- وكالة 'نوفوستي'
'أسامة بن لادن عميل 'سي آي ايه'
قال فيديل كاسترو، قائد الثورة الكوبية، في مقابلة مع المحلل السياسي الليتواني دانييل أستولين تمت في كوبا مؤخرا إن 'أسامة بن لادن عميل 'سي آي ايه'.
ويقول دانييل أستولين في حديث مع صحيفة 'ازفستيا' الروسية: 'إن فيديل على حق. وبطبيعة الحال فإن الصحافة الأمريكية تفضل السكوت على ذلك لأن ما قاله كاسترو يوقع الطبقة الحاكمة الأمريكية في حرج في حين يذكر التاريخ أن المدير السابق للمخابرات الباكستانية الجنرال حامد غول كان واحدا من حلفاء وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية 'سي آي ايه' خلال الحرب السوفيتية الأفغانية. وساعد غول على تسليح المجاهدين الأفغان وفي الوقت نفسه كان على اتصال وثيق مع بن لادن والتقاه. كذلك كانت 'سي آي ايه' وجهاز المخابرات البريطانية 'مي-6' متعاطفين مع سعودي من أصل يمني يكرهه الجميع اليوم ويسمونه بالإرهابي رقم واحد. وليس هذا فحسب، بل هناك معلومات موثقة تشير إلى وجود صلات مالية وشخصية بين عائلتي بوش وبن لادن'!
وردا على سؤال 'لماذا عاد فيديل إلى مسرح العمل السياسي؟' قال دانييل أستولين: ربما بات (فيديل كاسترو) يشعر بالملل أو ينتابه قلق على مستقبل كوبا، فثمة إحساس بأن هذا البلد على مشارف تغيير كبير كما كان شأن الاتحاد السوفيتي في عام 1991.
- صحيفة 'الغارديان'
موضوع اللاجئين الفلسطينيين ما يزال يتفاعل
في هذه الآونة، يعيد لبنان توليد نفسه. وفي الميزان، يعد انسلاخ البلد الجمعي عن التاريخ أكثر نجاحا من عدم انسلاخه عنه. ورغم مرور 20 عاماً، يظل العنف الطائفي المتقطع نمط حياة هنا. ولحسن الطالع، أفلح اللبنانيون في تجنب الانزلاق مرة أخرى في أتون فوضى حرب أهلية رغم الجراحات كافة، لكن موضوع اللاجئين الفلسطينيين ما يزال يتفاعل.
وكانت الأسلحة الفلسطينية -أو بشكل أوسع: المقاومة- قد أصبحت جزءاً مكرساً من الحياة اللبنانية في العام 1969. ففي ذلك العام، توسط الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر لعقد اتفاقية القاهرة بين ياسر عرفات وقائد الجيش اللبناني في حينه العماد إميل البستاني. وكانت الغاية من الاتفاقية هي تعريف مجال الحياة الفلسطينية في لبنان. وقد تنازلت الاتفاقية عن السيطرة الأمنية داخل المخيمات للفلسطينيين، وأكدت حقهم في الانضمام إلى المقاومة المسلحة ضد إسرائيل.
وبعبارات عملية، أسهمت الاتفاقية في التآكل المستمر لسيطرة الدولة في لبنان، وهو ما أفضى إلى إقدام الدولة على إلغاء تلك الاتفاقية في نهاية المطاف في العام 1987. ورغم ذلك، ما تزال المخيمات الفلسطينية تدار ذاتياً وهي مسلحة بكثافة.
وكنت قد سمعت تكراراً من الفلسطينيين في المخيمات أن أسلحتهم موجهة نحو الجنوب فقط -باتجاه إسرائيل. وقد كانت كذلك لفترة طويلة. وقد أسهم الفلسطينيون، على نحو بطولي، في حملات حرب العصابات ضد القوات الإسرائيلية الغازية في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي. لكن العقود المتداخلة بدأت تشهد انتقال راية المقاومة من الفلسطينيين إلى قوة لبنانية قوية ومدوية، هي حزب الله.
وقد أعيد الفضل إلى مقاتلي حزب الله، وليس إلى الفلسطينيين، في تحرير معظم الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي. كما أن حزب الله هو الذي رد الهجوم الإسرائيلي على لبنان في العام 2006 على أعقابه. وسوية مع الجيش اللبناني، يدعي حزب الله أنه يشكل جزءاً من الدفاع الوطني عن البلد -وهو ادعاء يتحداه القليلون استنادا إلى الأرضيات الواقعية، بغض النظر عما إذا كان ذلك دوراً مستحقاً.
وفي الغضون، يعيش فلسطينيو لبنان أسرى عبودية ذكريات مدلهمة. وهم يتعايشون مع أطياف صبرا وشاتيلا فيقبضون على أسلحتهم ويتشبثون بها. وهم يتذكرون 'حرب المخيمات' فيشددون أكثر من قبضتهم على هذه الأسلحة. وهناك حالة عدم أمن لا نهاية لها. وهم موجودون خارج النسيج الاجتماعي، ويعولون على وهم الأمن العسكري.
وأنا أستخدم كلمة 'وهم' عن قصد: فعندما تسلل الإرهابيون إلى مخيم نهر البارد في العام 2007، أقدم الجيش ببساطة على تجريف المخيم كله ومسحه من أجل القضاء عليهم. وهناك أحس الفلسطينيون بوضعهم كفئة تنتمي إلى الدرجة الثانية -لو كانت قرية لبنانية لما جُرّفت- كما شاهدوا أن بنادقهم كانت عديمة القوة لمنع التدمير.
للدولة اللبنانية مصلحة في نزع السلاح في أراضيها. وفي الحقيقة، فإن اتفاقية الطائف -التي أسست نهاية الحرب الأهلية اللبنانية- دعت إلى نزع أسلحة كافة الميليشيات في لبنان. ومع ذلك، ما يزال موضوع الأمن الوطني يحول دون تنفيذ الاتفاقية بالكامل.
إذا تم نزع سلاح الفلسطينيين، فإن على لبنان أن يقدم لهم ضمانات أمنية -وهو ما يعني وجوب نزع سلاح المليشيات المعادية تاريخياً أيضاً. لن يرضى الفلسطينيون بإلقاء أسلحتهم طالما كانت مليشيات 'القوات اللبنانية' تمتلك القوة التي تمكنها من ارتكاب مجازر ضد المدنيين في المخيمات مرة أخرى. ولذلك، يجب تطبيق نزع أسلحة الفلسطينيين في إطار اتفاقية لنزع أسلحة لبنانية أوسع إطاراً.
وحتى يحقق البلد التقدم والنجاح، فإن الحاجة تمس إلى وجود حكومة مركزية قوية، وهو يحتاج لأن يطرأ تحسين وعلى نحو كبير، على مستوى معيشة المواطنين الذين ينتمون إلى الدرجة الثانية. ويستطيع اللبنانيون -كلهم- سوية مع اللاجئين الفلسطينيين، الاستفادة من وجود دولة قوية. وقبل أن يتجاوز لبنان الحرب الأهلية، فإنه يحتاج إلى تحييد العوامل التي أسهمت في اندلاعها أول الأمر.
- صحيفة 'معاريف'
دولة يهودية وديمقراطية
آلاف المنشورات عنيت في السنوات الاخيرة بمحاولة التشكيك بمفهوم 'دولة يهودية وديمقراطية'. عدد لا يحصى من الاكاديميين واجزاء واسعة من احتكار حقوق الانسان، من العالم ومن اسرائيل، جعلوا هذا الصراع مشروعا شخصيا وعالميا. وهؤلاء لم يعودوا فقط هوامش نوعام تشومسكي ونورمن فينكلشتاين. هؤلاء هم ايضا اناس كانوا في الوسط. مثلما كانوا دوما فان اليهود هم الذين يقودون الهجوم. أحد البارزين بينهم هو توني جادت، الذي توفي، وفي سنواته الاخيرة كان الناطق المركزي بلسان رفض حق الوجود لدولة قومية يهودية، أو النجم الجديد لليسار الاسرائيلي، بيتر باينرت، الذي لا يرفض، حتى الان، حق دولة يهودية في الوجود، ولكنه يتبنى اجزاء هامة من الخطاب الذي تتميز به صناعة الاكاذيب. في مقاله الشهير عن يهود الولايات المتحدة وعن اسرائيل، يقتبس فاينرت نتنياهو الذي في كتابه 'مكان تحت الشمس' رفض وجود الشعب الفلسطيني أو حق الفلسطينيين في دولة، بل انه لم يكلف نفسه عناء الاشارة الى خطاب بار ايلان، الذي قبل فيه نتنياهو مبدأ الدولتين.
فكرة الدولة اليهودية الديمقراطية، إذن، تقف أمام تحالف واسع من المعارضين من الداخل ومن الخارج. يوجد فيها لاساميون، يوجد فيها مناهضون للصهيونية واحيانا يدور الحديث عمن يتظاهرون كصهاينة مع أن تطلعهم هو لدولة كل مواطنيها، في ظل دفع ضريبة لفظية في صالح حق اليهود في وطن قومي.
يمكن الرد على الكسالى بسخافتهم. يمكن دحض الادعاءات المركزية لرافضي حق الوجود لدولة يهودية. غير أننا بهذا نكون قد جعلنا لانفسنا حياة اسهل مما ينبغي. وذلك لانه في كل المنشورات المعادية والمغرضة هذه توجد ايضا نوايا من الانتقاد الصحيح. لا يوجد هناك فقط رفض للفكرة الصهيونية أو لفكرة الدولة اليهودية الديمقراطية. يوجد هناك ايضا وضع مرآة امام الواقع الآخذ بالتجسد لنا امام أعيننا. وأكثر من ذلك، فمن السهل جدا ارسال المنتقدين الى الجحيم، عندما يرفضون مجرد حقنا في الوجود. غير أن الانتقاد يأتي ايضا من الساعين لصالح اسرائيل. فهو يأتي من اصدقاء، وذلك لاننا لا نبني هنا بلاد اسرائيل الكاملة، بل فلسطين الكبرى. اسرائيل، بأفعالها هي، وفرت لرافضي حق وجودها المادة الخام للدعاية ضدها. وذلك لانه اذا كانت اسرائيل تضم عمليا مناطق يهودا والسامرة وتقيم هنا واقعا ثنائي القومية، فما بالها تنزل باللائمة على من يتبنى هذا الاتجاه.
هكذا بحيث ينبغي لنا أن نعترف. كل خطايا اليسار الراديكالي ستكون ناصعة البياض كالثلج امام المشروع الاسمنتي لفلسطين الكبرى. بعد عدة ايام ستنطلق الاشارة. الجرافات ستصعد مرة اخرى الى مواقع البناء، برغبة ابداع متعاظمة، بعد توقف قصير لعشرة اشهر. ومرة اخرى سينبعث مشروع فلسطين الكبرى الى الحياة. دولة واحدة كبرى، مع جوقات مرافقة من مجلس 'يشع' واحزاب اليمين الاصولية، وبادارة رئيس حزب العمل. غير أن هذه المرة ستحصل الامور مع اضافة ذات مغزى. في السنوات الاخيرة حذر رجال اليسار من رجال اليمين الايديولوجي: كيف بالضبط ستضمون المناطق، أي يهودا والسامرة، دون أن تمنحوا الحقوق للفلسطينيين، فأنتم تخلقون هنا دولة أبرتهايد؟ سؤال صحيح وعادل. لسنوات عديدة حاول اليمين سوي العقل الامساك بالحبل من طرفيه. دولة يهودية وفي نفس الوقت حرمان الفلسطينيين من الحقوق. ليس بعد اليوم. مؤشرات على الاتجاه الجديد ظهرت منذ عدة سنوات. غير أنه في السنة الاخيرة باتت هذه انشودة الجوقة. امام ناظرينا آخذ في النشوء يمين مناهض للصهيونية. يمين الدولة الواحدة الكبرى. يمين هو يسار. ليس فقط اوري اليتسور، رئيس مكتب نتنياهو سابقا ومن رؤساء 'يشع'، بل وايضا رؤساء الليكود الذين يسحبون وراءهم اصواتاً اخرى. آرنس، ريفلين، حوتبيلي والمزيد فالمزيد. هم يريدون دولة واحدة كبيرة مع حقوق للفلسطينيين.
البداية متلعثمة قليلا. ليست بالضبط حقوقاً كاملة. ليس بالضبط صوت ٌ لكل فلسطيني. ليس لكل الفلسطينيين. ليس سكان غزة. غير أن الاتجاه بات يلوح في الافق. جدار الفصل بين آرنس وريفلين وبين جادت، ايلان بابه، ميرون بنبنستي ويهودا شنهاف - آخذ في التشوش. التحالف الذي يدعي هذا المقال وجوده منذ سنوات عديدة آخذ في التجسد. ليس خطأ ان شنهاف، في كتابه الاخير، يبث عطفا على المستوطنين. شنهاف يريد حل مشكلة الـ 1948. اساس انتقاده موجه 'لليسار الصهيوني'. المستوطنون الذي يعيدوننا الى وضع ما قبل الصهيونية، هم حلفاؤه. معا سيقيمون هنا فلسطين الكبرى.
بسخافتنا، كثيرون بيننا لا يزالون ينشغلون بالتقسيم القطبي لـ 'يمين' مقابل 'يسار'. تقسيم مر زمنه. تقسيم ليس له أي معنى. كان هذا حزب العمل هو الذي بدأ مشروع البناء الكبير. كان هذا ايهود باراك كرئيس للوزراء، بالنسبة للفترة القصيرة التي تولى فيها المنصب، أقام 4.742 وحدة سكن في المناطق في سنة واحدة، اكثر من أي رئيس وزراء آخر، قبله وبعده. وقد حصل هذا في سنوات اوسلو البهيجة.
وبشكل عام، البؤر الاستيطانية ليست المشكلة. الـ 4 الاف الذين يسكنون فيها، هم أقل من 1.5 في المئة من عموم المستوطنين نحو 300 الف شرقي القدس (قرابة 200 الف آخرين). واضافة الى ذلك فان المستوطنات الاكبر هي بالذات للاصوليين موديعين عيليت وبيتار عيليت وليست للصهيونية الدينية. الاحتمال في اخلاء هؤلاء المستوطنين يقترب من الصفر. نحن في الدقيقة التسعين. يمكن أن نضم معظم الكتل الاستيطانية ومعظم المستوطنين لدولة اسرائيل. غير أن الواقع يتغير. رؤيا الرعب لبنبنستي تتحقق. الوضع آخذ بالغدو كأمر لا مردّ له. كلما اتسع البناء، فاننا نحكم على أنفسنا بدولة واحدة كبيرة. اليسار المناهض للصهيونية يتطلع لها. اليمين المناهض للصهيونية يقيمها.
توقعات جديدة من مدرسة رجال اليمين، بالتعاون مع مهنيين مختلفين، تحاول دحض التوقعات عن الاغلبية العربية. مثلما كان لنا مؤرخون جدد وعلماء اجتماع جدد، ينتمون في معظمهم للمعسكر ما بعد والمناهض للصهيونية، يوجد لنا الآن ديمغرافيون جدد. وهم في ذات الاتجاه. لنفترض بانهم محقون. ولكن توجد مشكلة. أولا، حسب المعطيات موضع الخلاف التي يقدمونها، توجد اغلبية يهودية من 67 في المئة غربي النهر، واغلبية 60 في المئة اذا ادرجنا قطاع غزة. لنفترض أن هذا صحيح، فماذا يعني بالضبط؟ هل الاستنتاج هو أن نقيم هنا دولة واحدة كبرى؟ هل الحل المرغوب فيه هو بلاد اسرائيل الكاملة؟ فهل هذا يعني أنه لا توجد مشكلة في منح حقوق التصويت للفلسطينيين في يهودا والسامرة وغزة؟ إذ أن اقلية من 40 في المئة ايضا ستغير وجه اسرائيل.
هل الدولة الجديدة ـ دولة واحدة كبرى، ستجعل اسرائيل بلاد ملجأ، والهجرة اليهودية ستتعاظم، أم اننا بانتظار مسيرة معاكسة؟ فـ 'دولة كل مواطنيها' الجديدة، هذه المرة من انتاج اليمين، ستكون دولة تكون فيها منذ البداية اغلبية تعارض، بمستوى ما، الفكرة الصهيونية الرسمية لدولة اسرائيل (معظم الاصوليين وكل العرب مضاف اليهم جزء من اليسار). منذ الان توجد مصالح مشتركة للقطاعين الاصولي والعربي، مثلا، في قانوني نهاري اللذين عززا التعليم الانعزالي. وهل هذه هي الدولة التي تمنيناها؟ مهما يكن من أمر، لا ريب في أن الديمغرافيين الجدد هم بمثابة روح اسناد لليمين المناهض للصهيونية.
وماذا عن عرب اسرائيل؟ إذ انهم هم ايضا من شأنهم أن يصبحوا اغلبية. يوجد فارق هائل. اولا، 99 في المئة من عرب اسرائيل هم محافظون على القانون يريدون ان يكونوا جزءا من دولة اسرائيل، واغلبية الشباب، خلافا للزعماء يريدون ان ينفذوا خدمة مجتمعية، وطنية او اجتماعية. منذ قيام الدولة كمية المنضمين الى النشاط المعادي تقترب من الصفر. نسبيا، يوجد مشاركون في الارهاب في اوساط المسلمين في بريطانيا اكثر مما في اسرائيل. صحيح، يوجد تطرف من رواده الشيخ رائد صلاح، عزمي بشارة وخلفاؤه الايديولوجيون. يجب معالجة ذلك ويمكن معالجة ذلك. المزيد من المساواة والمشاركة، من جهة، ومن الجهة الاخرى يد حديدية ضد التآمر الذي يستغل خطاب الحقوق لغرض رفض حق دولة اسرائيل في الوجود.
اضافة الى ذلك، حتى لو كنا نفترض بأن عرب اسرائيل يشبهون تماما عرب المناطق، الامر الذي هو ليس صحيحا، فان هذا لا يزال لا يبرر قيام دولة واحدة كبرى. وذلك لان ضم المناطق يشبه الغرق المؤكد في المكان من النهر حيث مستوى المياه متران. فهل مجدٍ أم غير مجدٍ الانتقال الى المكان الذي مستوى المياه فيه هو نصف متر؟ بالتأكيد نعم. وفي منظور تاريخي، هذه نجاة فورية، حتى وان كان هناك تخوف في أنه بعد مئة سنة في المكان الجديد ايضا سيصبح المستوى مترين. اليمين المناهض للصهيونية مثل اليسار المناهض للصهيونية يقترحون علينا خيارا ثالثا: الانتقال الى مكان في النهر مستوى المياه فيه هو ثلاثة امتار.
ثمة مجال للتفكير الابداعي: بالضبط مثلما لا حاجة لضم 200 الف مواطن عربي من شرقي القدس، هكذا ايضا يجب النظر في السبل التي تتيح لعرب اسرائيل المجاورين للحدود بأن يكونوا جزءا من الكيان السياسي الذي يتماثلون معه. ليس بالقوة. ليس بالاكراه. فقط طواعية، بحيث يتاح لهم تحقيق تقرير المصير لانفسهم. غني عن الاشارة ان مجرد اصرار اغلبية العرب على أن يكونوا جزءا من دولة اسرائيل وليس جزءا من الكيان العربي الذي قد يقوم الى جانب اسرائيل هو دحض مؤكد لادعاءات صناعة الاكاذيب عن 'دولة الابرتهايد'. فاذا كانت الحال سيئة بهذا القدر في اسرائيل، فلماذا لا يكونون جزءا من الكيان الوطني المجاور؟
المستوطنات، يقال لنا، هي روح الصهيونية. اليهود انقذوا الارض، اقاموا بلدات في اماكن نائية، بما في ذلك في قلب السكان العرب، وهكذا خلقوا حقائق، في السياق ادت الى اقامة دولة اسرائيل. الادعاء المقارنة هذه هي قاسم مشترك آخر بين اليمين المناهض للصهيونية واليسار المناهض لها. هؤلاء واولئك يعتقدون ان الصهيونية في حينه والصهيونية اليوم واحدة هي. وليست هي. لأنه يوجد فارق بين الاستيطان في الايام ما قبل الدولة والاستيطان اليوم، حين تكون دولة اسرائيل حقيقة ناجزة. المناهضون للصهيونية يدعون بان الصهيونية هي حركة استعمارية. لا توجد كذبة أكبر من هذه. لم يكن هذا استيطانا بإسناد من قوة عظمى ما. لم تكن هناك مصادرات للاراضي. لم يكن ثمة استغلال لقوة العمل المحلية وزهيدة الثمن. انقاذ الارض كان شراء الارض، والعمل كان عبريا. هذا ليس استعمارا. ليس هكذا في مستوطنات اليوم التي توجد فيها مؤشرات واضحة للاستعمال. ومن يقارن بين الفترتين، يخدم الفكرة المناهضة للصهيونية.
- موقع 'هفنغتون بوست'
أسطورة 'التهديد الوجودي'.. / أندرو ليفاين
دخل مصطلح 'التهديد الوجودي' حديثاً إلى المعجم السياسي، من باب الكياسة والمجاملة للخوف المرضي وجنون الاضطهاد الإسرائيلي. والتعبير منذر بالسوء، لكن كل ما يبدو أنه يعنيه هو أن وجود شخص ما أو شيء ما هو في وضع الخطر الشديد. وإذا كان الأمر كذلك، فإن العالم مليء بالتهديدات الوجودية. لكن التعبير نادراً ما يستخدم ليشير إلى أي من ذلك، إلا عندما يكون الطرف المهدد هو إسرائيل بالتحديد. وهكذا، يشكل برنامج إيران الذي ما يزال مجرد 'طموح' لإنتاج أسلحة نووية، وأحياناً إيران نفسها، يشكلان تهديدات وجودية، وكذلك هو حال 'الإرهاب الفلسطيني'. ويشكل التهديد الوجودي سبباً ممتازاً للحروب، ومبرراً لشنها.
ومع ذلك، يظل من غير الواضح ما يعتقد مستخدمو المصطلح بأنه الشيء المعرض للتهديد الوجودي بالضبط: هل هو وجود دولة إسرائيل كدولة ليست لمواطنيها، وإنما للشعب اليهودي فقط؟ أم أنه الوجود الحسي لقاطني تلك الدولة؟ على أي حال، يبدو أن مستخدمي المصطلح يستمرئون غموضه، لأنه يخدم غاياتهم جيداً.
في واقع الأمر، بطبيعة الحال، ليس هناك أي شيء في الأفق ينبع من إيران أو فلسطين المحتلة، والذي يرتقي إلى مستوى تهديد وجودي بأي معنى من المعاني، باستثناء بعض ملاحظات محمود أحمدي نجاد. ووفقا للحكمة السائدة، فإن التهديد الإيراني هو الأكثر خطورة وجدية؛ أما على المستوى الواقعي، فإنه الأكثر اقتراباً من عالم الخيال. وحتى لو نجحت إيران في بناء سلاح نووي – وهو احتمال غير مرجح على المدى القريب، لأنها تحاول وفقاً لكل الأدلة المتوفرة مجرد بناء القدرة على بناء السلاح فقط، وليس السلاح نفسه- وينبغي أن يكون الإيرانيون انتحاريين حتى يستخدموه ضد إسرائيل لأي سبب غير الردع. فإسرائيل بعد كل شيء هي أكثر الدول عدوانية على سطح الكوكب، حكماً من عدد الحروب التي بدأتها؛ بالإضافة إلى كونها أيضاً مسلحة حتى الأسنان، فإن لديها أكثر من 200 من 'روادعها' الخاصة على أهبة الاستعداد. فهل يعتقد أحد بأن قادة إسرائيل، لو كانوا مهددين، سيكونون عاقلين بما يكفي لعدم استخدامها؟ إنهم مجانين، وإنما ليس إلى هذا الحد.
وربما تكون لأحمدي نجاد كل عجائبه الخاصة أيضاً، لكنه ليس مجنوناً إلى حد المخاطرة بالفناء، ولا هم رجال الدين الثيوقراطيون الذين يتمتعون بقوة غير محدودة في الجمهورية الإسلامية. ومع ذلك، يبدو برنامج إيران منطقياً. وقد أوضحت حرب العراق أن هذا البرنامج يظل ملحاً بالنسبة لإيران، وللدول الأخرى المدرجة ضمن المخططات الإمبريالية، حتى تكون قادرة على ردع الأسلحة الأميركية والإسرائيلية.
من الجيد أن يبقى المرء ذلك في الذهن بينما تتحرك إسرائيل بشغف من أجل الحصول على الإذن بقصف إيران من حاميها وملاذها الأخير، نحن؛ وبينما تستأنف المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية وجهاً لوجه في واشنطن تحت الرعاية الأميركية. وسوف يكون من شأن قيام حرب إسرائيلية-إيرانية أن تكون بالغة الضرر للمصالح الأميركية بحيث يكون من الصعب رؤية كيف يمكن لكونغرس وإدارة خانعين أن يسمحا بذلك. وربما يكون على إسرائيل فقط أن تتعلم كيف تتعايش مع هذا التهديد الوجودي. أما فيما يتعلق بالمسألة الفلسطينية، فيترك الأمر لإسرائيل بحيث تمضي فيها على طريقتها، مرة أخرى.
ويعني مضيها على طريقتها أن تجعل الجولة الأخيرة من المفاوضات تفشل. وهو أمر شبه مؤكد الحدوث لأن هناك حقاً تهديداً وجودياً من أن أميركا ستواصل السماح للقادة الإسرائيليين بالتعامل مع المفاوضات بطريقتهم الخاصة. وليس للخطر أي صلة بأولئك الذين يقاومون الاحتلال الإسرائيلي –'الإرهابيون'، حسب اللغة المستخدمة في إسرائيل، وإنما يأتي من خصوبة عرب إسرائيل والفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي. أما الشيء يولدونه فهو 'القنبلة الديمغرافية' كما يسمونها في إسرائيل. وهذا هو السبب في أن إسرائيل لم تقم بضم الأراضي التي تحتلها، وهو السبب في أن 'حل الدولتين' يحظى بقبول الكثيرين من الإسرائيليين. وهو الطريقة الوحيدة المقبولة عن بعد لضمان أن تبقى الدولة اليهودية ذات أغلبية يهودية.
يمكن أن تسمح إسرائيل بقيام بانتستونات تحت سيطرتها، أما قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة تعيش إلى جانبها بسلام، فلن يكون مقبولاً؛ وهي نقطة أدركها القادة الإسرائيليون دائماً، من اليمين ومن اليسار. وهذا هو السبب في أن السلام بقي هدفاً مراوغاً، على الرغم من حقيقة أن الخطوط الكنتورية العامة للتسوية المتفاوض عليها، والمقبولة لكافة الذين يؤمنون بحل الدولتين، كانت واضحة منذ عقود. وكانت التفاصيل قد أوضحت في طابا في شهر كانون الثاني (يناير) عام 2001 خلال الأيام الأخيرة من عمر إدارة كلينتون. وفي السنوات اللاحقة، خلقت إسرائيل المزيد من 'الوقائع على الأرض'، وبفضل التواطؤ الإسرائيلي والأميركي في جزء منه، تم إضعاف السلطة الفلسطينية إلى حد مفرط. لكن الأمر لا يتطلب حكمة سليمان حتى يتم استدعاء اتفاقيات طابا وتحقيقها الآن. وتستطيع حتى هيلاري كلينتون أن تفعل ذلك.
ومع ذلك، فإنه لن يحدث. ولأن إسرائيل تحتفظ تقريباً بكافة الأوراق بينما لا تملك السلطة الفلسطينية أي شيء تقريباً، فإن الطريقة الوحيدة للمضي قدماً هي أن تقوم الولايات المتحدة بإرغام إسرائيل على صنع السلام؛ وهي تستطيع القيام بذلك، لكنها لن تفعله. ولن تفعل إسرائيل ذلك من تلقاء نفسها –ليس لأن الكثيرين من الإسرائيليين يحملون آمالاً بتحقيق إسرائيل الكبرى فحسب، وإنما لأن الطبقة السياسية الإسرائيلية مستعبدة لحركة استيطانية شائنة بلا وازع، ومقودة دينياً. أما السبب الأهم، فهو أنه في حال أصبح هناك سلام، فإن سبب إسرائيل للوجود، وبالتالي سيطرتها على يهود 'الشتات' بل وحتى سكانها أنفسهم، ربما يتلاشى، ليس بشكل مفاجئ وإنما بالتدريج وبلا هوادة.
ويدرك قادة إسرائيل السياسيون والعسكريون ذلك. وهو السبب في أنهم استحضروا تهديداً وجودياً من إيران، وبغض النظر عما يقولونه، في أنهم ينكصون بشكل متكرر عن صنع السلام مع الفلسطينيين.
كان المبدأ المحرك والموحي للحركة الصهيونية من تسعينيات القرن التاسع عشر هو أن اليهود في حاجة إلى دولة لتكون بمثابة الملجأ في العالم الذي تشكل فيه معاداة السامية واحدة من قوى الطبيعة. ولم تكسب تلك الفكرة أبداً الكثير من القبول والجاذبية قبل أن يستولي النازيون على السلطة في ألمانيا، بل إنها لقيت حتى في ذلك الوقت مقاومة من اليهود العلمانيين الملتزمين بالأيديولوجيات الأممية، وكذلك أيضاً ولأسباب لاهوتية وفلسفية، بالنسبة لليهود الأرثوذوكس والإصلاحيين. ومع مرور الوقت، خفتت الأيديولوجيات الأممية، واستطاعت الصهيونية اختطاف اليهودية في الوقت المناسب. وفي الأثناء، وبينما استمرت عملية استيعاب اليهود بالطاقة القصوى في الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى، وفي وقت لم تعد فيه معاداة الأممية سبباً للكثير من القلق، عمدت القومية الإسرائيلية إلى احتكار سياسات الهوية اليهودية.
ولأن الديانة اليهودية، مجردة من قشرتها الصهيونية، لا تشكل محركاً بالنسبة لمعظم اليهود اليوم، ولأن الزواج العابر للأديان أصبح شائعاً ومنتشراً، يصبح من الأصعب باطراد الحفاظ على الشعور بالهوية اليهودية، سواء على أسس دينية أو إثنية. ويترك ذلك إسرائيل وحدها. ولكن، وبينما يهمل المجتمع الإسرائيلي روابطه التاريخية بالعلمانية والاشتراكية، أصبح من الصعب الوقوع في حب إسرائيل، بل ولا حتى الإعجاب بها. ولا عجب في أن القليلين من يهود الشتات يفكرون حتى بالعيش في 'أرض الميعاد'، أو أن الكثيرين جداً من الإسرائيليين يعيشون في الخارج.
بطبيعة الحال، ما تزال هناك ذكرى الإبادة الجماعية النازية لليهود، وما يزال الصهاينة يستغلونها حتى أقصاها. لكن تلك الذكرى تصبح مع مرور الوقت أقل فائدة، ولا تستطيع كل متاحف الهولوكوست في العالم أن تبقي عليها فاعلة. وقد نجحت الحركة الصهيونية في تجميع رأسمال معنوي من الدمار الذي أحدثته ألمانيا النازية باليهود الأوروبيين، لكنها أنفقت رأس المال ذاك بطريقة متهورة، ولم يتبق الكثير منه في الوقت الحالي.
وهنا يدخل موضوع القنبلة الإيرانية على الخط. وإذا لم يكن ذلك التهديد الوجودي موجوداً، فإنه كان لا بد من اختراعه، بل إن ذلك هو ما تم فعلاً. ولا تحتاج القنبلة الديموغرافية الفلسطينية إلى اختراعها، لكن شبحها يظل بالكاد مخيفاً بما يكفي ليؤدي المهمة المطلوبة بمفرده.
وفي نهاية المطاف، ربما يصبح واضحاً للجميع على الأرجح، في داخل إسرائيل وفي خارجها، أن الفكرة الصهيونية غير قابلة للتطبيق. وعندئذ، وعلى الرغم من نفسها، سيكون على إسرائيل إما أن تصبح دولة طبيعية وعادية –دولة لمواطنيها، مع جالية إسرائيلية كبيرة- أو، وهو الأكثر احتمالاً، أن معظم يهودها سيغادرون إلى أماكن يفضل الكثيرون منهم العيش فيها على أي حال. لكن تكل التغييرات المرحب بها لن تحدث من دون قتال، ومن دون تعريض العالم للخطر.
يجب إرغام إسرائيل على صنع السلام، ومهما كانت الآثار المترتبة على طابعها الإثنوقراطي، وجنون العظمة الإسرائيلية حول إيران يجب أن تلغى. إذا لم يكن كذلك ، سيكون من إسرائيل نفسها الدولة التي تشكل تهديدا وجوديا في نهاية المطاف،وليس فقط لنفسها، ولكن بالنسبة لنا جميعا.
وهكذا، وبينما تتحدث إسرائيل ثانية عن السلام بينما تغلق الطريق أمام تسوية سلمية، فإن لكم أن تعولوا على استمرارها، من دون كلل، في الدعوة إلى خوض حرب مع إيران. وفي داخل أوساط المستويات العليا من الحكومة الأميركية، لا يدرك سوى العسكريين كم سيكون من غير الحكمة السماح لإسرائيل بالتصرف على طريقتها. لكننا لا نستطيع الاعتماد عليهم. ولذلك، فإن من الملحّ التحشيد إلى النقطة التي لا يستطيع فيها الديمقراطيون والجمهوريون الخانعون والفاسدون سوى أن ينتبهوا. ينبغي إجبار إسرائيل على صنع السلام، مهما كانت تداعياته وآثاره المترتبة على شخصيتها الإثنوغرافية؛ وينبغي معالجة جنوب الشك والشعور بالاضطهاد الإسرائيلي المرضي من إيران. وإذا لم يحدث ذلك، فستكون إسرائيل نفسها هي الدولة التي تشكل التهديد الوجودي في نهاية المطاف، وليس على نفسها فحسب، وإنما علينا جميعاً.