- صحيفة "السفير"زينب ياغيمتى يكون نشر الصورة مسموحًا، ومتى يكون ممنوعًا؟. هي الإشكالية تطرح في وسائل الإعلام المرئي والصحف اللبنانية، عندما تنشر صور شديدة التأثير في المشاعر الإنسانية، مثلما حصل أخيرًا، لدى قتل المتهم في «جريمة كترمايا». ثم يغيب الاهتمام بالقضيّة، في انتظار حدث جديد.
واستدعى الجدل حول صور كترمايا في حينها، إعلان وزير الإعلام طارق متري أنّه تلقى اتصالات عدّة من مواطنين وإعلاميين، عبّروا فيها عن إدانتهم لجريمة قتل الطفلتين والجدين، لكنّهم أبدوا انزعاجهم من نشر صور ومشاهد مروّعة للمتهم لدى قتله والتمثيل بجثته.
واعتبر متري أنّ الإسراع في نشر الصور، «يثير أسئلة مهنية وأخلاقية» بشأن قواعد السلوك التي تقوم على الحق في المعرفة من جهة، واحترام الكرامة والحرمات الإنسانية من جهة ثانية.
وهناك مثال آخر يتعلّق بصور ضحايا حوادث السير، استدعى أيضاً مناشدة منظمة «اليازا» لوسائل الإعلام لعدم إظهار صور جثث وأشلاء المواطنين الذين يذهبون ضحايا الحوادث، من دون التنّبه إلى حق هؤلاء أو أهلهم بعدم عرض صورهم، وهم مرميون على الطرق العامة.
ويمكن أن تتوارد أمثلة عدّة إلى ذهن أيّ إعلامي أو صحافي أو مصوّر، لو حاول تذكّر الصور التي مرّت من أمامه، خلال عمله، وانتبه لاحقا إلى أنّه كان من الأفضل عدم نشرها، فهناك العديد من الصور الفردية أو الجماعية المخلّة بشروط الصورة، لكنّها تمرّ، من دون تأثير اجتماعي عام، ولا تترك اهتمامًا سوى لدى أصحابها.
وقد تبيّن، مع الاستغراب، أنّ قانون المطبوعات في كلّ نسخاته المعدّلة، لا يتضمّن أيّ مادة أو فقرة تتعلّق بشروط نشر الصورة، وإنّما يركّز حصرًا على المادة الصحافية وشروط نشرها.
ويبدو أنّ أصحاب التعديلات لم ينتبهوا إلى أنّنا نعيش في عصر الصورة. وبالتالي تبقى القواعد المتداولة بين المصوّرين في لبنان، عبارة عن أعراف، أو قواعد منقولة من قوانين بلاد أخرى.
ويعكف متري حاليًا على إعداد مشروع لتنظيم مهنة الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب، من دون أن تتضح مضامينه بعد، ولا المساحة التي ستكون للصورة بين فقراته.
وتعكس ندرة الدعاوى الخاصة بالصور لدى محكمة المطبوعات، قلّة الاهتمام، أو قلّة المعرفة بذلك العالم. ولدى سؤال رئيس المحكمة القاضي روكز رزق أوضح أنّ الدعاوى التي تقام ضدّ نشر الصور «معدودة»، ومعظمها يكون على «خلفيات سياسية أو فضائحية».
وأورد مثالاً على ذلك، الدعوى التي تقدمت بها «القوات اللبنانية» ضد قناة «المنار»، بعدما ظهر رئيس تكتل الإصلاح العماد العماد ميشال عون على شاشة القناة وهو يحمل صورة شخص يطلق النار وعلى يده صليب القوات، وكان ذلك بعد أحداث السابع من أيار.
ويقول روكز إنّه يدرس القضية وسوف يصدر حكمًا فيها قريبًا. كما أورد دعاوى تقدّمت بها فنانات، بعد تصويرهن داخل منازل، في أوضاع «إباحية»، وطبعًا من دون ذكر أسمائهن.
كان لا بدّ في مثل هذه الحالة من الاستعانة بخبرة أحد المصورين الذين عملوا طويلا في المهنة.
يقول نقيب المصوّرين السابق جمال الصعيدي، الذي يعمل في المهنة منذ خمسة وثلاثين عامًا، بينها ثلاثة وعشرون في وكالة «رويترز» إنّه «إذا كان المصور يلتقط مشهدًا لمكان عام، وظهر فيه أحد الأشخاص أو مجموعة أشخاص، لا يتمّ الحصول على إذن هؤلاء للظهور في المشهد، إلا في حال جرى تصوير أي منهم وجها لوجه».
ويوضح فكرته قائلا: «إذا ظهر الشخص مثلاً في مقدّمة المشهد، ويكون المشهد الثاني هو المكان العام - المدينة، الشارع، السوق، السوبر ماركت... عندها يجب طلب موافقته».
يضيف أنّ هناك طريقة في التصوير تسمى Out of Focus، تسمح بحعل شكل الشخص يبدو غير واضح، بينما يبقى الوضوح للمكان العام. ولكنّه يشير إلى أنّ تلك التكنولوجيا في التصوير، نادرًا ما تستخدم في لبنان، ويوجد عدد قليل جدا من المصوّرين اللبنانيين الذين يعرفونها.
ولا يسري تعريف المكان العام على المقهى أو المطعم أو المنزل لأنّ تلك الأماكن تحمل خصوصية، ولا يمكن تصوير الشخص فيها إلا بعد طلب إذنه.
و تنعكس المعادلة في حال كان الشخص موجودًا في مكان عام لكنّه يعرف مسبقا أنه مركز استقطاب للتصوير. وينطبق ذلك على أماكن مثل مراكز الاقتراع، أو التظاهرات، أو لدى حصول حدث سياسي أو أمني معين، وفي حال الحروب.
في تلك الحالات، يستطيع المصوّر التقاط صوره، من دون الحصول على موافقة الأشخاص الذين قد يظهرون فيها. وفي حال وجد من لا يرغب بأن تلتقط صوره، عليه هو المبادرة إلى طلب ذلك.
وفي ما يتعلّق بأشخاص لا يرغبون بنقل صورهم إلا أنهم لم ينتبهوا إلى أنّها التقطت فعلا، كمثل النازحين، أو الجرحى، أو المتواجدين في قلب اشتباك ما، فيقول الصعيدي إنه «في هذه الحالات، تكون الأولويّة للحدث العام على الاعتبارات الخاصة، ولا يستطيع الشخص أن يسأل بعد رؤية صورته على الشاشة أو في صحيفة، لماذا نقلتم صورتي، كما لا يستطيع مقاضاة المصوّر لأنّ القاضي سوف يجيبه عندها بأنّ الحدث عام».