محمود عزّت
لا سجال التحرّش الجنسي، ولا حتى أخبار تقدّم 'داعش' في العراق، كانت قادرة على جذب اهتمام الإعلام المصري. فخلال الأيّام القليلة الماضية، سيطر خبر بارز على معظم المواقع والمحطّات التلفزيونية وشبكات التواصل الاجتماعي في مصر: مشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسي في ماراثون للدراجات.
صباح الجمعة الماضي، استيقظ المصريون على أنباء عن ماراثون دراجات كبير، بدأ في الخامسة فجراً. فوجئوا بصور تظهر مشاركة رئيس الجمهورية فيه، بجانبه رئيس الوزراء ووزير الداخلية، وعدد كبير من الفنانين والممثلين والإعلاميين. وراحت القنوات والمواقع الإخبارية تنقل صوراً ومقاطع مصوّرة من الحدث، يظهر فيها المشير السيسي متقدّماً الماراثون على دراجته، بينما يحيط به عدد من الحرّاس مفتولي العضلات، على دراجاتهم.
تناولت مواقع إخبارية عدّة الحدث، وتحدّثت جريدة 'الوطن' المصرية عن 'ذهول' المشاركين في الماراثون، من لياقة وسرعة السيد المشير الذي ظل متقدماً حتى النهاية. حتّى أنّ المشاركين شكّوا، بحسب 'الوطن'، في أن تكون درّاجته مزوّدة بموتور كهربائي، يجعلها تسير بهذه السرعة الفائقة.. إلا أنّهم ويا للعجب، وجدوا دراجته عادية تماماً بالضبط مثل دراجات الآخرين! كما انتشرت أنباء جانبيّة أخرى عن اصطدام دراجة الممثل حسين فهمي بدراجة رئيس الوزراء، وسقوط الفنانة ليلى علوي أكثر من مرة من فوق دراجتها. من جهتها، أشارت الإعلاميّة لميس الحديدي في برنامجها 'هنا العاصمة'، إلى أنّها تملك 'لائحة بأسماء المنسحبين من السباق'.
الماراثون السريّ لم يسمع عنه أحد قبل حدوثه، ولم تكن الدعوة إليه مفتوحة أو عامة، لكنّه شغل مواقع التواصل والإعلام، خصوصاً أنّ السيسي استغلّه لإلقاء كلمة قصيرة، قال فيها إنّ الهدف من ذلك الحدث الرياضي، هو نبذ الخلاف وتوحيد الصف المصري. لكنّ أبرز ما تناوله في كلمته كان الإشارة إلى حادث الاغتصاب العنيف الذي تمّ في ميدان التحرير يوم إعلان فوزه بالرئاسة، مؤكّداً أنّ 'التحرش الجنسي ولو بمجرد النظر، سيعدّ قريباً مخالفةً للقانون'. أما الغريب فهو استنكاره لمسألة تصوير حادثة الاغتصاب، ووصف الفيديو المنتشر عنها على 'يوتيوب' بأنّه 'فضح للعرض والوطن'. علماً أنّ ذلك الفيديو، بكلّ ما فيه من وحشية، كان سبب الاهتمام الكبير بالقضية، وطفوها على سطح الأخبار إلى جوار حدث ضخم في مصر كتنصيب رئيس جمهورية جديد، من دون أن تضيع كما ضاعت أخبار سابقة عن حوادث اغتصاب وتحرّش في المكان نفسه، من دون اهتمام رسمي حقيقي. ومن دون ذلك الفيديو، ربما لم يكن رئيس الجمهورية ليقوم بزيارة السيدة المغتصبة والاعتذار لها ووعدها بأن ما حدث لن يتكرَّر.
كذلك تضمّنت كلمته إشارة إلى 'القوة الذاتية' للمصريين، وكيف يمكن أن يوفروا لمصر مبلغاً ولو ضئيلاً من المال يومياً لو استخدموا الدراجات كوسيلة مواصلات يوميّة إلى مقر العمل أو مكان الدراسة، قائلاً: هكذا سنبني مصر. وأضاف: 'كل جمعة حنعمل حاجة حلوة بقى عشان الناس تعيش بقى'. تلك العبارات ألهبت مواقع التواصل، وانقسم المغرّدون بين ساخر من ذلك الخطاب، ومَن ابتهج به على اعتبار أنّ ركوب الدراجة، أمر يذكّر بصور رؤساء الدول المتقدّمة.
انتشرت صورة للممثل شريف منير وهو يحاول تجاوز المشير السيسي ويسابقه بدراجته، مع تعليق: 'سنفتقدك جميعاً يا شريف!'، أما عن دعوة السيسي لركوب الدراجات يومياً من العمل وإليه، فبدا ذلك بالنسبة لعدد كبير من المغرّدين المصريين، أقرب إلى اليوتويبا منه إلى تخيل ملايين الدراجات في شوارع القاهرة المزدحمة وغير المهيّأة للدراجات أو المشي.
السيسي وعد بتكرار هذا الحدث، ربما أسبوعياً، لكن لا أحد يعلم إن كانت ستكون هناك دعوة مفتوحة للمصريين للمشاركة فيه، أم أنّ المشاركة فيه ستقتصر على نجوم السينما والدراما.
المصدر: صحيفة السفير