تحقيقات » الميديا الجديدة تهدد احتكار الشركات الأميركية سوق القارة العجوز

صوفيا ـ محمد خلف

&laqascii117o;هذه الخدمة غير متوافرة في بلادك!". هذه العبارة ظلت تثير حتى إلى ما قبل أسابيع مشاعر الامتعاض والمرارة لدى المستهلك الأوروبي الساعي للحصول على سلعة أو خدمة عبر الإنترنت في دول الاتحاد الأوروبي، في وقت كانت بروكسيل نجحت في بناء ســـوق أوروبــــية موحدة ورسخت حرية كاملة في انتقال رؤوس الأموال والأفراد والسلع عبر حدود الدول الـ 28 الأعضاء، بالإضافة إلى رسمها قواعد محددة تنظم سلسلة طويلة من الأمور الحيوية والمحورية الأخرى في حياة مواطني هذه البلدان الذين وجدوا في هذا النقص تناقضاً صارخاً لا يتماشى مع المبادئ التي قامت على أساسها هذه المنظومة.
تسببت التجزئة غير المبررة القائمة في السوق التجارية الإلكترونية في أوروبا في حرمان الشركات الأوروبية وكذلك الأفراد، وبالدرجة نفسها من استخدام الفضاء الافتراضي في التجارة الإلكترونية، وأبقته محصوراً في حدود كل دولة في شكل منفصل عن الأخرى، ما وفر لشركات الإنترنت الأميركية، ومنذ فترة للصينية أيضاً، فرصاً لتحقيق مستويات عالية من النشاطات والأرباح مقارنة بنظيراتها الأوروبية.

شكوك في سرعة التنفيذ

الآن، وبعد طول انتظار وترقب مشوب بالحذر، وضعت المفوضية الأوروبية أمام الرأي العام الأوروبي وخبراء الميديا وتكنولوجيا الاتصالات تفاصيل الاستراتيجية الأوروبية لإنشاء سوق رقمية موحدة. وتهدف المفوضية من وراء هذه الخطوة إلى اتخاذ إجراءات من شأنها أن تساهم في شكل جدي وحاسم في تحقيق انسجام في قواعد التجارة الرقمية على الإنترنت وتحديد حقوق الابتكار الرقمي وحماية المستخدمين بصورة تساهم في تسهيل استخدام التكنولوجيا الرقمية في الاتجار بالسلع والخدمات العامة. وقال نائب رئيس المفوضية أندروس أنسيب أن &laqascii117o;إنشاء هذه السوق سيمكن الاتحاد من تسجيل نمو اقتصادي إضافي يقدر بـ 250 بليون يورو"، وأضاف أن &laqascii117o;ثورة الاتصالات الرقمية الإلكترونية تأخرت في أوروبا على رغم أن مواطني هذه الدول ورجال الأعمال يتنقلون بحرية ويستثمرون أموالهم بسهولة في كل دول الاتحاد، وهو ما استدعى الإسراع بربط خدمات القطاع التجاري رقمياً أيضاً".

ويشار إلى الأعمال التجارية الإلكترونية بمصطلح (e-Bascii117siness) وهي تشمل كل النشاطات الإلكترونية: التسويق الإلكتروني – الاتصالات الإلكترونية ومن بينها البريد الإلكتروني والدفع الإلكتروني وتبادل المنتجات والخدمات بين الشركات والجماعات والأفراد". ووفقاً للخبراء فإن &laqascii117o;التجارة الإلكترونية تركز على استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتمكين الشركات من الاستفادة من النشاطات والعلاقات الخارجية مع الأفراد والجماعات والشركات الأخرى".

وظهر مصطلح الأعمال الإلكترونية للمرة الأولى في عام 1996 في كتاب &laqascii117o;من يقول أن الأفيال لا تستطيع الرقص"، وقام المدير التــنفيذي السابق لـ &laqascii117o;آي بي أم" لويس غرستنر بربط هذا المصطلح باستخدام الإنترنت في التسويق والاتصالات.

وتقترح الاستراتيجية وضع قواعد تنظم الخدمات البريدية، والأمن الإلكتروني، وخطة لتطوير الإدارة الإلكترونية في هيئات الاتحاد الأوروبي ومؤسساته المختلفة، وبلورة نموذج أوروبي متميز، وتوحيد السياسات الضريبية.

وتتضمن الاستراتيجية 16 إجراء موزعة على ثلاث درجات هي: توفير فرص متساوية ومتكافئة أمام المستهلكين والشركات ورجال الأعمال للحصول على الخدمات الإلكترونية والسلع، وبناء بيئة وبنية تحتية رقمية مناسبة، واستخدام السوق الموحدة بحرية كاملة.

يتجسد طموح بروكسيل في توفير إمكانات جدية أمام شركات الإنترنت الأوروبية للتطور والتوسع بحـــيث ترتقي إلى مستوى منافساتها الأميركية مثل &laqascii117o;أمازون" و&laqascii117o;فايسبوك" أو &laqascii117o;غوغل". وفي عالم مثالي تتوافر فيه كل هذه الفرص سيســـتطيع أي مســـتهلك سواء أكان في رومانيا أو بلجيكا أو من أي دولة أخرى من الدول الأعضاء أن يشـــاهد على ســـبيل المثال أفلاماً يجري تبادلها في إطار برنامج مثل (NetFlix) في حال توافرها في أي دولة أخرى من دول الاتحاد ، أو يشـــتري حـذاء رياضياً أو أجهزة كهربائية وغيرها من أمازون وبأسعار واحدة في كل أوروبا. قوبلت هذه الاستراتيجية في شكل متباين بين دولة وأخرى، فهي من جهة ستساعد فعلياً في إنشاء بيئة عمل رقمية موحدة حقيقية، ولكنها من جهة أخرى من المحتمل أن تتسبب بقيود تضعها الشركات الأميركية التي حققت رسوخاً وثباتاً في السوق.

عدا ذلك لا تزال هناك الكثير من الأمور غير واضحة بما يكفي، ما سيؤدي عملياً إلى صعوبات في التطبيق. وينبه الخبراء إلى أن هذه الاستراتيجية مثل غيرها من الاستراتيجيات الأوروبية السابقة سيتطلب تحقيقها فترة طويلة قد تستمر لسنوات ما يجعلها تتعرض لتغييرات وتبديلات وتعديلات تفرضها &laqascii117o;لوبيات" مختلفة.

28 سوقاً

ويرى الخبراء الأوروبيون أن السبب الرئيسي الذي يجعل من الاتحاد الأوروبي منطقة ليس من السهل أن تنتشر فيها تجارة رقمية موحدة للسلع والخدمات هو أن أسواقها مجزأة، إذ تسري في الدول الـ28 الأعضاء تشريعات وقوانين متعددة ومختلفة لتنظيم محتوى وشكل حماية المستهلكين، وحقوق التأليف وبراءة الاختراع والابتكار، ونظام الضرائب، ما يفرض على شركات الإنترنت إنفاق الكثير من الأموال وتمضية مزيد من الوقت لكي تكون قادرة على الاندماج في السوق الموحدة.

تقترح بروكسيل فرض قواعد تنظم عمليات الشراء الرقمي بغض النظر عن السلع الافتراضية او الواقعية"، وتدعو الاستراتيجية الى توحيد التشريعات الخاصة بحماية المستهلكين بحيث تسري قواعد محددة وواضحة للاتجار الالكتروني على المستوى الاوروبي ككل، وبهذا المعنى فإن حقوق المشتري ستكون محمية قانونياً بغض النظر عن مكان وجوده في اطار الاتحاد او الدولة التي يتسوق منها رقمياً.

وتتضمن الاستراتيجية قواعد وضوابط محددة لتسهيل التجارة الالكترونية عبر الحدود، وتشتمل على مبادئ موحدة لعقد الصفقات، وحماية المستهلكين عند التسوق الالكتروني من دون اي تفريق بين السلع الافتراضية مثل ( e-Books) والبضائع والمنتجات المنقولة او المباعة في الاسواق العامة، وضوابط موحدة لحماية المستهلكين.

وقال انسيب: &laqascii117o;نريد ان يكون بمقدور الاوروبيين ان يتبضعوا من المواقع التجارية الاجنبية وهم في بيوتهم، وان تقوم الشركات الاوروبية بعرض بضائعها وخدماتها للزبائن الاجانب بالطريقة التي يعملون بها في بلدانهم". وتشير بيانات رسمية الى &laqascii117o;ان حجم التجارة الالكترونية في اوروبا عبر الحدود لا يشكل الان سوى 4 في المئة، ولكن 42 في المئة في الداخل، مقابل 54 في المئة اميركياً"، فيما يبلغ عدد الاوروبيين الذين يتبضعون رقمياً من دول اخرى من البلدان الاعضاء 15 في المئة فقط ، مقابل 44 في المئة من المواقع المحلية".

ورأت شركات التكنولوجيا الاميركية في هذه الاستراتيجية تهديداً ومحاولة من الاتحاد الاوروبي للتضييق على نشاطاتها وتقويض هيمنتها على التجارة الرقمية في اوروبا، حتى ان بعضها شرع في مواجهتها والتصدي لها، فقد حذر فايسبوك من عواقب قيام بروكسيل بفرض قيود في مجال التقنيات الرقمية. ونقلت جريدة وول ستريت جورنال" عن رئيس مجلس صناعة التقنيات الاعلامية ومقره واشنطن دين غارفييد قوله ان &laqascii117o;بروكسيل سترتكب خطأ كبيراً إذا وضعت عراقيل وتقييدات على التجارة الرقمية، لأن ذلك سيتسبب بعواقب مؤلمة على التجارة الرقمية الدولية والاستثمارات". وتضم هذه المنظمة شركات متخصصة عملاقة مثل غوغل ومايكروسوفت وفايسبوك.
المصدر: صحيفة الحياة

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد