صحافة دولية » -- مقالات وآراء (مترجمة) من صحف ومواقع أجنبية

-  صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور"
الصين زبون الشرق الأوسط

طرحت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" تساؤلات عدة حول دور الصين الاقتصادي في الشرق الأوسط الذي بات يفضلها على كافة الزبائن.
ونقلت الصحيفة عن المحلل فلينت ليفيريت في نيو أميركا فاونديشن قوله إن الصين باتت تشكك في سياسة الولايات المتحدة منذ الحرب على العراق عام 2003، فعمدت إلى الانخراط في المنطقة لأنها تخشى مما تراه من السياسة أحادية الجانب المفرطة التي تتبناها واشنطن.
وعن الدور الاقتصادي للصين، قالت الصحيفة إن التجارة الصينية مع الشرق الأوسط ارتفعت إلى الضعف خلال السنوات الخمس الماضية، وقد حلت الصين هذا العام محل الولايات المتحدة كأكبر مصدر للمنطقة.
وبلغت الصادرات الصينية للشرق الأوسط بما فيها تركيا نحو 57 مليار دولار عام 2009 بعد أن كانت 28 مليارا عام 2005.
وارتفعت الواردات الصينية من المنطقة من 34 مليار دولار عام 2005 إلى 61 مليارا.
وعلاوة على التبادل التجاري، حصلت شركات الإنشاءات الصينية على عقود بالمنطقة، واستمرت البنوك الصينية في إقراض المشاريع، لذلك فإن الشركات تجلب معها العمالة والمواد وحتى التمويل.
وفيما يتعلق باستهلاك طاقة الشرق الأوسط، فإن الصين تعد أكبر مستورد لنفط المنطقة، حيث تشتري أكثر من عشر النفط الخام المصدر من الخليج، وتأتي إيران في المرتبة الأولى للتصدير حيث تحصل الصين على 23% من نفط طهران.
كما أن الصين تفوقت على مشتريات أميركا من نفط الشرق الأوسط بنسبة تبلغ 14%.
وتقول الصحيفة إن تلك الأرقام السابقة تشير إلى أن الحكومات بالشرق الأوسط تفضل العمل مع الصين لأن بكين لا تملي عليهم شروطا، خلافا لواشنطن التي تشترط على تلك الحكومات إجراء إصلاحات.
وحول تأييد الصين للعقوبات على إيران، قالت كريستيان ساينس مونيتور إن بكين قلقة من أن يصبح برنامج إيران النووي حافزا لسباق تسلح بالمنطقة، وهذا يهدد تدفق النفط من أكبر مصدري النفط وهما السعودية وإيران.
وفي نفس الوقت، فإن بكين لا تريد أن تثير سخط واشنطن لا سيما أن روابطها مع الولايات المتحدة أهم عنصر في سياستها الخارجية.
فالتصويت ضد العقوبات على إيران –تقول الصحيفة- من شأنه أن يدمر صورة الصين التي تسعى لإظهار نفسها كلاعب مسؤول بالساحة الدولية.


- صحيفة "لوس أنجلوس تايمز"
 ضرب إيران يشعل حربا إقليمية     

حذرت دراسة من سيناريو الهجوم الإسرائيلي على منشآت إيران النووية، وقالت إن أي هجوم إسرائيلي سيشعل فتيل حرب إقليمية طويلة المدى ويخلف تداعيات على المستويين الإقليمي والعالمي.
وجاء في السيناريو أن الطائرات الجوية الإسرائيلية تعبر المجال الجوي الإيراني وتقصف منشآت نطنز وأصفهان وقم ومختبرات جامعة طهران، ويسقط إثر ذلك عدد كبير من العلماء البارزين وعشرات الباحثين.
وردا على ذلك تقوم إيران بقصف تل أبيب بصواريخ طويلة المدى، الأمر الذي يؤجج التمرد في العراق وأفغانستان ويدخل الشرق الأوسط في أتون حرب إقليمية طويلة ينجم عنها أزمة اقتصادية عالمية بسبب أسعار النفط.
وتقول الدراسة إن هذه النتيجة المخيفة ستكون مرجحة على نحو متزايد إذا ما نفذت إسرائيل ضربتها العسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية.
وكانت مجموعة أكسفورد البحثية قد أصدرت الخميس الدراسة التي جاءت تحت عنوان "العمل العسكري ضد إيران.. النتائج والآثار" عقب تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي لقناة فوكس نيوز التي وصف فيها إيران بأنها "التهديد الإرهابي المطلق هذه الأيام".
وقال بنيامين نتنياهو "علينا ألا نسمح للأنظمة المجنونة مثل إيران أن تمتلك أسلحة نووية".
ورغم أن نتنياهو رفض الحديث عن خطة محددة أو موعد نهائي، فإنه كرر استعداد بلاده لاستخدام القوة لمنع إيران من تطوير قدراتها النووية التي تقول طهران إن أهدافها سلمية.
وحذرت الدراسة من أن تداعيات الهجوم الإسرائيلي ستكون من الخطورة بحيث يجب عدم السماح به بأي شكل من الأشكال، لأن الهجوم سيحمل نتائج غير مرغوب فيها مثل "توحيد الإيرانيين ضد العدو المشترك، وتعزيز موقف نظام الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الذي سينتقم من المصالح الأميركية والإسرائيلية في المنطقة".
ولدى إشارتها إلى القدرات الإسرائيلية الجوية الأخيرة والخطاب العدواني للسياسيين، تخلص الدراسة إلى أن إسرائيل لا تستعد لشن الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية وحسب، بل على المصانع والمراكز البحثية ومختبرات الجامعات بنية تدمير القدرات التقنية الإيرانية وقتل المتخصصين في هذا المجال.
غير أن إيران سترد –كما تقول الدراسة- بالهجوم على إسرائيل بشكل مباشر، وتنسحب من المفاوضات بشأن برنامجها النووي، وتشجع نشاط التمرد ضد المصالح الغربية في العراق وأفغانستان، وتسهل شن الهجمات على المنشآت النفطية الغربية في منطقة الخليج.
وتختتم الدراسة بأن الهجوم الإسرائيلي سيكون بداية لعمليات عسكرية متواصلة لمنع إيران من تطوير أسلحتها النووية، ويقابلها رد إيراني لفترة طويلة، وهو ما يشعل حربا تحمل تداعيات عالمية وإقليمية.  


- صحيفة "فايننشال تايمز"
دبي ضحية العقوبات على إيران

ساهمت العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران في تقويض الأعمال التجارية بين طهران ودبي، وبالتالي دفعت المدينة الإماراتية ثمنا باهظا.
فقد انهارت شركة مرتضى معصوم زادة –وهو واحد من ثمانية آلاف عضو في مجلس الأعمال الإيراني- في دبي بعد عمل ناجح في شحن السلع لإيران دام أكثر من ثلاثين عاما، بسبب القيود التي تفرضها دبي على الائتمان.
وقد تراجعت إيرادات الشركة من ثلاثمائة مليون درهم العام الماضي إلى 175 مليونا هذا العام، وقال إن "الأيام العصيبة قادمة".
وذكرت صحيفة فايننشال تايمز إن المخاوف من تهريب سلع تكنولوجية ذات الاستخدام المزدوج –عسكريا ومدنيا- لبرامج إيران الصاروخية والنووية، أحدثت تأثيرا فوريا على التجار الشرعيين الذين يصدرون خارج دبي.
ولكن المحور التجاري للإمارات الذي كان ملاذا لرجال الأعمال الإيرانيين الذين يفرون من الفوضى الاقتصادية ببلادهم، تحول إلى جبهة رئيسية ضمن الجهود الدولية لفرض عقوبات على إيران.
فبعد أن كانت دبي جاذبة للإيرانيين في ظل غياب الضرائب، والاستقرار المتزعزع في المنطقة، أصحبت التأشيرات للمواطنين الإيرانيين صعبة المنال، وهذا يعني انخفاضا محتوما في عدد سكان الإمارة حيث يشكل عدد الإيرانيين مائة ألف من إحمالي سكانها البالغ 1.8 مليون.
وأشارت الصحيفة إلى أن الصفعة التي تلقاها رجال الأعمال الإيرانيون كانت شديدة، فقد قال معصوم زادة "عندما انتقلنا إلى هنا، لم يكن للحرس الثوري الإيراني وجود، ولكن الآن عملنا تأثر كثيرا بسبب العقوبات عليهم".
حسب إحصاءات دبي، فإن نسبة الصادرات لإيران شكلت 18% من إجمالي ما يعاد تصديره للخارج عام 2009، مقابل 3% من الصادرات المباشرة.
ومن جانبه قال مجلس الأعمال الإيراني إن قيمة صادرات دبي لإيران تراجعت إلى ثماني مليارات دولار العام الماضي، وقد تنخفض إلى ستة مليارات هذا العام.
وأكدت إحصاءات غرفة تجارة دبي هذا الأسبوع أن قيمة التبادل التجاري مع إيران انخفضت بنسبة 8% الشهر الماضي عنها في يونيو/حزيران العام المنصرم.
وفي الوقت الذي تكافح فيه دبي لتصبح مركزا تجاريا معترفا به على المستوى العالمي، فإن التجارة مع إيران ربما تقوض سمعتها، حسب تعبير ستيوارت ليفي -وكيل وزارة الخزانة الأميركية- الذي يقود حملة العقوبات على إيران.
ويحذر رجال الأعمال الإيرانيون من أن الاعتماد على دبي بات يتراجع، فقد قال مهدي فخري -نائب رئيس غرفة التجارة الإيرانية- إن القيود المفروضة على الوصول إلى المصادر التمويلية والحركة التجارية البطيئة من شأنهما أن يقوضا هذه المدينة.
ويضيف فخري أن التجار أخذوا ينتقلون إلى إمارات أخرى مثل الشارقة والفجيرة بحثا عن الضوابط الخفيفة.
وحتى أن بعض رجال الأعمال في دبي يقولون -حسب فايننشال تايمز- إنهم ينقلون عملهم إلى أماكن أخرى مثل ماليزيا وتركيا حيث الصعوبة أقل في الحصول على التأشيرات والتمويل، وفقا لأحد التجار في الإمارة.


- صحيفة "معاريف"
عرض الثاني عشر من تموز/ عوفر شيلح

كان للجيش الاسرائيلي أكثر من ثلاثة اشهر للاستعداد للقافلة البحرية، من بدء شباط (فبراير) حتى نهاية أيار (مايو). سنخرج من النقاش سؤال أكان يمكن وقفها سياسيا أو بعملية سرية؟ والذي لم يكن للجنة سلطة تناوله يبين آيلند أنه لا سبيل لوقف سفينة كبيرة متحركة سوى بالاستيلاء عليها. وعلى ذلك كان للجيش الاسرائيلي اربعة اشهر تقريبا للاستعداد لخيارات الاستيلاء.
وهذا ما حدث: كانت المعلومات الاستخبارية ناقصة، ومن جملة أسباب ذلك التعاون المختل بين شعبة الاستخبارات في سلاح البحرية وشعبة استخبارات الجيش. يسارع آيلند الى التحفظ: ليس واضحا هل كانت تتراكم بتعاون في الحد الاقصى المعلومات الاستخبارية الحاسمة التي تقول إن على سفينة ''مرمرة'' عشرات الاشخاص مع باعث وتخطيط لمقاومة الاستيلاء بالقوة. وليس واضحا ما هو المعقد جدا في هذا بل إن جزءا من الاستعدادات على السفينة بث في التلفاز، لكن من الواضح ان تعاونا ملحا كهذا لم يكن، بإزاء هدف عيني تحرك الى هدف مدة أيام طويلة. كما لم تصل خرائط استخبارية محدثة في صيف 2006 الى القادة، وبقيت المعلومات عن ''المحميات الطبيعية'' لحزب الله في الخزائن، وكانت الصور الجوية التي نقلت الى القوات عمرها 6 سنين وأكثر.
كانت التوجيهات الأساسية للتخطيط مختلة، وفي الأساس عدم وجود توجيه واضح ينبع من النوعية السياسية الدعائية للحدث: إذا وقع مصابون بين الركاب فسيحدث ضرر عظيم باسرائيل، لا يقل خطرا عن وصول السفينة الى هدفها. وهذا ما حدث بعد ذلك: فقد كان قتلى، وتلقت صورة اسرائيل ضربة شديدة الوقع، وكسر الحصار على غزة بالقوة. أصبحت الفروض الاساسية تصورا لا مناص منه، لا سيما فرض أنه ستكون مقاومة بل قد تكون عنيفة، لكن الجنود الـ 15 الذين سينزلون بالحبال أو يأتون بالقوارب سيفاجئون المقاومين ويخضعونهم.
على طول المسيرة كلها، تقول اللجنة، لا يوجد في الجيش الاسرائيلي ''فريق أحمر'' يعرض طرائق عمل أخرى للعدو، ولم يكن نادي تفكير يفحص عن الفروض الأساسية وذلك في حدث استمر شهورا وحدثت في ظروفه تغييرات كثيرة. كما لم يفكر أحد في صيف 2006 تفكيرا عميقا فيما يريده حزب الله وما هي أهدافه، ولم يوجد أي حلقة تتحدى قرارات رئيس مجلس الاركان.
تبين أن رئيس الاركان حذر سلفا من أن عملية عسكرية غير مرادة. لكن ليس عمل رئيس الاركان التحذير. يجب عليه ان يهتم بعلاج الاختلالات في الأعلى، لانه أدرك سلفا الى أين قد تنزلق الامور. والان يحارب هو والوزير عن طريق التسريبات الى وسائل الاعلام من أحسن الانذار، وكأن الحديث عن مراقبي دولة لا عن الشخصين اللذين كان يجب عليهما ان يفعلا ولم يكن يجب عليهما الموافقة.
وهكذا بلغنا الى الخطة: إنها خطة واحدة وحيدة، بغير بديل وبغير ظروف تمكن من قرار ميداني هل ينفذ؟ ومتى؟ تذكر آيلند قيادة إحدى عمليات الاختطاف الاجرأ للجيش الاسرائيلي، الذي سئل ذات مرة ماذا كان يفعل لو بلغ الميدان ووجد قوات حراسة معززة قرب بيت الهدف. '' لا ننفذ لأنها لم تعد العملية نفسها''، قال الضابط صاحب وسام رئيس هيئة الاركان. يعرف كل قائد عملية خاصة هذا المزاج؛ لكن قائد سلاح البحرية لم يدمجه في الخطة، ولم يصر رئيس الاركان ووزير الدفاع على أن يكون فيها. وكما عمل الجيش الاسرائيلي في صيف 2006 بلا خيارات، في قطيعة بين المخططين والواقع الميداني.
ولدت من هذا الوضع مشكلة الاستيلاء والقيادة. أرشد رئيس الاركان الى أنه يجب على القادة ان يكونوا في المقدمة. وهكذا هو الجيش بعد لبنان لان قادته لن يضبطوا قرب شاشات البلازما. وهكذا وجد قائد السلاح في قارب مقدمته أدنى من مقدمة سفينة مرمرة، قرب قائد الوحدة البحرية أي مع المعلومات نفسها والسيطرة نفسها. لم يوجد رئيس الاركان في وكر القيادة، وفي واقع الأمر رفع جميع جهاز القيادة الى مستوى قائد القوة في الميدان. وحدث في الحقيقة ما حدث في صيف 2006 حينما لم يكن القادة في المكان الصحيح للتأثير في المعركة.
يقول آيلند الرحيم أن من المناسب مبدئيا ان يكون قائد ذراع في مكان فيه سيطرة افضل. لكن قائد سلاح البحرية اعتقد انه يجب ان يكون في قارب ولم يعتقد أحد من اولئك الذين وافقوا في مدة شهور لا في عملية تسير من آن الى آن أنه توجد مشكلة. في لحظة الحسم التي كان يجب فيها ان يوزن عدم التنفيذ حتى توجد ظروف مختلفة، صرخ القائد ''الى الامام'' لأن هذا ما رآه، ولأنه لم تكن عنده خطة بديلة ولم تكن لديه وسائل لتنفيذ خطة كهذه. انقض الجنود الشجعان واصبحت النتائج الحبلى بالاخفاق غير ممتنعة.
تبين ان الامر العسكري كان مكتوبا على نحو غير جيد: فهو غير واضح، وفي خطوط تقييد وتحديد تركت الكثير من المجالات الغامضة ولم تسهم في عملية ناجعة. وكما في صيف 2006 حقا، حينما جعلوا من اللغة الغامضة للأوامر العسكرية مسألة كبيرة (وبالمناسبة هذا ما كتبه تقرير اغرينات عن لغة الاوامر العسكرية في يوم الغفران حقا). لم يعد غال هيرش وشمعون نفيه في الجيش الاسرائيلي لكن تبين ان هذا لم يكن ذنبهما.
هذه هي صورة حقائق تقرير آيلند: في عملية عينية، لا تكاد تكون محدودة بالوسائل وخطط لها مدة شهور، تبين كثير من الاختلالات زعم الجيش الاسرائيلي بأنها أصلحت. تبين أنه منذ 12 تموز (يوليو) 2006 حتى 12 تموز (يوليو) 2010 لم يكن التغيير حاسما جدا ولم تكن اعادة البناء حاسمة.
كان آيلند على حق تماما عندما امتنع عن توصيات شخصية ولا سيما على قائد سلاح البحرية الذي كانت اخطاؤه بمنزلة ''من لا يفعل لا يخطىء''. الأمر عند شخصين آخرين: وزير الدفاع الذي لم يحدد الحدث وحدود العملية وأجاز خططا مختلة أفضت آخر الامر الى الاخفاق؛ ورئيس الاركان الذي تم تحت سلطته التنسيق الاستخباري الناقص ومسار التخطيط الآلي، وغاب عنه الخيال وحرية التفكير.
لم يعين آيلند للتحقيق مع باراك المذنب الرئيسي؛ واشكنازي هو الذي عينه، عن علم بأن غيورا المخلص، طالب الخير، سيقدم اليه تقريرا فيه كل شيء ما عدا خلاصة لاذعة واضحة وهي أنه بعد أربع سنين، ربما عاد الجنود الى التدرب وتوجد دورة قادة فرق، لكن كثيرا من الامراض الاساسية للجيش ما تزال معنا.
 

- موقع "كاونتربنتش"
خطة إسرائيل الكبرى للقدس.. معالجة موضوع المستوطنات / ناديا حجاب

في هذه المرة، أعطى الإسرائيليون لباراك أوباما الكثير من الملاحظة. فقد أعلنوا عن خطة رئيسية لتوسيع المستوطنات اليهودية في القدس الشرقية المحتلة قبل أسبوع كامل من لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع الرئيس.
وهكذا، لم تتم إزاحة أوباما جانبا مثل جو بايدن، الذي كان قد تلقى صفعة على الوجه بإعلان عن توسع استيطاني في يوم زيارته لإسرائيل في آذار (مارس) الماضي. لكن من غير المرجح أن يجعل ذلك الرئيس أسعد حالاً بالانتهاك الإسرائيلي لتجميد الاستيطان، ناهيك عن القانون الدولي، وما قد يتسبب به من تصادم آخر فيما يصفه السفير الإسرائيلي مايكل أورين، كما نسب إليه، بأنه تحول تكتوني في العلاقات الأميركية-الإسرائيلية.
من شأن خطة القدس الرئيسة المقترحة -أمام المعترضين 60 يوماً لطرح تحفظاتهم- أن تطبق من الآن فصاعداً نفس إجراءات الضم والإنشاء على كل من القدس الشرقية والغربية، في محاولة أخرى لتكريس التوحيد القسري للمدينة. وسيبتلع معظم التوسع المخطط له الممتلكات العربية الخاصة -ولكن، سواء كان ذلك في الأراضي الخاصة أو العامة، فإن المؤسسة الاستيطانية الإسرائيلية برمتها تعد غير قانونية في القدس الشرقية، كما هو حالها في بقية الأراضي التي احتلتها إسرائيل خلال حرب العام 1967.
يعتقد المستوطنون الإسرائيليون بكل وضوح بأنهم يمتلكون اليد العليا: وحتى لو كان أوباما يريد أن يكون متشدداً مع إسرائيل، فإن انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر) المقبلة ستجعله يتوقف ويعيد المراجعة. ويحتاج المرشحون الديمقراطيون إلى كل الأموال والأصوات التي يستطيعون ضمانها، كما أن اللوبي الأميركي اليهودي الجديد البديل، جيه ستريت، لا يتمتع بعد بالقوة الكافية لمواجهة الهالة الانتخابية للوبي الإسرائيلي المكرس منذ فترة طويلة.
وهكذا، يستمر المستوطنون في التعالي بأنوفهم على مسرح المجتمع الدولي، ويفلتون من أي عواقب، تماماً مثلما درجوا على عمله منذ 43 عاماً، وما يزالون. وفي الحقيقة، وفي نفس اليوم الذي أعلن فيه عن الخطة الرئيسة، شرعت إسرائيل بعمليات الإنشاء في مشروع إسكاني جديد في مجمع فندق شبرد في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية. وعندما أعلن عن تلك الخطط قبل عام، طالبت هيلاري كلينتون إسرائيل بإلغاء أذونات البناء. والآن وقد هدأت رياح الضجة، انطلقت عملية البناء.
لقد أجرت إسرائيل تغييرات رهيبة في البنى الهندسية للقدس الغربية والشرقية على حد سواء، كما وفي الظروف الإنسانية، فحشرت الفلسطينيين على نحو لا يرحم -مسلمين ومسيحيين على حد سواء - لصالح اليهود الإسرائيليين. وكما لاحظ المحامي دانيال سايدمان الذي يتخذ من القدس مقراً له في مقال أخير له نشر على موقع "فورين بوليسي دوت كوم" - قناة الشرق الاوسط، فقد أصدرت إسرائيل 4.000 تصريح بناء فلسطيني خاص فقط في القدس الشرقية، رغم أن عدد السكان قد تضاعف أربع مرات ليصل إلى 28.000 نسمة منذ العام 1967 (وكان من الممكن أن يكون أعلى من ذلك لولا الإجراءات الإسرائيلية). ويتم إجبار الفلسطينيين على الاختيار بين البناء بشكل "غير قانوني" على أراضيهم الخاصة، والمجازفة بالتالي بهدم منازلهم، أو -كما تفضل إسرائيل- مغادرة الأراضي.
ويعد حجب الأذونات مجرد وسيلة واحدة فقط، والتي يقوم بها الإسرائيليون بعملية "تطهير عرقي" للقدس من الفلسطينيين. وتشمل الإجراءات الأخرى الإجلاء القسري، وإلغاء أذونات الإقامة، وجدار الفصل، وقطع بقية الضفة الغربية عن القدس، والاضطهاد الواضح والمعلن. وفي الشيخ جراح، على سبيل المثال، عمد المستوطنون إلى تعليق مكبرات لبث الموسيقى الصاخبة في المجمعات السكنية المجاورة.
ويستطيع المستوطنون إلحاق الكثير من الضرر من الآن وحتى تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. وإذا لم تستطع الإدارة الأميركية لجم حليفتها إسرائيل قبل ذلك الموعد، فقد يطلب الأميركيون من شركائهم الأوروبيين أو غيرهم القيام بذلك. وبعد كل شيء، فإنه لا يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتتركز السفارات في تل أبيب. وكان آخر بلدين لهما سفارتان في القدس -السلفادور وكوستاريكا- قد أعاداهما ثانية إلى تل أبيب في أعقاب حرب إسرائيل على لبنان في العام 2006.
ومن جهة أخرى، حان الوقت لتذكير إسرائيل عنوة، ليس فقط بأن كل ما تفعله في القدس الشرقية المحتلة يعد غير قانوني، وإنما بأن سيادتها لا تمتد لتشمل القدس الغربية أيضاً. وما تزال القوى الرئيسية -بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي- تعتبر القدس مدينة مقسمة، كما نص على ذلك قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181، الذي قسم فلسطين إلى دولة عربية ودولة يهودية. ولا يمكن تغيير هذه الوضعية سوى بالتوصل إلى اتفاقية سلام فلسطينية إسرائيلية. وذلك يفسر، في جزء منه، السبب وراء فشل محاولات الكونغرس المتكررة في حمل الإدارات الأميركية المتعاقبة على نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس.
من المؤكد أن إدارة أوباما لا تستطيع ترك أعمال إسرائيل وهي تمضي قدماً دون تحديها. ورغم أن هجمات المستوطنين على المقدسيين الفلسطينيين لا تحظى بتغطية شافية في الإعلام الغربي، فإن العرب والمسلمين يشاهدون مشاهد تكسر القلوب على شاشات التلفزة، وهو ما يلهب المشاعر أكثر في منطقة تتورط فيها أميركا. وسيفعل أوباما حسناً إن هو حمل حلفاء أميركا على اتخاذ إجراء في الوقت الراهن، توطئة لوضع ثقل أميركا الكامل وراء السلام -والعدل- بعد انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر).
وفي الغضون، قد تجد حركة الاستيطان الإسرائيلية أن استعمارها المتسارع للقدس الشرقية من أجل خلق حقائق على الأرض قد تنتهي إلى الفشل من خلال إعادة تركيز الاهتمام مجدداً على وضع القدس ككل متكامل، بشقيها الغربي والشرقي على حد سواء.
 

- "معاريف"
هل هضبة الجولان في أيدينا؟/ نداف هعتسني

تثبت حادثتان وقعتا في الاسابيع الاخيرة مبلغ فقدان دولة اسرائيل للسيطرة على القرى الدرزية في هضبة الجولان، ومبلغ تخاذل شرطة اسرائيل في مواجهة تهديدات العنف المنظمة.
في بدء الاسبوع أتت قوة من الشرطة معززة لاجراء تفتيش في بيت فداء شعار، وهو درزي من مجدل شمس يشتبه بتجسسه على الدولة. وما تلا ذلك معلوم: فقد أحدق 1.500 شخص بالبيت الذي دخله رجال الشُرطة. رموا الحجارة، وحطموا سيارة الشرطة وهددوا بالتنكيل بهم، بيد أن الشرطة أظهرت التسامح والعجز غير المفسرين. لم تفرق المشاغبين ولم تعتقل أحدا. وبدل ذلك أجرت تفاوضا مع ''الشيوخ'' المحليين احرز مع انقضائه صيغة لانسحاب هادىء للشرطة من المكان.
مع سكون الجلبة، لم يحجم احد الشيوخ اللطفاء عن التهديد علنا امام عدسات تصوير التلفاز: ''لن يكون في المرة القادمة شيوخ، سيكون ذبح''. من المثير أن نعلم كيف كانت الشرطة ترد لو كان الحديث عن تفتيش في بيت احد السكان في يتسهار في السامرة بل في قلب تل أبيب. أكانت توافق على طي ذيلها بعد محادثات مع لجنة الحي؟ ان طريقة الشيوخ وخضوع الشرطة في مواجهة العنف الدرزي في الهضبة بلغ محكمة العدل العليا أيضا في الاسابيع الاخيرة. وكان المستأنف ايلان ميلس من سكان نافيه أتيف، الذي يحاول منذ عشر سنوات الحصول على موافقة لانشاء مشروع سياحي ''سوق المزارعين''.
وجهته السلطات الى موقع يقع فوق قلعة ''النمرود'' في مكان يسمى ''موقف غولاني''. جعلوه يسير في درب العذاب كله الذي يميز البيروقراطية الاسرائيلية، واهتم في اثناء ذلك بان يعلم جيرانه الدروز بالخطة ايضا. قبل نحو سنة حصل ميلس آخر الامر على الرخص التامة وتوجه للعمل. بيد أن المشكلات بدأت من فور وصوله الميدان. فقد زعم الدروز في تلك المنطقة فجأة ان الموقع مجاور لقبر شيخهم المقدس، وهو يمس بمشاعرهم وسيمنعون استعماله بالقوة. وطلبوا في الآن نفسه في لقاءات خاصة الى ميلس ان يسلمهم تشغيل المشروع.
توجه ميلس مرة بعد اخرى الى الشرطة لكنها بدل أن تطبق القانون ببساطة، انصاعت لرغبة الشيوخ وبدأت تجري تفاوضا مع مختلف الوجهاء، وعندما فشلت منعت ميلس من تنفيذ حقوقه القانونية. زعمت الشرطة انها ستحتاج الى الفي شرطي لحراسة الموقع على الدوام وليس عندها عدد كاف لذلك. واضطر ميلس اذ ضاق به الامر الى التوجه الى محكمة العدل العليا التي ردت في اثناء ذلك بتصميم فوبخت الشرطة توبيخا شديدا وأصدرت اليها أمرا مشروطا. اذا اصبح الامر نهائيا فقد يكون في ذلك تلميح واضح للسلطات الاسرائيلية ان تغير اتجاهها فيما يتعلق بالقرى الدرزية في الجولان.
حرر سكان هذه القرى الاربع انفسهم من سيطرتنا قبل سنين والتبعة علينا بطبيعة الامر.
كانت هذه القرى اول من عبر عن مشايعتنا بعد تحرير الجولان في 1967، وظلوا سكانا مخلصين حتى الانسحاب من سيناء في مطلع الثمانينيات. آنئذ، عندما ادركوا ان اسرائيل قد تقدم اعناقهم للمقصلة السورية لبسوا لنا جلد النمر.
منذ ذلك الحين أخذت تزداد مشايعة أكثرهم لسورية. والاعجب ان مؤسسات الدولة توافق على هذا التحلل من السلطة الاسرائيلية. وليس من المفهوم على الخصوص لماذا تبنت الشرطة نموذج الاستخذاء في مواجهة تهديدات العنف الدرزية. ولهذا، الى جانب التلميح الواضح من محكمة العدل العليا في شأن ايلان ميلس حان وقت ان يتنبهوا أيضا في مقر عمل الحكومة في القدس وان يأمروا الشرطة والشاباك باعادة هضبة الجولان الى أيدينا.


- "كريستيان ساينس مونيتور"

هل كان أميري عميلا مزدوجا؟

 تساءلت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" عن سبب عودة من وصفته بالمعارض أو المنشق الإيراني شهرام أميري إلى بلاده، وقالت إنه لا بد من وجود أسباب وراء عودته من بينها كون العالم النووي عميلا مزدوجا.
ووفق رواية المسؤولين الأميركيين فإن أميري كان مجندا متطوعا وإنه قام بتزويد الاستخبارات الأميركية بمعلومات عن البرنامج النووي الإيراني وإنه حصل في المقابل على مبلغ وقدره خمسة ملايين دولار، لكنه لم يستطع أخذ المال معه أثناء عودته إلى طهران.
وأما أميري فيقول إنه كان قد تم اختطافه في السعودية منتصف عام 2009 الماضي أثناء تأديته مناسك العمرة.
وأشارت ساينس مونيتور إلى أنه قد يمكن للمرء أن ينقلب على بلاده ويصبح معارضا لها لأسباب متعددة من بينها الغضب أو الطموح أو خيبة الأمل، وأنه يمكن لتلك العوامل والأسباب أن تتفاعل مع بعضها بعضا أو أن تتبدل بعد أن يكون المرء غادر بلاده بالفعل.
 ومن خبرة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أي) فإنه يمكن للمرء المعارض أي يبدل رأيه ويعود به حنينه إلى وطنه الأم، وذلك لعوامل متعددة من بينها الفشل بالتجنيد.
ويمكن للمرء أن يشعر بالإحباط، وعدم الرضا إزاء الأوضاع في البلاد التي هاجر إليها ما لم تقم الدوائر الاستخبارية فيها بالاستمرار في تحفيزه وتشجيعه للبقاء متعاونا مع البلد الجديد.
وضربت الصحيفة مثالا من عهد الاستخبارات السوفياتية السابقة (كي جي بي) حيث قالت إن العميل السابق فيها فيتالي يوتشينكو انشق عن بلاده ولجأ إلى الولايات المتحدة، لكنه سرعان ما عاد إلى وطنه الأم بعد أن أوكلت إليه واشنطن مهمة في روما عام 1985.
وأثناء مؤتمر انعقد عام 1999، أقر نائب مدير (سي آي أي) السابق بول ريدموند بأنه تم الضغط على يوتشينكو أكثر من اللازم حتى إن البعض أراد أن يحصل منه على معلومات عن مكان وجود ناشط حقوق الإنسان السويدي راؤول وولينبيرغ الذي اختفى أثناء وجوده في الاتحاد السوفياتي.
عامل إنساني
أما العامل الثاني وراء عودة المعارض أميري إلى موطنه الأصلي، فترى ساينس مونيتور أنه ربما يكون عاملا إنسانيا، إذ ربما تكون أميركا لم ترق له أو أنه لم يجد فيها ما روجته منتجات هوليود من الأفلام والصور المتعددة، أو أنه شعر بعقدة الذنب أو أنه شعر بالوحدة والبعد عن زوجته وولده.
ومن عادة الوكالة الأميركية استقطاب عائلات المجندين، وأما سبب عدم حدوث ذلك في حالة المنشق أميري -تقول الصحيفة- فإن ذلك يبقى أمرا غامضا.
خطة مسبقة
وأما السبب الثالث المحتمل وراء عودة  أميري إلى موطنه، فترى ساينس مونيتور أنه ربما يكمن في أنه شأن مخطط له بشكل مسبق، أي أنه كان عميلا مزدوجا وتم إرساله للولايات المتحدة بهدف تضليل الاستخبارات الأميركية.  
واختتمت الصحيفة بالقول إن ملف أميري العائد إلى بلاده، بعد رحلة قضاها بين أيدي الاستخبارات الأميركية بحجة اختطافه، سيبقى غامضا وبعيدا عن أعين الناس سنوات قادمة حيث إن عمليات التجسس طالما حدثت في عالم من الغموض وعدم الوضوح.  


- صحيفة "لوموند"
تركيا: قوة ينبغي أن يُحسب حسابها / أنتوان بسبوس

من القاهرة إلى بغداد يخضع العرب لـ "هجوم إقليمي ساحر مزدوج"، ناتج عن انخفاض قيمة دورهم الاستراتيجي. وهم أمام خيارين اثنين: إما أن يختاروا الانضمام إلى الصف الإيراني، وإما الانضمام إلى "تركيا الحديثة" - المغرب العربي بات يميل أكثر فأكثر إلى الغرب، مع بقائه حساسا لمصير الفلسطينيين. وقد بدأت تركيا الإسلامية، بالفعل، في إعادة صياغة تصورها الاستراتيجي تدريجيا، بفضل وزير خارجيتها أحمد داود أوغلو. فتركيا الإسلامية بقيادة حزب العدالة والتنمية، التي فقدت أهميتها منذ نهاية الحرب الباردة، والمحبطة بسبب الكوابح التي وُضعت على انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، تنحرك اليوم ضمن مذهب أحمد داود أوغلو الجديدة، سعيا لأن تستثمر طاقاتها في محيطهما الطبيعي، العربي الإسلامي. ولا شك أن الهدف من سياستها الجديدة هو جمع المزيد من الأوراق الجيو-سياسية الرابحة، وتفعيل دورها لدى حلف شمال الأطلسي، وعلى الخصوص طرْق أبواب الاتحاد الأوروبي بمزيد من القوة والوزن.
على هذا النحو دشنت أنقرة دبلوماسية جديدة من الانفتاح، والتهدئة والتنمية، إزاء جيرانها العرب، والأكراد، والإيرانيين، مع إدارة ظهرها تدريجيا إلى شريكها الإسرائيلي. فقد ألغيت منذ الآن تأشيرات السفر بين تركيا والعديد من البلدان العربية، ومنها سورية. وقد شرعت تركيا أيضا في محاولة تحقيق المصالحة مع الأكراد، وهي المحاولة التي أدت إلى قضاء الوزير التركي للخارجية، ليلة كاملة في أربيل، عاصمة كردستان العراقية. وأخيرا ترعى تركيا مع البرازيل، تبادل اليورانيوم الإيراني خفيف التخصيب بنسبة 20 %، والذي توفره القوى العظمى، فوق أراضيها. لتمنح لإيران، على هذا النحو، حسن النية التي تفتقد إليها هذه الأخيرة، إلى حد البداهة.
هذا الموقف الجديد، ينكب اليوم على المسألة المركزية التي يتجند لها العرب والمسلمون، ألا وهي مسألة فلسطين التي تمسهم إلى أعلى نقطة ممكنة، لأنها تشهد عن عجزهم المُذل، في فرض مواقفهم أمام إسرائيل منذ اثنين وستين عاما. ولا شك أن لعبة أنقرا لعبة بارعة وحاذقة جدا: فبمساندتها للبرنامج النووي المدني الإيراني، تسعى تركيا إلى منافسة إيران، الشارع العربي الذي لم يعد يعرف إلى أين يتجه. لقد بات هذا "الشارع" ممزقا ما بين قوتين إقليميتين: طهران الشيعية، وأنقرة السنية. وبقدر ما نجحت إيران في أن تسبق الأنظمة العربية، بممارستها للمزايدة، وبنجاحها في زرع أيديولوجيتها لدى حزب الله، وتوغلها العسكري في لبنان، بقدر ما تبدو تركيا عازمة على اكتساح الشارع العربي، باستعمالها خطابا أقل فظاظة، وأكثر حنكة سياسيا.
هكذا تفاعل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، بصورة مثيرة، في منتدى دافوس، في شهر تشرين الثاني (يناير) 2009، مع القصف الإسرائيلي على غزة، مثيرا بحيويته، دهشة الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز الذي كان جالسا إلى جانبه. فمنذ ذلك اليوم ما انفكت العلاقات ما بين البلدين تتدهور على المستويات كافة. فلن يستطيع الجنرالات الأتراك الذين باتوا يفقدون نفوذهم يوما بعد يوم، عمل أي شيء في هذا الشأن. فهم مطالبون بمغادرة المسرح السياسي، والالتحاق بثكناتهم. وبفضل شرعية الاقتراع العام، بات الإسلاميون في حزب العدالة والتنمية، يثبتون ويؤكدون قيمتهم أكثر فأكثر، في مجال السياسة الداخلية والدولية على السواء. وذلك على الرغم من الخسائر التي تتكبدها العلاقات المكثفة ما بين الجيشين الإسرائيلي والتركي.
إن تركيا، في نظر العرب، ولا سيما الأغلبية السنية، تبدو كأهون الشرور جميعا. فهم، باعترافهم بالعجز عن الوقوف في وجه إسرائيل، يؤثرون على الفرس، جارتهم السنية تركيا، وريثة إمبراطورية ظلت تهيمن على أراضيهم قرابة أربعة قرون من الزمن، والتي تنشر اليوم سياسة مطابقة لتطلعاتهم. أما إيران، فإنها تعاملهم بخطاب لا يقل عجرفة وتهديدا عن خطاب إسرائيل.
فالمسألة، أن نعرف إن كانت تركيا ستلعب أوراقها، فقط من أجل فصل العرب الذين غزاهم الخطاب الإيراني، أم أنها تسعى أيضا إلى أن تندرج ضمن مزايدة عزيزة على قلب القاعدة السياسية لحزب العدالة والتنمية، الذي يقف على أبواب الانتخابات في تركيا.
في هذه المبارزة الثنائية شبه الهادئة، ثمة بلد يجد نفسه في المرتبة الأولى على قائمة الخاسرين: مصر مبارك. إن القاهرة التي تتحداها غزة على حدودها، والتي تتعرض للتحدي مرة ثانية من قبل تركيا التي أرسلت منظمات غير حكومية على ظهر بواخر، لكسر الحصار الإسرائيلي على غزة، لم تجد أمامها سوى خيار واحد، وهو أن تفتح معبر رفح... قليلا.
فعلى الشعوب أن تختار اليوم ما بين العرض العدواني الإيراني، وما بين بديله، الأكثر حنكة سياسيا، ألا وهي تركيا. هذان البلدان يعِدان بأن يحلا محل العرب الذين تنازلوا عن المبارزة، من دون أن يصرحوا بذلك صراحة، مقدرين أنهم قدموا للفلسطينيين بما فيه الكفاية، من دون التوصل إلى نتائج حاسمة. ويبقى أن نعرف أي متابعة تنوي تركيا حزب العدالة والتنمية، أن تقدمها إلى الديناميكية التي أطلقتها منذ كانون الثاني (يناير) 2009، ومن البلدين المتنافسين، أنقرة أم طهران، ستوقع مع واشنطن، "يالطا" جديدة، حول المنطقة، على حساب العرب.
فأيا كانت التطورات التي سوف تحدث في هذه المنافسة الإيرانية-التركية، ثمة حقيقة تفرض نفسها: لم يسبق لإسرائيل أبدا أن عُزلت على المسرح الدولي كعزلتها اليوم، ولم يسبق لحماس غزة أن شعرت بقرب نهاية الحصار الذي خنق شعبها، كما تشعر اليوم. ولتركيا في كل ذلك، دور كبير لا شك فيه!


- موقع "ميدل إيست أون لاين"

النفوذ الأميركي ينكمش وإيران تحقق المكاسب / روبرت درايفوس

الأخبار الجيدة من زيارة نائب الرئيس جو بايدن للعراق بمناسبة الرابع من تموز (يوليو)، هي أن الولايات المتحدة أكدت مجددا التزامها بخفض عديد القوات الأميركية هناك إلى 50.000 جندي مع حلول الشهر المقبل، منهية بذلك الدور القتالي الأميركي، وساحبة كافة قواتها المتبقية إلى خارج العراق مع حلول نهاية العام المقبل.
ويأتي ذلك على الرغم من الضغط الذي يمارسه الصقور والمحافظون الجدد من أجل تبطيء الانسحاب. وبالطبع، هناك حديث عن إعادة التفاوض حول شروط الانسحاب الأميركي في العام 2011 من خلال إرساء نوع من اتفاقية عسكرية أميركية عراقية طويلة الأمد. ومع ذلك، فإن مثل هذه الاتفاقية ليست خاصة بالولايات المتحدة وحدها، وإنما ستعتمد أيضا على ما يفكر به العراقيون. وإذا استمر النفوذ الإيراني في العراق في كسب القوة فيما تغادر الولايات المتحدة -كما يبدو مرجحاً- وإذا استمرت الولايات المتحدة وإيران في خوض مواجهة حول البرنامج النووي الإيراني ودور إيران الإقليمي، فسوف يتلاشى احتمال إقامة التحالف الأميركي-العراقي القائم. وفي الحقيقة، فإن العراق اصبح ميدان المعركة للتنافس بين النفوذ الأميركي والإيراني، لكن إيران تتمتع هناك بقصب السبق.
في زيارته الأخيرة للعراق -وهي السابعة عشرة- بدا بايدن وأنه لا يعبأ بمن يشكل الحكومة في العراق. وقال أحد مساعدي بايدن في إيجاز عن خلفية الزيارة للمراسلين الصحافيين في بغداد: "لقد أوضح (بايدن) تماماً أنه ليس لدينا مرشحون، وليست لدينا نتائج مفضلة ولا لدينا خطط". ومع الضغط عليهم تكرارا من جانب المراسلين، رفض مسؤولو الإدارة الذين كانوا يشرفون على تقديم الإيجاز قول أي شيء عن نوع الحكومة التي يحبون رؤيتها تتشكل في العراق.
ومع ذلك، ونظرا لأن كل الأمور تبقى متساوية، فإن من الواضح أن الولايات المتحدة تفضل أن يكون لتكتل إياد علاوي العلماني والوطني والمعادي لإيران، والذي له في كتلة "العراقية" دور رئيسي يتمثل إما في رئاسة الحكومة التالية في العراق، أو في نوع من ائتلاف كبير مع تكتل حزب الدعوة - دولة القانون الذي يرأسه رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي. لكن لدى الولايات المتحدة القليل من الأوراق لتلعبها في هذا الصدد. وسوف يقل عدد هذه الأوراق مع تراجع مستوى تواجد القوات الأميركية في العراق.
غضوناً، حاول أحد مسؤولي الإدارة، خلال الإيجاز، إقامة حجة معقولة بأن الوضع العراقي في الوضع الصحيح، فقال: "أريد فقط أن أضيف شيئاً واحداً، والذي قصدت أن أقوله سابقاً، وهو أنه كان من المثير للاهتمام قراءة بعض القصص عن الولايات المتحدة في العراق، لأن مجموعة من هذه القصص تبدو وأنها تشير إلى أننا نهمل العراق وأننا فككنا الارتباط معه، فيما تقترح مجموعة أخرى من القصص أننا نتدخل كثيراً جداً في الشأن العراقي، مما يعني لي أن المعادلة في وضعها الصحيح".
لكن هذه التقسيمة زائفة. إن الولايات المتحدة لا تهمل العراق، وإنما العكس هو الصحيح: إن العراق هو الآخذ بالتخلي عن الولايات المتحدة لصالح إقامة علاقات أوثق مع إيران. والمشكلة أنه حتى لو أرادت الولايات المتحدة "التدخل كثيرا في الشؤون العراقية" فإنها سوف تفشل. ومن شأن هذا التدخل أن يفضي إلى نتائج عكسية، ويحرك النزعة العراقية المعادية للأمركة، ويصب وقودا على نار الدعم للمتمردين مثل مقتدى الصدر، ويدفع بالعراق أكثر إلى أحضان إيران.
ولعل أوضح إشارة على افتقار الولايات المتحدة للنفوذ في العراق تتجسد في عقود النفط التي اعتبرت مرة على أنها جائزة كبرى للمحتلين الأميركيين للعراق. وتذكروا أحمد الجلبي وهو يعد بأن تنال الشركات النفطية الأميركية حصة الأسد من نفط العراق - لكنها لم تذهب إلى الشركات الأميركية، وإنما لشركات منافسة من الصين وروسيا، وشركات أخرى من آسيا وأوروبا.
لقد مضت أربعة أشهر منذ انتخابات السابع من آذار (مارس) في العراق، ويبدو أن الأحزاب السياسية لم تقترب بعد من تشكيل حكومة قياسا مع ما كانت عليه يوم الثامن من آذار (مارس). ووفقا لما ذكره أحد المصادر العراقية، فإن ذلك يعد في جزء منه مخادعا، فقد تنازل علاوي عن حتمية تشكيل ائتلاف بين المالكي والتحالف الوطني العراقي الموالي لإيران علناً، والتكتل الشيعي الذي يضم الصدر، والمجلس الإسلامي الثوري الأعلى (في مقابل موافقته يريد علاوي احتلال المنصب الأكثر رمزية: منصب الرئيس العراقي)، وذلك اصطفاف ربما تدعمه إيران لأنه يضع الحكومة في أيدي الشيعة، كما أنه لا يوجد لدى إدارة أوباما سوى القليل من الخيارات التي تملي عليها الموافقة وحسب.
لكنه تردد أن بايدن أعرب عن قلقه في العراق من أن التوصل إلى أي صفقة تستثني علاوي الذي يمثل آمال العراقيين المعادين لإيران، والسنة، والقوى العلمانية، يمكن أن يفضي إلى الرجوع ثانية إلى موجة عنف أشد بكثير من العنف الحالي المتمثل في حملة منخفضة الوتيرة من التفجيرات والاغتيالات. وكانت العديد من حالات الاغتيال قد استهدفت حزب علاوي إضافة إلى حلفائه. وفيما نسبت هذه الحوادث إلى بقايا تنظيم القاعدة في العراق، فإن من المحتمل أن تكون إحدى هذه العمليات على الأقل قد نفذت من جانب نفس فرق الموت الإيرانية التي نشطت في العراق، مستخدمة أسلحة مميتة منذ العام 2003.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد