سناء الخوريجمّد المغرّدون اللبنانيون الشهيد عباس مدلج بين لحظتين وصورتين: صورته بالبذلة العسكريّة قبل الخطف بجانب آلية عسكريّة، وصورة رأسه المقطوع بعد حدّ السكين، مفصولاً عن جسده. وبين القبل والبعد، غضب، وحزن، ونكران، وعجز، وتحريض لا يملّ.
وبينما كان الجميع منشغلين بمحاولة صوغ الموقف العاطفي الأنسب من صور مدلج، سواء بمحوها من الذاكرة &laqascii117o;احتراماً لذوي الشهيد" أو تداولها &laqascii117o;بالرغم من قسوتها وبشاعتها"، ظهرت على مواقع التواصل أمس صور أخرى، من زمن آخر، لم يكن &laqascii117o;أجمل" من الراهن ربّما، لكنّ إيجاد المعنى فيه، كان، يخيّل لنا، أسهل.
تداول المغرّدون والفسابكة أمس، مقالاً نشرته صحيفة &laqascii117o;ذا أوبسرفر" البريطانيّة التي تصدر الأحد، حول صور &laqascii117o;للحظات لبنانيّة مجمّدة"، بحسب تعبير كاتب المقال، من أرشيف المصوّر الفوتوغرافي اللبناني دياب القرصيفي (1951).
غادر القرصيفي، ابن مدينة بعلبك، لبنان، في العام 1993، متوجهاً إلى لندن، بعدما أمضى سنوات الحرب يصوّر ويوثّق كلّ ما يقع تحت يديه من مشاهد وأحداث وتفاصيل. نشر القرصيفي صوره بين مجلّة &laqascii117o;النداء" ومطبوعات أخرى تابعة للحزب الشيوعي، إلى جانب عمله في &laqascii117o;صوت الشعب" و&laqascii117o;تلفزيون الجديد".
في العام 2010، التقى القرصيفي بالمصوّرة البولندية المقيمة في العاصمة البريطانيّة، آنيا دبروفسكا (1973)، خلال إقامته في مهجع خاص بمن ليس لديهم مأوىً، حيث كانت تدير ورشة عمل فنيّة. تروي المصوّرة للـ&laqascii117o;أوبسرفر" قصّة لقائها بدياب، وكيف حضر إلى منزلها حاملاً حقيبتين ممتلئتين بالصور وأشرطة النيغاتيف، بعضها بعدسته، وبعضها الآخر جمعه من أرشيفات عدّة، بين بيروت، وبعلبك، ودمشق، والقاهرة، والكويت، وعدّة مدن عراقيّة، وفلسطينيّة، وصولاً إلى موسكو، وبودابست.
بالتعاون مع &laqascii117o;أشكال ألوان" و&laqascii117o;المؤسسة العربيّة للصورة"، تعمل دبروفسكا على توثيق ذلك الأرشيف في كتاب بعنوان &laqascii117o;أرشيف لبناني"، يضمّ معظم ما حوته حقيبتا القرصيفي. وستعرض تلك الصور في معرض يجول بين بيروت، ولندن، ووارسو، خلال العام 2015.
تسمّي دبروشكا صور القرصيفي بالأرشيف الضائع، إذ تضمّ مجموعته نحو 27 ألف صورة، لم تخرج في السابق إلى العلن. تتراوح تواريخ التقاط تلك الصور، بين العامين 1889 و1993، وتختصر بذلك نحو قرن كامل من الذكريات المفقودة.
نشرت صحيفة &laqascii117o;ذا غارديان" بعض تلك الصور أمس الأوّل السبت عبر موقفها الالكتروني. وكغيرها من صور الأرشيف المستعادة في الفضاء الافتراضي، تمّ تناقلها بسرعة، وباهتمام، وعاطفة. كلٌّ يختار منها للنشر على جداره الفايسبوكيّ: صورة تحيل إلى تضاد حادّ مع الواقع الراهن، أو أخرى تتكّثف فيها عناصر الحنين، أو لقطة تصلح للاسقاطات التاريخيّة والسياسيّة. هناك مثلاً صورة لملكة جمال الكون السابقة جورجينا رزق مع أطفال ومراهقين من بعلبك، خلال زيارتها المدينة العام 1977، تمّ تداولها بكثافة. هناك أيضاً صورة انتشرت على عدّة جدران، لشباب بـ&laqascii117o;المايوه" على ضفة مسبح في بيروت العام 1977. كثر تناقلوا صورة لجورج حاوي في معسكر للحزب الشيوعي في عيون السيمان العام 1976. وممّا لفت الفسابكة في الأرشيف المكتشف حديثاً أيضاً، صورة لراقصات بزيّ ليلكي وذهبي، أمام أعمدة معبد باخوس خلال &laqascii117o;مهرجانات بعلبك" العام 1970. كما تمّ تداول صورة لقطيع من الماعز في أحد الجرود، وبجانبها صورة من الجرد ذاته ربما، لما يبدو أنّه فرقة مقاتلين، ويعود تاريخ الصورتين إلى العام 1976. وفي الأرشيف صور عائليّة، لنساء يدخّن، ويرقصن، ويتصوّرن بأزياء تقليديّة، ولرجال يمارسون رياضة التزلّج، وصور عدّة من الثمانينيات لزوجة دياب، واسمها اعتدال، وهي تركض في حقل من شقائق النعمان، أو تحاول أن تخلّص سيّارتها من ثلوج متراكمة فوق بعلبك.
عرضت صور القرصيفي سابقاً ضمن إقامة فنيّة احتضنتها &laqascii117o;أشكال ألوان" في بيروت بين نيسان/ أبريل، وأيار/ مايو 2014، بعنوان &laqascii117o;أرشيف لبناني: حالمون رغم كلّ الصعاب". ربما اختارت دبروفسكا ذلك العنوان، لما لمسته في تلك الصور، من نبضٍ وحياة، بالرغم من أنّ معظمها التقط في أوج الحرب الأهليّة. ذلك أرشيف لزمن مضى، كانت صور المآتم والأحزان والمعارك تحفظ في ألبومات من ورق ونايلون، وحقائب جلديّة، ولا ترمى للمتفجّعين يتناتشونها على &laqascii117o;تويتر".
المصدر: صحيفة السفير