نور أبو فرّاج
في ظهيرة 11 أيلول/ سبتمبر قبل أربعة عشر عاماً، قطعت جميع محطات التلفزيون العالمية بثها، لتعرض مشاهد عاجلة لسقوط برجي مركز التجارة العالمي وسط نيويورك. حدثٌ غيّر وجه العالم، ورسم ملامح توجه إعلامي أميركي جديد قوامه 'التخويف من الإرهاب'.
واليوم تستنفر قنوات الإعلام الأميركي مجدداً، استعداداً لإحياء ذكرى الواقعة. كلّ ما في التغطية الإعلامية يهدّد المشاهد بأنه قد يكون &laqascii117o;الضحية القادمة للإرهاب". وبرز في الأيام الماضية توجّهان زمنيان واضحان في التعامل مع الذكرى.
يتمثّل التوجّه الأوّل في النظر نحو الماضي، واسترجاع جميع تفاصيل الحدث، كما لو أن التفجير حصل للتو. هنا يكفي استعراض قائمة التقارير التي أعدتها 'سي أن أن' تحت عنوان 'أميركا تتذكّر 11 سبتمبر'، قدمت عبرها لمحات شخصية مؤثرة، لعدد من ضحايا الانفجار أو المتطوعين الذين ساهموا في عمليات الإنقاذ. كما عرضت القناة تقارير موسّعة حول 'متحف 11 سبتمبر' الذي 'حوّل المأساة إلى ذكرى خالدة'، وحول 'المسلمين الذين يعيشون في الخوف منذ 11 سبتمبر'، كما لو أن القناة تختار 'نوع الخوف المناسب للشريحة المناسبة'. تتسم كل تلك التقارير بشحنة عاطفية عالية، حتى لا يكاد يخلو أحدها من الأمهات الباكيات، أو من صور الضحايا عندما كانوا مفعمين بالحياة 'قبل أن تختطفهم يد الإرهاب'.
يتخذ التوجه الإعلامي الثاني من الذكرى محطةً، لرسم صورة المستقبل الغائم والمهدد بخطر 'داعش'، بحيث تصبح التفجيرات مجرّد ذكرى مشوشة أمام الخطر القادم. ومن الأمثلة على ذلك، تصريح مذيع 'فوكس نيوز' شون هانتي بأنّه يعتقد أن '11 سبتمبر آخر على وشك الحدوث، قد يكون أكثر سوءاً'، أو مبادرة موقع القناة إلى نشر خبر حول تهديد 'داعش' بتفيذ هجوم على أميركا في ذكرى 11 أيلول، تمّت إزالته بعد وقتٍ قصير. ذلك ما دفع بعض المواقع الإلكترونية إلى مهاجمة القناة باعتبارها تثير الذعر و'تضرب بالمندل'. وفي السياق ذاته، يمكن تلمس حدّة النبرة التي تستخدمها 'فوكس نيوز' في التعاطي مع الرئيس الأميركي باراك أوباما باعتباره 'لا يقوم بما يكفي لحماية أمن أميركا'.
وللمزيد من الشحن العاطفي استضافت مذيعة القناة ميغان كيلي، وارد تشرشل، أحد المفكرين الراديكاليين المتطرفين الذي صرّح بعد 11 أيلول، بأنّ الموظفين الذين ماتوا في برجي التجارة العالميين لم يكونوا 'أبرياء بالكامل' مشبهاً إياهم بالنازيين. وفي تقديمها للقاء 'الحصري' معه، أشارت كيلي الى أن تشرشل يعلّم الشباب اليوم كيف يكرهون أميركا، قبل أن تهاجمه وتطالبه بالاعتذار عما قاله.
لا يمكن تفسير السبب الذي دفع 'فوكس نيوز' لاستضافة أحد ألدّ أعدائها، سوى باعتبارها محاولة لتجديد الحقد إزاء كل رافض للسياسات الأميركيّة، أو مشكك بأن للولايات المتحدة صلة بالتخطيط للعملية، خصوصاً عندما تَصدر تلك الاتهامات عن شخص متطرّف يظهر 'تشفياً بالموتى'، بحيث يغضب الجمهور ويعجز عن التأثير بهم.
يحاول الإعلام الأميركي هذا العام تثبيت الطابع الخالد لأحداث 11 أيلول، مستفيداً من 'داعش' التي حركت مياه الخوف من الإرهاب. هكذا تبقى الذكرى حدثاً إعلامياً لا يحدّ بمدة صلاحية، وقابلاً للاستخدام في كل زمن. وبالرغم من أن ذلك يشابه التوظيف المبتذل للمحرقة النازية، إلا أنه يبقى السيناريو الأقل خطراً هنا. لأنه وبمجرد ما تفقد أحداث 11 أيلول شحنتها العاطفية وتصبح مادة إعلامية قديمة وغير صالحة للاستعمال، سيضطر صنّاع القرار الأميركي لابتداع 'شماعة' جديدة، تشحن القلوب بمخاوف طازجة.
المصدر: صحيفة السفير