ديموقراطية الانتخابات' (LADE) والحملة المدنية للاصلاح الانتخابي، فانتجت تراثا ثمينا من الدراسات والابحاث والاقتراحات تنتظر من ينظر فيها ويناقشها من المرشحين او الاحزاب.
كما قيض لنا وزير للداخلية والبلديات كان من ابرز العاملين في مجال تطوير القوانين الانتخابية، سواء من موقعه في المجتمع المدني او كوزير مولج بهذا الملف.
فلماذا لا تستغل المحطات التلفزيونية هذا الواقع فترفع قليلا من مستوى العملية الانتخابية؟ ولماذا لا يحلّ الاختصاصيون واساتذة الجامعات ضيوفا على الهواء الذي بات متخما بالشجار الشخصي؟
وهل الانتخابات هي 'استطلاعات الرأي' المعدّة سلفا في غالب الاحيان؟
أوليس التثقف (لا الدعاية الانتخابية) جزءا اساسيا من وظيفة الاعلام الراقي في بلد ديموقراطي؟
الخوف على الاقتصاد!
صحيفة الأخبار
خالد صاغية
لم يتوانَ النائب سعد الدين الحريري عن الإعلان أنّ وصول فريق 8 آذار إلى السلطة ستكون له نتائج سلبيّة على الوضع الاقتصادي. قد يكون الحريري على حق. لكن هذا نصف الحقيقة التي يحتاج استكمالها إلى الحديث عمّا ستكون النتائج الاقتصاديّة لوصول فريق 14 آذار إلى السلطة.
لقد كرّس اغتيال الرئيس رفيق الحريري كذبة لا تزال تتناقلها الألسُن كما لو أنّها حقائق، وهي كذبة تضرب عرض الحائط بالواقع الاقتصادي والمعيشي الماثل أمامنا.
فقد أُريدَ للشعب اللبناني أن ينسى مليارات الدولارات المتراكمة عليه وعلى أبنائه وأحفاده جرّاء سياسة الاستدانة الظالمة. وقد أعطيت مختلف التبريرات لحجم الدين، من كلفة الإعمار إلى قنوات الهدر والفساد إلى المشاريع التنمويّة، فيما الجميع يعلم أنّ الحصّة الأعظم من هذا الدين ذهبت فوائد حصل عليها مَن لم يكن بعيداً عن السلطة وحلفاؤه في القطاع المصرفي.
وأريدَ للشعب اللبناني أن ينسى جنون نظريّة الجنّة الضريبية التي تحوّلت إلى فرض رسوم أثقلت كاهل المواطنين.
وأُريدَ للشعب اللبناني أن ينسى واحدة من أكبر عمليات السطو التي جرت في البلاد، والتي تمثّلت باستملاك أراضي وسط المدينة وتحويلها إلى مساحة تشبه كلّ شيء إلا &laqascii117o;وسط مدينة".
ليس هنا المجال للغوص في تفاصيل السياسات الاقتصادية لتيار المستقبل. يكفي القول إنّ هذه السياسات التي لا تزال قوى 14 آذار تدافع عنها (باستثناء وليد جنبلاط حين يهبّ عليه الهوى اليساري فجأة فيطالب بالتأميم وبالاشتراكية الإنسانيّة)، هي جزء من رزمة سوِّقَت في العالم خلال العقود الأخيرة، وما زالت المؤسسات الدولية التي سوّقتها لأهداف طبقيّة معروفة، تبحث عن مخرج يحفظ لها ماء وجهها، فتقرّ بالخطأ حيناً، وتعتذر أحياناً، وتتأتئ متمتمةً أشياء غير مفهومة في أحيان ثالثة...
لم يعد بإمكان أحد أن يغشّ الآخرين بعد كلّ ما جرى. لقد طُبِّقت السياسات النيوليبرالية في العالم، والسياسات الحريريّة في لبنان، لخدمة تحالف طبقيّ بقيت أكثريّات الشعوب، ومنها الشعب اللبناني، خارجه.
اليوم، وفيما تجري التحضيرات لانتخابات نيابيّة، ينبغي رفع الصوت ضدّ المعارضة التي لا تملك برنامجاً بديلاً تطرحه في وجه البرنامج الاقتصادي الحريري، وخصوصاً أنّ بعض أطرافها كان قد شارك في الحكم خلال الحقبة السابقة. إلا أنّ هذا لا ينفي أنّ أسوأ ما يمكن أن تقدم عليه المعارضة هو الاستمرار في النهج الحريريّ نفسه.
فالخوف ليس من وصول المعارضة إلى الحكم. الخوف هو من الخضوع للترهيب الذي مارسه الحريري الأب في السابق ويمارسه الحريري الابن حالياً من أنّ ما يطرحانه من سياسات اقتصادية منحازة طبقياً هو السبيل الوحيدة للحياة.
صحيح أنّ &laqascii117o;المجتمع الدولي" كان يرفض الأخذ بجدية أي سياسات لا تتلاءم والرزمة النيوليبرالية، إلا أنّ هذا الوضع تغيّر. فحتّى التسلّط الطبقي المطلوب له الاستمرار على المستوى العالمي، بات يبحث عن سياسات مغايرة بعدما وصلت سياساته السابقة إلى حائط مسدود.
ولا بدّ من التسجيل هنا للنائب ميشال عون أنّه كان أوّل من أسقط &laqascii117o;تابو" الحريريّة، رافضاً أن يقف الاستشهاد حاجزاً أمام مساءلة المرحلة السابقة، والإفادة من أخطائها، ومنع تكرارها.
صحيح أنّ عون فعل ذلك من دون امتلاك رؤية مغايرة (حتّى هذه اللحظة)، وانطلاقاً من التنافس السياسي ليس إلا، غير أنّه يبقى له فضل إسقاط المحرّمات في محاكمة السياسات الاقتصادية السابقة. وهو دور ما كان يمكن حلفاء عون في المعارضة القيام به، إمّا لشراكتهم في قبول تلك السياسات ما دامت تصلهم فتات موائدها، وإمّا تجنّباً لإثارة نعرات سنّية ــ شيعيّة، ما دامت الطوائف باتت تختزل بأشخاص زعاماتها.
وصول فريق 8 آذار إلى السلطة ستكون له نتائج سلبيّة على الوضع الاقتصادي؟ ربّما. لكن السؤال هو ماذا أبقى فريق 14 آذار أصلاً من هذا الوضع؟
في العصبية وفي الأشرفية
صحيفة النهار
سمير عطاالله
أوائل الستينات بدأ تدفّق اهل الخليج على لبنان يرطبون القيظ بهواء جبل لبنان الموعود والمشهود. وكان اللبنانيون، طبعا، في الاستقبال ومعهم كل ما يسر الخاطر ويروّق الخواطر.
وشيئا فشيئا تحول ضيوفنا (لو جئتنا لوجدتنا نحن الضيوف وانت رب المنزل) من مصطافين عابرين الى مقيمين وملاكين ومستثمرين. وسرت يومها حكاية تقول إن رجلا من الخليج دخل مع رجل من لبنان في اقامة شركة تجارية استمرت خمس سنوات. الخليجي وضع رأس المال، ومواطننا وضع الخبرة. وبعد خمس سنوات اختلفا وقررا فك الشركة، فأخذ اللبناني رأس المال، فيما اخذ الخليجي الخبرة.
خطرت لي هذه السالفة عندما طرحت في انتخابات الاشرفية، من دون سواها، مسألة 'الخبرة' وقضية 'العصب' او 'العصبية' في تعبير ابن خلدون، وموضوع الشباب الذي لا خبرة له.
اذا كانت المسألة مسألة عصب او 'عصبية'، كما قال مولانا وعالمنا ابن خلدون، اهم مرجع في هذا الباب، فانها تتأتى لذوي الارث وسليلي الحكام والمسؤولين. الخبرة هنا، حتى لو ثبتت، لا تقارن في مجال العصبيات، اي التفاف الناس على اهلها، وعودة الرجال الى جذورهم، ونخوة الجماعة الى انسجامها وطبائعها وطريقة - او طرائق - حياتها.
تؤخذ الخبرة دائما في الاعتبار الاساسي في كل المواقع الادارية ولكن في كل اعلان عن عمل، يوضع شرط قد يبدو قاسيا بعض الشيء: لا يسمح بالتقدم لمن تجاوز الخامسة والاربعين. لماذا؟ لان قانون العمل يخضع لقانون الحياة، وبعد سن معينة تتباطأ حركة الانسان ويقل نتاجه ويزداد ميله الى النوم ويكثر تبرمه بالضغوط وترتفع نسبة تعرضه للهبوط والكآبة.
لذلك تبدأ جميع اعلانات الوظائف ذات المعايير الدولية - المتوافق عليها مثل الديموقراطية اللبنانية - تبدأ جميعها بعنوان موحد تقريبا: 'البحث عن شاب (او شابة) لوظيفة...'.
لكن السياسة غير الادارة وغير الوظيفة. لا. غير صحيح.
أسارع الى تقديم مثلين باهرين: الاول غسان تويني الذي دخل مجلس النواب قبل نصف قرن وهو في الخامسة والعشرين، والثاني السيد حسن نصرالله الذي تسلم اول مسؤولية في المقاومة، وهو دون الخامسة والعشرين ايضا.
لقد اعطيت مثلين من لبنان، ومن الحاضر، لان الامثلة التاريخية في العالم لا تحصى.
ليست الخبرة مسألة تهمل. بعض المناصب في اميركا لا تقاعد فيها، مثل عضوية المحكمة العليا، وامانة مكتبة الكونغرس، لان الخبرة هنا، مهما بلغت في عمر واحد، لا تكفي. وحتى نحن هنا اولينا امانة المكتبة الوطنية ذات مرحلة الى محمد يوسف حمود.
ولكن هل تشكل خبرة 50 سنة سياسة سيرة كافية لمثل هذا المنصب، او لرئاسة مجلس القضاء الاعلى الذي أُعطي في الماضي لمن اعطي، قبل ان يتخذ لنفسه مقاما عند غالب غانم، الالمعية الادبية في القضاء اللبناني؟
ثمة اسماء لا جدل حولها ولا خصوم، ولا منافسون كذلك. وثمة الزاميات كنا نشعر كل مرة انها تسخف فكرة الدولة وهالة المرجعية وصيغة الوطن الممكن او المحتمل. وكان افظع ما في تلك التعيينات علانيتها وتحديها للعقل العام واحتقارها للمقاييس ومعايير الاختيار الوطني.
عندما بدأ غالب غانم صعوده على الجانب الآخر من الالمعية، جانب الفكر والادب والدأب النقدي الدراسي المتفوق، كنا نعتقد انه سوف يبقى هناك. فمن يولد في بيت عبد الله غانم وفي سفح صنين لا ينقطع عن الادب ونفناف الشعر. وقد متّعنا دأب غالب غانم وأدّبنا ادبه وكده واجتهاده، حتى خيل الينا انه لن يعبر الضفة الى مكان. وعندما قرأت في الثمانينات دراسته (منشورات الجامعة اللبنانية) وترجمته للشعراء اللبنانيين بالفرنسية، بالاضافة الى تراجم سِيرهم، ازددت اقتناعا بان صاحب مثل هذا الاثر، طابت له الحياة بين الشوك والورد. فمن يترجم فؤاد غبريال نفاع وينقل رذاذ 'الازوت' بمثل هذه القدرة، ومن يحوّل ذلك البستان من الشعراء الى باقة من اعناق الزنبق، سوف يبقى مخدّرا بهذا السحر.
ولكن كانت ثمة شخصية اخرى ادركتها في الشاب الذي عرفته دون السابعة عشرة من العمر: الرجل الذي سوف يحمل زوادة عبد الله غانم، الاخلاقية والشعرية، ليس من اجل البقاء في سفح صنين، بل من اجل ان يتسلق حافته الحادة صعودا الى قمتها.
عندما ندّعي 'الخبرة'، يستحسن ان تكون في دنيا القانون، وبناء الدولة، وخدمة الوحدة، ومحاربة التفكك، ومقاتلة الفساد، الخاص والعام، وعدم المشاركة في حكومات او حركات الفصل، وتسجيل الحسنات وتكديس الانجازات، والا خبرة ماذا هذه الخبرة التي نرمي بها في وجوه شبابنا الذين دفعناهم الى الموت، والى القتل، والى الهجرة، والى الضياع، والآن نهاجم الذين ندفعهم الى الموت، والقتل، والهجرة، والضياع. أحب أن أسأل عن اعمار شباب التيار العوني عندما كانت العصي تهتك رؤوسهم. وهل كانوا على خبرة سياسية تؤهلهم لذلك ام لا؟
غريب ان يطرح موضوع الخبرة في الوقت الذي اقر لبنان للمرة الاولى قانونا حضاريا يساوي بين سن الرشد السياسي والقانوني، والاجتماعي. اي يسمح لابن الثامنة عشرة بان يقترع، تماما كما يسمح له بان يرث ويتزوج وحتى يلقّن العلوم في المدارس الخاصة.
نمنحه ان يعطي ثقته ولا نقبل لمن هو اكبر منه ان يتقبلها. وهل شروط الخبرة تجاوز الخامسة والسبعين؟
ثمة 'عصبية' قديمة في الاشرفية، كان احد علاماتها جبران تويني الجد منذ قبل نحو قرن، يوم لم يكن احد قد نزح بعد الى هذا الحي الذي عرف فيه امين نخلة حبه الاول: في الاشرفية.
2009-04-01 11:56:17