- صيحفة 'السفير'
زاهرة حرب
احتلّت حرية الصحافة في بريطانيا حيزاً واسعاً من التغطية الإعلامية البريطانية في الأيام القليلة الماضية، مع اتفاق الأحزاب السياسية الرئيسية في البلاد، المحافظين والعمال والليبراليين الأحرار، على مسودة مشروع يعرف &laqascii117o;بالميثاق الملكي لتنظيم مهنة الصحافة المكتوبة". أعلن عن مسودة الميثاق يوم الجمعة الماضي، بعد ثلاثة أيام من النقاشات المغلقة بين نواب يمثلون الأحزاب الثلاثة، قادتها وزيرة الثقافة في حكومة الائتلاف ماريا ميللر. يأتي ذلك بعد اخذ ورد وجدل استمر ما يقارب العام، أعقب صدور تقرير القاضي لفيسون الشهير، بعدما ترأّس تحقيقاً في درجة التزام الصحافة البريطانية بأخلاقيات المهنة، عــقب فضيحة التنصّت التي أدّت إلى إقفال صحيفة &laqascii117o;نيوز أوف ذا وورد" صيف العام 2011.
دعا لفيسون في تقريره إلى ضرورة إيجاد آلية تنظّم وتضبط عمل الصحافة المكتوبة، وتضمن للمواطنين حق مقاضاة الصحف أمام لجنة تحكيمية خاصة في حال إلحاق الضرر بهم معنوياً أم مادياً. وعد أصحاب الصحف بدرس الميثاق الجديد درساً معمّقاً، لكن العديد منهم أبدوا عدم ثقتهم بميثاق يخطه سياسيون. أعلنوا أنّ ذلك التدخّل خرق جوهري لحرية الصحافة، ففي بلد مثل الولايات المتحدة يعتبر تدخل السياسيين في شأن كهذا خرقاً للدستور. وذهب بعض أصحاب الصحف وفي طليعتهم الصحف التابعة لروبرت مردوخ، &laqascii117o;صن" و&laqascii117o;ذا تايمز" و&laqascii117o;صندي تايمز"، إلى إعلان رفضهم لميثاق يضعه سياسيون، وسعيهم لتقديم ميثاق بديل يلتزم بجوهر ما أقره لفيسون في تقريره في أقرب فرصة ممكنة.
وزيرة الثقافة في حكومة الائتلاف ماريا ميللر، ووزيرة الثقافة في حكومة الظل هارييت هيرمن تمنيتا على أصحاب الصحف عدم التسرع برفض المشروع، ودرسه بتأنٍّ. وأعلنتا كل على حدة، أنّ اللجنة المكلفة أخذت بعين الاعتبار كلّ الاعتراضات على توصيات لفيسون. من أهم تلك التعديلات أنّه على المواطنين دفع رسم من اجل التقدم بطلب تحكيم ضد صحيفة ما، خوفاً من أن يستسهل المواطنون جر الصحف إلى محاكم التحكيم بحق أو من دون حق. أعطى الميثاق الجديد للمؤسسات الصحافية نسبة تمثيل أكبر، في لجنة خط ميثاق جديد لمعايير وأخلاقيات مهنة الصحافة المكتوبة. وسمح للصحف المحلية والمناطقية بالانسحاب من التحكيم إذا شعرت المؤسسة بأنها لن تستطيع تحمل الأعباء المادية للتحكيم. ويحدّد الميثاق المقترح ضرورة أن يحظى أي تعديل يطرح في البرلمان، بأكثرية ثلثي الأعضاء ما يجعل إمكانية تعديله أمراً صعباً.
مجموعة &laqascii117o;هاكد أوف" التي تقود حملة لصحافة حرة ومسؤولة في بريطانيا، وتمثل العديد من المواطنين الذي تضرروا من انتهاكات وإساءات بعض الصحف لهم في قضايا مثل التنصّت الهاتفي، رحبت بمشروع الميثاق. واعتبر مدير الحملة البروفسور براين كاثكارت أن الحملة ومن تمثلهم من ضحايا ابتزاز الصحف، تعتبر أنّ الميثاق يضع نهاية للجدل الذي بدأ مع صدور توصيات لفيسون. وقال إن هذا الميثاق بداية &laqascii117o;لعهد جديد يكون فيه المواطن محمياً من انتهاكات مارستها وتمارسها بعض الصحف، ما استدعى التحقيق الذي قاده لفيسون".
وكان آخر الانتهاكات الحملة التي قادتها &laqascii117o;ديلي ميل" ذات التوجه اليميني على والد رئيس حزب العمال أد ميليباند، رالف، معنونة ان أفكاره الماركسية جعلته &laqascii117o;كارها لبريطانيا". رئيس تحرير &laqascii117o;ديلي ميل" بول ديكر اعتبر أن ردة فعل ميليباند كانت المحرض لتوافق السياسيين على إصدار مشروع الميثاق، رافضاً الاعتذار عما جاء فيه او عن العنوان الذي تصدره. &laqascii117o;ديلي مايل"، كباقي الصحف ذات التوجه اليميني مثل &laqascii117o;ديلي تلغراف"، كانت قد شنت حملة على كل المنادين بتدخل الدولة لإصدار تشريعات تضبط عمل الصحف، وتحددّ المعايير المهنــية والأخلاقية لعملها وعمل صحافييــها. واعتــبرت ذلك بمــثابة انصيــاع لأفــكار يســـارية تبغي الحد من حرية الصحافة بجعل الدولة وصيّة عليها.
اللجنة المكلفة وضع مسودة الميثاق الملكي لتنظيم عمل الصحف أمهلت أصحاب الصحف حتى الثلاثين من تشرين الأول الحالي للردّ قبل أن يعرض أمام المجلس المكلف التصديق عليه، ليصبح فاعلاُ ونافذاً. ويغرم من لا يلتزم به أموالا تجعل عدم الالتزام به امراً صعباً. يعتبر معظم المحلّلين أن هذا ما جنته الصحف البريطانية على نفسها. مراقبون عديدون، ومنعم صحافيون مخضرمون، كانوا ينادون بضرورة إيجاد آلية لها سلطة تنفيذية أقوى من سلطة لجنة تلقي شكاوى المواطنين ضدّ الصحف، القائمة حالياً، التي ليس لديها سلطة فرض أي قرار تأخذه بحقّ صحيفة معينة.
السجال مستمر ومحوره هل يعتبر تدخل الدولة مباشرة في المساهمة بوضع آلية ضبط عمل الصحف استهدافاً لحرية الصحافة أم رعاية لها؟ الأهم في كلّ هذا النقاش انه في بلد مثل بريطانيا يبقى الحوار سيد الموقف ويبدو أن الجميع مدرك أهمية إيجاد آليات جديدة، لكن السجال حول ضرورة إيجاد آلية لها طابع تشريعي أم لا سيبقى مفتوحاً. وقد يكون الثلاثون من الشهر الحالي، موعداً ليتحدد ما إذا كانت النظام الإعلامي في بريطانيا بدأ يحيد بنفسه عن النظام الإعلامي الليبرالي الحر الممارس في الولايات المتحدة، ويتجه نحو نظام أكثر مسؤولية وحماية للمواطنين كالذي تطبقه دول أوروبية مجاورة مثل الدول الاسكندينافية.