- صحيفة 'السفير' علي محروسيصعب التصور أن واحداً وخمسين عاماً مرت على إنشاء التلفزيون المصري الرسمي، لم يفكر خلالها أي نظام وأي حكومة مصرية في مخاطبة الشعب مباشرة وبانتظام عبر شاشة 'ماسبيرو'. مر أكثر من شهر على بدء تنفيذ الاقتراح الذي تقدّم به ائتلاف شباب الثورة إلى رئيس الوزراء المصري عصام شرف. فها هو شرف - الذي جاء بإرادة ميدان التحرير - يطل في السابعة من مساء كل إثنين، على الجمهور الواسع، يلقي كلمة لا هي بالمختصرة ولا بالمطوّلة. في أقل من نصف ساعة يشرح – كغيره من المسؤولين في الدول الديموقراطية – ما تم إنجازه وما تطمح الحكومة إليه. يطمئن الناس، ويشجعهم، يطالبهم وينبّههم، ويجيب على الأسئلة التي طرحها الرأي العام خلال الأيام السبعة. لم يفكر أي نظام سابق في الحديث مباشرة وبانتظام إلى الشعب، على الرغم من أن رموز تلك الأنظمة ظلت حاضرة يوميا في صدارة نشرات الأخبار المعهودة: 'استقبل وودّع'. ربما انفجر مفاعل نووي في الاتحاد السوفياتي، أو سقط مكوك فضائي في المحيط، أو ابتلعت الأرض سكان مدينة، لكن ذلك وغيره وأهم منه يأتي دائماً بعد خبر الرئيس، وقرينة الرئيس، وفيما بعد نجل الرئيس. يخاطب شرف المصريين أسبوعياً، فإذا بالنظام الجديد يكتشف أن ذلك التواصل المنتظم لا يقلّ أهمية في حفظ الأمن الاجتماعي عن أرتال من سيارات البوليس ومئات الوعود بالرخاء المنتظر. وكان طريفاً مراقبة كيف تطورت تلك الكلمة الأسبوعية حتى على مستوى الصورة. في المرة الأولى سجل شرف كلمته ثم تأخر بثها حتى أقلق الناس، لكنها أذيعت بتأخير بعد أن كشف السر، فرئيس الوزراء وجد أن 'الديكور' رسميّ أكثر من اللازم، فأعاد تسجيلها في صورة أكثر أريحية وبساطة. في البداية كانت الكلمة جامدة أشبه بالخطط الرسمية، وتدريجياً أصبحت أكثر مرونة. بدت كمؤتمر صحافي لكن من دون صحافيين، في مانشيتات الصحف الساخنة على مدار الأسبوع ما فيه الكفاية لملء جدول الكلمة، يعلق شرف على الأحداث فيشعل أسئلة جديدة يجيب عنها في الأسبوع التالي.. هكذا لا ينسى الناس الذين أتعبهم الفراغ الأمني أن هناك حكومة، وأن هذه الحكومة تعمل. هل تنتقل التجربة إلى دول/ تلفزيونات عربية أخرى؟ يبدو هنا أنها تجربة تتخطى مجرد القابلية للتنفيذ، وإنما تعكس نظرة النظام للشعب. في ذلك الظهور الأسبوعي للمسؤول نوع من الاعتراف بحق الناس في أن تسأل وأن تتلقى إجابة. جاء شرف بإرادة الناس فأطلّ عليهم بوجه المدين لهم، لكن بقية الوزراء العرب ليسوا مدينين بعد إلى الشارع. علي محروس