صحف ومجلات » أخبار ومقالات من مجلة الشراع

- تيار الماضي يواجه تيار المستقبل (3) / على مصر والسعودية عدم ترك سعد الحريري وحده!
حسن صبرا
.. فإذا لم يبادر ((تيار المستقبل)) الى خلق توازن وطني حقيقي يردع حزب الله عن استخدام قوته الفائضة لفرض المشروع الفارسي على لبنان، فيحقق تيار المستقبل مناعة للدولة اللبنانية ومشروعها الشامل كل اللبنانيين دون أي عصبية طائفية او مذهبية الا الولاء لدولة لبنان، فإن كثيراً من اهل السنة والجماعة في لبنان، يرون ان السلفيين ثم القوى المتطرفة بينهم هم المهيأون لهذا التوازن.. والخطورة هنا ان يجد تنظيم القاعدة، أو كل قوى تستلهم تجربة العنف والتطرف الفرصة السانحة للتحرك وسط مشاعر الغضب وبحر الخوف وصحراء اليأس من صلاح حال المسلمين في لبنان.. بل الوطن بأكمله. ولك يا ((تيار المستقبل)) في صعود الاحباش في النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي درس لا بد من استيعابه.. فقد انطلق الاحباش كالنار في هشيم النسيج الاجتماعي الديني لأهل السنة والجماعة في لبنان، اثر سقوط هيبة القوى السنية في بيروت تحديداً ثم في طرابلس بعد ذلك، اثر تصفية حركة الناصريين المستقلين - المرابطون على ايدي الحزب التقدمي الاشتراكي.. ثم حركة امل بعد 6 شباط/فبراير 1984، وأرغمت الاستخبارات السورية زعيمها ومؤسسها ابراهيم قليلات على الرحيل عن لبنان وعبر مطار دمشق الدولي بعد ان استضافته لأيام عدة في فندق شيراتون – دمشق، وما زال ابو شاكر يعيش الآن في اوروبا منذ نحو ربع قرن او اكثر. صحيح ان كثيراً من اهل السنة والجماعة لم يكن مقتنعاً بأن ((المرابطون)) هو تنظيمهم او حاميهم في رهانهم على الدولة وعلى الانتماء العربي الواسع – لكن الاصرار السوري على تصفية ((المرابطون)) وترحيل قائدهم وسجن اعداد كبيرة من شبابهم دل على ان دمشق حافظ الاسد لم تكن تريد ان يكون للسنة دور في لبنان، خاصة بسبب صلاتهم العروبية الواسعة واعتبارهم لمكانة العرب الآخرين غير سوريا مثل العراق والسعودية ومصر ويجسد بعض هذه الحالة صلات ابراهيم قليلات مع حركة ((فتح)) الفلسطينية وجماهيرية معمر القذافي فعمدت الى تركيب سيبة من قائمتين تمثل احداها الشيعة عبر حركة امل، ويمثل الدروز الثانية عبر الحزب التقدمي الاشتراكي والاثنان ليس لهما مرجع سوى دمشق.. فسوريا الاسد لا تريد شريكاً ابداً.. بل أتباعاً عند استخباراتها يكلفون.

واليوم لم تعد دمشق بعد اخراجها من لبنان بانتفاضة الاستقلال يوم 14 مارس/آذار اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري لترضى بأي شراكة معها، وهي تريد السلطة للشيعة وحدهم عبر الثنائية القائمة حتى الآن أي من حركة امل وحزب الله، تمهيداً لاضمحلال الحركة وتفرد الحزب بكل شأن من شؤون الشيعة ولبنان. الفراغ الذي خلفته تصفية ((المرابطون)) بقرار سوري عام 1984 بعد اخراج المنظمات الفلسطينية من لبنان بعدوان صهيوني عام 1982 وانشغال العراق بحربه مع ايران (1980 – 1988) وانهماك مصر بمفاعيل معاهدة كامب ديفيد 1979 مع العدو الصهيوني، والاكتفاء السعودي بعدم التدخل في الشؤون اللبنانية الملطخة بدماء قتلى الحروب الاهلية.. كل هذا جعل السنة في لبنان اسرى البحث عن بديل ضائع فسارعت سوريا لتقديمه لهم عبر جماعة الاحباش الباحثة عن أي سلطة تتسلقها كي تصبح رقماً في لبنان، وهي أي جماعة الاحباش بعد ان عقدت الخناصر مع استخبارات الجيش اللبناني في عهد الرئيس امين الجميل (1982 – 1988).. سارعت الى الانضواء تحت امرة الاستخبارات السورية في البقاع ثم بيروت بعد 6 شباط/فبراير 1984 وحصدت رعاية دمشق لها وتفردها بالتحرك في الوسط السني الانتشار الاوسع لها، مع تحجيم الجماعة الاسلامية، واضطرار الزعامة التاريخية لبيروت ممثلة بالزعيم صائب سلام للسفر الى الخارج ممنوعاً من ممارسة أي دور في لبنان، والحاق الرئيس تقي الدين الصلح به وعجز عدنان الحكيم واضمحلال حزب النجادة، وملاحقة استخبارات دمشق كل من عليه شبهة العروبة سواء كان بعثياً عراقياً، او ((مرابطون)) ناصرياً او فلسطينياً فتحاوياً، وعادت ليبيا الى جماهيريتها وكانت مصر منسحبة منذ عقد ونصف من الزمان اثر رحيل جمال عبدالناصر.
كانت اولى آثار استتباع دمشق لجماعة الاحباش ان هذه الجماعة تفرغت لشن حربها العبثية ضد دار الفتوى ممثلة بالشيخ المظلوم المفتي حسن خالد، ومن بعده بالشيخ العاقل المفتي محمد رشيد قباني، ثم تفرغت لمقاومة رئيس الوزراء السني الذي رأى فيه السنة واكثرية اللبنانيين منقذاً او محاولة لإعادة نصب التوازن المفقود لمصلحة الآخرين، فضلاً عن عداء الاحباش التقليدي لجمعية المقاصد.. وتطاول الاحباش على المملكة العربية السعودية ومصر والعراق.. وكلها خدمات كلفت بها بطلب من الاستخبارات السورية. هذا هو الدرس، اذا لم يبادر ((تيار المستقبل)) الى اعادة التوازن فإن استخبارات دمشق وطهران بواسطة حزب الله واتباعهما الآخرين من اهل السنة سيعمدون الى الجماعات السلفية او السنية الاخرى لهذا المهمة تحت عنوان تخاذل او ضعف او تخل او انكفاء.. – اياً يكن الوصف – ((تيار المستقبل)).. أليس هذا ما يفعله الآن تيار الماضي السني ضد ((تيار المستقبل)) في بيروت والبقاع والشمال وصيدا؟ هل يحتاج ((تيار المستقبل)) الى 7 ايار/مايو جديدة.. بأيدي سنة الاستخبارات السورية حتى يستفيقوا الى مسؤولياتهم؟

ولنقرأ جيداً، هذا التضخيم الاعلامي – الاستخباراتي اللبناني المقصود لحجم وتأثير الجماعات السلفية خاصة في شمالي لبنان، وكيف يحملهم الجميع وفق خطة مدروسة مسؤولية كل اعمال العنف ضد الجيش اللبناني، وعمليات قصف الصواريخ على فلسطين المحتلة، واشتباكات طرابلس بين جبل محسن ومحلة القبة، والتحركات داخل المخيمات الفلسطينية.  كل هذه العمليات حصلت وتحصل.. لكنها كلها من صنع جماعات متطرفة مرتبطة بشكل او بآخر باستخبارات دمشق وطهران عبر حزب الله. كلها استمرار او نسخة او شقيقة بالتبني لفتح الاسلام ودورها كأداة استخباراتية سورية لتفتيت اهل السنة والجماعة في لبنان ولضرب بقايا الدولة اللبنانية لمصلحة قيام دولة حزب الله. كلها تحمل مهمة محددة الى ذلك، وهي القاء الشبهة على السلفيين في طرابلس والشمال تحديداً، تمهيداً لعمل عسكري – سياسي ضدهم لاتهام جزء من الحركة الاسلامية المعتدلة في الوسط السني.. وهذا المحور الاستخباراتي اللبناني وحزب الله فضلاً عن دمشق وطهران لا يريدون اعتدالاً اسلامياً سنياً، بل يريدون تطرفاً سنياً كي يأكلوا من رصيد سعد الحريري وتيار المستقبل، وكي يرموا التهمة على المملكة العربية السعودية وتخويفها لمنعها من التعاطي مع السلفيين المعتدلين في لبنان. نعم هناك خلايا إسلامية متطرفة في لبنان على صلة بالقاعدة.. لكن أحداً لا يقترب منها إلا لاستخدامها في عمليات تخدم مصالح هذا المحور الاستخباراتي وأهدافه المفضوحة. فهل هذا ما يريده ((تيار المستقبل))؟

هناك فراغ حقيقي في الوسط السني الشعبي يتسع يوماً بعد يوم.. وإذا كانت جماعة الاحباش نجحت في عقد الثمانينات ومطلع عقد التسعينيات من القرن الماضي بملئه، فإن بداية العد العكسي لحضورهم ونفوذهم وانتشارهم في الوسط السني المعتدل سجلت مع مجيء رفيق الحريري لطرح المشروع النهضوي الشامل كل لبنان ولإعطاء الأمل في إمكانية الشراكة اللبنانية مع سوريا في حكم الوطن، وفي انفتاح الوطن الصغير على أشقائه العرب – خارج دمشق – وكل الاشقاء تواقون لعلاقة ندية جميلة مع لبنان. قيمة مشروع رفيق الحريري الاقتصادي في سعيه للإنماء المتوازن لكي يكون التوازن الاقتصادي توازناً مناطقياً، وحيث ان كل منطقة لها طابع طائفي معين، فإن الأهم في الانجاز الاقتصادي هو الطمأنينة المذهبية – الطائفية. ولم يكن تركيزه على بيروت إلا تجسيداً لرؤية صحيحة بأن العاصمة ليست فقط بوابة لبنان ومرآته الحقيقية، بل انها عملياً باتت بوتقة وجدت فيها كل الطوائف والمذاهب نفسها وأخذت فيها دورها ومكانتها، ولم يعد مجلس النواب ومقره صورة رمزية عن لبنان الطوائف والمناطق.. بل انه بات محاطاً بكل الجغرافيا والديموغرافيا اللبنانية طوائف ومذاهب. والتوازن الآخر الذي سعى له رفيق الحريري هو توازن علاقات لبنان العربية مع سوريا والسعودية ومصر والمغرب والكويت.. فضلاً عن توازن علاقاته الإقليمية مع إيران وتركيا، ثم الأهم توازناته الدولية من موسكو إلى واشنطن ودائماً باريس وبقية أوروبا وبريطانيا وامتد إلى كل شرق آسيا ثم إلى كل جنوبي أميركا وشمالها في كندا. قتل رفيق الحريري بعد ان أنجز كل هذا ولم يكن ينقص لتوقيع عقد الشراكة مع سوريا الا انتخابات ربيع 2005 فقتل في شتاء هذا العام، لوأد الشراكة كلها.

الآن! يسير سعد الحريري على نهج والده في المشاركة وتمسكه بالطائف والمناصفة، لكنه يواجه حرباً شرسة كي يمر في نفق الانفراد.. ثم محاولة العزلة تمهيداً لحرقه ومنعه من التحرك في وسطه السني شعبياً وسياسياً.
لا يمكن لسعد الحريري أن يحارب في مواقع الدفاع أو من داخل أسوار قلعته، فالدفاع عن قريطم لا يكون في شارع اللبّان أو عند الصنوبرة، بل لا بد من إطلاق وقود المحرك في كل مناطق الوطن كي يبقى قريطم منيعاً محصناً، حيث هو موقع الزعامة الملقاة على عاتق الحريري كآخر قلعة للاعتدال السني في لبنان لها هذا الجمهور وهذه الآمال المعلقة عليها. غير ان، هذه الدعوة ليست لسعد الحريري و((تيار المستقبل)) وحده بل أساساً لكل القوى العربية المعتدلة، التي يهمها لبنان السيد الحر المستقل، والتي تحرص على التوازنات السياسية والاجتماعية والطائفية فيه، والحريصة على عروبة لبنان ومنعته في وجه العدوان الصهيوني والمطامع الفارسية، والحريصة على علاقات لبنان مع أشقائه العرب أو تحديداً سوريا، قائمة على أساس الندية ورعاية المصالح المشتركة واتخاذ كل منها قرارها وفق مصالحها.

ان هذه دعوة موجهة تحديداً إلى مصر والمملكة العربية السعودية، ومن الظلم الشديد ترك سعد الحريري وحده في مجابهة هذا الذي يحدث في طول لبنان وعرضه. وليكن حضور السعودية ومصر في لبنان حصناً وحضناً لعدم انكفاء ((تيار المستقبل)) وسعد الحريري.. فهو يواجه مجموعة دول بإمكاناتها العسكرية والاستخباراتية والسياسية والاعلامية.. والأهم من ذلك المادية.. من سوريا إلى إيران إلى مشيخة قطر.. ولا يجوز لمصر والسعودية أن يتركا سعد الحريري وتياره، بل الاغلبية الساحقة من اللبنانيين عرضة للحصار ثم التنكيل، ثم الانكفاء حتى لا نبكي على اللبن المسكوب.


- حزب الدعوة شريك نصر الله في حزب الله
حسن صبرا
اثر اغتيال العدو الصهيوني لأمين عام حزب الله السيد عباس الموسوي وزوجه وابنه في شباط/فبراير 1992، كان من المنتظر ان يتسلم الامانة العامة للحزب بعده، نائبه الشيخ نعيم قاسم، لكن أمراً حاسماً جاء من ايران.. ((الا هذا الدعوتي)).. نسبة الى حزب الدعوة الذي كان الشيخ قاسم أحد أطره قبل التحاقه بحزب الله، بقرار من حزب الدعوة – تنظيم لبنان الذي كان يتحرك ككثير من الحركات الاسلامية العديدة في لبنان والبلاد العربية بنصح وتثقيف المرجع العربي آية الله السيد محمد حسين فضل الله. اختارت ايران الشاب الصاعد السيد حسن نصر الله تلميذ السيد عباس الموسوي والشيخ صبحي الطفيلي والشيخ محمد يزبك في الحوزة التي أسسها الثلاثة في النبي شيت اميناً عاماً للحزب، رغم ان نصر الله لم يكن الأبرز بين أقرانه يومها.. على الأقل دينياً. وعن أسباب اختيار السيد حسن نصر الله، وليس الشيخ نعيم قاسم يقول اسلاميون مقربون من الحزب وتجربته منذ العام 1982، ان هناك مجموعة اعتبارات حكمت هذا الاختيار.

الاعتبار الاول: ان الشاب حسن نصر الله، وبعد تردده وإطلالته على عدد من التوجهات الفكرية والسياسية بين يسارية ودينية من جمعية ((اسرة التآخي)) عند السيد محمد حسين فضل الله في النبعة الى الحوزة الدينية للسيد عباس الموسوي في النبي شيت ومسؤول محلي لحركة امل وقف خلف مؤسسي الحوزة الدينية في النبي شيت السيد عباس الموسوي والشيخ صبحي الطفيلي والشيخ محمد يزبك للدفاع عن حركة امل والإمام موسى الصدر ضد السيد محمد حسين فضل الله الذي لم تكن علاقته جيدة لا بالحركة ولا بالإمام الصدر، ثم التحاقه باكراً بالحرس الثوري الايراني بعد ان استقر في منطقة بعلبك قادماً من ايران عبر سوريا للمشاركة في الدفاع عن لبنان ضد الاجتياح الصهيوني في ذلك العام.. استقر على خيار اسلامي ثوري حاسم مرتبط بالنهج الايراني، بعد ان خضع لدورات تثقيف اسلامية على يد عدد من رجال الدين الايرانيين الذين كانوا جزءاً من بعثة كتيبة الحرس الثوري المستقرة في البقاع، ثم ارسل الى النجف للدراسة لمدة سنة ثم الى ايران بعد ان توسم فيه قادته ومدربوه مواهب قيادية واستيعابية وشخصية لمّاحة واعدة.. وما ان عاد من ايران بعد فترة حتى كان اول من كلّف من المجموعة الاسلامية التي نجحت ايران في تشكيلها من عدة حركات صغيرة التقت كلها تحت اسم حزب الله عام 1984 (كما ورد في اول حديث يعلن فيه السيد ابراهيم امين السيد هذه التسمية في مجلة ((الشراع)) آب/اغسطس 1984 بالنـزول الى الضاحية الجنوبية مع ابراهيم امين السيد والاستقرار فيها لنشر الدعوة والعمل الميداني الثوري في وقت واحد، فكانا أول قائدين شابين لحزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت.. بما كان يمهد للسيد حسن الطريق للصعود الصاروخي داخل الحزب. الاعتبار الثاني: ان ايران كانت ترى حاجة لشخصية شيعية جنوبية، وهي تدرك ان الاجتياح الصهيوني للبنان عن طريق المناطق الجنوبية الشيعية اتاح لها فرصة التواجد العسكري في لبنان لأول وأغلى مرة في تاريخها الشيعي، وهي بحاجة لأن يكون على رأس المجموعة المتحركة باسمها في لبنان شيعي من جبل عامل.. سيد من احفاد رسول الله، ذو شخصية مميزة.. خاصة وقد سبقه الى قيادة حزب الله رجلا دين من بعلبك – البقاع هما الشيخ صبحي الطفيلي اول امين عام للحزب، والسيد عباس الموسوي وكلاهما سبقا السيد نصرالله الى الدراسة الدينية، وقد تميز عنهما بقدراته الحركية المثيرة للإعجاب.

الاعتبار الثالث: وربما هو الأهم، وهو ان الشيخ نعيم قاسم الذي هو شيعي جنوبي ايضاً كان احد الأطر الاساسية في حزب الدعوة، وهو من المجموعات الاسلامية التي شكلت حزب الله، وحزب الدعوة لم ولن يؤمن بنظرية ولاية الفقيه التي تضعها ايران مدخلاً اساسياً لتجسيد شرعية سلطتها داخل البلاد ومدخلاً كي تثبت ولاء كل المجموعات الاسلامية التي تنشئها او تتبناها او تدعمها من الخارج. الاعتبار الرابع وهو منسجم مع الثالث: ان حزب الدعوة هو الحزب العراقي الكبير الذي سبق قيام اي تحرك اسلامي ثوري في ايران نفسها، الذي اندمج داخل حزب الله الناشىء ككتلة حزبية كبيرة سبقت الجميع الى الدراسات الفكرية – الدينية الجدية.. وتعتبر كتابات مرجعها الراحل السيد محمد باقر الصدر الذي أعدمته السلطات العراقية وشقيقته بنت الهدى عام 1980، هي مراجعها الفكرية والتثقيفية الدينية وأهمها على الاطلاق: ((اقتصادنا)) و((فلسفتنا))، وهذا الحزب توسع في انتشاره لبنانياً على ايدي رجال دين لبنانيين درسوا في النجف وعادوا الى لبنان حاملين دعوته وأفكاره وحركته التنظيمية.

ثم ان الشيخ نعيم قاسم هو أحد تلامذة السيد محمد حسين فضل الله الذي لا تكن له السلطات الحاكمة في ايران اي ود، ولا تتعامل معه كمرجع رغم انه الأوسع علماً والأجدر تقليداً والأبرز حضوراً في كل المحافل العلمية والدينية والسياسية. والسيد فضل الله الذي كان وظل فوق كل الاحزاب، لم يبخل بالنصيحة على احد من اي مجموعة اسلامية حركية، وكان التصاق البعض به يلغي شبهة انتماء تنظيمي له عنده، او احياناً شبهة رئاسة تنظيمية له عليه.. وهذا امر لم يكن حقيقياً يوماً، ومع هذا فإنه كان يحرص على علاقة مستمرة مع تلامذته رعاية واعطاء مشورة ونصيحة. واذا كان السيد فضل الله هو الذي عمم الحاج نعيم قاسم ليصبح بعدها شيخاً، وكلّفه إمامة الصلاة في مسجد بئر العبد عندما كان السيد يغادر الى الحج او زيارات عمل ودعوة اخرى، فإن كثيرين يؤكدون ان السيد فضل الله لم يبخل بالنصيحة على قادة حزب الدعوة في لبنان حين سألوه الإندماج في حركة حزب الله التي نشأت بعد الاجتياح الصهيوني للبنان.

هذه النصيحة التي سار بها حزب الدعوة اللبناني فالتحق بمعظمه بحزب الله كتلة واحدة باتت اليوم ذات شأن كبير داخل الحزب، لم تنـزل برداً وسلاماً على قادة عديدين في الحزب العراقي الأصل، الذي كان ايضاً واجه مشكلة اخرى في بلده مهدت ليصبح مجموعة احزاب ذات توجهات مختلفة:1- فهناك مجموعة السيد مهدي الآصفي وهو من المؤسسين الاساسيين للحزب في العراق وهو من اصل ايراني وتوجه اسلامي ايراني ومقيم الآن في ايران. 2- وهناك مجموعة التوجه العربي التي انقسمت هي نفسها الى قسمين الاول يمثله رئيس وزراء العراق الحالي نوري المالكي، وهو توجه عربي دون عداء لإيران. القسم الثاني يمثله الرئيس السابق لحكومة العراق ايضاً د. ابراهيم الجعفري الذي بدأ يظهر توجهاً ايرانياً على حساب عروبته (الجعفري شيعي افغاني).  3- مجموعة تنظيم العراق وهي اصغر المجموعات الدعوتية ويتركز وجودها في محافظة البصرة جنوبي العراق وثالث اكبر مدن بلاد الرافدين بعد بغداد والموصل.

النصيحة نفسها لم تنـزل برداً وسلاماً على مرشدي حزب الله الايرانيين الحريصين على ان يلتـزم الحزب نظرية ولاية الفقيه، لتقليد المرشد الايراني السيد علي خامنئي خاصة، وان الخامنئي يفتقد صفة المرجعية والتقليد داخل ايران، وهو يحتاجها خارجها، وليس ابرز من لبنان وشيعته ليتلقى التقليد ويصبح مرشداً وولياً للفقيه عند جماعاتها في لبنان وعلى رأسهم حزب الله. فكيف اذا كانت هناك كتلة كبيرة داخل حزب الله لا تجهر مبايعة للولي الفقيه، لأن اساس ثقافتها ودراستها وقناعاتها الفكرية ثم ولاءاتها التنظيمية المضمرة لا تصب في طاحونة ولاية الفقيه الايرانية.

يقول مصدر اسلامي مقرب ومتابع لتجربة حزب الله منذ سنوات طويلة: هل تظنون ان اعلان السيد حسن نصرالله افتخاره بالولاء للولي الفقيه العادل الحاكم القوي (ويقصد السيد علي خامنئي) موجّه فقط الى ايران او الى خصوم حزب الله اللبنانيين الذين يأخذون عليه ولاءه لقيادة اجنبية وغير عربية كخامنئي.. كذلك.. بل انها في جزء منها كانت رسالة لجسم حزب الدعوة الكبير داخل حزب الله الذي يرمز له الآن الشيخ نعيم قاسم.. وفي مجال آخر يذكّر هذا المصدر بكلام هازىء قاله السيد نصر الله وعلناً ايضاً بأنه مستعد ان يتخلى عن الامانة العامة للحزب وان يعهد بها للشيخ نعيم نفسه.

لكن، لماذا التحفظ.. او اذا صحت التسمية العداء الايراني لحزب الدعوة العراقي، رغم الاحتضان الواسع من ايران لهذا الحزب خلال حكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين. يقول المصدر الاسلامي الشيعي نفسه: لأن تأسيس هذا الحزب جاء لمواجهة حركة الامام الخميني المبكرة لتثوير الحالة الاسلامية عام 1961، وهي التي كانت بدأت تترك بصماتها في ايران والعراق ولبنان بتبنيه المبكر لقضايا فلسطين والمواجهة مع الغرب خاصة الولايات المتحدة الاميركية وربيبتها اسرائيل. رغم ان هناك تاريخين لتأسيس حزب الدعوة سابقين لتحرك الامام الخميني عام 1961، هما عاما 1957 و 1959 ولكل منهما اسبابه، فإن هناك اصراراً على ان التأسيس يطل ايضاً على مبرر مواجهة الامام الخميني، ويستدل المفسرون لقيام الدعوة في تلك الفترة على ذلك بالقول ان حزب الدعوة لم يكن ايجابياً حين لجأ الامام الخميني الى العراق، اثر فشل ثورته الاولى في 15 خرداد/حزيران/يونيو، وطرده الى تركيا لثمانية اشهر ثم اختياره النجف للاقامة فيها منذ 1964 حتى خروجه مكرهاً بقرار من الحكومة العراقية عام 1978 ومروره لعدة ايام في الكويت ومنها الى باريس /نوفل لوشاتو/ قبل عودته المظفرة يوم 1/2/1979.

لقد عمد حزب الدعوة مع مجيء الامام الخميني الى تجاهل تقليد الاعلم السيد ابو القاسم الخوئي لتقليد الامام محمد باقر الصدر، ولقطع الطريق على الاقتراب الشبابي من الامام الخميني. ويضيفون بأن استقبالاً هائلاً جرى للخميني حين جاء الى النجف عام 1964، وتسابقت المراجع للترحيب به لكن حزب الدعوة كان يحض الشباب على تجاهل زيارة الامام الخميني او الدراسة عنده او حتى الصلاة خلفه. وبعد انتصار الثورة، حرص ((الدعوتيون)) على الا يقلد أي عراقي او أي احد منهم الامام الخميني، لأن الامام الصدر كان في نظرهم الاهم علمياً وثقافياً وفلسفياً استناداً الى كتابيه ((اقتصادنا)) و((فلسفتنا)).هنا يستطرد المصدر المقرب من حزب الله ليقول: ان السلطة العراقية في عهد الرئيس صدام حسين عمدت الى تعميم كتابي الصدر ((فلسفتنا)) و((اقتصادنا)) لتشير الى ان دعوة حزب البعث الى الاشتراكية لها اصول اسلامية كتب عنها السيد الصدر نفسه. ويصل المصدر نفسه الى الاخطر بالقول: ان الجناح الثوري المتحمس في ايران غداة نجاح الثورة نجح في توريط الامام محمد باقر الصدر في مواجهة غير محسوبة مع النظام العراقي، وان هذا الجناح اخذ على عاتقه بث اخبار تحريضية ضد النظام من اذاعة عربية تبث من طهران موجهة ضد النظام العراقي، زاعماً فيها ان هناك ثورة اسلامية يقودها الامام الصدر ضد صدام حسين، وانها ستسقط نظامه في بغداد كما سقط نظام الشاه في طهران.. وان هذا المناخ دفع النظام العراقي الى اعتقال الصدر وشقيقته واعدامهما بعد محاكمة صورية سريعة.

لبنان مختلف لكن الامور في لبنان كانت مختلفة تماماً عما كانت عليه في العراق حين نجحت ثورة الامام الخميني في ايران.. صحيح ان ايران واجهت حرباً ضروساً مع العراق بدءاً من 20/9/1980 حتى شهر آب/اغسطس 1988، الا انها وجدت في الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982، فرصة لتثبت شعاراتها الثورية التي كان فرضها الامام الخميني وأبرزها دعوته لتشكيل جيش القدس من 20 مليون مقاتل. كان مرور هذا الجيش حتمياً داخل العراق للوصول الى فلسطين عبر سوريا ثم لبنان، ولكن ايران كانت في حالة حرب مع العراق، ولم يكن ممكناً المرور عبر تركيا العضو في الحلف الاطلسي وحليفة اسرائيل.. فلم يكن سوى ما قاله سفير ايران في دمشق السيد علي محتشمي حين سمع امر الامام الخميني بأن يعمل على تشكيل حالة اسلامية ثورية تبدأ بقتال اسرائيل التي كانت اجتاحت لبنان عام 1982. كانت الحالة الاسلامية في لبنان عبارة عن مجموعات اسلامية شيعية مبعثرة هنا وهناك. صحيح ان ابرز هذه الحركات هي حزب الدعوة الذي اهتم في مراحله الاولى بالتثقيف وجذب الشباب المسلم الى صفوفه والدراسة عند ابرز مرجع ديني صاعد هو السيد محمد حسين فضل الله، الا ان تجربة ايران الثورة السابقة مع هذا الحزب في العراق لم تكن جيدة، ومع هذا فإن خضوع لبنان للاحتلال الصهيوني جعل ايران تقدم الاهم على المهم، فرعت تشكيل حالة اسلامية كبيرة من هذه التنظيمات الصغيرة المبعثرة وأبرزها حزب الدعوة فعاد الزملاء السابقون الذين باعدتهم الولاءات الحزبية اللبنانية بين حركة امل وحزب الدعوة والشباب المسلم والاتحاد اللبناني للطلبة المسلمين وغيرهم للالتقاء في اطار حزب لم يطلق عليه بداية أي اسم بل تحرك تحت شعارات مختلفة. القتال ضد اسرائيل + وجود قوة دعم ودفع وتدريب وتمويل وتسليح وتأهيل وتثقيف اسمها الحرس الثوري الايراني كانا وراء تشكيل هذا الحزب. والبداية كانت من طهران، التي كانت تستضيف مؤتمراً للحركات التحررية بمناسبة يوم المستضعفين حضره السيد محمد حسين فضل الله والشيخ راغب حرب والشيخ صبحي الطفيلي والشيخ سعيد شعبان والشيح احمد الزين.. حين جاءها نبأ بدء الاجتياح الصهيوني للبنان يوم 4/6/1982، فأعلن رئيس مجلس الشورى يومها الشيخ علي اكبر هاشمي رفسنجاني ارسال وفد عسكري سياسي الى دمشق ليبحث معها كيفية تقديم المساعدة لمواجهة هذا الاجتياح.

كان الوفد مؤلفاً من وزير الدفاع العقيد سليمي وقائد الحرس الثوري محسن رضائي وقائد القوات البرية في الجيش العقيد صياد شيرازي، وعقد بنتيجة لقاءاته مع حافظ الاسد اتفاقاً تاريخياً بين ايران وسوريا قضى بإرسال قوات ايرانية لتقاتل اسرائيل، وبالفعل لم تمض عدة ايام حتى كانت فرقة محمد رسول الله بقيادة احمد متوسليان وصلت الى دمشق (متوسليان هو احد ((الدبلوماسيين)) الاربعة الذين ضاعت آثارهم عند حاجز البربارة عام 1982 وهم اضافة اليه محسن الموسوي وكاظم اخوان وتقي رستكام مقدم). والشيء بالشيء يذكر: ((اذ بعد عودة السيد محمد حسين فضل الله الى بيروت من دمشق تعرضت مجموعة من القوات لسيارة السيد وخطفته منها واستبقته عندها لمدة ثلاث ساعات قبل ان تتدخل شخصيات عالية المستوى محلياً وعربياً لاطلاق سراحه.
المهم، ان دمشق يومها كانت تريد حلفاً مع ايران لتعزيز وجودها وموازنة وضعها المختل بعدة اعتبارات، لكن لم تكن تريد انتشار قوات ايرانية في لبنان لمقاتلة اسرائيل تحت أي ذريعة. لذا، اكتفت فرقة محمد رسول الله بأن ترسل الى لبنان مجموعة مدربين ومستشارين ورجال دين عقائديين، كانت اعدادهم تتصاعد حتى وصلت الى 800 ثم الحق بهم نحو 700 تمركزوا في البقاع بين بعلبك والهرمل، وتركز وجودها في مسجد الامام علي في بعلبك وفتحت باب التطوع بين ابناء المنطقة لمن يريد التدريب تمهيداً لارساله للقتال فكان اول المتطوعين السيد عباس الموسوي على رأس مجموعة من 180 متطوعاً بينهم عدد من رجال الدين من الحوزة الدينية في النبي شيت ومن خارجها.. وكان السيد حسن نصرالله من بينهم. كان التدريب العسكري القاسي يتلاءم مع التثقيف العقائدي الصارم نحو ولاية الفقيه والالتزام بمبادىء الثورة الإسلامية في إيران نهجاً وأسلوباً وحركة.. بما كان يمهد فعلاً لنشوء حزب مهم أصبح هو نفسه حزب الله.

لم تكن المجموعات التي توافدت على معسكرات الحرس الثوري المنتشرة في البقاع من هيئة أو حركة أو مجموعة أو حزب واحد.. بل شراذم من هنا وهناك التقت كلها على هدف قتال إسرائيل والاقتراب من إيران.
وضع الإيرانيون في هذا المعسكر عنوانين للالتزام هما: مقاتلة إسرائيل والالتزام بولاية الفقيه، فكان لا بد من صهر الجميع تحت هذين العنوانين.. فكان ان التزمت الأغلبية وتخلى البعض ممن لم تكن نظرية ولاية الفقيه تستهويهم، أو لم تكن دراساتهم الفكرية والتزاماتهم الحزبية قد شكلت عقولهم وحسمت توجهاتهم. بين النبـي شيت ودمشق من داخل معسكر الحرس الثوري في بلدة النبـي شيت حيث قدّم السيد عباس الموسوي أرضاً لاستضافته، إلى دمشق حيث السفير الإيراني السيد علي محتشمي.. جرت مباحثات لتشكيل الحزب الذي أمر الإمام الخميني باعتماده ضمن الحالة الإسلامية لمناهضة العدو الصهيوني.. في دمشق وعلى طاولة غداء في منـزل السيد صادق الموسوي الذي كان أبرز وأنشط رجال الدين المناضلين لدعم الثورة الإسلامية في إيران.. ومن لبنان التقى السيد محتشمي مع الثلاثي الدعوتي: السيد عباس الموسوي، الشيخ صبحي الطفيلي والشيخ محمد يزبك، وجرت أول خطوات التأسيس للحزب. تكررت اللقاءات بين دمشق وبعلبك في جامع الإمام علي ومدرسته والنبي شيت حيث معسكر الحرس الثوري.. وكلها كانت تبحث في تعزيز التحرك الإسلامي الثوري وعنوان مقاومة إسرائيل فاتفق على تشكيل لجنة من 9 أشخاص ضمت أعضاء من حركة أمل الإسلامية برئاسة السيد حسين الموسوي (الذي أعلن خروجه من حركة أمل برئاسة نبيه بري بعد قبوله الجلوس مع بشير الجميل في هيئة الانقاذ الوطني التي شكلها الرئيس الراحل الياس سركيس اثر الاجتياح الصهيوني للبنان..) وعدد من قادة حزب الدعوة في لبنان كما ورد ولجان مؤيدة للثورة الإسلامية في إيران تشكلت بعد قيامها..

بحثت هذه اللجنة في تشكيل تنظيم يصهر كل التشكيلات الإسلامية في بوتقة واحدة تحت العنوانين السابقين: القتال ضد إسرائيل – الالتزام بولاية الفقيه. كلفت اللجنة التي حملت اسم شورى لبنان السيد عباس الموسوي مؤسس الحوزة العلمية في النبـي شيت، وأبرز قادة حزب الدعوة في لبنان وأول من خرج خطيباً يحمل مدفع الرشاش في أول احتفال في بعلبك ليوم القدس الذي دعا إليه الإمام الخميني.. أن يلتقي الإمام في قم، وليضع بين يديه خلاصة ما توصلت إليه المشاورات واللقاءات لإنشاء حزب يلبـي دعوته السابقة من خلال جيش الـ20 مليون لتحرير القدس.حض الإمام الخميني الوفد على العمل دون أن يحدد له خارطة طريق، تاركاً التفصيل لحاجات الساحة..
وعلى طريق التأسيس ارتأى الملتقون في بعلبك ودمشق أن تتشدد الحركة في اتجاه صلب أكثر فتراجع عدد أعضاء اللجنة من 9 إلى 5 ظلوا جميعاً بعيدين عن الاضواء والاعلام وتحكم السرية حركتهم وفق أسلوب إيراني دقيق صارم.. كان يظهر بوضوح في تعاظم الحركة العسكرية والتدريبات والتشكيلات الأمنية البسيطة التي صارت فيما بعد أجهزة فائقة الأهمية والكفاءة. صار اسم الشورى معروفاً في الأوساط الإسلامية وكانت أبرز نتائجه ان غابت نهائياً أسماء التشكيلات الإسلامية، مثل حزب الدعوة أو أمل الإسلامية أو اللجان الثورية الإسلامية، أو الاتحاد اللبناني للطلبة المسلمين..).. مع سرية شورى لبنان تم تعميم أسماء معينة معروفة بحركيتها على الجمهور والحركيين، فعرفت الناس من جديد ان هناك ما يجمع أسماء صبحي الطفيلي وعباس الموسوي وحسن نصرالله، ومحمد يزبك وابراهيم أمين السيد ونعيم قاسم ومحمد فنيش وحسين الموسوي وعفيف النابلسي وحسين كوراني. كانت الملاحظة التي استوقفت كثيرين بعد بدء الربط بين هذه الأسماء تعدد الشخصيات البقاعية بينهم، في وقت كان فيه الاعتقاد ان الحركة الإسلامية الأهم هي حركة أمل وان أمل تعني الجنوب أكثر مما كانت تعني البقاع، ربما بسبب التركيز على حالة الجنوب في مواجهة العدو الصهيوني، والمعارك التي أدت إلى تدمير القرى وتهجير أهلها، إلى الضاحية الجنوبية لبيروت بعد العاصمة. ثم تعززت هذه الملاحظة في مجيء أول أمين عام للتشكيل الذي حمل اسم حزب الله من البقاع هو الشيخ صبحي الطفيلي، تلاه السيد عباس الموسوي من البقاع أيضاً..

وقد أدت مجموعة عوامل فيما بعد لتجعل البقاع خزان المقاومة البشري كما خزان حزب الله، ويكاد نصف الذين سقطوا في مواجهة العدو الصهيوني في الجنوب من شباب البقاع ومقاتليه. أما الملاحظة الأهم فهي ان الجنوب اللبناني الذي انخرط شبابه بالآلاف في صفوف المقاومة الفلسطينية ومنظماتها، لم يفقد حركة هؤلاء الشبان بعد ان ألزمت اتفاقية فيليب حبيب عام 1982 إخراج هذه المنظمات من لبنان، بل اتجه هؤلاء بالمئات إلى صفوف التشكيل الجديد.. خاصة بعد ان عجزت الحركة الأم أمل عن استيعابهم لا بل انها عمدت إلى معاقبة ومعايرة معظمهم كيف انهم كانوا يقاتلون في صفوف حركة فتح والجبهة الشعبية وغيرما من الفصائل الفلسطينية ولم يلتزموا حركة أمل التي تنتمي معهم للمذهب الشيعي نفسه. كان أبرز الذين قاتلوا في صفوف حركة فتح وأصبح من الحرس الخاص للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عماد مغنية الذي وجد ضالته بعد خروج أبو عمار من لبنان في صفوف هذا التشكيل فتلقفه وصعد معه وبه حتى صار رجله الأول في لبنان قبل أن يغتاله العدو الصهيوني في مربع الاستخبارات السورية يوم 12/2/2008 في دمشق.
من أطلق تسمية حزب الله؟  حسب رواية السيد صادق الموسوي الوثيق الصلة بحركة إنشاء الحزب والذي كان صديقاً مقرباً وما زال من السيد علي محتشمي والرئيس السابق السيد محمد خاتمي والشيخ رفسنجاني، فإن تسمية حزب الله جاءت بالمصادفة البحتة..يروي السيد صادق ان شباناً كانوا يدهنون حيطان مدرسة مسجد الإمام علي أحد مقرات الحرس الثوري الإيراني عام 1982، تمهيداً لكتابة شعارات ثورية إسلامية عليها، وان شعارات القدس والأقصى والثورة طغت على معظم الحيطان ولم يبق إلا حائط واحد فارغ من الكتابة، فسأله أحد الشبان ماذا نكتب على هذا الحائط يا سيد، فأجابه الموسوي: اكتب حزب الله، وان هذه العبارة الجميلة السهلة المحببة استهوت كثيرين وهي مستمدة من الآية الكريمة ألا ان حزب الله هم الغالبون فصارت على ألسنة الشبان والمارين تعبيراً عن مكان وحضور ورواد المسجد والمدرسة.. وكلهم من الذين تدربوا وتثقفوا والتقوا لتشكيل التنظيم الثوري الذي صاره.. فغلب الاسم على الجماعة حتى حملوه اسماً لحزبهم. ويروي السيد صادق أيضاً ان أول مبلغ تقاضاه الحزب من الحرس الثوري كان 40 ألف دولار أميركي حمله إليه شباب عرب من الاهواز التي تشكل مع الفرس والأكراد والبلوش والآذريين دولة إيران، وان إرسال هؤلاء الشبان العرب ضمن الحرس الثوري إلى لبنان كان مقصوداً كي يسهل التفاهم مع العرب اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين.


- اليمن: إيران على حدود السعودية احد اهداف دولة الحوثيين!
حسن صبرا
لا يقاتل الجيش اليمني في شمالي شرق البلاد اشباحاً، ولا مجموعات نكرة، ولا مجرد عصابات خارجة على القانون.. بل يواجه فكرة وعقيدة يحملها جزء رئيسي من الشعب اليمني، توافرت له امكانات عسكرية وتدريبية وتجهيزات وخطط حربية تناسب طبيعة ميدان القتال، واستعد هذا الجزء من اليمنيين للمعركة او للمعارك حتى حولها حرب بقاء او فناء، استناداً الى مناخ سياسي محلي وعربي واقليمي مؤات جداً، وهذا ما جعل هذه المعارك تسمى حروباً، وتدخل اليوم شهرها الثالث من المرحلة السادسة منها. هذا الجزء من الشعب اليمني ينتمي الى المذهب الزيدي الذي كان وما زال يشكل النسيج الديني المعتدل للقسم الاكبر من سكان شمالي اليمن، وتحديداً من ذمار الى صعدة مروراً بالعاصمة صنعاء.. وتنتمي اليه اهم قبائل شمالي اليمن، حاشد وبكيل، وقدم لليمن كل قادتها عبر التاريخ من حكم حميد الدين الى الحكم الجمهوري الاول تحت قيادة المشير عبدالله السلال، الى المرحلة الثانية بقيادة القاضي عبدالرحمان الايرياني، ثم العقيد المظلوم وأهم رؤساء اليمن على الاطلاق ابراهيم الحمدي، الى حسين الغشمي وأخيراً وحتى الآن علي عبدالله صالح. والزيدية نسبة للامام زيد بن علي من نسل الامام علي بن ابي طالب ومن احفاد الرسول العربي محمد بن عبدالله، هي مذهب اسلامي شيعي معتدل، وصل الى اليمن عام 280 هـ، عن طريق الامام الهادي يحيى بن الحسين الثاني، وقد جاء الامام الهادي الى اليمن بطلب من القبائل اليمنية التي استنـزفتها الحروب المتتالية بينها، في صراعات على الحدود والماء والكلأ، فذهبت وفود منها الى الرحى وهي قرية صغيرة قرب المدينة المنورة حيث يقطن الامام الهادي تطلب منه المجيء لايقاف هذه الحروب مع الالتزام بما يحدده نصيباً لكل من هذه القبائل بما يضمن لها حياة آمنة مستقرة دون نزاعات او حروب.

امضى الامام الهادي سنتين في شمالي اليمن يحاول تهدئة القبائل، وايجاد نقاط التقاء فلما فشل عاد الى المدينة المنورة.. لكن القبائل او حكماءها قصدوه ثانية للعودة لايقاف حمامات الدم بينها، فجاء عام 282 هـ مستقراً في صعدة حيث اسس الاسرة الهاشمية التي ينتمي اليها، ومنها انبثقت بقية الاسر الهاشمية في اليمن عبر التاريخ وأبرزها اسرة حميد الدين التي كانت آخر اسرة حاكمة حتى ثورة 26 سبتمبر/ايلول 1962، وهي تنتمي في الاصل الى آل القاسم ثم آل شرف الدين ومنها خرجت اسرة آل الوزير وهي اسرة علم وأدب وفقه، ودخلت في نزاع شهير مع اسرة حميد الدين، كان ابرزها محاولة انقلاب ضد يحيى حميد الدين عام 1948، ثم اسرة آل الشامي ومنها اسماء بارزة في حياة اليمن الادبية والدينية والسياسية ومن هذه الاسر الهاشمية الآن في اليمن اسرة الحوثيين نسبة الى آل الشيخ بدر الدين الحوثي، والحوثيون ككل الاسر الزيدية الهاشمية التي ورد ذكرها هي اسرة علم وفقه محبوبة وقوية ولها تراث مهم في شمالي اليمن. ولم تعرف معظم الاسر في تاريخها السعي الى الحكم - والامامة عندهم هي ارشاد وتوجيه ونصح - ومن خرج الى السلطة استحقها بإرادة اهل البلاد وهم يوالون اسرة هاشمية لها قيمتها عبر الزمان.. وما زال. لماذا الصدام اذن؟

اذا كانت السلطات اليمنية عبر التاريخ زيدية والحوثيون هم احدى الاسر الزيدية الهاشمية، فلِمَ الصراع اذن، مع حكم الرئيس علي عبدالله صالح وهو من اسرة زيدية ومن قبيلة سنحان احدى قبائل حاشد الزيدية ايضاً؟ نعم، خرجت اسر هاشمية سابقاً على الامام الحاكم كما حال آل الوزير علي آل حميد الدين وكما خرجت اسر هاشمية على الحكم الجمهوري في كل العصور ورؤساؤه كلهم زيديون.. لكن خروج الحوثيين هذه الايام على الحكم القائم له طبيعة مختلفة تماماً.. باختلاف الدعوة الفكرية – الفقهية اولاً.. ثم بارتباط ذلك مع حالة التشيع السياسي التي اعتمدها قادة هذه الاسرة، ثم بارتباط هذا كله بقرار ايراني رسمي بالتوسع الاقليمي استناداً الى دعم فئات اجتماعية عربية على المذهب الشيعي كما حزب الله في لبنان، وكما حزب الدعوة والمجلس الاعلى في العراق.. الآن كذلك في اليمن عبر الحوثيين. لم يكن الحوثيون في اليمن شيعة اثني عشرية، ولم يطالبوا بتشكيل حكومة او جمهورية اسلامية، ولم ينادوا بولاية الفقيه، ولم يميزوا انفسهم عن بقية سكان اليمن من الشوافع، خاصة الذين يمثلون 100% من سكان جنوبي اليمن، وكانوا يمثلون نحو ربع الى ثلث سكان شماله، الى ان اصبحوا الآن اغلبية 55% شوافع مقابل 45% زيديين حسب الاحصاء الاخير لكل سكان اليمن. لكن انتشار الدعوة الايرانية الرسمية للتشيع بين المسلمين الاقرب الى الشيعة كالعلوية في سوريا والزيدية في اليمن فجر حاله الحوثيين المتطورة يوماً بعد يوم سياسياً وعقائدياً ومحاولة التوسع العسكري، الجغرافي لرفد الدعوتين معاً.. فأصل المشكلة في اليمن الآن هي ايران.

البداية وصلت الى مسامع استخبارات اليمن المتعددة اصداء الهتافات التي كانت تتردد في مساجد صعدة وما حولها في الموت لأميركا، الموت لاسرائيل، فكانت ترجمة فهم هذه الشعارات بأنها اقتراب من الشعارات الايرانية، او صدى للدعم الايراني الذي بدأ مع ذهاب حسين الحوثي الكبير الى ايران غاضباً من سلوك السلطات اليمنية معه، فقد كان الرجل في صنعاء مقرباً من الرئيس عضواً في مجلس النواب والمؤتمر الشعبي الحاكم، لكنه اختلف مع الرئيس ورفض مبايعته في فترة الحكم الرئاسية عام 1988 قائلاً له انك غير مؤهل لذلك، مغادراً صنعاء الى طهران ليبقى فيها عدة سنوات.. وهذا ما يذكره صالح رابطاً اياه بموقف الجد الاكبر للحوثي الذي كان رفض مبايعة الامام احمد حميد الدين لأنه غير مؤهل للسلطة حيث يجب ان يكون الحاكم عالماً عادلاً حكيماً فقيهاً كريماً.. ولكن لماذا تقرب صالح من الحوثي؟ المطلعون يؤكدون ان السبب كان لمحاولة اقامة توازن مع حركة مقبل الوادعي السلفي المتطرف الذي اسس مدرسة خارج صعدة، بلغ تطرفه حد امر جماعته بهدم قبر الهيدروس وهو ولي شافعي في عدن وبالمقابل فإن الحوثيين كثفوا من انشاء مدارسهم ومعاهدهم الدينية رداً على انتشار وتفعيل مدارس الايمان التي انشأها الاخوان المسلمون باسم تجمع الاصلاح. ولكن الصدى اصبح ضجيجاً لا يحتمل عندما بدأت هذه الهتافات عالية في مساجد صنعاء نفسها، ولأنها العاصمة حاولت السلطات اليمنية منعها فكانت الصدامات اول الامر داخل هذه المساجد.

المفاجأة هذه الصدامات والهتافات لم تكن لتشعل حروباً بلغت الآن السادسة لولا الوقود الكثيف تحتها والنيران المشتعلة فوقها، وكان يجب ان ينكوي رئيس البلاد علي عبدالله صالح نفسه بنارها حتى يتأكد ان الحروب هي آخر الدواء ففي اثناء توجهه لأداء فريضة الحج براً عام 2004 دخل مسجد الامام الهادي في صعدة للصلاة، وبعد انتهائها سمع هتافات ((الموت لأميركا، الموت لاسرائيل)) فأدرك بحسه السياسي انه هو المقصود.. بل ويكاد لو ترك لنفسه العنان في الاستماع لانتظر هتاف الموت لعلي عبدالله صالح الذي ظل مكتوماً.. مثلما كتم الرئيس غيظه ليغادر الى الحج مصطحباً غضباً كثيفاً في صدره وعندما يعود الى صنعاء بالطائرة.. يأمر استخباراته بالتشدد في مراقبة هذه الحالة، كما يأمر محافظه في صعدة بألا يتساهل.. وكان المحافظ عسكرياً متهوراً.. كان يسهل الطريق لصدام تحسب له الحوثيون فنشأت حراسات حول حسين الحوثي، وهو يتخذ من ضحيان قرب صعدة مقراً علمياً ودينياً له. المحافظ العسكري ارسل دوريتين عسكريتين تطلبان حضور حسين الحوثي لمقابلته، فرد عليه مرافقوه انه يصلي الآن فهلا نصلي جميعاً ثم نذهب معكم؟ فلما اصر ضابط الدوريتين على اصطحاب الحوثي بالقوة حاصرته جماعات الاخير بالسلاح ونزعوا اسلحتهم ثم ردوهم خائبين.

قرر الرئيس صالح تجهيز فرقة عسكرية وارسالها على عجل الى صعدة وضحيان لاعتقال الحوثي لكن الرجل هرب الى الجبال فأرسل له صالح وسطاء مقربين من الطرفين يسألون الحوثي عن مطلبه: هل تريد محاربة الدولة؟
كان جواب الحوثي: ابداً، اريد الطمأنينة والامن في المنطقة وتبديل المحافظ ورفع اليد العسكرية عن المنطقة.. كادت المفاوضات بين الوسطاء والحوثي ان تنجح وكان الحوثي يبدي استعداده للذهاب الى صنعاء ليستقر ضيفاً على الرئيس.. لكن انفجاراً عسكرياً بدأ خلال المفاوضات.. فقد فتحت دبابات اللواء علي محسن الاحمر فوهاتها لتلقي الحمم على تجمعات وقرى ومنازل الحوثيين، فأدرك الحوثي ان في الامر خدعة فقطع المفاوضات واستعد للمواجهة.

هل هي خديعة من علي عبدالله صالح فعلاً؟ مراقبون مطلعون يمنيون يؤكدون ان المشكلة كان يمكن ان تجد حلاً سريعاً.. لولا الصراع الداخلي في السلطة الحاكمة حول من يحكم اليمن الآن.. وغداً. فعلي محسن الاحمر غاضب جداً من الرئيس ابن عمه لأنه يريد ان يورث ابنه العقيد احمد علي عبدالله صالح، السلطة من بعده.. انما في حياته والاحمر يظن في نفسه الاحقية في الحكم بعد علي صالح.. وهذه فرصة لتوريطه في حرب استنـزاف داخلية تظهر فشله فيضطر للجوء إلى الجيش لحمايته ونظامه فيفرض هذا شروطه عليه بمؤازرة مراكز قوى عسكرية أخرى لا تريد توريث ابن صالح.

هكذا انفجرت الحرب الأولى عام 2005 حيث كان جيش الحوثيين 2500 مقاتل.. معظمهم طلاب علم قاتلوا أربعة أشهر متتالية وقتل خلالها حسين الحوثي في قصف للطيران. أدى مقتل حسين الحوثي إلى وقف الحرب وإعلان هدنة بين الدولة وجماعة الحوثيين.. على أمل إزالة أسباب الحرب برفع الحصار عن المنطقة، وتعويض المتضررين وإعادة المهجرين، وتخفيف القيود العسكرية وإطلاق السجناء لكن أمراً من هذا لم يحصل بل وبدأت حملة لاعتقال كل من له شبهة بالحوثيين. والأمر الذي أشعل غضب الحوثيين أكثر ان السلطات اليمنية التي كانت ((استضافت)) الشيخ الكبير بدر الدين الحوثي ابن الثمانين عاماً في صنعاء أصرت على حضوره اليومي إلى قسم الشرطة، كنوع من الضغط النفسي والحصار العملي، فآثر أنصاره مصاحبته إلى صعدة ليكون بمنأى عن هذا كله.. وما ان وصل الشيخ بدر الدين الحوثي إلى صعدة حتى التف حوله المقاتلون الذين كانوا بلغوا 5000، وقيل ان مجموعات منهم كانت عادت من لبنان حيث تلقت تدريبات نوعية لخوض معارك مناسبة ضد الجيش الرسمي النظامي معتمدة على أسلوب العصابات وبعضها عمد إلى حفر الخنادق وإقامة التحصينات تحت الأرض والانفاق المرتبطة ببعضها التي توصل مواقع المقاتلين على بعد مئات الامتار، فيصعب حصرهم أو حصارهم أو حتى رؤيتهم، وهذه تجربة أخذها المقاتلون من تجربة حزب الله في مقاتلة العدو الصهيوني عام 2006. وكان الرئيس صالح اعترف بتلقي مجموعات حوثية تدريبات في جنوبي لبنان وبقاعه لكنه استدرك انها لربما كانت بغير علم من حزب الله!!!

إلى جانب المجموعات الحوثية المدربة في لبنان عادت مجموعات أخرى تلقت تدريبات في معسكرات الحرس الثوري الإيراني في منطقة الزبداني على الطريق بين الحدود اللبنانية والعاصمة السورية دمشق، ومجموعات أخرى تدربت في العراق تحت رايات منظمة بدر وفي معسكراتها، وأخرى تلقت تدريبات في معسكرات الحرس الثوري في إيران نفسها. فجّرت هذه الاستعدادات للحوثيين الحرب الثانية عام 2005 وأظهرت لعلي عبدالله صالح أمرين أساسيين:
الأمر الأول: ان الجيش اليمني لا يفعل شيئاً وان عدداً من الضباط مهمل ومتواطىء وفاسد يبحث عن الثروة باستمرار الحرب وحصد الغنائم وان العناصر المقاتلة بمعظمها من سكان اليمن الجنوبي الذين لا يعرفون شيئاً عن جغرافية المنطقة ومعظمهم فقد ا

2009-10-20 00:00:00

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد