تحقيقات » طلاب المرئي والمسموع يتنكرون لإعلامهم المحلي: سلاح منحاز.. يعاملنا كجَهلة

صحيفة السفير
جهينة خالدية

أسفل الشاشــات شرائط اخبارية تبطئ الخطى لتفسح لنظرنا مجال ملاحقتها. فشلنا في المرة الأولى.. لا نَقلق، هي تُعاد مرة ثانية وثالثة. فوق الشرائط أخبار عاجلة. فوق الأخبار العاجلة مذيع وأهواء محطة تتغير بحسب الخبر. في مكان ما في الشاشة شعار المحطة. هذه حياتنا الآن. هذه أيامنا هنا، داخل هذا المربع، يبث فينا أخبارنا أو أخبارا تعنينا. وغالبا أصبح يبث الينا أخباره، بلونه، بنكهته، بقالبه.
نفتح صدورنا كوعاء فارغ. نشرّع عقولنا كجرن جاهز لنمزج فيه برامج عدة. نتخيل أنفسنا كرسم كاريكاتوري، نُرسم كمستوعبات فتحت أغطيتها، لنُضخ بما شاء غيرنا من «معلومات».
قلة يسألون عن نوعها أو عن قيمتها، عن تطابقها مع شيء من معايير المهنية. يطلقون علينا تسمية «الجمهور» ويرددون «الجمهور عايز كده».
«هذا ليس ما نصت عليه مبادئ الإعلام التي تنضح بها مقررات الجامعات. وسائــل إعلامنــا تغني في أودية بعيدة عنا، بعيدة عما تعلمناه من مهنــية». هذه عيـّنة مما يراه طلاب «المرئي والمسموع» في جامعات خاصة ورســمية. كثير من هــؤلاء يصفـون المادة الإعلامية بأنها «منحازة أحيانا، ومبتورة لهدف أحيانا أخرى» وآخرون يؤمنون بشرعية هذا الانحياز، بقانونيته.. بضرورته.
لا يُسأل الجمهور، فلا أحد يفسح أمامه مجال للسؤال. «يزجوننا في محطاتهم ويدّعون اننا نريد ما يقدمون. لاإراديا، نصبح راغبين بما يريدون» تقول لينا حمادي الطالبة في الجامعة اللبنانية الأميركية. خسر الإعلام المرئي ثقة لينا: «أنفر من المشاهدة. ما يبث أمامي مزيج من التناقضات. لا أصدقها». تدرك لينا ذلك لأنها تعلم كواليس ما تراه: كيف تقطـّع مشهداً، كيف تخدع بالتلاعب بالعدسات، كيف تقطع تصريحاً عند منتصف الجملة «كله يُطبق في محطاتنا المحلية، وإن بدرجات، وهذا كله ينومنا مغناطيسيا، لدرجة أننا نصدقهم».
«المجال المخادع» هذا، هو سوق العمل الذي من المفترض أن تتوجه اليه لينا، لكنه ليس ما تطمح اليه فعلا. تختم لينا كلامها: «الإعلام اللبناني بين الأكثر شهــرة فـي العالم العربي، «نصدّر» أمهر الإعلاميين، ولكن للأسف إعلامنا يشوه صورة هذا البلد ويكرهّنا فيه».
يتعارض كلام لينا تماما مع مبادئ يمنى، الطالبة في كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية، والتي تختار لنفسها اسما مستعارا لأنها تعمل في قناة خاصة بتوجه محدد. الإعلام اللبناني حسب يمنى يمثل «صورة بلدنا، وهو الذي يصدر قضايانا الى الخارج، ويساهم في كسب مؤيدين لقضايا قومية وإقليمية».
تسأل يمنى كمن يناقش نفسه «هل يحق للإعلام أن يُظهر ميوله بهذا الوضوح؟ الاعلام محرك كل القضايا الداخلية، وإن لم نضعها في قالب معين، تصبح خبَرية، بلا نكهة، ولا تكسب مناصرة من تخاطبه المحطة».
اختلف تفكير يمنى تماماً اليوم بعد دخولها سوق العمل: «في الجامعة، يوضح الأساتذة معاني الموضوعية، ولكن من الطبيعي انهم كمدرسين، يرفضون فكرة أن نكرّس الإعلام للوصول الى غايات نراها محقة. الإعلام مجال غير صادق كليا، لأنه يتقولب عند الضرورة».
لا أحد يحدد «الضرورة» هذه. يمنى تراها بعين، وسارة الشل، طالبة الماجستير في كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية، لا تراه ولا تقتنع به. ولكن بما أن أفكار سارة تبدو مثالية جدا هنا، تجدها تتحدث عن «ذكاء في الانحياز الإعلامي» أي بمعنى آخر: «الموضوعية والمصداقية في نقل الأخبار تندران أو تتفاوتان في كل العالم، ولكن في القنوات العالمية، يلجأون الى تمرير الرسـائل والأهداف من خلف الستار. ولا يدفعوننا لننفر منهم. قد يقولبون الخبر، ولكن بذكاء، ولا يجعلونه في صدارة مقدمة النشرة». من جهة ثانية تقول سارة: «تقع القنوات المحلية وحتى الفضائيات الإخبارية بأخطاء تقنية فادحة، لا يلاحظها المشاهد العادي». ولكن طوال سنوات الدراسة، سعى أساتــذة سـارة الى تقديم أمثلة عن تقارير تَغرق في أخطاء «المنتجة»، والترتيب الزمني المتداخل للتقــرير: «لا نتنــبه دوما لهذه الأخطاء، وبتنا نظن أن درجة حرفية القنوات العربية بلغت حد العالمية.. وهذا غير دقيق».
الأخطاء الأخرى التـي ترتكب أمامنا على الشاشة، برأي ريتا ساسين خريجة الإعــلام والـتواصل في جامعة القديس يوسف، قد يكون سببها «عدم التنسيـق بين مواد التــدريس وبين أرض الواقع، والاعتماد أكثر على المقرارات الشفوية، بدل تدريب الطالب على التواصل مع الشارع». تقول ريتا أن دراسة الإعلام تبدأ من الشارع، 10 في الصف، و90٪ تدريب في المؤسسات على الأرض.. وهذا مغاير نسبيا لما نجده في جامعتنا».
ماذا عن إعلام اليــوم؟ لمــن يعطى الهواء؟ نســأل ريـتا: «يعطى لفئات كثــيرة، آخرها خريج الإعلام المحترف، لعارضة الأزياء، لوجه جميل، لشخصية تمتلك دفتر هواتف «ضخما»، وعلاقات عامة وصداقات لتقدم برنامجا سياسيا».
هو «إعلام غسل الدماغ»، برأي طالب الماجستــير (إعـلام وتواصل) في جامعة القديس يوسف، كمــال مكـي. وإعلام يعاملنا كأغبياء ويلعبها «على المكشوف». إعلامنا بكلمة حسب كمال «غبي».

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد