صحافة دولية » القنوات الأميركية تقصي من لا يلتزم تلميع إسرائيل

سناء خوري

خلال فترة زمنيّة لا تزيد عن 24 ساعة، سحبت مؤسستان إعلاميّتان أميركيّتان، مراسليهما من غزّة. لم يكن السبب تقصيراً، بل تجاوزهما لبعض الحدود.
مساء الخميس/ الجمعة، تبلّغ مراسل 'أن بي سي' أيمن محي الدين من إدارة القناة، ضرورة مغادرته القطاع. جاء ذلك بعد نشره سلسلة تغريدات، وثّق فيها مشاهداته للمجزرة التي أودت بحياة الأطفال إسماعيل، وزكريا، وعاهد، ومحمد بكر، على شاطئ غزّة. وثّق محي الدين صدمة أقارب الأطفال وحزنهم، في تغريدات وصور عبر حسابيه على 'تويتر' و'إنستغرام'. ربما تخطّى بذلك حدود التعاطف المسموح بها، مع الفلسطينيين.
صباح الجمعة، انضمّت مراسلة 'سي أن أن' في غزّة ديانا ماغنيه إلى زميلها، وتبلّغت القرار بنقلها من فلسطين إلى موسكو. من على إحدى هضاب مستوطنة سديروت، صوّرت المراسلة سقوط صاروخ إسرائيلي على القطاع، ونقلت ذلك بشكل مباشر عبر شاشة 'سي أن أن'، أمس الأوّل. مشاهدو القناة تمكّنوا من سماع صيحات التهليل التي أطلقها مستوطنون تواجدوا في المكان ذاته. لاحقاً، غرّدت ماغنيه معلنةً أنّ هؤلاء هدّدوها، في حال تفوّهت 'بأي كلمة غلط'، واصفةً إيّاهم بالحثالة. بعد عشرين دقيقة، أزالت ماغنيه التغريدة، لكنّها لم تنجُ بفعلتها. إذ أنّها تخطّت حدود الغضب المسموح بها، من الإسرائيليين.
اختارت 'أن بي سي' أن تعطي عقوبتها لأيمن محي الدين، قالباً إدارياً، إذ طلبت منه مغادرة القطاع 'خوفاً على سلامته'. لكنّ القناة كانت أقلّ قلقاً على سلامة مراسلها ريتشارد إنجل الذي يواكب الحرب من الجانب الإسرائيلي. إذ أنّها كلّفته بالانتقال من تل أبيب إلى غزّة. أثار هذا الاستبدال غير المبرّر، غضب زملاء محي الدين في 'أن بي سي'، وفي وسائل إعلام أخرى، خصوصاً أنّه يتمتّع بخبرة واسعة، بعدما واكب حربي 2008/2009، و2012. كما أنّه يتميّز بنشر صور وأشرطة فيديو حصريّة، عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي. وأطلق متابعو محي الدين وزملاؤه حملةً للتضامن معه، عبر وسم Let Ayman Report (دعوا أيمن يراسل)، أشادوا عبره بعمل المراسل، واحترافيّته. كما تناقلوا 'بوست' أزاله محي الدين عن صفحته على 'فايسبوك' ، جاء فيه: 'أعلن المتحدّث باسم وزارة الخارجيّة الأميركيّة الآن، أنّ 'حماس' مسؤولة عن مقتل الأطفال الأربعة، والذين تتراوح أعمارهم بين 9 و11 عاماً، لأنّها لم تقبل وقف إطلاق النار. حلّل وناقش'. الصحافي الأميركي الشهير غلن غرينوالد، خصّ محي الدين بمقالة نشرت في مجلّة 'ذا إنترسبت'، قال فيها إنّ تغطية المراسل الأميركي المصري للحرب خلال الأيّام الماضية، كانت 'أكثر توازناً وإنصافاً من التغطية المنحازة لإسرائيل السائدة في الإعلام الأميركي'. الأكيد أنّ 'أن بي سي' لم تعلن عن وجود علاقة مباشرة بين تغطية أيمن محي الدين، وكفّ يده عن الملفّ الفلسطيني حالياً. مع العلم أنّه واحد من أبرز نجوم القناة، وقد اختارته مجلّة 'تايم' العام 2011، بين الشخصيّات المئة الأكثر تأثيراً في العالم.
من جانبها، كانت 'سي أن أن' واضحةً في سبب نقل دياينا ماغنيه من غزّة إلى موكسو. إذ اعتذرت متحدّثة باسم القناة في بريد نشرته الصحف الأميركيّة أمس، عن تغريدة المراسلة التي وصفت فيها المستوطنين بالحثالة، وقالت إنّها جاءت نتيجة ردّة فعل غاضبة من قبلها. وأضافت: 'إنّها تشعر بندم عميق على استخدامها تلك اللغة، الموجّهة بشكل مباشر ضدّ المجموعة التي هدّدت فريق القناة. وبالتالي إنّها لم تقصد توجيه أيّ إهانة لأحد آخر'. لم تخرج تغطية ماغنيه للحرب الأخيرة على غزّة، عن سياق التغطية السائدة المنحازة للجانب الإسرائيلي، إذ أنّها كانت من بين المراسلين الذين برّروا سقوط ضحايا من المدنيين الفلسطينيين، رغم محاولة 'جيش الدفاع الإسرائيلي التصويب بشكل دقيق'. لا تتمتّع ماغنيه بخبرة واسعة في غزّة، إذ أنّها برزت أكثر في تغطية الملفّ الأوكراني، ومواكبة قضيّة فرقة 'بوسي رايوتس' الروسيّة، ما يشرح نقلها إلى موسكو تحديداً.
إقصاء مراسلين عن تغطية غزّة بهذه السرعة، دليل على الإرباك الذي أصاب وسائل الإعلام الغربيّة، بفعل انتشار صور توثّق قتل 'إسرائيل' عمداً لأطفال آل بكر الأربعة. كان من الصعب على آلة البروباغندا المنحازة للكيان الإسرائيلي، أن تهضم تلك الصور، أن تتفاداها أو تخفيها. وذلك ما كان واضحاً من خلال التغطية المتعاطفة نسبياً مع الجانب الفلسطيني بعد المجزرة. الأكيد أنّ إقصاء مراسلين على قدر عالٍ من الكفاءة، خوفاً على مشاعر 'إسرائيل'، لن يمرّ من دون إحداث هزّة في أروقة وسائل الإعلام الأميركيّة. وكما سأل غلن غرينوالد في تغريدة: 'هل يتمّ إقصاء أحدهم عن تغطية إخباريّة، إن أظهر عدائيّة مفرطة تجاه الفلسطينيين'؟ هذا ليس من الأسئلة التي يطرحها أصحاب القرار في وسائل الإعلام الغربيّة على أنفسهم. أسئلة أخرى تقضّ مضاجعهم، بحسب الباحث البريطاني غريغ فيلو. في كتابه 'المزيد أخبار إسرائيل السيئة'، يسأل فيلو محرّراً مسؤولاً في 'بي بي سي'، عمّا يمكن أن يحصل، إن بثّت الهيئة خبراً يتعارض مع وجهة النظر الإسرائيلية. يردّ المسؤول في القناة قائلاً: 'عندها ننتظر بخوف، مكالمة هاتفيّة من الإسرائيليين'.
المصدر: صحيفة السفير

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد