ملاك حمودلا جديد في ما يقدمه أفيخاي أدرعي، سوى «الصورة الجميلة» التي يحاول أن يعكسها عن الاحتلال، في قالب يكون أحياناً كثيرة، هزلياً، لشدّة ما فيه من مبالغات وكذب وافتعال. إنّها صورة «العدوّ المسالم»، تلك التي يحاول المتحدّث باسمه الإيحاء بها، أمامنا نحن الناطقين بالعربيّة. يستفيض عبر مواقع التواصل، في روايته المكرّرة عن «حرب إسرائيل على إرهابيّي حماس»، وقصفها لتجمعّات «المخرّبين»، بحجة حماية «مدنييها»، وتأمين صيف هادئ لهم. يُطلق تصريحاته الهستيريّة، في زمن الحرب، على مسمع مئات الآلاف من متابعيه على «فايسبوك» و«تويتر»، والذين بدورهم لا يملّون التهكّم والسخرية من شخصه الكريم.

اعتاد المتحدث باسم جيش الاحتلال للإعلام العربي تلقّي الشتائم، بصدر رحب. فإنّ أصغر ما يقال فيه «أفيخاي الأهبل». ربّما يجلس أمام شاشته لساعات طويلة، محاولاً إقناع جمهوره الذي لا يحبّه بأن الحرب على غزة، ليست عدواناً ضد مدنيّي القطاع، إنّما هي حماية لهم من «إرهاب حماس». لا يقتصر ظهوره على مواقع التواصل الاجتماعي، بل يظهر أيضاً بشكل دوري على فضائيات «الجزيرة» و«سكاي نيوز عربية»، و«بي بي سي عربية» ليتحدّث عن حرب «الجرف الصامد»، مقدّماً ذاته بصورة العارف بكلّ أمر. ما يجعل أدرعي «ظاهرة»، ليس فقط إتقانه للغة العربية، وإنما أيضاً وجوده الثقيل ضمن المساحة الافتراضية.
هناك تقديس للذات يتعدّى أحياناً كل المحرّمات، كقول أدرعي في تغريدة، مثلاً: «إننا نخاف على أرواح المدنيين الفلسطينيين، لذلك ننذرهم أن يغادروا منازلهم حفاظاً على حيواتهم». أين يذهب أولئك، فذلك ليس شأنه، ولا مجال اختصاصه. وإذا قرّروا البقاء، فسلاح الجو الإسرائيلي سيطلق إنذاراته الصاروخية قبل أن يقع المنزل فوق رؤوس أصحابه. فحركة «حماس» بحسب المتحدّث «تمارس ضغوطاً على المدنيين الفلسطينيين لتمنعهم من إخلاء منازلهم ومن حماية أنفسهم، في إطار سياستها الإرهابية المسماة: الدروع البشرية».
لطالما بدا أدرعي كأنه «مهرّج» الحدث، لدرجه أنه أحياناً، في أيام السلم، يصبح الحدث نفسه. وإذا قررنا العودة للهستيريا التي أصابته، نلاحظ أنها بدأت بُعيد اختطاف المستوطنين الثلاثة في الجليل المحتلّ منتصف الشهر الماضي، حين أطلق حسابه الرسمي على كل من «فايسبوك» و«تويتر» وسماً بعنوان «خطفني وبكى». وعلى هول الكارثة التي ألمّت بالكيان، بدا المتحدّث، وكأنّه يطلق النكات في وسط الفاجعة.
وانتشر أمس، على صفحات التواصل الاجتماعي فيديو مركّب، يظهر فيه أدرعي في وسط العاصمة «تل أبيب»، وهو يتحدّث عن الواقع الجديد الذي فرضته حركة «حماس» على إسرائيل، مع استخدامه للغة الجسد وحركات اليدين، بشكل مبالغ به. ثم فجأة يظهر خلفه شاب ملثّم بكوفيّة، ينتظره كي ينهي «عظته»، كي يعاجله بـ«سحسوح» على رقبته. الفيديو (00:31 د.)، انتشر بشكل واسع وشاركه أكثر من 14 ألف شخص.
يعترف الجندي الناطق بالعربيّة أنّ المعركة غير مُتكافئة، ويقول في تغريدة على «تويتر»: «حماس تقول إنّها قصفت مدن إسرائيل في القصف الأعنف منذ بدء المعركة، النتيجة: صفر. المهم أنها أطلقت الصواريخ، النتيجة لا تعنيها لأنها: صفر». ويعود في تغريدة أخرى لينفي مسؤولية «إسرائيل» عن معاناة الفلسطينيين، الذين يعتبرون أن «حماس» هي السبب في تلك المعاناة. وفي مقاربته الفلسفية للإنسان يؤكّد أن «حياة الإنسان هي إحدى أهم مميزات روح وأهداف جيش الدفاع (الاحتلال)، الذي يستخدم تكتيكات وتكنولوجيا متطورة لضرب أهداف الإرهاب بدقّة تجنباً للضرر بالمواطنين الأبرياء».
تشي محاولات أدرعي لتكريس مفاهيم جديدة، أنّ الإعلام الحربي الإسرائيلي يقوم بدوره على أكمل وجه، ويسانده في مهمته تلك الإعلام الغربي. مهمّة تتمثّل بتكريس تفوّق ما يعتبرها أدرعي معاناة إسرائيلية، على حساب المعاناة الأخرى، أيّ الموت الفلسطيني.
المصدر: صحيفة السفير