نور أبو فرّاج
قد لا يكون هناك ما هو أكثر استفزازاً وإهانة للفلسطينيين المحاصرين في غزة، تحت القصف، من دون كهرباء، وفي ظلّ حصار يعيق دخول الغذاء والمساعدات الطبية، من صفحة فايسبوكية تقترح عليهم &laqascii117o;التزام الهدوء وحب الحمّص"!
تحمل الصفحة عنوان &laqascii117o;مبادرة الحمّص"، وقد أطلقها طلاب فرنسيّون بحسب مجلّة &laqascii117o;لكسبرس". وتهدف المبادرة، إلى البحث عن القواسم المشتركة التي قد توحّد شعبين في ظلّ الحرب، بدلاً من تفريقهما، بحسب مؤسسيها. يعلن القائمون على المبادرة أنهم يأسفون لتصاعد العنف الجسدي واللفظي في ميدان الحرب، وعلى صفحات الإنترنت. لذلك، تمّ اختيار الحمّص باعتباره &laqascii117o;قاسماً مشتركاً"، لأنه ينقل، بنظرهم، قيم العمل الجماعي والإخلاص: &laqascii117o;ففي الشرق الأوسط الجميع يحبّ الحمّص بغض النظر عن دينهم وأصلهم أو قوميتهم". ومن أجل إيصال رسالة السلام المغمّسة بالطحينة، طُلب من المشاركين على الصفحة، التقاط &laqascii117o;سلفي"، مع صحن حمّص، ونشرها على مواقع التواصل مرفقة بوسم .Hascii85MMascii85SELFIE
يشرح أصحاب المبادرة أنهم يسعون إلى مواجهة رسائل الكراهية التي تغزو الفضاء الإلكتروني، &laqascii117o;بحيث يمكن خلق مساحة من التفاهم يمكن للناس التحاور فيها بسلمية بعيداً عن الجدل العقيم". ولتسهيل مهمة مناضلي &laqascii117o;الحركة الحمّصية"، يقترح القائمون أنّه &laqascii117o;في حال عدم توافر الحمّص لسبب أو لآخر وعدم الرغبة بشراء القليل منه، يمكن تناول شيء آخر والتظاهر بأنه حمّص: كالزبادي، أو نوتيلا، أو زبدة الفول السوداني".
تضمّ صفحة المبادرة على &laqascii117o;فايسبوك" نحو ثلاثة آلاف معجب، ونشرت عليها صور لفتيات وشبّان يتناولون الحمص من علب بلاستيكية صغيرة، تبدو كأنّه تمّ شراؤها من السوبرماركت. يتم تغميس الحمص بقطع من التوست، بجانب كأسٍ من النبيذ، على الطريقة الفرنسية. بعض المشاركين يتصوّرون مع أكياس صغيرة من حبوب الحمص غير المهروسة، أو يصوّرون أطفالاً متورّدي الخدود وهم يأكلون الحمّص بنهم، من دون أن يعلموا أنهم بذلك، ينخـرطون في العمـل مـن أجل السلام العالمي.
معظم المشاركات على الصفحة، جاءت من الولايات المتحدة، والهند، وبلجيكا، وألمانيا، إلى جانب &laqascii117o;إسرائيل"، مع غياب شبه تام للمشاركة العربيّة، أو الفلسطينيّة. ذلك لم يلفت انتباه القائمين على المبادرة الذين كانوا منشغلين ربما بأكل الحمص، ولم ينتبهوا أن الفلسطينيين فقدوا ربما شهيتهم للأكل.
لم يخف أصحاب المبادرة فرحتهم بالتفاعل الواسع مع المبادرة، وشكروا الصحف الفرنسية الكبرى التي اهتمّت بالكتابة عنهم. لكنّهم لم يوضحوا خططهم لما بعد التهام الحمّص حدّ التخمة. القول بأنّ الحمّص ليس ملكيّة &laqascii117o;مشتركة" أصلاً، ولا طبقاً إسرائيلياً، يبدو أمراً في غير مكانه، أمام مبادرة فارغة لهذه الدرجة، ولا تكشف إلا عن تعالي وسذاجة أصحابها، وانفصالهم التام عن الواقع. تجدهم يقترحون حلاً للصراع العربي الفلسطيني بحب الحمص، وهم غارقون في بحر من النوتيلا! كأنهم لم يشاهدوا نشرة أخبارٍ واحدة، ولم يسمعوا عن أعداد الشهداء الفلسطينيين، خلال الأسابيع الماضية!
قد لا يكون هناك فائدة من الغرق في التفاصيل، فالمبادرة بالرغم من تظاهرها بالحياد، وأخذ مسافة واحدة من أطراف الصراع، إسرائيلية شكلاً ومضموناً. من حسن الحظ، أن الصراع العربي الإسرائيلي اليوم انتقل إلى مرحلة جديدة، حيث تستهدف المقاومة &laqascii117o;إسرائيل" بصواريخها. وأمام هذا الواقع الجديد، لا يمكن أن تقابل &laqascii117o;مبادرة الحمص"، وغيرها من المبادرات الشكلية، سوى بالضحك والسخرية. فهي لا تساهم إلا بإطالة أمد الصراع، وتغليفه بألوان وتسميات ملطّفة، باعتباره صراعاً بين الحب والكره أو خلافاً في وجهات النظر، وليس صراعاً جوهرياً بين محتلّ وصاحب حق. الفلسطينون اليوم ملتزمون أكثر من أي وقت مضى بخيار المقاومة حتى استرداد جميع الحقوق، بما فيها الحمص!
المصدر: صحيفة السفير