- صحيفة 'نيويورك تايمز'
مهمة حزب الله الانتحارية / ثناسيس كمبانيس
أن انهيار الحكومة اللبنانية يوم الثلاثاء المنصرم أظهر المرحلة الأخيرة فى صعود مكانة حزب الله من مجرد جماعة مقاومة لقوى حاكمة، وقالت إنه برغم أن حزب الله لا يزال يترأس المعارضة السياسية فى بيروت، إلا أنه تمكن من تأمين سيطرته فى لبنان ولن يوقفه الآن أى شىء، حتى وإن كانت الحرب الأهلية، فى سبيله لحماية موقفه.
إن هذه الأزمة عجل بحدوثها معارضة حزب الله لمحاكمة الأمم المتحدة-والتى تدعمها الولايات المتحدة- للتحقيق بمقتل رئيس الوزراء اللبنانى الراحل، رفيق الحريرى عام 2005، ويتوقع بعض المحللين أن تتمكن الحكومة اللبنانية الحالية برئاسة رئيس الوزراء سعد الحريرى، من إحلال الاستقرار فى المشهد السياسى برفضها شرعية هذه المحاكمة.
إن الحريرى لا يملك حقيقة الأمر سوى أن يلتزم بموقفه فى لعبة حزب الله، فحتى وإن تمكن من إعاقة حزب الله على المدى القصير من خلال استسلامه، إلا أنه فى نهاية المطاف لن يبقى له أى سلطة تمكنه من التخلى عن سيادة القانون.. وأضاف الكاتب 'ينبغى عليه أن يصمم على تحميل قتلة والده المسئولية، حتى وإن كلفه هذا خسارة موقفه فى العملية برمتها'.
إن الأزمة المتفاقمة فى لبنان اليوم تعكس الوضع فى العالم العربى، ذلك العالم الذى غالبًا ما يأتى فيه الاستقرار على حساب العدالة، فضلا عن أنه يظهر مدى محدودية نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية.. واشنطن قدمت دعمًا خطابيًا لتحالف الحريرى عام 2005، ولكنها عجزت عن إيقاف قوات حزب الله وأنصاره من السيطرة على شوارع بيروت والحصول بالقوة على حق الفيتو ضد الحكومة.. وكانت ممارسة حزب الله لتلك السلطة، بالإضافة إلى استقالة عشرة وزراء معارضين وآخر مستقل، ما هز كيان الحكومة هذا الأسبوع، فى الوقت الذى كان يجتمع فيه الحريرى مع الرئيس الأمريكى، باراك أوباما فى واشنطن.
- صحيفة 'هآرتس'
نجاح الردع الايراني
يدّل كلام وداع رئيس الموساد التارك عمله مئير دغان، الذي تم تفسيره على انه تحذير من هجوم اسرائيلي على المنشآت الذرية في ايران، على جدل شديد في القيادة السياسية الامنية: أتهاجِم أم لا تهاجِم؟ أتخرج في حرب ردعية تجلب اصابة شديدة للجبهة الاسرائيلية الداخلية أم تعتمد على الجماعة الدولية لاحباط التهديد؟ يبدو ان الاختلاف لم يُحسم بعد، وان العملية العسكرية ما تزال 'على المائدة'.
هل يجب ان نقرأ تاريخ اسرائيل في السنتين الاخيرتين قراءة مختلفة، باعتباره صراعا بين النشطاء الذين سعوا الى قصف ايران، والمعتدلين الذين أرادوا الامتناع عن العملية؟ الاغراء كبير. إن الشأن الايراني يؤلف بين السياسة والاستراتيجية والسياسة الداخلية والعلاقات الخارجية والدسائس في القيادة.
يوجد في الجانب الهجومي من المعادلة رئيس الحكومة ووزير الدفاع معا. فنتنياهو يرى القنبلة الذرية الايرانية خطرا على وجود اسرائيل والشعب اليهودي. ويخشى باراك ان تُدفع اسرائيل الى دونية استراتيجية. ويعتمد الحلف السياسي بينهما منذ يومه الاول على الرؤيا المشتركة لاحباط جهود ايران الذرية الذي سيمنح اسرائيل سنين اخرى من التفوق الاقليمي.
ويوجد في الجانب المعتدل قادة أذرع الأمن والاستخبارات: رئيس الاركان غابي اشكنازي، ورئيس الموساد دغان، ورئيس 'أمان' عاموس يادلين ورئيس 'الشاباك' يوفال ديسكين. يُنسب اليهم جميعا رأي ان التهديد الايراني شديد لكن الهجوم العسكري ليس الطريقة الصحيحة لاحباطه. وهم يرون ان حربا مُدبرة ستدفع اسرائيل الى كارثة فقط. ستتضرر الجبهة الداخلية، ويُقتل كثيرون، ويُشل الاقتصاد، وتحصل ايران على شرعية دولية لبناء منشآتها المدمرة من جديد وتنطلق الى الأمام الى الذرة.
تقف الادارة الامريكية الى جانب المعتدلين. منذ اليوم الذي توليا السلطة فيه على التوازي شك الرئيس باراك اوباما في ان نتنياهو سيفاجئه بالهجوم على ايران. لهذا تحقق من ان تكون اسرائيل تحت رقابة لصيقة.
ثار الجدل شديدا قُبيل الربيع الماضي. فقد جند اشكنازي الى جانبه الرئيس شمعون بيريس والسابقين امنون ليبكين شاحك واوري ساغي، وتلقى وعداً من رئيس الحكومة ان يُسمع موقفه.
وكلفه هذا قطيعة نهائية للعلاقة بينه وبين وزير الدفاع الذي بدأ اجراءات مغطاة اعلاميا لتعيين اللواء يوآف غالنت وريثا لاشكنازي. وكان الانطباع ان غالنت أكثر هجومية فيما يتعلق بايران، ولن يوقف نتنياهو وباراك المنطلقين نحو المعركة.
يرى الساسة ان الجنرالات يخشون لجان تحقيق. فقد أفضت جميع الحروب الكبيرة بعد الايام الستة الى عزل قيادة الجيش إن لم نقل تبديل السلطة.
لهذا يُجاري اشكنازي اليقين ويغطي نفسه مثل ايلي يشاي في ازمة اخماد الحريق. إن الجيش والاستخبارات لا يحذران مما سيحدث في ايران بل من الضرر الذي سيحدث بتل ابيب، وسيثير غضبا عاما ومطالب تحقيق وعزلا ً وإقالة. ويؤمن باراك ان الجمهور يريد ألعاب فيديو وعمليات عنتيبة، وانه غير مستعد لحرب طويلة مؤلمة. في مقابلة ذلك، يرى الجنرالات ورؤساء الاستخبارات ان نتنياهو وباراك يحاولان أن يبدوا 'قوميين'، وهجوميين، عالمين انه لن يحدث شيء، وانهما يستطيعان تعليق عدم الفعل بمستوى العمليات.
مرت 2010 دون حرب مع ايران. وفي الشتاء لا يخرجون لحروب بسبب الغيوم التي تُقيد سلاح الجو. لكن الاختلاف في الرأي يثور في 2011. يفضل رئيس الموساد الجديد تمير بردو كسلفه توجه الاقتصاد في القوة لكن مكانته في هذه الشؤون مكانة مستشار. ويدأب يادلين على كتاب، وما زال اشكنازي الذي سيترك عمله في الشهر القادم لم يُعبر تعبيرا معلنا في شأن ايران.
ثارت في خلال ذلك مشكلة سياسية. فحزب العمل يتهرب من الحكومة ويخشى نتنياهو ان يخسر باراك الى جانبه.
سيكون وريث باراك المتوقع في حكومة يمين ضيقة هو موشيه يعلون الذي يُعد معتدلا في القضية الايرانية.
وهذا ما يُفسر اجراءات رئيس الحكومة التي ترمي الى إبقاء العمل في الائتلاف.
يستمر البرنامج الذري الايراني برغم ان العقوبات تقلق الايرانيين. وفي اسرائيل يستمر الجدل كما يذكر رؤساء جهاز الأمن. من الواضح فقط ان ايران نجحت حتى الآن في ردع اسرائيل عن عملية تستعمل القوة، بنظام القذائف الصاروخية والصواريخ التي نصبتها قريبا من الحدود. وهكذا أحرز العدو 'التوازن الاستراتيجي' حتى دون قنبلة ذرية.
- صحيفة 'كريستيان ساينس مونيتور'
السودان بعد الانقسام
على نحو شبه مؤكد، سوف يفضي الاستفتاء حول جنوب السودان، والذي بدأ اعتباراً من 9 كانون الثاني (يناير) الحالي إلى نتيجة الانفصال عن الشمال. وفي الوقت الذي ربما يكون فيه استقلال جنوب السودان هو الحل الحكيم على المدى الطويل لبلد ظل يعاني طويلاً من الصراعات والعنف الطائفي، فإن هذا الاستفتاء يهدد بتصعيد الحرب وإراقة الدماء في المنطقة التي تعاني مسبقاً من اضطرابات عميقة بسبب الجفاف والفقر والإرهاب والعنف العرقي والديني . ولن يكون من شأن العنف المتجدد أن يؤدي فقط إلى تدمير الرفاه المستقبلي لشمال السودان وجنوبه، وإنما إلى تداعيات حاضرة منذرة ومقلقة للأطراف الفاعلة الإقليمية والدولية كذلك.
ومع ذلك، فإنه يمكن لهذه القيادات نفسها وللجهات الدولية الفاعلة أيضا أن تعمل بحكمة على منع تصعيد النزاع. ويجب أن توفر لكل من شمال وجنوب السودان المناخ الداعم الذي يشجع التنمية ويعالج القضايا التي تقع في قلب الصراع. وعندئذ، ربما يمكن النظر إلى الاستفتاء على أنه نقطة تحول في مستقبل السودان (والمنطقة).
الصراع على المدينة الحدودية الغنية بالنفط
على الرغم من إمكانية أن يحل قيام دولة جنوب السودان المستقلة أحد مصادر الصراع، فإن تجدد العنف سوف يظل احتمالاً قائماً، بما أن الاستفتاء لا يتناول العديد من الأسباب الجذرية لهذا الصراع. والأمر الأهم من كل شيء، هو أن الاستفتاء يخفق في معالجة مسألة المدينة الحدودية الغنية بالنفط، أبيي، التي يواجه سكانها خيار البقاء مع الشمال أو الانضمام إلى الجنوب.
وقد تم استبعاد المدينة من الاستفتاء بسبب خلافات قوية بين الأطراف المتصارعة. وتقول جماعة دينكا نغوك ذات الميل الجنوبي بأن للسكان وحدهم الحق في التصويت على مستقبلهم، في حين يعتقد عرب 'المسيرية' في الشمال بأن الأرض ملك لهم ويصرون على أنهم ينبغي أن يكونوا جزءاً من أي تسوية سياسية مستقبلية. وتمتلك قضية أبيي المتفجرة في حد ذاتها القدرة على زعزعة الاستقرار في بيئة ما بعد الاستفتاء برمتها في السودان.
يمكننا أن ننظر إلى تاريخ أزمة مجاورة لفهم أهمية أبيي. ويذكرنا الوضع القائم في المدينة بوضع باديمي، وهي مدينة تقع على الحدود بين أثيوبيا وأريتريا. وقد ذهب كلا البلدين إلى الحرب مرتين بعد أن حصلت أريتريا على استقلالها في العام 1991، لكن مستقبل المدينة ما يزال قيد البحث حتى اليوم.
إلى جانب موارد النفط الغنية في منطقة أبيي، أصبح النزاع حول معايير تسجيل الناخبين هو الذي يشكل مواقف الأطراف. وقد حفر كل من الدينكا والمسيرية بأعقاب أقدامهم في الأرض، ورفضوا تقديم التنازلات. وبالنظر إلى أن الجنوب يسيطر على أكثر من 80 % من موارد النفط في السودان الحالية، فإن مستقبل أبيي يصبح ذا أهمية خاصة بالنسبة للشمال. وفي حال حدث الانفصال كما هو متوقع، فإن الشمال سيواجه انخفاضا في حجم صادراته النفطية من 450.000 برميل يوميا إلى الصفر.
التهديدات التي تتوجه إلى المنطقة والعالم
ثمة تحديات إضافية ما تزال هناك، والتي تهدد استقرار السودان ما بعد الاستفتاء. وهي تشتمل على مجموعة من المفاوضات المنطوية على إمكانية التفجير، مثل ترسيم الحدود، ومديونية السودان البالغة 30 بليون دولار، وحقيقة أن جنوب السودان سوف يصبح دولة غير ساحلية، والتي تعتمد على الشمال لنقل إنتاجها من النفط. وإذا ما أخذت هذه العناوين معاً، فإن حقبة ما بعد الاستفتاء سوف تعج بالتحديات التي يمكن أن تؤدي إلى انفجار العنف.
ويشكل تجدد أعمال العنف في السودان خياراً لا يضر فقط بمستقبل السودان الشمالي والجنوبي، وإنما بالمجتمع العالمي أيضاً. ومن شأن ظهور صاحب مصلحة وحصص جديد، هو جنوب السودان، أن يضيف إلى ترتيب غير مستقر أصلاً حول مورد الماء الحيوي والأساسي في مصر: نهر النيل. ويمكن لانفجار العنف في الجنوب أن يفضي فقط إلى تفاقم الوضع في دارفور، وأن يضع المزيد من الضغط على مكامن القلق والشواغل الأمنية في البحر الأحمر وخليج عدن – وهي المناطق المضطربة أصلاً بسبب القرصنة الصومالية والإرهاب في اليمن. ويمكن لانتشار الصراع السوداني وانسيابه أن يمثل بلا شك تحدياً خطيراً لترتيب الولايات المتحدة الأمني الإقليمي أيضاً، وسوف يفضي إلى المزيد من تعقيد إدارة الأمم المتحدة للعنف في دارفور.
مسؤولية دعم السودان
على الرغم من هذه التحديات المتزايد، فإن بالوسع الحيلولة دون تصاعد الصراع في السودان، وهناك الكثير مما يمكن القيام به لضمان مرحلة ما بعد استفتاء سلمية. ومع أن مشاركة الولايات المتحدة بشكل مباشر تساعد إلى حد كبير، فإن إشراك أصحاب المصلحة الإقليمية يظل أمراً بالغ الحيوية أيضاً لجعل هذا التدخل أكثر فعالية.
وثمة لمصر على وجه الخصوص، باعتبارها قوة إقليمية وصاحبة مصلحة في الترتيب المتعلق بمياه النيل، دور حاسم في إجراء استفتاء سلمي وشرعي. ذلك أن أي عنف فيما بعد الاستفتاء لن يكون في مصلحة مصر، لأنه يشكل تهديداً كبيراً لمعظم مواردها المائية الحيوية.
رأي آخر: حرب وشيكة في السودان؟ ليس بالضبط
بالإضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من أبيي يمكن أن تكون محركاً للصراع، فإنه يمكنها أن تكون مصدراً للسلام والازدهار والتعاون بين الشمال والجنوب أيضاً. وسيكون من شأن إجراء استفتاء تقليدي في أبيي أن يمثل نهجاً يفضي إلى حاصل صفر باتجاه الحل. ولن يحل مثل هذا النهج المشكلة القائمة في المدينة، نظرا لأن كلا من الدينكا وجماعات المسيرية تطلعات للاستقلال، والتي ستتعين معالجتها. ويجب بذل الجهود لتحويل هذا إلى وضع يكسب فيه الجميع، والذي لا يمكن تحقيقه إلا عن طريق تلبية مصالح كل من العرقين فحسب.
ويجب على المجتمع الدولي أن يدعم أيضاً إنشاء المشاريع الاقتصادية التي من شأنها تشجيع الطرفين على التعاون من أجل تطوير وحماية مصالحهم الخاصة. وتتشكل العلاقات الاجتماعية والسياسية حول المصالح الاقتصادية، وسوف يكون من شأن هذه المشاريع أن تؤدي إلى الاعتماد المتبادل بين كل من الطرفين. وسوف تجعل مثل هذه العلاقة، بدورها، من نشوب الحرب وتجدد العنف أقل احتمالاً. وأخيراً، يجب اتخاذ التدابير الكفيلة ببناء الثقة مباشرة بعد الاستفتاء، للمساعدة في طمأنة الطرفين، والمساعدة في تأسيس أرضية لتحسين العلاقات والتعاون في المستقبل.
- مجلة 'الإيكونومست'
الصداع المستمر في العراق..
لقد انتهت الحرب، وعادت القوات المقاتلة الأميركية رسمياً إلى الوطن. لكن النزاع الطائفي بين الشيعة والسنة، سوية مع التمرد منخفض الوتيرة من حيث الحدة، والتفجيرات الانتحارية الجمعية التي ينفذها أحياناً الجهاديون السنة المرتبطون بتنظيم القاعدة، سوف تستمر في منع العراق من أن يصبح بلداً طبيعيا في العام 2011.
ثمة فرصة قليلة، على سبيل المثال، في أن يتمكن رجال الأعمال الغربيون من السير بحرية في وسط العاصمة العراقية بغداد، أو حتى في قيادة سياراتهم من منازلهم إلى مكاتبهم من دون مرافقة عربات مدرعة أو حرس شخصي. وسوف تزيد الشركات النفطية من الخارج من استثماراتها لأنها تستطيع دفع المبالغ التي يتطلبها توظيف أمن خاص، لكن الشركات الأصغر ستبقى بعيدة بشكل عام. وسيظل العراق مكاناً خطيراً في العام 2011 بالنسبة للعراقيين والأجانب على حد سواء.
في أعقاب الانتخابات العامة، التي أقيمت في شهر آذار (مارس) 2010، عندما فاز حزب علماني بقيادة إياد علاوي، الشيعي المدعوم على نحو رئيس من جانب السنة، بأغلبية ضئيلة بمعظم المقاعد البرلمانية، بدا أن مزيجاً من الأحزاب الشيعية سيشكل الائتلاف الحاكم على الأرجح، وأن قصب السبق سيكون من نصيب قائمة السيد علاوي. وربما كان المفتاح باتجاه تحقيق نزر يسير من الاستقرار يكمن في ضمان حصول السيد علاوي وأصدقائه السنة على بعض المناصب القوية في الحكومة. كما أن من الأهمية بمكان أن تشعر شريحة ضخمة بشكل كاف من الأقلية العربية السنية، والتي تشكل خمس العراقيين، بأنها ممثلة بشكل متكافئ. وبغير ذلك، فإن حركة التمرد السنية المتهيجة ستعاود كسب الزخم الذي كانت قد فقدته في الأعوام القليلة الماضية.
إلى ذلك، سيعيد مقتدى الصدر؛ رجل الدين الشيعي الشعبي غير المقدر، والذي يتمتع أتباعه الذين يتحدر العديد منهم من أفقر أجزاء بغداد، بدور محوري في البرلمان. وسوف يعيد احتفاظه بصلاحياته لوقف السلام السياسي. وسيكون متمتعاً بقدر وافر من الحكمة ذلك الطرف الذي يحكم وهو يضمن وقوف الصدر في صفه.
سيتقوى الجيش القومي العراقي، كما والشرطة العراقية إذا حافظوا على صد المتمردين أو إلحاق الهزيمة بهم في الحقيقة. وستكون هناك غمغمات بين كبار ضباط الجيش من أنهم أمسوا يشعرون بالحنق بسبب تردد وفساد الساسة، لكن من غير المرجح وقوع انقلاب عسكري في العام 2011، رغم أنه أمر وارد في المستقبل.
وعموماً، فإن المغادرة الرسمية للقوات المقاتلة الأميركية في نهاية آب (أغسطس) من العام 2010 تشير إلى نهاية الانخراط العسكري الأميركي. وسوف يتخلف في العراق نحو 50.000 جندي أميركي ومن سلاح الجو في حوالي 12 أو نحو ذلك من القواعد الكبيرة بعيداً عن المدن، لكنهم سيكونون على استعداد لتقديم المساعدة اللوجستية والمعلومات الاستخبارية والطائرات العمودية، وحتى قوة نيران إذا احتاج العراقيون لهذه المساعدة -التي سيحتاجون إليها بالتأكيد. (القتلى الأميركيون في العراق الذين تراجع عددهم بثبات من 904 في العام 2007 إلى 314 في العام 2008، وإلى 149 في العام 2009، ويتوقع أن ينخفض العدد إلى 70 في العام 2010، وسيقل أكثر إلى رقم منخفض يكون كافياً لأن لا يفضي إلى احتجاجات مربكة في الوطن). ويمكن توقع مكوث نحو 20.000 رجل من القوات الأميركية في العراق بعد العام 2011، رغم اتفاق يقول إنه كان من المقرر لهم أن يكونوا قد غادروا مع حلول نهاية العام 2010.
يجب أن يشرع النفط في التدفق بمعدل يتجاوز 2.5 مليون برميل يومياً، وهو المعدل نفسه الذي كان العراق قد سجله قبل الغزو الأميركي في العام 2003، ولكن ليس بأكثر من ذلك. ولن يتم التوصل لهدف نهائي يبلغ 8 ملايين برميل يومياً أو حتى أكثر من ذلك، والذي كانت الحكومة العراقية قد تمنته شأنها شأن الشركات النفطية الطموحة في العام 2010 حتى خمسة أعوام من الآن. وعلى نحو مشابه بالنسبة للعراقيين الذين يعانون منذ فترة طويلة، يجب أن يرتفع إمداد الكهرباء بشكل أكثر قوة، رغم أن البغداديين كافة سيستمرون في المعاناة من قطع التيار الكهربائي عنهم لمدة 4 ساعات يومياً على الأقل -وأكثر من ذلك بشكل عام.
وباختصار، ما يزال العراق مكاناً خطيراً بالنسبة للعراقيين والأجانب على حد سواء. وأخيراً، سيعتمد الكثير من مصير العراق، في الفضاءين السياسي والاقتصادي، على عوامل إقليمية. وسوف تكون إيران، في ظل رجال الدين المفرطين في التدين، أكثر جار ينطوي على نفوذ بالنسبة للحكومة العراقية، مع أن العراق سيتفادى بشدة نوع حكم رجال الدين السائد في ظل الملالي. ومن جانبها، ستظل المملكة العربية السعودية، التي ما تزال على نحو خاص، غير قادرة على قبول حقيقة وجود سلطة شيعية في قلب العالم العربي، غير ودية بصورة عامة، مع أنها لن تقدم على مساعدة التمرد السني بفعالية. وسوف تلعب تركيا دوراً بنّاءً، خصوصا في ضوء تفاهمها مع الأكراد العراقيين الذين سيتخندقون أكثر في إقليمهم الذي يتمتع بحكم ذاتي. وسيتفجر توتر بين الأكراد والعرب السنة على طول 'خط الزناد' بين منطقتيهما، لكن ذلك لن يفضي إلى اندلاع أعمال حربية شاملة.
'الجوكر' في مجموعة ورق اللعب
سوف تكون سورية هي الورقة الشاردة في الدبلوماسية الإقليمية المؤثرة في العراق، لا سيما وأنها غالباً ما تتهم من جانب المؤسسة الشيعية الجديدة في بغداد بالعمل على دعم الجهاديين السنة في العراق، كما وعلى مساعدة المتمردين في التسلل إلى العراق عبر الأراضي السورية. وسيتأثر موقف سورية، بالتالي، من علاقاتها مع إسرائيل وإيران. وإذا ما حققت مباحثات السلام العربية الإسرائيلية تقدما أو إذا استطاعت إيران وأميركا خلق التقارب بينهما، فإن العلاقات بين دمشق وبغداد ستتحسن بالتأكيد لما فيه مصلحة الجانبين معاً. ومن الممكن حدوث ذلك، ومن شأنه أن يفعل الكثير الذي سيجعل حركة التمرد في العراق تجثم على ركبتيها، بل وربما تمكين البلد من التطلع قدماً -أخيرا- نحو حياة طبيعية.