صحف ومجلات » فرانسـيس غـاي لـ«السـفير»: التدويـن لا يعنـي البـوح بكـل شـيء... والدبلوماسـية ا

1575183418_143- صحيفة 'السفير'
مايسة عواد

تدخل السفيرة البريطانية فرانسيس غاي إلى مكاتب السفارة في وسط بيروت، متحدثة عن بداية أسبوع مرهقة فيها أكوام من ملفات تنتظر القراءة، عدد من اللقاءات والمحاضرات، يضاف إليها نشاط &laqascii117o;غير سهل" بعكس ما يوحي، بات دورياً بالنسبة إليها منذ بداية العام الحالي، أي التدوين.

غاي هي أول دبلوماسية أجنبية في لبنان تدوّن على الشبكة العنكبوتية، في ترجمة واضحة لتبني الخارجية البريطانية مصطلح &laqascii117o;الدبلوماسية الرقمية" وتعميمه على كافة المستويات فيها، بدءاً من رأس الهرم، أي وزير الخارجية دايفيد ميليباند.
تفضي قراءة مدونات السفيرة البريطانية في لبنان إلى مجموعة نصوص قصيرة ومركّزة حول موضوع واحد. نصوص لا تخلو من الرصانة الدبلوماسية: من انطباعاتها حول اليوم العالمي للمرأة، إلى الكاريكاتور اللبناني وزيارتها إلى زحلة &laqascii117o;مدينة الشعراء، والنبيذ وإعادة التدوير" كما تسميها، مروراً بمواضيع أكثر حساسية تتناول مفهوم الشهادة وغيرها.
الاختصار في حجم النصوص، لا يلغي رجوع غاي إلى الأرشيف لتدعيم فكرتها، ففي معرض حديثها مثلاً عن أولمبياد لندن 2012 تلفت إلى أن أمل لبنان سيكون في الألعاب الخاصة فقط خصوصاً ان الرياضي ادوارد معلوف حصد برونزيتين في ألعاب بكين &laqascii117o;البارا أولمبية". وعلى قاعدة &laqascii117o;كل الطرق تؤدي إلى روما" فإن كل ما تكتبه غاي يصب في خانة السياسة ولو بشكل غير مباشر. فعند حديثها عن &laqascii117o;مهرجان البستان" والموسيقى، تعود لتذكر &laqascii117o;في حال ظننتم انني نسيت الحديث عن السياسة" إن ميرنا البستاني كانت أول أمرأة تدخل البرلمان اللبناني العام 1963 متمنية للنساء المزيد من القوة.
إذا، لا تأخذ غاي التدوين كتحصيل حاصل برغم قناعتها التامة انه ليس بديلاً عن القنوات الدبلوماسية &laqascii117o;التقليدية"، لكن من الواضح أيضاً انها تسعى إلى تقديم مقاربة غير تجميلية لتجربة التدوين: &laqascii117o;يتطلب الأمر جهداً كبيرا، على المرء ان يفكر كل الوقت ماذا سيكتب. صحيح انني أقوم بالكثير من النشاطات كسفيرة، لكن ليست النشاطات كلها مثيرة لاهتمام قارئ المدونة، وعلى المرء إيجاد طريقة تعبير معينة تبقي على رغبة المتصفح بالمتابعة، لكن لا تحول دون ثقته بك. فأنت في النهاية دبلوماسي وعليك الانتباه". هنا يكمن النقاش الأكثر تعقيداً مع غاي، فالتدوين يوحي بتقديم أراء صريحة وجريئة بينما تفترض الدبلوماسية مراعاة كل كلمة تقال. أليس هناك إذا تعارضاً بين التدوين ومفهوم الدبلوماسية؟ وكيف تتعاطى غاي مع المعضلة هذه؟ تضحك غاي: &laqascii117o;أنا لا افعل!" تقول بصراحة &laqascii117o; ليس عليك أن تقولي كل شيء كما هو على المدونة. تستطيعين ان تقولي أشياء محددة وتحتفظي بأشياء أخرى لنفسك، ما يقال يتاخم حدوداً حساسة لما نريد اقتراحه". تضرب غاي مثلاً: صحيح ان وزير الخارجية (أي دايفيد ميليبياند) يرسل أحياناً معلومات على &laqascii117o;تويتر" عن اجتماع لوزراء الخارجية في الاتحاد الاوروبي، &laqascii117o;لكن عند التطلع عن كثب فإن الأمر لا معنى له إلى حد ما" في إشارة إلى مضمون المعلومة التي تُعمم، تعتبر غاي ان فكرة استخدام المدونات وموقعي &laqascii117o;تويتر" و&laqascii117o;فايسبوك" مثيرة لاهتمام الرأي العام الذي لا يملك عيناً داخل اجتماع رسمي كهذا، لكن الأمور تتوقف احياناً كثيرة عند هذا الحد.
إذا هناك إيحاء بالشفافية في الخارجية البريطانية عن طريق الترويج للدبلوماسية الرقمية في حين أن الواقع يقول عكس ذلك، فماذا ترد غاي على هذا النقد الذي يطال المبدأ ككل: &laqascii117o;يمثل التوجه الرقمي انعكاسا للعالم المعاصر، على الدبلوماسية أن تجاري العصر إلى درجة معينة. نحن أصلاً دخلنا الحقبة الالكترونية، والدبلوماسية لم تعد تتم خلف أبواب موصدة بفضل الاعلام، علينا ان نستعمل وسائل الاعلام المعاصرة للتواصل مع أكبر شريحة ممكنة. لا أعتبر ان الناس سذّج أو انهم يتوقعون مثلاً أن يتولى دبلوماسي مدوّن تقديم توصيف تفصيلي لكل ما يقال. بهذا المعنى هو إيهام بالانفتاح فقط إذا كان لدى الناس انتظارات غير واقعية من التدوين".
لطالما كانت بريطانيا حاضرة تاريخياً في المنطقة ولها تقليد سياسي عريق ينتقده البعض ويستذكر منه &laqascii117o;سايكس بيكو" وغيرها من الاتفاقات التي أصابت الوطن العربي، فهل استخدام الوسائط الحديثة يعكس تغيراً جوهرياً في السياسة البريطانية أم انه مجرد تغيير في الأدوات؟: &laqascii117o;الابتعاد عن إرث الماضي بما فيه من ذكريات صعبة للكثيرين والحديث عن اليوم هو هدف بالتأكيد. لكن المهم هو خلق مقاربة مختلفة. سفيرنا في عمّان مثلاً يدوّن مرة في الأسبوع لكنه يكتب مقالة مطولة عميقة تأتيه بنتيجتها مجموعة ردود معمقمة أيضاً. لكن لا يمكن اعتبار الردود التي نتلقاها بديلا ًعن الانخراط في نقاش أكاديمي حقيقي". وتستدرك: &laqascii117o;كي أكون عادلة بحق فكرة وزير الخارجية عن الدبلوماسية الرقمية فإن ما نتحدث عنه هنا هي وجهة واحدة لفكرة الانفتاح على أفكار جديدة. هناك وجهة أخرى تكمن في انخراط ذوي المعرفة والعلم في نقاشات محورية. لكن علينا الحذر عند القول ان الدبلوماسية الرقمية قد تحل مكان النقاشات المعمقة".
وكيف تصنف غاي تفاعل اللبنانيين مع ما تكتبه وهل هناك إحصاءات في هذا الاطار؟ &laqascii117o;أتلقى ردوداً من أناس على بعد أميال أي في الهند أو بريطانيا، لكن معظم الذين يكتبون تعليقات هم في لبنان. للأسف تأتي التعليقات أحياناً من الأشخاص ذاتهم، وحالياً لا أملك ارقاماً دقيقة حول عدد النقرات على المدوّنة. ولكننا لجأنا إلى الترجمة للعربية بهدف زيادة التعليقات والتفاعل".
تنتهي المقابلة وسط زحمة مواعيد سوف تجد أبرزها بالتأكيد طريقها إلى المدونة، لكن ليس إلى موقع &laqascii117o;فايسبوك" كما تؤكد غاي في الوقت الحالي، ولا إلى موقع &laqascii117o;تويتر". من الواضح ان فرانسيس غاي تعتنق الدبلوماسية الرقمية لكنها لا تسير حرفياً على خطى ميليباند!
عنوان المدوّنة بالعربية http://blogs.fco.gov.ascii117k/roller/francesarabic/
ليس قراراً شخصياً
لا تخفي غاي ان التدوين لم يكن قرارا شخصياً &laqascii117o;بل شُجعت أن أدوّن".وتكمل: &laqascii117o;عندما تسلم دايفيد ميليباند منصب وزير الخارجية، كان حريصا على إيصال رسالتنا باستخدام الوسائل المختلفة، هو كان قد بدأ بالتدوين منذ كان وزيراً للبيئة، يتابع ذلك حتى اليوم إضافة إلى كونه ناشطاً على موقع &laqascii117o;تويتر" أيضاً. عندما أتى إلى الخارجية تبيّن له اننا نحب ان نفكر أننا عصريون، لكننا بطرق عديدة لا نزال قديمي الطراز. كانت فكرته الأولى تقول بأن يقوم كل سفير أو قنصل بالتدوين لعدة شهور بالتداور، بعدها وجدنا ان الفكرة غير فعّالة، وقررنا تبني طريقاً مختلفة".
تشرح غاي ان أول سفير قام بالتدوين كان سفير المملكة المتحدة في كابول، لكنه اعتذر عن الاستمرار، &laqascii117o;فاتصلوا بي أنا". لماذا السفيرة غاي تحديداً؟ &laqascii117o;ربما لأنني سفيرة امرأة في العالم العربي، مع انه لدينا تسع نساء سفيرات هنا في بيروت. ربما رأوا ان الأمر يقدم صورة مختلفة عن الخارجية لا يتوقعها البعض".
أصابـع حسـاسة!
في إحدى مدوناتها عن يوم المرأة العالمي، كتبت غاي انها كانت تفكر بنشاط للمناسبة &laqascii117o;من دون أن أدوس على أصابع حساسة". فنظمت غاي لقاء للسيدات وانتقدت في المدونة غياب النساء في قوى الأمن الداخلي. فما هي التوازنات التي تحرص غاي على عدم خرقها في بلد فيه الكثير من النقاط الحساسة؟ &laqascii117o;الأمر صعب في لبنان. وكلنا في خطر أن نجتاز خطاًً حساساً عند أحدهم. أحاول أن أدرك جيداً ما الذي يمكن ان أفعله من دون أن أهين أحداً أو ان أوحي انني أعلم أفضل من الاخرين حول أي موضوع. لكن في بعض الحالات، وقضايا المرأة ربما واحدة منها، تكون المساءل مبدئية وتتعلق بحقوق الانسان. لبنان وقّع على اتفاقات دولية في هذا الشأن وبالتالي لا تردد لدي أبداً في ان أكون صريحة للغاية حول الموضوع. هناك نساء سألنني بأي حق أتناول هذه المواضيع واسأل هذه الأسئلة، ولكن لبنان وقع على معاهدة حقوق الانسان الدولية وعضو في مجلس الأمن وبالتالي لدى بريطانيا كل الحق في السؤال عن ما يتم تنفيذه كي يفي لبنان بالتزامات قطعها في هذا الإطار.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد