صحافة دولية » -- مقالات مترجمة من صحف اجنبية

- صحيفة 'لوموند'
رهانات نتنياهو الخطيرة / لوران زتشيني

لا بد من أن نقرّ لنتنياهو بهذا المنطق: أنّ سياسة الاستيطان التي يدافع عنها منذ أكثر من عشر سنوات، على الرغم من أنها تنتهكُ الحقوقَ التاريخية للشعب الفلسطيني، تظل رغم ذلك، سياسة 'ديمقراطية'، من حيث إنها مطابقة للتفويض الذي تلقّاه من الإسرائيليين يوم 10 شباط (فبراير) 2009. إن رئيس الوزراء الإسرائيلي يقود حكومةً تُعد أكثر الحكومات الإسرائيلية يمينيةً في تاريخ البلاد، مع أحزابٍ تنتمي إلى اليمين المتطرف، وأكثر الأصوليات اليهودية تشدّداً. لكنّ هناك حقيقة تفرض نفسها: فمنذ أنْ فرضت إسرائيل سيطرتَها على الجزء العربي من مدينة القدس، في حرب 1967، وكلّ رؤساء الوزراء الذين تعاقبوا على الحكم، يقيمون المستوطنات في القدس الشرقية.
إنّ المسألة الحقيقية هي معرفة إنْ كان الاستمرارُ في هذه السياسة يخدم المصالح الإسرائيلية على المدى البعيد، أم أنها سياسة انتحارية. ففي خلال عامٍ من التفويض، نجح نتنياهو في عمله، المشكوك فيه، المتمثل في تأجيل مفاوضات السلام مع الفلسطينيين، وفي إضعاف العلاقة الاستراتيجية بين الدولة العبرية والولايات المتحدة الأميركية. لأنه، إذا كانت المساعدة الأميركية السنوية لإسرائيل، المقدرة بنحو 3 بلايين دولار، تمثل 20 % من ميزانيتها العسكرية، فهي لا تمثل سوى الجزء المرئي من هذه التبعية.
مما لا شك فيه أن الصناعة العسكرية الإسرائيلية لا نظير لها في الشرق الأوسط، لكن طيران الجيش الإسرائيلي يتطلب دفقاً مستمراً من قطع الغيار الآتية من الولايات المتحدة الأميركية. وهذا الدعم اللوجستي ضروريٌّ إذا كان يتعيّن على إسرائيل أنْ تخوض حرباً طويلة المدى، وبالأحرى في إطار الصراع مع إيران. إنها مساعدةٌ اقتصادية مقنّعة تجد في الولايات المتحدة الأميركية سوقها الرئيسية للتصدير.
على المستوى الدبلوماسي، توفّر واشنطن 'مظلة' دائمةً لإسرائيل، بإبعادِ كل الأصوات الانتخابية المعادية لليهود في الولايات المتحدة الأميركية. أما فيما يتصل بالسياسة النووية الإسرائيلية الغامضة فهي تتمتّع بالتواطؤ الأميركي منذ السبعينيات من القرن الماضي. فإذا ما توفرت لإدارة أوباما الإرادةُ السياسية في هذا الشأن، فإنها تستطيع أن تمارس ضغطاً على نتنياهو، بتقليد مثال جورج بوش الأب، ووزير خارجيته جيمس بيكر: ففي العام 1991 قرّر هذان الأخيران، عندما واجههما تحدي المستوطنات الإسرائيلية، تعليقَ منْحِ ضمانات مصرفيةٍ تُقدَّر ببلايين عديدة من الدولارات،
إن هذه 'العلاقة الخاصة' مع الولايات المتحدة الأميركية لا تخلو من بعض الشيزوفرينيا، ما دامت المساعدة العامة والخاصة التي قدّمها الأميركيون لإسرائيل، تستعمل فعلياً في تمويل الاستيطان اليهودي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي تطالب واشنطن بإيقافها. إنّ تجميد هذه المستوطنات في القدس، يقول نتنياهو، يعني تجاوز خطٍّ أحمرَ بالنسبة للأحزاب اليمينية والدينية، ويعني الإسراع بإسقاط حكومته. وهذا صحيحٌ على الأرجح، لكنّ هذا لا يمنع من أن تصبح فكرةُ تغيير الأغلبية، في القدس وفي واشنطن على السواء، مطروحةً أيضاً.
الرئيس شمعون بيريز يدفع نتنياهو إلى التزود بحكومة منسجمة؛ بهدف التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين، وهو ما يعني استدعاء تسيبي ليفني، قائدة المعارضة وحزب الوسط كاديما. والحال أن إدارة أوباما تؤيد مثل هذا التحديث. لكن، هل يمتلك نتنياهو أغلبيةَ ؟ نعم ولا. إدخالُ كاديما يعني المغامرة بِشَرْخٍ مُحتمل في داخل حزبه، أي الليكود، المرتبط أشدّ الارتباط بـ 'لُوبي' المستوطنات.
أما تخلصه من الحزب الديني شاس، ومن رئيسه، ووزير الداخلية إيلي يشاي، المسؤول عن الأزمة العابرة مع واشنطن، فهو يعني أنه سوف يخسر الرئيس الروحي لـحزب شاس، الحاخام عوفيديا يوسف.
وبرفضه إيقاف المستوطنات في القدس الشرقية، يؤكد نتنياهو أنه يولي من الاهتمام لرأي حزب المستوطنين، أكثر ممّا يوليه للبيت الأبيض.
الفلسطينيون تابعوا بشيءٍ من الرضا، الهزّات الخفيفة التي تعرّضت لها العلاقاتُ الإسرائيلية الأميركية. والرئيسُ محمود عباس يعرف أنه يجب عليه أنْ يستثمر، ببراعة، هذا الغضب الأميركي إزاء نتنياهو. فهذا الغضبُ يمنحه من جديدٍ، مزيةً سياسية بالتأكيد، لكنّ توسّع العنف في الأراضي المحتلة قد يضَع الفلسطينيين في موقفِ المُتَّهَمِين.
أمّا حماس، الرافضة مفاوضات السلام، ولكلّ تطبيعٍ للوضع في الضفة الغربية، فهي تجتهد لإشعال فتيل 'الانتفاضة الثالثة'. لكنّ سنواتٍ خمساً مرّت منذ نهاية الانتفاضة الشعبية الأخيرة (2000/2005)، والجزء الكبير من الشعب الفلسطيني يطمح إلى الاستفادة من النموّ الاقتصادي. أما استراتيجية رئيس الوزراء الفلسطيني، سلام فياض، الذي يهدف إلى بناء أسس الدولة الفلسطينية قبل الحصول على الاعتراف باستقلالها العام 2011 ، فتبدو حكيمةً. إلا أنها استراتيجية هشّة.
لم يقدّم نتنياهو أيّ لفتةٍ لإبعادٍ الشك بأنّ انضمامه إلى مبدأ 'دولتان لشعبين' لم يكنْ سوى مجرد تكتيك ليس إلا. فهو في الواقع يتبنى منطقاً غريباً، قائماً على فكرة أنّ سياسة الاستيطان والضمّ الزاحف للجزء العربي من القدس، سوف يفضي إلى طريق مسدود، مع الحيلولة في النهاية دون قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة. فإنْ تلاشى هذا الأفق، فسوف تجد إسرائيل نفسَها في أسوأ السيناريوهات: دولة إسرائيلية ثنائية الوطنية، تُدير بواسطة القسر والإكراه، أقليةً فلسطينية سوف تصبح مع الوقت أغلبيةً، حتماً. وحتماً تذكّرنا مِثلُ هذه الدولةِ بدولةٍ أخرى سابقة: دولة 'الأبارتهيد' في جنوب إفريقيا!


- صحيفة 'إنترناشيونال هيرالد تريبيون'
دروس من غزة / كاثرين آشتون

بينما تنتقل من إسرائيل إلى غزة، تبدو وأنك تغادر بلداً يعيش في القرن الحادي والعشرين لتدخل إلى أرض يباب هشمت وقطعت أوصالها. وتعد عملية إعادة الإعمار في القطاع مستحيلة لأن إسرائيل تمنع دخول السلع إليه. ولا يملك الناس سوى النزر اليسير مما هو أكثر من المتوفر بين أيديهم من الخراب الذي يحيط بهم من كل حدب. وفي الغضون، يوفر نظام غير قانوني من الأنفاق سلعاً حيوية بالنسبة للمواطنين -وجني أرباح لعصابات إجرامية.
كنت قد ذهبت إلى غزة لأرى ما إذا كانت أموال المساعدات الأوروبية تؤتي ثمارها على أرض الواقع، وهو ما تحققت منه. وفي أتون الظروف القاتمة التي يعيشها الغزيون، تبرعم بذور الأمل. وقد شاهدت، من بين ما شاهدت، مدرسة للبنات تتلقى فيها الفتيات تعليماً جدياً بما في ذلك موضوعات حول حقوق الإنسان. ولعل هذا النوع من التعليم هو الذي يجدي في محاربة عمالة الأطفال.
إلى ذلك، زرت جمعية 'أطفالنا' للأولاد الصم والبكم، وهو مشروع لتحسين حيوات الناس البكم والصم في قطاع غزة. وثمة ورشة هناك توفر لأكثر من 300 أصم وأبكم، كما ورجال ونساء مهمشون، الفرصة لكسب عيشهم من خلال إنتاج أجمل المصنوعات اليدوية. وتسلط هذه الجيوب من الحياة الطبيعية والأمل الأضواء على الكيفية التي يمكن معها للكرامة الإنسانية أن تدوم. والأكثر أهمية، ما تنطوي عليه من إيحاء ملهم لما يمكن تحقيقه.
لقد أكد لي ما وجدته في غزة وجهة نظري القوية بأن علينا التحرك الآن -ليس فقط لوضع حد للعنف، وإنما لأن السلام سيجلب الازدهار إلى غزة وإلى المنطقة برمتها. وسيفتح الفرص أمام النمو والتكامل الإقليمي، وهو ما يعد أفضل ترياق للشفاء من الجماعات الراديكالية. وتلك هي الجائزة الحقيقية.
ضلك أن التطرف يترعرع وينمو في الحطام، كما وفي مخيمات اللاجئين. وهما يوفران أرضا خصبة ليس فقط لأمراء الحرب المحليين، وإنما أيضاً لكل أولئك في المنطقة ممن لديهم أجنداتهم الخاصة، والذين يستفيدون من حالة عدم الاستقرار، لا بل يساعدون على تفاقمها من خلال شحنات الأسلحة.
على أنه يجب على الفلسطينيين أن يكونوا قادرين على التحكم بحيواتهم وبناء مستقبل أفضل لهم. وعندما يتعلق الأمر بغزة، فإن لإسرائيل مخاوف أمنية مشروعة. لكن على الجمهور الإسرائيلي أن يعلم بأن السلام الدائم فقط هو الذي يمكن أن يجلب الأمن المستدام. ويجب أن تكون هذه هي الأولوية الأولى لأي حكومة إسرائيلية. ذلك أن صنع السلام يقوي الضعيف ويوفر الأمن للقوي. ولعل اللحظة المواتية لصنع السلام هي اللحظة التي تتمتع فيها بالقوة.
في عموم المنطقة... من مصر إلى سورية، ومن لبنان إلى الأردن، استمعت إلى نفس الرسالة من رؤساء حكومات ومسؤولين، كما ومن أناس عاديين: إنهم يريدون لاقتصاداتهم أن تنمو ولشعوبهم أن تزدهر ولأولادهم أن يتعلموا. ومن أجل تحقيق ذلك، فإننا نحتاج إلى السلام في الشرق الأوسط.
إننا ندرك أن ما تمس الحاجة إليه: إجراء مباحثات غير مباشرة الآن تفضي وعلى نحو سريع إلى مفاوضات فعلية. وعلى المجتمع الدولي أن يدعمها بشكل كامل. وإذا كنا لا نستطيع فرض السلام، فإننا نستطيع تقديم الدعم والحوافز للأطراف المعنية بغية تمكينها من التوصل إلى التنازلات والتسويات الصعبة.
إن الاتحاد الأوروبي يدعم جهود الولايات المتحدة لإعادة تدشين المفاوضات. وإذا أردنا تحقيق النجاح، فإن علينا أن نعيد تفعيل اللجنة الرباعية الدولية الخاصة بالشرق الأوسط (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وروسيا)، باعتبارها صوت المجموعة الدولية. وكانت اللجنة التي اجتمعت في موسكو يوم الجمعة الماضي قد أعلنت عن تصميمها على دفع عملية السلام إلى الأمام، بالإضافة إلى الانخراط في خطوات جوهرية، مثل مساعدة السلطة الوطنية الفلسطينية في جهودها لبناء الدولة.
إننا ندرك العناصر اللازمة. وكان الاتحاد الأوروبي قد أوضح موقفه في إعلان مبادئ في كانون الأول (ديسمبر) الماضي: حل الصراع على أساس الدولتين، حيث تعيش إسرائيل وفلسطين جنبا إلى جنب بسلام وأمن، وإقامة دولة فلسطين القابلة للحياة في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس وقطاع غزة على أساس خطوط العام 1967. ويجب التوصل إلى طريقة ما لحل وضع القدس كعاصمة مستقبلية لكل من إسرائيل وفلسطين. ونحتاج، في الأثناء، إلى حل عادل لقضية اللاجئين.
وإلى ذلك، نحتاج إلى التحرك من إدارة النزاع إلى مرحلة حل النزاع الذي يشمل المنطقة برمتها. فالتوصل إلى السلام أمر مُلح ومن الممكن تحقيقه. وإنني أتطلع قدما إلى اليوم الذي أقابل فيه الجندي الإسرائيلي المختطف جلعاد شاليط، كما وإلى اليوم الذي يتم فيه الإفراج عن أولئك الفلسطينيين المعتقلين من دون تقديمهم إلى المحاكمة. ومن أجل الطفل الأصم الصغير الذي وقف بجانبي وشد على يديّ، ومن أجل الفتيات اللواتي يردن أن يتمكنّ من فعل شيء بتوظيف ذلك التعليم الجيد، فإن علينا أن ننتقل من العملية السلمية إلى السلام الحقيقي.


- صحيفة 'واشنطن بوست'
محمود عباس يكون أحيانا عقبة في وجه السلام الشرق أوسطي / جاكسون ديهل

عمل دبلوماسيو الولايات المتحدة طوال شهور لإقناع الإسرائيليين والفلسطينيين باستئناف مفاوضات السلام. وعندما بدوا أنهم قد نجحوا، جاء استفزاز جديد: اتخذت إسرائيل خطوة باتجاه توسيع الاستيطان في القدس. وظهرت عناوين الأخبار في كل أنحاء العالم؛ واحتج الاتحاد الأوروبي؛ وصرخ الفلسطينيون بدورهم محتجين، وهدد البعض بمقاطعة المحادثات الجديدة إلا إذا تم التخلي عن القرار.
كلا، لم يكن جو بايدن في القدس في ذلك الأسبوع من كانون الثاني (ديسمبر) 2007 - لقد كان مشغولاً في السعي نحو الرئاسة الأميركية. وبدلاً منه، كانت هناك كوندوليزا رايس، وزيرة خارجية إدارة بوش، التي أدارت تلك الأزمة الصغيرة. وتعرض الكيفية التي تمكنت بها من القيام ذلك، وما أعقبها، بعض الدروس لخلفائها في إدارة أوباما - الذين يثبتون بأنهم متعلمون بطيئون بشكل لا يصدق عندما يأتي الأمر إلى سلام الشرق الأوسط.
كانت رايس ورئيسها القديم قد تلقوا الكثير من التقريع على إخفاقهما في السعي إلى إقامة مفاوضات إسرائيلية - فلسطينية خلال معظم فترتهما في المنصب. لكنها خلال آخر سنتين من وظيفتها كوزيرة للخارجية، دفعت رايس بعناد من أجل اتفاق نهائي. وفي نهاية المطاف، يمكن القول إنها اقتربت من ذلك بقدر ما فعل أي وسيط أميركي آخر قبلها. وكانت محظوظة في أنها امتلكت في شخص رئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود أولمرت شريكاً كان أكثر اهتماماً بإبرام صفقة سلام مما هو بنيامين نتنياهو. لكنها درست أيضاً وعن قرب تاريخ عمليات السلام السابقة، وهو ما قد يفسر السبب في أنها تجنبت بعضاً من أفدح أخطاء الرئيس أوباما.
كما كان يمكن أن تقول رايس للبيت الأبيض الحالي، فإن الدرس رقم (1) من التاريخ هو أن هناك دائماً استفزاز يهدد في إخراج محادثات السلام عن مسارها - قبل أن تبدأ، وعندما تبدأ، وعادة بعد ذلك. وتظل الإعلانات الإسرائيلية عن الاستيطان من بين الأكثر شيوعاً، إلى جانب إقامة فلسطينيي الضفة الغربية احتجاجات عنيفة متزامنة، وشن الهجمات في غزة من جانب حماس. وقد رأت إدارة أوباما هذه الأمور الثلاثة في 10 أيام: وكانت غير متجاوبة مع واحد، ولاحظت بالكاد الأمرين الآخرين.
إن الخدعة هي عدم ترك الاستفزازات تصبح مركز الانتباه، وإنما الإصرار بدلاً من ذلك على المضي في المفاوضات. وكان ذلك هو ما فعلته رايس عندما انفجرت الأخبار عن استيطان القدس في حار حوما. وفي العلن، قدمت تصريحاً واضحاً، ولكنه لطيف نسبياً، قائلة إن الولايات المتحدة كانت قد عارضت الاستيطان 'منذ البداية الأولى'. وفي السر، قالت لأولمرت: لا تجعل ذلك يحدث مرة أخرى. وللرئيس الفلسطيني محمود عباس، كانت الرسالة حازمة بنفس المقدار: يمكنك أن تأتي إلى المائدة وتفاوض على حدود دولة فلسطينية، جاعلاً المستوطنات غير ذات صلة، أو أنه يمكنك مقاطعتها والسماح للبناء بالاستمرار.
ولم يكن من المفاجئ أن عباس، الذي فهم هجوم أوباما المعلن على إسرائيل على أنه مبرر للمقاطعة - كان قد ظهر في مفاوضات رايس. وقد عرضت عليه إدارة بوش ضمانات في السر: أي بناء استيطاني حدث خلال المحادثات لن يكون مقبولاً للولايات المتحدة عندما يأتي الأمر إلى رسم الحدود النهائية لإسرائيل. وحول الاستيطان، تبنت رايس خطاً إرشادياً براغماتياً أسمته 'اختبار غوغل إيرث': إن الاستيطان الذي توسع بشكل مشهود كان مشكلة، أما الذي بقي في داخل حدودها القائمة من المناطق فلم يكن كذلك.
كانت فضيلة كل هذا أن رايس جعلت الإسرائيليين والفلسطينيين يتحدثون، ليس عن الاستيطان، وإنما عما كانوا في حاجة إلى مناقشته فعلاً - مستقبل فلسطين. وقد تحدث أولمرت وعباس في كل شيء: الحدود، القدس المستقبلية ومواقعها المقدسة، الترتيبات الأمنية، كيفية معالجة أمر الملايين من اللاجئين الفلسطينيين الذين ما يزالون يعيشون في المخيمات. وفي السر، اتفقوا على الكثير. وفي نهاية المطاف، زود أولمرت عباس بخطة مفصلة لتسوية نهائية. وهي واحدة ذهبت، فيما يخص تنازلاتها لمطالب الفلسطينيين، وراء أي شيء كانت قد وضعته إسرائيل أو الولايات المتحدة من قبل. ومن بين أشياء أخرى، خولت الخطة بإنشاء دولة فلسطينية تكون لها عاصمة في القدس، والتي ستسمح بعودة 10.000 لاجئ إلى إسرائيل.
كان ذلك عندما تعلمت رايس درساً آخر تبدو الإدارة الجديدة وأنها لم تلتقطه: إن لدى هذه القيادة الفلسطينية مشكلة مع قول 'نعم'. وعندما ووجه بمسودة خطة كان معظم العالم ليحتفي بها، أحجم عباس ورفض التوقيع، ورفض أن يقدم عرضاً مقابلاً. وقد توسل إليه بوش ورايس الانضمام إلى أولمرت في البيت الأبيض لعقد لقاء قمة. وكان أولمرت سيقدم خطته لبوش، وكان عباس سيقول فقط إنه يعتقد بأنها تستحق المناقشة. وقد رفض الرئيس الفلسطيني الحضور.
خلف قتال أوباما المستمر مع نتنياهو في الأسبوع الماضي، يبدو أن هناك حساباً ما لحقيقة أن اتفاقية سلام ستتطلب من الولايات المتحدة أن تثني أو تكسر الحكومة الإسرائيلية الحالية. وربما يكون هذا صحيحاً، فمن شبه المؤكد أن نتنياهو لن يقبل بالشروط التي عرضها أولمرت. ولكن هناك عقبة أخرى تقع وراء هذه، تمردات عباس، التي كانت الإدارة الحالية بطيئة في إدراكها. إن السر كله يقع هناك في حوليات دبلوماسية رايس - ولكن حينذاك، كانت تلك إدارة بوش.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد