صحافة دولية » هكذا يدير ساركوزي «إمبراطورية» الإعلام الفرنسي

84011053_221
 
كان تدخل ساركوزي الأخير في عملية بيع صحيفة «لوموند» العريقة «صاعقاً»، لا لأن تدخل ساركوزي في الإعلام «ليس اعتيادياً، لكنه كان، هذه المرة، وقحاً جداً».
ففي محاولة منه لجذب دفة الإدارة في الصحيفة الأكثر تأثيراً في فرنسا، اندفعت الصحيفة مباشرة إلى أيدي أولئك الذين ينتقدون ساركوزي بوصفه «رئيساً شوفينياً». كان هذا التدخل صادماً، لكنه ليس فريداً في «سيرة التدخل الرئاسي» المزعوم في فرنسا. بعد هذه الحادثة بأيام، تعرّض ناقدان إذاعيان هما ستيفان غييون وديديه بورت، الموسومان من قبل ساركوزي بانهما «مهينان، وبذيئان ومقيتان»، للطرد.
لا تزال فرنسا، في هذه الأثناء، في انتظار الرئيس ليعلن اسم رئيس القنوات التلفزيونية الرسمية الثلاث، بعدما بدّل القانون بطريقة تعطيه السلطة لاختيار من يريد. كما أن «وكالة فرانس برس»، ثالث أكبر وكالة للأنباء في العالم، أعلنت عن خطط لتحويلها إلى شركة عامة، برأسمال حكومي، ما يثير المخاوف بشأن استقلاليتها.
هي أحداث إذا ما أضيفت إلى بعضها بعضاً، تصنع نمطاً يثير المخاوف من «برلسكنة فرنسا»، نسبة إلى رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلوسكوني، المعروف بإحكام قبضته على الإعلام.
إذ يملك برلوسكوني ثلاثا من أبرز المحطات التلفزيونية الخاصة في ايطاليا، وهي تغطي نصف جمهور المشاهدين الإيطاليين. ويعتقد المحللون أن نفوذه يطال 90 في المئة من المواد التي تبثها محطات التلفزة الإيطالية.
في المقابل، فإن ساركوزي لا يملك وسيلة إعلام خاصة به، لكن بعض أصدقائه، بلى هم أصدقاء لا يخشى ان يتصل بهم عندما يحتاج اليهم. أصدقاء يمنحونه سلطة مباشرة، او غير مباشرة، على الإعلام الفرنسي، مثل برلوسكوني.
في نيسان الماضي، نشرت مجلة «تيليراما» على غلافها صورة لساركوزي مع تعليق جاء فيه: «نيكولا ساركوزي: رئيس تلفزيونات فرنسا».
عملياً، لطالما كانت محطات التلفزة الفرنسية الرسمية موضع تدخلات الرئيس، سواء قمع الإعلانات غير المرغوبة، أو تسمية مديري المحطات الرسمية. في بداية ولايته، اقترح أحد مستشاري الإليزيه، وهو الصحافي السابق جورج مارك بينامو، على ساركوزي «إقامة نوع من الشراكة بين محطات التلفزة الفرنسية والإليزيه».
لطالما اتُهم ساركوزي بأنه «يتدخل سياسياً» في الإعلام الفرنسي، حتى قبل انتخابه رئيساً في العام 2007. ففي العام 2005، عندما كان ساركوزي وزيراً للداخلية، تعرّض صحافي في مجلة «باري ماتش» للطرد، بعدما نشر على غلاف المجلة، صورة السيدة الفرنسية الأولى السابقة سيسيليا مع عشيقها. قيل ان ساركوزي «استشاط غضباً» بسبب الإهانة، وطلب من «أخيه»، كما يسميه، صاحب المجلة ارنو لاغاردير طرد رئيس تحرير المجلة الان جينيستار. بعد أشهر، عندما عادت سيسيليا إلى زوجها، لفترة وجيزة، تدخل ساركوزي لوقف نشر كتاب عنها، كان صحافي مشهور يقوم بتأليفه، بالتعاون معها. وقبل انتخابه في أيار 2007، لم يستطع ساركوزي «المتوهج» أن يتمالك أعصابه، لأنه لم يلقَ ما قال انه «الاحترام اللائق» قبل مقابلة تلفزيونية على «محطات فرنسا». ولأن «أحداً لم يكن هنا، للترحيب بي»، لوّح ساركوزي بأن «الإدارة برمتها تحتاج للطرد. لا أستطيع القيام بذلك الآن. لكن انتظروا. سأقوم بذلك قريباً، جداً».
ومنذ انتخابه، سرى الحديث عن تدخلات عدة قام بها الرئيس الفرنسي في عالم الإعلام، سواء في توظيف أشخاص، أو طرد آخرين أو إعاقة عمل آخرين في مناسبات عدة. ليس هذا فحسب، فهو متورط، على ما يبدو، في عملية محاكمة الصحافي الفرنسي، الذي يواجه السجن، لاستخدامه شريطاً مسرباً يصوّر ساركوزي وهو يصرخ في وجه مهندس في «تلفزيونات فرنسا»، لأنه لم يقل «مرحبا».
والضغوط التي يمارسها ساركوزي في الإعلام ليست دوماً مباشرة. فأصدقاء ساركوزي المقرّبون هم مالكو أكبر خمس صحف فرنسية. لاغاردير لا يملك فقط «باري ماتش» وإنما مجلة «ايل» النسائية، و«جورنال دو ديمانش» و«تيلي 7 جور»، ومجلة «بروميير»، و«فرانس ديمانش»، وغيرها من محطات التلفزة والإذاعة وشبكات التلفزيونات.
أما مارتين بويغيس، الذي يوصف بأنه «أقرب صديق للرئيس» فكان شاهداً على زواج ساركوزي الثاني، كما أنه عرّاب أصغر أبنائه لوي. وهو يملك المحطة التلفزيونية الأكثر شعبية في فرنسا «تي.اف.1»، كما يملك «يوروسبورت»، وغيرهما من محطات التلفزة. ويقال ان الرجلين يتحدثان هاتفياً، على صعيد يومي.
الشاهد الثاني هو برنار ارنو، الذي يدير مجموعة «ال.في.ام.اتش»، التي تملك مجلة «لا تريبيون» الاقتصادية، و«اينفيستير»، و«راديو كلاسيك».
اما سيرج داسو فهو زبون الشركة القانونية التي كان ساركوزي شريكاً فيها، وهو صديق عظيم، وصاحب مجموعة «سوك برس»، صاحبة أيقونة اليمين الإعلامية، صحيفة «لوفيغارو».
وتكتمل مجموعة فرسان الرئيس مع فرانسوا بينون الذي يملك مجلة «لو بوان» الأسبوعية.
اما الصحافيون المهمشون، فتحوّلوا إلى التدوين. صحافيون سابقون في «ليبيراسيون» أسسوا مدونة «رو89»، فيما تدعو مدونة أخرى تدعى «ليبيرتي-دينفورمي.انفو» إلى مزيد من الحريات. أما النائب الاشتراكي ارنو مونبور فيشتكي من أن «الإعلام السائد بات على نحو واضح، موجها نحو المالح اليمينية»، محذّراً من أن «فرنسا تتجه نحو إعلام موجه على الطريقة البرلوسكونية... بمعنى لا أريكم سوى ما أرى».
من جهته لا يبدو مراسل مجلة «شالانجز» الاقتصادية مارك بودرييه مقتنعاً بتشبيه ساركوزي ببرلوسكوني، ويقول ان الرئيس الفرنسي «حيوان سياسي مطلق، ونعم هو يتدخل، ويحب أن يتدخل في هذا المجال كما في غيره، ولكنه لا يملك كل الإعلام الفرنسي في يديه. لا يمكنه أن يمنع نفسه عن التدخل. ولكن سلطاته محدودة».
ورغم سعيه الحثيث للتأثير على الإعلام الفرنسي، فإن الرياح لا تجري كما يشتهي ساركوزي لسفنه. فما أن سمع الصحافيون في «لوموند» أن ساركوزي يعارض عملية بيع الصحيفة لرجال أعمال معارضين له، حتى سارعوا إلى وضع كل ثقلهم في المناقصة.
وفي خضم فضائح الفساد، التي شابت حكومته، استيقظ الرئيس صباح ذات يوم جمعة ليجد أصدقاءه عاجزين عن منع أي انتقادات موجهة إلى حكومته. وقال المعلّق السياسي في «فرانس انتر راديو» توماس لوغران ان لهذه التدخلات «مفعولاً ميكانيكياً وصحياً هنا. فهي تظهر أنه كلما بُذلت الجهود لتركيز السلطات ولإحكام السيطرة على الصحافة المكتوبة والمرئية، كلما لعبت الصحافة دورها، لتميل دفة التجاذب على نحو معاكس».
(عن "السفير" ـ ترجمة: جنان جمعاوي)

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد