- صحيفة 'السفير'
توقع عشرات الصحافيين من كافة وسائل الإعلام التي تغطي أنشطة الأمم المتحدة الكثير من المتاعب التقنية واللوجيستية، مع اضطرارهم للانتقال من مكاتبهم التي قضوا فيها أعواما طوال، إلى موقع جديد داخل المبنى العتيق للمنظمة الدولية، وذلك في ضوء أعمال التجديد الشامل التي يشهدها مقر الأمم المتحدة بكلفة تقترب من ملياري دولار، تدفعها الدول الأعضاء في المنظمة الدولية.
لكن المفاجأة الأسوأ تمثلت في إرساء &laqascii117o;قواعد" جديدة اتفقت على دعمها الولايات المتحدة وروسيا والصين بشكل أساسي، تهدف إلى الحد من حرية حركة ممثلي وسائل الإعلام الذين يباشرون عملهم بشكل يومي من داخل المبنى، ما يضع حداً لتواصلهم مع السفراء والدبلوماسيين، بعكس ما كانت الحال عليه على مدى العقود الستة الماضية.
تهدف القواعد الجديدة إلى التقليل من عدد موظفي الأمم المتحدة المسموح لهم بحضور الاجتماعات المغلقة لمجلس الأمن، وذلك للحد من حجم التسريبات (وهو ما يأتي تزامناً مع مناقشة فرض عقوبات إضافية على إيران). علماً ان القرار سيشمل جسم السكرتارية والدبلوماسيين، أي المصادر التي يعتمد عليها بشكل أساسي كل ممثلي وسائل الإعلام العاملين في الأمم المتحدة.
علاوة على هذا، ومع انتقال مقر مجلس الأمن إلى موقع جديد داخل مبنى الأمم المتحدة، أيضا في إطار عمليات التجديد التي ستتواصل مدة ثلاثة أعوام على الأقل، أفادت مصادر السكرتارية في الأمم المتحدة ومصادر دبلوماسية من دول عدة، ان ممثلي الدول الكبرى الثلاث المؤثرة أي الولايات المتحدة وروسيا والصين، ورغم كل ما بينهم من خلافات سياسية، طالبوا بمنع ممثلي وسائل الإعلام من سلوك درج يستخدمه الدبلوماسيون في النزول من الطابق الأول إلى المقر الجديد الموقت في الطابق الأرضى، وذلك كي لا يضطروا إلى التواصل المباشر معهم و الإجابة عن اسئلتهم لو لم يرغبوا في ذلك.هكذا، أصبح مسموحا للصحافيين التجمع في مساحة تحددها القوى المعنية بحفظ الأمن في المقر، وبات ممنوعاً التواصل مع أي دبلوماسي إلا اذا رغب هو في ذلك.
وللمقارنة فإنه قبل بدء أعمال التجديد، كان الدبلوماسيون يدخلون المبنى من بوابة مخصصة لهم ويتوجهون في ممر طويل إلى مقر المجلس. وعادة ما كان ممثلو وسائل الاعلام الدائمون (أي الذين يحملون تصاريح خاصة) يستغلون الفرصة للحصول على تصريحات خاصة عبر التوجه بسهولة نحو أي دبلوماسي والتحدث معه بحرية. وغالباً ما شهد الممر انتزاع معلومات حول المناقشات الدائرة في المجلس، وأحياناً الحصول على وثيقة ما وزعتها دولة عضو في المجلس أو خارجه وغيرها من المعلومات الحساسة.
دول داعمة
وبينما يدعي الدبلوماسيون البريطانيون والفرنسيون، (الذين يشكلون مع ممثلي الدول الثلاث الأخرى الجسم الدبلوماسي للدول الخمس المتمتعة بحق النقض الفيتو)، أنهم يعارضون تلك القيود الجديدة، فإن مصادر &laqascii117o;السفير" تشير إلى أن ممثلي الدول الخمس الدائمي العضوية وأصحاب القرار الحقيقي في المجلس، متفقون على المطالبة بالحد من حضور من وُصفوا &laqascii117o;بالعناصر غير الضرورية" في إشارة إلى موظفي الأمم المتحدة المسموح بحضورهم للجلسات المغلقة لمجلس الأمن، هؤلاء الموظفون بات عليهم الحصول على إذن مسبق، بمن في ذلك المتحدث باسم الأمين العام وكبار الموظفين من إدارة عمليات حفظ السلام وغيرها، خاصة في الفترة المقبلة التي تشهد مناقشة قرار جديد يفرض المزيد من العقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي.
ورغم أنه من المفروض ان تتساوى الدول الخمس دائمة العضوية في الأهمية بحكم تمتعها بحق الفيتو، فإن كافة الدبلوماسيين العاملين في الأمم المتحدة يعلمون أن الولايات المتحدة تبقى صاحبة الكلمة الفصل في المجلس، وبالتالي فإن دعم السيدة سوزان رايس مندوبة الولايات المتحدة لفرض قواعد الحد من حرية حركة الصحافيين والتقليل من التسريبات يكفي كي يتحول إلى أوامر نافذة. وبالطبع فإن الروس والصينيين، بما لهم من سجل طويل في عشق السرية والتكتم والانتماء لمدرسة تقول إن السياسة يجب أن تمارس في الخفاء، رحبوا سريعا بالمقترحات الأميركية.
اعتراض
هذه الإجراءات الجديدة أثارت بالطبع غضب ممثلي وسائل الإعلام الذين تخصص لهم الأمم المتحدة مكاتب داخل مقر المنظمة للقيام بتغطية أنشطتها بشكل يومي. وقام الإعلاميون، عبر رابطة مراسلي الأمم المتحدة بإرسال خطابات احتجاج إلى الأمين العام بان كي مون والمسؤولين عن إدارة الإعلام في الأمم المتحدة، وكذلك إلى مندوب اليابان الذي ترأس بلاده مجلس الأمن لشهر نيسان، أكدوا فيها أن هذه الإجراءات &laqascii117o;ستقلل بشكل اضافي الشفافية التي يجب أن يتمتع بها أكثر أجهزة الأمم المتحدة أهمية". لكن رد موظفي الأمم المتحدة كان بأن هذه القواعد تمت بناء على طلب الدول الأعضاء في مجلس الأمن. كما صرّح مصدر دبلوماسي لـ"السفير" ان &laqascii117o;الولايات المتحدة تود التأكد من عدم وجود أي عناصر داخل الاجتماعات المغلقة لمجلس الأمن من الممكن أن تقوم بتسريب ما يجري مناقشته حول ايران او كوريا الشمالية أو أي مواضيع أخرى حساسة". وأضاف ان الأميركيين أرادوا استغلال عملية الانتقال إلى مقر جديد داخل مبنى الأمم المتحدة لتطبيق قواعد كانوا يطالبون بها منذ زمن طويل &laqascii117o;لكنهم كانوا يتراجعون في مواجهة الأعراف المتداولة والمعمول بها على مدى العقود الماضية. الآن هم يرون أن الفرصة مناسبة". وهذا ما أكده المتحدث باسم البعثة الأميركية مارك كورنبلو الذي حاول تبرير الإجراءات الجديدة بمسألة ضيق المساحة في المقر، لكنه لم ينف دعم الولايات المتحدة للإجراءات التي تهدف إلى ضمان سرية الاجتماعات المغلقة لمجلس الأمن قائلاً: &laqascii117o;هذه الاجتماعات مغلقة ويجب أن نضمن أنها ستبقى كذلك: مغلقة."
من جهة أخرى كان تأكيد من الصحافيين أن رابطتهم لن تتوقف عن المطالبة بتغيير هذه القواعد الجديدة &laqascii117o;لأنها تمس بجوهر العمل الصحافي القائم على حرية تداول المعلومات". وبينما لا تزال المعركة في بدايتها، بدأت المسألة في لفت انتباه منظمات حقوق الإنسان وتلك المدافعة عن حرية التعبير. واصدر روبرت ماهوني نائب مدير لجنة الدفاع عن الصحافيين ومقرها نيويورك بيانا ناشد فيه أعضاء مجلس الأمن عدم تطبيق القواعد الجديدة التي تدعمها الولايات المتحدة وروسيا والصين، معتبراً أن التحجج بالحفاظ على أمن الدبلوماسيين هو &laqascii117o;ترديد لمبررات واهية .. يجب على الأمم المتحدة أن تكون في مقدمة المدافعين عن مبادئ حقوق الإنسان التي انشئت أساسا للحفاظ عليها. وهذه المبادئ تتضمن حرية التعبير وصحافة حرة. ومنع الصحافيين من التواصل مع المسؤولين يمثل اجراء فيه الكثير من النفاق".