- صحيفة 'السفير'
وسام متى
عصر الحادي عشر من شباط 2011، دخل عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية اللواء إسماعيل عثمان بصحبة رئيس قطاع الأخبار في التلفزيون المصري عبد اللطيف المناوي، إلى استوديو الهواء في مبنى الإذاعة والتلفزيون (ماسبيرو). وكان يحمل في جعبته خطاب تنحي الرئيس حسني مبارك، الذي صوّرته إدارة الشؤون المعنوية في المجلس العسكري، وأذاعه نائب الرئيس عمر سليمان. سلّم اللواء عثمان الشريط للمناوي الذي طلب بدوره من المخرج إذاعته مرّة واثنتين وثلاثاً، وسط بكاء إحدى العاملات في غرفة التحكم المكتظة بالموظفين.
كان ذلك مؤشراً على أنّ الإعلام الرسمي قد انتقل، ضمن أجهزة الدولة الأخرى، من يد الحزب الوطني الذي حكم مصر لأكثر من 30 عاماً، إلى يد الحكام الجدد &laqascii117o;المؤقتين"، المشكّلين من جنرالات المجلس العسكري.
قبل ذلك بأيام، كان &laqascii117o;ماسبيرو" الأداة الإعلامية التي استخدمها نظام مبارك للتحريض على الثوار في ميدان التحرير، ليتحوّل بعد الحادي عشر من شباط، إلى &laqascii117o;السلاح الأقوى في يد المجلس العسكري"، على حدّ وصف مجلة &laqascii117o;تايم" الأميركية. ما تبدّى خلال الأشهر الستة عشر لـ&laqascii117o;المرحلة الانتقالية" التي يفترض أن تنتهي غداً، بتسلّم الرئيس الجديد محمد مرسي مقاليد الحكم، بصلاحيات يشاركه فيها العسكريون.
وعلى مدار المرحلة الانتقالية، تماهى خطاب الإعلام الحكومي مع خطاب المجلس العسكري، وقد ظهر ذلك بوضوح من خلال الإفراط في استحضار &laqascii117o;الفوضى الأمنية" و&laqascii117o;توقف عجلة الإنتاج"، وتحميل الثوار مسؤولية ذلك، وصولاً إلى تكريس صورة &laqascii117o;الثوري البلطجي" في أذهان العامة. لكنّ الأخطر من ذلك كمن في تحوّل الإعلام الرسمي، في لحظة ما، إلى أداة للتحريض على الفتنة الطائفية، وهو ما حدث بوقاحة خلال &laqascii117o;مجزرة ماسبيرو"، حين خرجت إحدى المذيعات لتدعو الناس للنزول إلى الشارع &laqascii117o;لحماية الجيش من هجمات المسيحيين".
أمّا الإعلام الخاص فقد شهد منذ سقوط نظام مبارك تطوّرات مثيرة للانتباه، خاصة لجهة توسعه الأفقي، وهو ما تبدّى في تأسيس العديد من الفضائيات خلال الأشهر الماضية (أبرزها قنوات &laqascii117o;التحرير" و&laqascii117o;سي. بي. سي." و&laqascii117o;مصر 25"). كما لوحظ في أدائه توسّع عمودي، لجهة ارتفاع سقف الكلام السياسي في تلك الفضائيات، واتخاذ البرامج الحوارية فيها جرأةً لم تكن مألوفة في عهد مبارك (يمكن الحديث على سبيل المثال لا الحصر عن برامج &laqascii117o;آخر كلام" ليسري فودة، و&laqascii117o;بلدنا بالمصري" لريم ماجد على &laqascii117o;أون. تي. في"، و&laqascii117o;بهدوء" لعماد الدين أديب على &laqascii117o;سي. بي. سي."، و&laqascii117o;في الميدان" خلال انطلاقته الأولى على &laqascii117o;التحرير").
لكن، ما عاب الإعلام الخاص خلال الفترة الماضية، هو أنّه كان انعكاساً لحالة السيولة والضبابية التي شهدتها مصر منذ انطلاق الثورة. ما تبدّى في التغطية الإعلامية المرتبكة للجولة الثانية من انتخابات الرئاسة، على الرغم من تسجيلها سابقة نوعية من خلال المناظرة الشهيرة بين المرشحين عمرو موسى وعبد المنعم أبو الفتوح. فترصد دراسة صدرت مؤخراً عن &laqascii117o;مركز القاهرة للإعلام والتنمية" أداء الإعلام المصري خلال مرحلة الإعادة. وتسجل الدراسة على وسائل الإعلام مجموعة من المآخذ أبرزها:
ـ الارتجال والفوضى وعدم الموضوعية (خصوصاً قبل إعلان نتيجة الانتخابات).
ـ الاهتمام بالإثارة والتوجيه وعدم تقديم ما يفيد الناخب.
ـ الابتعاد عن التوازن والموضوعية في تناول شخصيات المرشحين.
ـ ظهور الميول والاتجاهات الخاصة للإعلاميين من خلال توجيه الحملات الإعلامية واختيار الضيوف والمصادر الإعلامية.
في المقابل، لا يخفى أنّ بعض الفضائيات تحوّلت إلى أداة لمشروع &laqascii117o;الثورة المضادة"، بشقّيها &laqascii117o;الفلولي" ـ نسبة لـ&laqascii117o;فلول" الحزب الوطني المنحل ـ والإسلامي. فاتخذت بعض الفضائيات &laqascii117o;الفلولية" موقفاً صريحاً في معاداته لشباب الثورة، وخصوصاً &laqascii117o;شباب 6 إبريل" (قناة &laqascii117o;الفراعين" نموذجاً)، كما باتت الفضائيات المحسوبة على التيار السلفي منبراً للتشهير بالثوار والرموز الوطنية (يذكر على سبيل المثال الحملة التي شنتها بعض القنوات الدينية على الدكتور محمد البرادعي). وهنا، لا بد من التذكير بأنّ خطابي فضائيات &laqascii117o;الفلول" والسلفيين، بدوَا متقاربين في العديد من المحطات، لعلّ أبرزها تجلّى في التعامل مع واقعة تعرية الفتاة من قبل الجنود المصريين في ميدان التحرير، خلال أحداث مجلس الوزراء (كانون الأول 2011).
ومع انتهاء المرحلة الانتقالية وبداية مرحلة محمد مرسي، يبقى السؤال مطروحاً حول مستقبل الإعلام المصري، بشقيه الخاص والحكومي.
ومن الواضح أن الإعلام الخاص ـ المعارض لـ&laqascii117o;الإخوان المسلمين" تحديداً ـ يتعامل بحذر مع فوز مرسي. ويتبدّى في البرامج الحوارية التي تعرضها هذه القناة أو تلك، أنّ ثمة ميلاً لعدم الدخول في مواجهة سريعة مع الرئيس المنتخب، والحرص في الوقت ذاته على عدم خلق &laqascii117o;فرعون جديد".
أمّا الإعلام الرسمي، وفي ظلّ ضبابية المشهد السياسي الذي ينتظر مصر خلال المرحلة المقبلة، فإنّ أداءه سيبقى من دون شك رهناً بما ستكون عليه العلاقة المعقّدة بين الرئيس المنتخب وجنرالات المجلس العسكري.