- 'السفير'
مايسة عواد
خلال المقابلة التلفزيونية الشهيرة لدنيس بوتر، أحد أبرز كتّاب الدراما التلفزيونية الانكليزية المعروف بنصوصه التي تمزج الفانتازيا بالواقع والشخصي بالعام، لم يخب أمل الملايين الذين تسمروا للمتابعة. فالرجل الذي كان يصارع المراحل الأخيرة من مرض السرطان، وبرغم وهن جسده واحتسائه &laqascii117o;كوكتيل المورفين" لتخفيف الألم، بقي محتفظاً بذهن متوقد ونكتة سوداء.
قال في حديثه عام 1994: &laqascii117o;أُسمّي سرطاني روبرت"! وتابع: &laqascii117o;لأن هذا الرجل، مردوخ، هو الذي لو قدر لي المزيد من الوقت.. لأرديته (كتابياً) لو استطعت". لم يسنح الوقت لبوتر ان يكتب الكثير عن مردوخ (مردوخ بالخاء ولكن من دون سوء نية)، فقد توفي في العام ذاته، لكن تصريحه الذي لم يكن مفاجئاً بعدما اعتبر ان مردوخ مسؤول عن &laqascii117o;تلوث" وتردي مستوى محتوى الصحافة والتلفزيون في أكثر من مناسبة، بقي محفوظاً في ذاكرة الملايين، خصوصاً انه لم يكن رأياً فردياً بل يلاقي آلاف الأصوات الذاهبة في هذا الاتجاه.
بقي اسم مردوخ حوت الإعلام الاسترالي المولود عام 1931 ومؤسسة &laqascii117o;نيوز كورب" &laqascii117o;شبحين" بعيدين عن العالم العربي لغاية أشهر خلت، عندما قدم مردوخ محمولا على أكف &laqascii117o;روتانا" التي أصيبت بضربات موجعة بعد الأزمة المالية العالمية. سبق للأمير بن طلال أن تدخل في 2005 لـ&laqascii117o;نجدة" مردوخ، اشترى أسهماً في &laqascii117o;نيوز كورب" وأصبح صاحب ثاني أكبر حصة فردية فيها (أكثر من 5.46 %). فوجب، ربما، على مردوخ &laqascii117o;رد الجميل" بعد الأزمة العالمية التي طالت شركات الأمير. لكن حضور اسم مردوخ إلى المنطقة العربية يثير أسئلة مُقلقة حول سياسات المؤسسات التي سيكون لشركته كلمة فيها. وهي هواجس لها ما يبررها. فغالباً ما نفى مردوخ استخدامه لوسائله الاعلامية من أجل تعويم موقف سياسي، لكن مواقفه الداعمة للرئيس الأميركي السابق جورج بوش ومديحه لقرار الحرب على العراق أظهر العكس. يسجل التاريخ قول مردوخ ان بوش اتخذ قراراً &laqascii117o;أخلاقياً" و&laqascii117o;صحيحاً" عندما قرر احتلال العراق، ووصف طوني بلير رئيس الوزراء البريطاني السابق بالرجل &laqascii117o;الطافح بالإقدام". لم تبتعد وسائل إعلام مردوخ عن وجهة النظر هذه، تولت مجلة &laqascii117o;ذي ويكلي ستاندارد" الداعمة الأولى للمحافظين الجدد، الحث على الحرب والحشد لها إلى جانب قنوات أخرى. وهناك الكثير من الأمثلة في هذا الإطار.
لم يخف مردوخ يوماً شغفه بالمال. الكميات المهولة من المال تحديداً. فقرار الحرب الذي اتخذه بوش واعتبره مردوخ &laqascii117o;أخلاقياً"، سرعان ما انكشف له بعد آخر في حديث مع صحيفة &laqascii117o;غارديان": &laqascii117o;أعظم أمر ممكن أن ينتج من هذا (الحرب على العراق) لأجل الاقتصاد العالمي هو أن يصبح سعر برميل النفظ عشرين دولاراً. أي أكبر من أي اقتطاع ضريبي في أي بلد". سرعان ما عاد مردوخ وعدّل جملته معتبراً انه قد أسيأت صياغتها، لكن ذلك لا يلغي حماسته لخفض سعر النفط وحشد مؤسساته للحرب. أما انحياز أخبار &laqascii117o;فوكس" الفاضح لوجهة النظر الاسرائيلية عند نقل الأحداث الفلسطينية، فقصة أخرى تشكل مصدر قلق بالمعنى السياسي عند كثيرين.
لطالما طوّع مردوخ علاقاته بالسياسيين لخدمة أهدافه، فعندما أصبح بلير رئيساً للوزراء بدعم هائل من مردوخ، تبنى مشروع قانون الاتصالات في البرلمان البريطاني، هدفه تخفيف القيود التي تمنع امتلاك غير البريطانيين لوسائل الاعلام، والسماح لناشر صحيفة كبرى بامتلاك قناة تلفزيونية أيضاً. وهو ما عرف تندراً باسم &laqascii117o;بند مردوخ"، لأنه كان يقونن وجود الأخير ويفتح الأبواب الموصدة أمامه.
عندما سئلت والدة مردوخ عنه وهو صغير، أكدت انه &laqascii117o;لم يكن يوماً من مقدري العمل الجماعي"، خاطر مردوخ كبيراً بالكثير وربح الرهانات وحيداً في الكثير من الحالات (أبرزها بروز وتطور شبكة &laqascii117o;فوكس"). في إطار اللعب كـ&laqascii117o;سولو" لم يخف مردوخ ملفات تحدثت عنها &laqascii117o;واشنطن بوست" عام 1977، وقالت فيها انه تهرّب من دفع الضرائب عبر إيداع أمواله في جنات ضريبية ممنوعة آنذاك (كوبا وفيجي وغيرها). اليوم، وبرغم بلوغه الثمانين العام المقبل، لا يبدو ان الرجل يخطط للتقاعد، فهو إضافة إلى توسع شركته في المنطقة العربية، عمل لسنوات على تعزيز حضوره في السوق الصينية. لكن المفارقة في الصين تحديداً أن الرجل الذي يتحدث دوماً عن الحريات الصحافية، تخلى عنها فوراً عندما هددت مصالحه التوسعية: ألغى عقداً مع كريس باتن الحاكم الأخير لهونغ كونغ حالما عرف ان ما سيقوله باتن بحق القادة الصينيين لن يحمل إطراءات وقلوباً حمراء. أكدت &laqascii117o;إيفنينغ ستاندارد" يومها ان مردوخ يفاوض على صفقة تتعلق بفضائية تلفزيونية مع الصينيين. تكرر الأمر نفسه عندما أقصى &laqascii117o;بي بي سي" عن شبكة &laqascii117o;ستار تي في" الخاصة به العاملة في الصين، لأن &laqascii117o;بي بي سي تهاجم النظام مجاناً وتعرض فيلم المذبحة في ساحة تيانامين مراراً وتكراراً".
سرق مردوخ إعجاب كثيرين بقدرته الهائلة على إبرام صفقات ضخمة والمخاطرة فيها &laqascii117o;هو على الأرجح أشجع مبرم للصفقات عرفه العالم"، يقول الصحافي اندور نيل. التفوق في الصفقات لا يلغي استحقاق مردوخ بنظر منتقديه، &laqascii117o;دكتوراه فخرية" في تفتيت الأجسام النقابية وتعيينه &laqascii117o;كمسؤول عن أكبر عملية إحباط نقابية في التاريخ"، ما اكسبه لقب &laqascii117o;الحفّار القذر"، تحديداً بعد الدور الذي لعبه في قضية Wapping dispascii117te تجن على الرجل؟ فلنراجع باختصار: عام 1986 بدأ اضراب ستة آلاف صحافي يعملون في الصحف البريطانية (ومردوخ مالكها الأبرز) بعد مفاوضات عقيمة مع أرباب عملهم. يومها التف مردوخ محولاً جرائده إلى كيان غير نقابي شرق لندن، رافضاً تقديم تنازلات للعمال. أصر مردوخ على إصدار الصحف وتوزيعها برغم الاضراب الذي بدا بلا فائدة بعد مرور حوالى سنة. فُك الاضراب، نجحت المكننة التي اعتمدها في إصدار الصحف، انتصر مردوخ، وكان منعطف جذري في تاريخ الحركات النقابية في بريطانيا. تاريخ مردوخ الطويل في مواجهة النقابات وتعاطيه مع الكثير من التظاهرات والعرائض ضد شركاته، جعله ربما أكثر شخصية حاملة لألقاب أقل ما يقال فيها انها قاسية، بينما هو يعتبر نفسه &laqascii117o;محفزاً للتغيير"، وان الأثمان التي دُفعت طبيعية: &laqascii117o;لا يمكنك ان تكون دخيلاً وناجحاً على مدى ثلاثين عاماً من دون ان تترك ندبات في المكان". ربما يكرر التاريخ نفسه اليوم ولو مع اختلافات تبدو جذرية، فمردوخ (ومعه ابنه جايمس) يعملان وسط فورة للإعلام الجديد أو &laqascii117o;البديل". يواجهان التحديات بقساوة إدارية لكن بمشاريع تبدو واعدة (مثل نقل محتوى التلفزيون والصحف إلى الخلوي)، فمردوخ لا يزال يملك رغبة عارمة بالنجاح.
دخلت &laqascii117o;فوكس موفيز" إلى العالم العربي بسلاسة (ما عدا الأصوات التي ارتفعت وسرعان ما هدأت متهمة القناة بعرض ما اسمته &laqascii117o;مواد إباحية")، لكن دخول مردوخ إلى &laqascii117o;روتانا" والأهم إلى &laqascii117o;ال بي سي الفضائية"، لا يبدو انه سيمر بالسلاسة ذاتها إعلامياً، في وقت يبدو الوئام عنواناً لرواية &laqascii117o;مردوخ والأمير".. أقله حتى اللحظة.