- صحيفة 'السفير'
نادين شلق
مع كلّ فضيحة إعلاميّة تمسّ حكومة إحدى الدول الكبرى، تتكشّف ممارسات تصب الزيت على نار التناقضات في أنظمتها الحاكمة. فـ&laqascii117o;مستودعات الديموقراطية" احتكرت لنفسها &laqascii117o;حرية" وضع القيود على الحريّة، وباتت تحترف اختلاق الحجج لعرقلة العمل الإعلامي، بهدف ترويضه وإخضاعه. آخر الخروق في هذا الإطار، كان التحقيق مع رئيس تحرير صحيفة &laqascii117o;ذا غارديان" آلان راسبريدجر، أمام اللجنة البرلمانية للشؤون الداخلية في 3 كانون الأول الحالي. واستمعت اللجنة البريطانيّة لأقوال راسبريدجر، حول تفاصيل نشر سلسلة التقارير الشهيرة، حول تسريبات إدوراد سنودن، المستشار السابق لدى &laqascii117o;وكالة الأمن القومي الأميركيّة". مجريات جلسة الاستماع إلى راسبريدجر، تطرح عدّة تساؤلات حول سوء الفهم السائد بين الحكومة البريطانية وإحدى أعرق صحفها، ومدى ترابط ذلك بالسجال حول &laqascii117o;مكافحة الإرهاب" و&laqascii117o;الأمن القومي"، في مقابل حرية التعبير ونقل المعلومات.
يأتي التحقيق مع راسبريدجر، كفصل جديد من فصول الفضيحة التي فجّرها إدوارد سنودن. فقبل ستة أشهر، بدأت &laqascii117o;ذا غارديان" و&laqascii117o;ذا واشنطن بوست" بنشر سلسلة التقارير حول التجسّس الذي مارسته الوكالة، والجهاز البريطاني النظير لها، على ملايين المكالمات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي، تبعتها في ذلك صحف عدة كان من بينها &laqascii117o;نيويورك تايمز" الأميركية. أثارت تلك التـــــسريبات موجــــة ردود فعل دولية ضخمة، بسبب خطورة المعلومات المسربة، التي أثبتت نظرية &laqascii117o;الأخ الأكبر".
يكشف جرّ راسبريدجر إلى القضاء، عن انتهاج الحكومة البريطانيّة لطرق جديدة، بهدف ثني الإعلام عن القيام بمهمته التي تتمحور حول &laqascii117o;الحق في الحصول على المعلومات"، كما قال الصحافي خلال استجوابه الذي امتدّ لساعة من الوقت. وُجّهت إلى راسبريدجر أسئلة لا يُفهم إن كانت خدعة ما، أو مجرد دوران في حلقة مفرغة. خرج إليه أحد أعضاء اللجنة بـ&laqascii117o;استفسار" أقرب ما يكون إلى الاستفزاز: &laqascii117o;هل تحب وطنك؟" ووصل برلماني آخر إلى حدّ الإشارة إلى أنه يمكن التعاطي مع قضية &laqascii117o;ذا غارديان" على أنها &laqascii117o;خرق لقانون مكافحة الإرهاب". حاول راسبريدجر إعادة أجواء جلسة الاستجواب إلى نصابها الإعلامي الصحيح، مذكراً أعضاء البرلمان البريطاني الموجودين أمامه، بأنّ حبه لوطنه لا يتعارض مع الحرية والديموقراطية، ولكنّه يتطابق مع مهمة الإعلام وحق الناس في تلقّي المعلومات. وأكّد راسبريدجر أنّ ما يتعرض له، لا يندرج إلا في خانة التهديدات والضغوط المنظمة التي مورست وتمارس على &laqascii117o;ذا غارديان" بهدف منعها من نشر معلومات مثيرة للاهتمام. ومن بين تلك الضغوط، دهم مكاتبها سابقاً، لإجبارها على تلف وثائق سنودن، واعتقال دافيد ميراندا صديق الصحافي غلن غرينوالد الذي كشف القضيّة.
أوضح راسبريدجر أنّ ما نشرته صحيفته، لا يشكلّ سوى واحدٍ في المئة من الوثائق التي حصلت عليها. وأشار إلى أنّ مسؤولين في الولايات المتحدة وبريطانيا أكّدوا له &laqascii117o;شخصياً"، أنّه لم يكن هناك أيّ &laqascii117o;تأثير سلبي على الأمن القومي". إلا أنّ أعضاء اللجنة البرلمانية كانوا ينتقلون من سؤال إلى آخر بطريقة سلبيّة، وقد وصل بعضهم إلى حدّ القول إنّ المشكلة لا تكمن في المقالات التي نشرتها &laqascii117o;ذا غارديان" ولكن في نقل المعلومات من دون تنقيحها إلى صحيفة &laqascii117o;نيويورك تايمز" الأميركية، الأمر الذي يشكل &laqascii117o;جريمة بموجب قانون مكافحة الإرهاب"!
الصحافي كارل برنشتاين كاشف فضيحة &laqascii117o;ووترغايت"، كتب رسالة مفتوحة إلى راسبريدجر نشرتها &laqascii117o;ذا غارديان"، وقال فيها إنّ استجوابه كان &laqascii117o;خبيثاً بشكل خطير"، ومحاولة لتحويل الاهتمام عن القضية الأساسية أي التجسّس. كما نشرت الصحيفة أيضاً مقالاً للأكاديمي في &laqascii117o;جامعة سيتي" روي غرينسلايد قال فيه إنّ الصحافة في بريطانيا تحرَّرت من السيطرة السياسية منذ القرن السابع عشر للميلاد، متسائلاً عن السبب الذي قد يدفع البرلمان إلى استجواب رئيس تحرير صحيفة ما، في وقتنا الحالي! مؤكداً على أنّ مهمّة الصحافة هي، أوّلاً وأخيراً، &laqascii117o;الكشف عن الحقيقة، بهدف إعلام الجمهور".