- صحيفة 'ذي إندبندنت'
حزب الله وإسرائيل يحضران للحرب / روبرت فيسك
الريف اللبناني الأخاذ على طول حدود هذا البلد مع إسرائيل لا يمكن أن يصرف أنظارك عن ما تعيشه المنطقة من استعدادات للأسوأ, فالتصريحات من هنا وهناك والتهديدات المتبادلة تنذر بنشوب حرب قد تغير وجه الشرق الأوسط, حسب زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله.
فأول ما يعترض طريقك, وأنت تقترب من الخط الفاصل بين لبنان وإسرائيل, هو جدار مكهرب يليه شريط ترابي لكشف آثار ما يتحرك بالمنطقة, ثم الطريق المعبد, فسياج مكهرب آخر، فبساتين من الأشجار تليها بساتين وكأن لا وجود للدبابات.
فمنطقة الجليل الإسرائيلية الناعمة الرطبة الخضراء التي تمتد وراء تلك البساتين توهمك بأنك على حدود إسرائيلية مسالمة, تماما كما تجعلك مزارع التبغ المنتشرة وسط التلال الصخرية بالشمال اللبناني تعتقد أن الهدوء بهذا البلد لا يعكره شيء.
ولا شك كما هو معلوم أن ذلك الريف الأخاذ ليس إلا وهما, فرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزمرته في الحكومة الإسرائيلية ما فتئوا يكررون أن 'الجيش' اللبناني الوحيد هو حزب الله, وزعيم هذا الحزب نصر الله أصدر تهديدات ملفتة للنظر بأن قواته 'ستغير وجه منطقة الشرق الأوسط' إن دخلت إسرائيل حربا جديدة مع لبنان.
وليس هناك من لا يعرف ما يعنيه ذلك, فالطرق التي أعيد ترميمها قرب الحدود تشي بأن أحدا ما يريد نقل الرجال بسرعة كبيرة إلى تلك الحدود, وربما حتى إلى ما بعدها, أي عبور الحدود إلى داخل إسرائيل.
وهذا هو ما تعتقده إسرائيل كذلك, وقد يكون ترجمة للتهديد الذي أصدره نصر الله الأسبوع المنصرم.
فحزب الله يرى أن حرب 2006 توجت بنصر إلهي, وإن كان من يرى جنوب لبنان اليوم لا يمكنه أن يصدق ذلك.
غير أن إسرائيل اعتبرت أن تلك الحرب مثلت شبه هزيمة لجنودها غير المدربين بشكل جيد.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف سيكون ردّ إسرائيل إن تمكن حزب الله من دخول جزء من أرضها؟ فالقادة العسكريون الإسرائيليون يتحدثون حول هذه المسألة في الصحافة الإسرائيلية هذه الأيام.
فقد يتقدم مقاتلو حزب الله باتجاه نهاريا وقد يحتل عناصره مستعمرة كريات شمونة ويعلنون أنهم حرروا جزءا من فلسطين التاريخية, وسيتعين على إسرائيل في هذه الحالة أن تقصف مواطنيها بالقنابل لإخراج عناصر حزب الله.
هذه ليست لعبة, إنها أمور جدية, فإسرائيل تتربص للثأر لنفسها من الإهانة التي تعرضت لها قواتها عام 2006.
وها هو وزير دفاعها يهود باراك يعيد تهديدات إسرائيل المتكررة للحكومة اللبنانية بأنها ستعتبرها مسؤولة عن أي حرب مستقبلية ويتوعد بتدمير البنية التحتية اللبنانية إن هوجمت إسرائيل من خلال حدوها مع لبنان, فجسور لبنان وطرقها السريعة ستدمر, يقول باراك, كما ستمحى بعض قراها من الخريطة.
وهكذا يبدو تفكير كل الأطراف, وهناك ما يمكن أن يؤجج الوضع بشكل خطير, فإسرائيل قد تتجاهل تحذيرات الرئيس الأميركي باراك أوباما وتهاجم المواقع النووية الإيرانية.
ولا يعتقد في هذه الحالة أن حزب الله سيبقى مكتوف الأيدي, بل ربما تنضم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إلى تلك المعركة, إن الأمر قد يكون أخطر مما يتصور.
وتواصل الأمم المتحدة تقديم الشكاوى من تزايد الطلعات الجوية للطيران الإسرائيلي على لبنان, ورغم أن القوات اللبنانية تطلق نيرانها على تلك الطائرات فإنها لا يمكن أن تطالها, لأن واشنطن ترفض إعطاء الجيش اللبناني معدات قد تؤذي إسرائيل.
وقد زار السناتور الأميركي جون ماكين بيروت مؤخرا للتعبير عن استياء واشنطن من أسلحة حزب الله, التي يفترض, حسب القرار 1701 أن تكون تحت سيطرة الجيش اللبناني, وكأن ذات القرار لا يحظر على الطائرات الإسرائيلية خرق المجال الجوي اللبناني.
- صحيفة 'الإيكونوميست'
إيران: المرشد الأعلى في منطقة الخطر ( هام )
منذ الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها، والتي جرت في حزيران (يونيو) الماضي، ظل السيد خامنئي يناضل ليعطي الانطباع بالحزم. وقد استهل هذا الجهد بتأييد إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد، وباستبعاد دعوات أطلقها مير حسين موسوي، الفائز في تلك الانتخابات، وفق معظم الآراء المستقلة، من أجل إعادة إجراء الانتخابات الرئاسية.
ولاحقا، وفيما اشتد عود معارضة الحركة 'الخضراء'، منطويا على تحد للجمهورية الإسلامية عموما، ولمكانة السيد خامنئي، خاصة ولاية الفقيه أوضح المرشد الأعلى بواسطة أتباعه أن الأمل الوحيد في أن يتعامل مع منتقديه بلين يكمن في إعلانهم الندم، والإلقاء بأنفسهم تحت رحمته. والآن تبدو عدم مرونة المرشد الأعلى أنها كانت خطأ. فقد أثار حفيظة أولئك المحافظين المعتدلين الذين يعترفون بأن تطورات النصف الثاني من السنة الماضية قد غيرت إيران على نحو لا يقبل النقض، والذين ينافحون عن قديم التنازلات باسم الوحدة الوطنية. وقد اقترح ساسة ورجال دين من الجهة المحافظة التابعة للسيد خامنئي في القسمة السياسية اتخاذ إجراءات مساعدة، مثل الإفراج عن السجناء السياسيين، وتشكيل لجنة انتخابات محايدة، والضغط على احتكار الإذاعة التابعة للدولة من أجل خفض وتيرة انحيازها المشهود لصالح الحكومة. وبعيدا عن تهدئة الخواطر، فإنه كان يمكن لهذه الإجراءات أن تكشف عن الانقسامات في صفوف مؤيدي السيد موسوي، لكن السيد خامنئي استبعدها كلها.
والآن، جاء أهم إسهام في النقاش على شكل بيان قدم من الخارج -بعث به خمسة من المنفيين. هذا الخماسي، عبدالكريم سوروش، ومحسن كاديفار، وآية الله مهاجراني، وأكبر جانجي، وعبد العلي بازرغان- بعيدا عن أن يكون فاقداً للتأثير. وباستثناء السيد بارزغان الذي تعتبر أهميته رمزية –حيث كان والده قد رأس أول حكومة ثورية في إيران، وهو يذكر الآن بإعجاب باعتباره معارضاً للتطرف- فان الموقعين على البيان هم صفوة من مفكري إيران المتمتعين بالشعبية. وقد وفر هؤلاء التوازن الفكري للحركة الإصلاحية التي كانت قد جلبت محمد خاتمي إلى الرئاسة في العام1997، والتي انبثقت عنها الحركة الخضراء الحالية، كما ذكر. وكان الخمسة قد غادروا إيران حديثاً، ولهم وجهات نظر واقعية، خاصة فيما يجري راهنا في الوطن. وقد يظهر في قادم الأيام أن بيانهم ينطوي على أهمية تاريخية.
في بيانهم المذكور، أعاد الخمسة تكرار بعض المطالب القديمة، خاصة المطالبة باستقالة السيد أحمدي نجاد وإجراء انتخابات جديدة تحت إشراف مراقبين محايدين، ورفع القيود عن النشاطات السياسية والأكاديمية والإعلامية، وعودة الحرس الجمهوري إلى الثكنات، سوية مع مصالحه الاقتصادية والسياسية. ولعل أهم فقرات البيان هي تلك التي تتصل بالدور المستقبلي لمن أشار إليه على أنه 'الوصي المستبد'، أي السيد خامنئي نفسه. وكان كافة الموقعين على البيان قد عانوا على يدي المرشد الأعلى: كان شخصياً هو الذي أنهى المهنة الوزارية للسيد مهاجراني مثلا، كما كان قد أقر إخافة السيد سوروش، رجل الدين اللامع، حتى يذهب إلى المنفى.
لو أنه تم تطبيق مضامين بيان المنفيين الخمسة، فإن إيران ستحتفظ بمنصب المرشد الأعلى، على أن يتم انتخابه لفترة محددة، مع فقدان قدرته على وقف تمرير التشريعات البرلمانية عبر مجلس الوصاية، وفي تعيين كبير قضاة البلد.
أما السيد قاديغار، وهو رجل الدين الذي قذف بسوء السمعة قبل عقدين عندما شكك في قانونية ولاية الفقيه، فقد ألمح إلى أن البيان معد كي ينفذ في ظل دستور إيران الحالي. وقد يقرأ هذا على مناقض لمجموعات المنفى القديم، من الملكيين وغيرهم الذين يأملون من أعماق قلوبهم بالاضطلاع بدور في تفكيك واستبدال الجمهورية الإسلامية. وعلى النقيض من ذلك، يبدو السيد قاديغار وكأنه يقول إن مهمة بناء إيران جديدة سيعهد بها إلى نفس الإصلاحيين الذين أمضوا السنوات الخمس عشرة الماضية وهم يناضلون من أجل إحداث تغيير سلمي.
إلى ذلك قد يبدو بيان المنفيين سابقا لأوانه، في ضوء قوة جهاز القمع الواسع للسيدين خامنئي وأحمدي نجاد، ولا مبالاة أو عدائية ملايين الإيرانيين المحافظين تجاه أهداف وأساليب الحركة الخضراء. وللإنصاف، فإن المنفيين الخمسة يدركون الحاجة إلى توسيع قاعدة قبول الحركة بعيدا عن القاعدة الرئيسية، أي الطبقة الوسطى الحضرية. وهم يحذرون من المخاطر المتراكمة التي تنطوي على غضبة الجماهير وقلة من المتطرفين الأقوياء المستعدين 'لإراقة وسفك دماء آلاف الإيرانيين' من أجل الاستئثار بالسلطة.
مثلت جنازة آية الله حسين علي منتظري الذي كان يعتبر بالمفهوم الديني أبرز رجل دين معارض للسيد خامنئي في الشهر الماضي، مثلت توسعا في مشهد الحركة على نحو يتفق مع الخطوط التي اقترحها المنفيون الخمسة. ففي يوم 21 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وهو يوم تشييع الجنازة، تهافت آلاف من أبناء طهران الذين ينتمون إلى الطبقة الوسطى على مدينة 'قم' المقدسة التي تعتبر حياض التحفظية الدينية.وفي الشوارع، خارج المسجد الكبير في 'قم'، انضم هؤلاء إلى آلاف الإيرانيين التقليديين المحليين والأتباع المخلصين لتعاليم وأحكام السيد منتظري، وهتفوا بعبارات ضد بعض الشخصيات القيادية في الجمهورية الإسلامية. وقد علق احد شهود العيان بقوله: 'لقد كان يوما كبيرا شهدته المدينة، ولم يصدق الناس انهم كانوا يستمعون إلى مثل هذه الهتافات وهي تطلق بصوت عال، وفي مدينة 'قم' من بين كافة الأماكن'.
بشعور كاره بوضوح، حظر السيد خامنئي مجالس تقبل العزاء بوفاة منتظري في بعض البلدات التي شهدت العديد منها تظاهرات عنيفة. ولم تأت الصحف على ذكر الماضي السياسي لآية الله منتظري، عدا ما ورد في رسالة التعزية التي بعث بها المرشد الأعلى.
إذا كانت مظاهرات 'قم' قد أعطت دفعة للحركة الخضراء، فإن الاحتجاجات العاصفة التي جرت في 27 كانون الأول (ديسمبر) في ذكرى استشهاد حفيد الرسول محمد (ص) الحسين بن علي، كانت بمثابة تذكرة بالخفايا المسكوت عنها للنظام الفاسد. وقد مني المتظاهرون حينذاك بخسائر جسيمة –حيث قتل ثمانية أشخاص على الأقل، فيما جرح واعتقل آخرون عديدون. لكن الاستغلال الماهر من جانب الإعلام الذي تسيطر عليه الدولة عنى أن وحشية قوات 'الباسيج'، أو مليشيات الدولة التي تتبع قيادة السيد خامنئي المباشرة، قد اضمحلت في وجه ردود المتظاهرين العنيفة على الهجمات، وفي شدة هتافاتهم الموجهة ضد السيد خامنئي. وبدت الحركة التي كانت تفخر في السابق بعدم لجوئها إلى العنف وبإجراء معظم مظاهراتها بصمت، بدت وأنها تتخلى عن هذا الالتزام.
وفي الأيام التي أعقبت، سمّت السلطات وإعلامها التابع هؤلاء المعارضين بأنهم قطاع طرق عدميون، والذين دنسوا قدسية أعظم المناسبات الإسلامية الشيعية إجلالا. وكثيرا ما أعاد التلفاز الرسمي بث صور لمحتجين يحتفون أمام مبنى محترق، مصحوبة بتعليقات تنم عن النشوة من منفيين معادين للثورة، مثل منظمة مجاهدي خلق -التي يذمها العديد من الإيرانيين لأنها قاتلت إلى جانب العراق خلال الحرب العراقية الإيرانية بين الأعوام 1980-1988، وكذلك تصريحات الابن الأكبر المعتدل، ولو كان بلا نفوذ، للشاه السابق. وفي يوم 30 كانون الأول (ديسمبر)، طالب المشاركون في حشد جماهيري كبير نظمته الحكومة في وسط طهران بإعدام السيد موسوي ومؤيديه بسبب 'إعلانهم الحرب على الله'.لبرهة، بدا أمر اعتقال السيد موسوي أو شخصية معارضة أصغر، مهدي كروبي، أنه وشيك الحدوث، حتى انه كان من المحتمل، كما طالب برلمانيون ورجال دين ديماغوجيون وعناوين صحف محافظة، بإعدام هؤلاء لمسوغات دينية. ولعل السبب وراء عدم إقدام السيد خامنئي على منح الإذن باعتقالهما كان خوفه من تحول المعارضين إلى شهداء.في الأسبوع الأول من كانون الثاني (يناير) جاء التحذير. فقد وجه عزة الله صاحبي، الشخصية المعارضة المخضرمة رسالة مفتوحة، حذر فيها الحركة الخضراء من مغبة الانزلاق في أتون 'الراديكالية والعنف'. ونصح المنفيين الذين يتحرون ظلال العامين 1978-1979 في اضطرابات الراهن، نصحهم بعدم اعتناق الآمال غير الواقعية، فكتب: 'إن قيام ثورة في إيران اليوم لا هو ممكن التحقق، ولا هو أمر مرغوب'. وتنبأ بأن رجال الدين المعتدلين والمحافظين إذا ما أجبروا على الاختيار بين حركة من الراديكاليين وبين الوضع الراهن، فإنهم سيختارون الاستقرار.ربما تكون رسالة صاحبي قد أيقظت الحركة الخضراء. وسيتضح مدى ذلك يوم 11 شباط (فبراير) المقبل، حيث يعتزم مؤيدو المعارضة استغلال الفرصة التي ستوفرها الاحتفالات الرسمية بذكرى انطلاق الثورة للنزول إلى الشوارع مرة أخرى. وفي الغضون، طيّب السيد موسوي الخواطر أيضا عندما ظهر وأنه قد تخلى عن إصراره السابق بوصف حكومة السيد أحمدي نجاد بأنها غير شرعية، قائلا أنه لا حاجة ملحة إلى تلبية كافة مطالب المعارضة في الحال.من منظور المعارضة، كان لانجراف السيد خامنئي إلى التفكير الخيالي في صفوف مؤيديه مزية تشجيع مناوئيه على تعبئة الفراغ، وهو ما يفعلونه مؤخراً من خلال الإعراب عما يريدونه، وليس مجرد ما يعارضونه ببساطة. وللحظة، فإن أكثر الأصوات ذات النفوذ بين تلك الأصوات المعارضة، بمن فيهم الخمسة المنفيون المذكورون، تفضل التوصل إلى حل في إطار عمل الجمهورية الإسلامية.
العباءة تنزلق عن كتفي خامنئي
في الأثناء لا يبدي الناس الذين يعرفون المرشد الأعلى استغرابا من عناده، فقد أمضى السنوات الثماني لرئاسة محمد خاتمي، الرئيس الاصلاحي الوحيد لإيران حتى الآن، في رفض إقرار إجراءات غير ضارة إلى حد كبير قياسا مع ما يجري اقتراحه راهنا. ويبدو أن آية الله يعتقد، كما هو ظاهر، بأن تقديم تنازلات تحت طائلة الضغط هو إمارة ضعف أكثر من كونها تنم عن حكمة، ولذلك تراه وقد قصر نفسه على دعوات غامضة إلى الوحدة الوطنية، حتى في الوقت الذي تقوم فيه مليشيات الباسيج بتهشيم رؤوس المعارضة، ويكسب فيه ضباط السجون في البلاد رداءة السمعة كمغتصبين وجلادين.
لأنه أمضى أكثر من عقدين على رأس هيكل السلطة في إيران، يبدو السيد خامنئي في الوقت الحاضر في وضع غير مريح. وبرفضه السماح بإجراء انتخابات جديدة في أعقاب انتخابات شهر حزيران (يونيو) الرئاسية، حول الكثير من الغضب الذي كان يتوجه إلى الرئيس ليكون ضده هو. وقبل أشهر قليلة خلت، كان القليل من أبناء طهران يجرؤون على الهمس بهتاف 'الموت لخامنئي'. لكن هذا الهتاف أصبح شيئاً عادياً في الوقت الراهن.
لا يعني أي من هذا أن آية الله خامنئي على وشك السقوط. ذلك أن نوع الإضرابات التي كانت قد أفضت إلى إنهاء نظام الشاه تظل مقتصرة حتى الآن على الطلبة الذين يقاطعون الامتحانات، ولا يتوقع أحد من المعارضة ظهور نتائج سريعة. وقد استشرف المنفيون الخمسة في بيانهم فترة مطولة من الاستياء، لكن العديد من الإيرانيين يبدون أقل اقتناعا بالديمقراطية منهم بالأفكار التقليدية الداعية إلى وجود حاكم عادل متمتع بقوة إلهية، ويحظى بقدر متساو بالشرعية والقدرة على صيانة تماسك البلد انطلاقا من عدالته الكامنة في ذاته. لكن هذا الصيف شهد بداية انزلاق العباءة عن كتفي السيد خامنئي. وسيحتاج أمر وقف سقوطها منه إلى مهارة غير عادية.
- صحيفة 'يديعوت احرونوت'
حرب الخلافة المصرية / سمدار بيري
نقاش جماهيري غير مسبوق يثور الان في مصر على مسألة أساسية تشغل بال وكالات الاستخبارات في العالم والخبراء عندنا: ماذا سيحصل في الدولة العربية الاكبر، بعد أن يخلي الرئيس مبارك، 81 سنة، كرسيه؟ من ينبش من خلف الكواليس؟ من ينبغي تحييده وتهدئته؟
حتى قبل سنتين، ثلاث سنوات، كان محظورا ذكر الحملة المتشددة لاعداد جمال مبارك ليحل في الموقع الكبير لابيه. ونقطت وسائل الاعلام بحذر كيف ان جمال يتسلق، حسب خطة بنيوية، فيما تلفه مؤسسات السلطة. حادو النظر كان بوسعهم أن يتابعوا السلوك الملتوي للقاهرة من خلال مؤسساتها حزب السلطة، اسرة رجال الاعمال، وزراء الحكومة وأجهزة الامن. وفجأة، دفعة واحدة القي الى الساحة بأربعة اسماء لشخصيات عامة يصرون على تجربة حظهم. هل شق الطريق لمحمد البرادعي، الرئيس السابق للجنة الطاقة الذرية؟ هل الامين العام للجامعة العربية، عمرو موسى، سيجسد احلامه. ما هي فرصة احمد زويل، الحاصل على جائزة نوبل او ايمن نور الذي اقام حركة الاحتجاج 'كفاية' لحكم مبارك طويل السنين؟
سطحيا تحدد موعد هدف، بعد سنة بقليل، حين تنتهي الولاية الخامسة لمبارك. المزايا حول المنصب المنشود دفعت الصحافي العجوز محمد حسنين هيكل الى أن يقترح تشكيل مجلس لممثلي الجمهور يقرر من يكون المرشح قبل الاستفتاء الشعبي للرئاسة. انا اخاف من جمال مبارك، يقول هيكل الذي يقود خطا متصلبا ضد مخططات توريث الحكم من الاب الى ابنه. مع كل الاحترام، ليس لدى جمال تجربة مناسبة، فهو لم ينشأ من المؤسسة العسكرية الامنية، ودفعه نحو رئاسة الهرم من شأنها أن تخلق انعدام استقرار في مصر. ودخل الى الجدال الجماهيري هذا الاسبوع د. مصطفى الفقيه، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان، المقرب جدا من مبارك منذ ان كان في منصب 'سكرتير المعلومات'. وقرر الفقيه اختصار الطريق علنا في مسألة الخليفة.
وها هي خلاصة اقواله التي تدخلنا نحن ايضا في الدوامة: مجلس ممثلي الجمهور لانتخاب الرئيس القادم لا. طالما بقي مبارك حيا (وحالته جيدة جدا كما يشدد الفقيه) فانه لا يعتزم اخلاء كرسيه. لمحمد البرادعي وعمرو موسى لا يوجد أمل في الحصول على المنصب. فالبرادعي ابتعد عن مصر عشرين سنة وليس لديه طريق للوصول الى المؤسسات. عمرو موسى لن يتجرأ على تحدي خطة الجارور.
من يتبقى؟ نأتي بتصريحات السياسي القديم بالاقتباس الكامل: 'سواء أعجبنا أم لا، فقط من يحظى بالتأييد الامريكي، فقط من لا تعارض اسرائيل تعيينه، يمكن أن ينتخب رئيسا قادما لمصر'. بتعبير آخر: انتهى عصر علامات الاستفهام. واشنطن والقدس دخلتا الى الصورة من خلف الكواليس، وهما تتدخلان بقوة في عملية رفع وادخال الخليفة الى المنصب بسلاسة. بأسلوب حاد وموضوعي يكنس المقرب الكبير احلام المتنافسين الاخرين. البرادعي تورط مع اسرائيل، وكذا عمرو موسى خرب على نفسه بهجماته اللاذعة. الاسرائيليون سيؤيدون، كما يشرح د. الفقيه، فقط من يبدو لهم كمواصل للطريق. صحيح أن جمال مبارك سيكون الرئيس الاول لمصر الذي لا يأتي من خلفية عسكرية امنية (مصرفي واقتصادي في اختصاصه)، ولكن المؤسسة العسكرية الاستخبارية الامنية ايضا هي الاخرى ضمنت له الولاء، كنوع من تحية الولاء لابيه، الرئيس.
هيكل لا يسلم بالاتجاه الذي يرسمه المقرب. اذا كان هذا ما سيحصل فهو يطلق الى الفم المفغور لوسائل الاعلام لماذا لا تخرجون هنا والان بعناوين رئيسية ومركزية عن جمال بصفته الرئيس القادم؟ منذ متى يوجد لاسرائيل موطىء قدم في القرارات الاكثر اهمية؟ من اعطى اسرائيل دور حارس بوابة قدس الاقداس؟
من زاويتنا لا مكان للاستنتاجات ولا توجد فروض منزلية. من يحتاجون الى ذلك يدرسون جمال. وهو نفسه سيحذر من الاقتراب مـنـّـا، كي لا يخدش من الداخل. هذه هي الخطة، هذا هو الرجل، المفاتيح في الداخل. ومع ذلك، كما يحذر ثعلب قديم عندنا، فان القصة لم تنته بعد.
- صحيفة 'كريستيان ساينس مونيتور'
التوتر التركي الإسرائيلي باق
نشرت صحيفة 'كريستيان ساينس مونيتور' تحليلا كتبه الكاتب التركي سيوت كينكيلوغلو-وهو مساعد رئيس العلاقات الخارجية في حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم وعضو الجمعية الوطنية في البلاد- قال فيه إنه ما لم تحسن تل أبيب من الوضع الإنساني للفلسطينيين في غزة وتخلصهم من معاناة الحصار فإن التوتر سيبقى قائما بين تركيا وإسرائيل، وأضاف أن على إسرائيل أن تعي جيدا الدور الذي تمثله تركيا الجديدة على المستويات الإقليمية والدولية.
وأضاف في مقال له نشرته أن على إسرائيل أن تعتاد على ما سماها تركيا الجديدة، في ظل ما وصفه بالتناطح غير المستغرب بين الدولتين خاصة بالشأن الفلسطيني.
ومضى كينكيلوغلو إلى أن اعتذار تل أبيب عن فعلة داني أيالون نائب وزير خارجيتها المتمثلة في الإساءة للسفير التركي (أحمد تشيلكول) ومحاولة إهانته وإذلاله بدعوى الاحتجاج الإسرائيلي على مسلسل وادي الذئاب التركي والذي تعتبره تل أبيب معاديا للسامية، غير كاف وأن الشعب التركي لن ينسى تلك الإهانة.
وقال إن تركيا ستبقي على نهجها ما لم يتخلص أهل غزة من حصارهم وما لم تقم إسرائيل بتجميد فوري لبناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مضيفا أنه لا سلام مع إسرائيل ما لم تنته وتكف عن سياساتها العدوانية للفلسطينيين.
وأوضح الكاتب أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يدركان جيدا الدور التركي الحيوي الجديد في المنطقة، ويدركان جيدا أيضا أنه بات على الغرب التعامل مع تركيا وفق ذلك الأساس.
وأشار إلى أن الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى البلاد جاءت لتؤكد الأهمية الإستراتيجية للدور التركي على كافة المستويات الإقليمية والدولية.
وأوضح أن بعض دول أوروبا ومن بعدها إسرائيل ربما لم تزل غير مدركة للوضع التركي في الشرق الأوسط، مؤكدا على أن بلاده قد عدلت سياساتها الخارجية وباتت تلعب دورا جديدا في المنطقة يتخذ صفة الديمومة، لا محالة.
وأشار الكاتب إلى أن الوضع الذهبي الذي حظيت به إسرائيل في المنطقة في تسعينيات القرن الماضي قد ولى وانتهى وأنه لن يتكرر حتى لو خرج حزب العدالة والتنمية من سدة الحكم في تركيا.
ومضى إلى أن السياسة التركية الأصلية تسعى لدمج البلاد مع جيرانها في الشرق الأوسط، وأنها أحد أعضاء مجموعة العشرين وأنها عضو غير دائم في مجلس الأمن (الأعضاء غير الدائمين الآخرون في مجلس الأمن هم اليابان والنمسا والمكسيك للعامين 2009 و2010)، وكونها مستمرة في سعيها للانضمام للاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى دورها المؤثر في الساحات الدولية المختلفة.
وأكد الكاتب أن الرأي العام في تركيا يشير بوضوح إلى أن الحكومة وأبناء الشعب التركي كلهم متضايقون وغاضبون بشكل كبير إزاء حصار غزة والمأزق الفلسطيني.
واختتم بالقول أن الأتراك ما لم يروا تغيرا ملحوظا وملموسا للأوضاع الإنسانية والمعاناة التي تعيشها غزة، فإنه لن يطرأ أي تحسن على العلاقات التركية الإسرائيلية، داعيا تل أبيب إلى ضرورة مراجعة حساباتها الميدانية والنفسية المتعلقة بنظرتها لتركيا الجديدة.