ملاك حمود
تغيّر محتوى مدوّنة 'هيومنز أوف نيويورك'، خلال الأيّام الماضية. لم يعد متابعو الصفحة الفايسبوكيّة ذات الشعبيّة الواسعة (9 مليون متابع)، يجدون عليها صوراً لغرباء تائهين في شوارع نيويورك الأميركيّة. يعود السبب في ذلك إلى خروج مؤسس الصفحة براندن ستانتن، من شوارع المدينة الصاخبة بناسها، ليبدأ، بالشراكة مع الأمم المتحدة، جولة حول العالم لدعم 'الأهداف الإنمائية للألفية'.أولى محطّات ستانتن، كانت مع النازحين السوريين والعراقيين في إقليم كردستان ـــ العراق. هكذا، تغيّر شكل الصفحة، ليطغى على الصور طابع إنساني، لم يكن غائباً في الصور النيويوركية، لكنّه بات مغلّفاً بشيء من الخصوصيّة، في صور نازحي الحرب.
تستقطب جولة المصوّر في العراق اهتماماً كبيراً، إذ بلغ عدد التعليقات على الصور المنشورة حتى الآن، عشرات الآلاف، في مدّة لا تتعدّى الستة أيام. المعلّقون الأميركيّون حائرون في أمرهم، لأنّ تركيز إعلامهم يبقى بعيداً عن القصص اليوميّة للعراقيين الذين رزحوا سنوات طويلة تحت الاحتلال الأميركي. تخرق صور النازحين نمطيّة المشهد، لدى المتلقّي الأميركي الكسول. يمكن ملاحظة ذلك الخرق في التعليقات المستهجنة حيناً، والمتعاطفة حدّ البكاء أحياناً. فالإعلام الغربي بحسب أحد التعليقات &laqascii117o;نجح في قتل أي تعاطف لدينا مع سكان الشرق الأوسط". &laqascii117o;هذا ما يجب أن يتعلّمه الأميركيون"، تعلّق إحداهنّ على صورة التقطها ستانتن لشاب نازح في أربيل يقول: &laqascii117o;بعد قبولي في جامعة دمشق لإكمال الدراسات العليا، شعرت أنّي أملك الدنيا بين يديّ، ولأن الظروف المادية كانت صعبة، اكتفيت بشراء عبوة بيبسي للاحتفال مع أصدقائي".
قصص نازحي الحرب في العراق تتغيّر مع كلّ صورة جديدة، ولكن تبقى المأساة أساساً في كلّ واحدة منها. يجلس الوالد قرب ابنته، يستعدّان لالتقاط الصورة. الطفلة، على عكس والدها، تبتسم لكنّها &laqascii117o;لا ترى إلا انفجارات في مناماتها"، يقول الأب. في مشهد آخر تجمع الصورة عائلة من 11 شخصاً، يخبرنا ستانتن أنّها تحلم &laqascii117o;بمجتمع منفتح، على عكس المجتمع المحافظ الذي تعيش فيه.. تتمنّى أن يكبر أبناؤها على أفكار وأنماط حياة مختلفة عن السائد"، كما يقول التعليق المرافق للصورة.
في شقلاوة الكردستانيّة، يأخذ ستانتن صورة لرجل مسنّ، فيطلب منه وقف التصوير، بعدما سأله عن أبويه اللذين توفّيا في السجن، عندما كان لا يزال في السادسة عشرة. يقول المسنّ النازح &laqascii117o;كنت الرجل الأقوى في بلدتي، كانوا ينادونني: الجرافة". يصادف المدوّن أباً مع بناته الثلاث في دكّان للخضار. يخاف الوالد من يوم يطلب فيه أولاده، ما لا طاقة له على شرائه. وفي دهوك، تجلس أربع نساء، صديقتهنّ الخامسة رفضت مشاركتهن الصورة. قلن للمصوّر: &laqascii117o;طلبنا منها أن تجلس معنا لنشاركها حزنها". على جانب الطريق في دهوك أيضاً، تجلس أمٌ بعباءتها الحمراء مع طفليها، تقول: &laqascii117o;كل ما يفعلونه، هو البكاء طوال اليوم. يريدون العودة إلى المنزل". ثلاثة أطفال من الطائفة الإيزيدية، هربوا بعدما استولى مقاتلو &laqascii117o;الدولة الإسلامية" على قريتهم ومنزلهم، &laqascii117o;يحاولون صنع سيارة من علب حليب"، يخبرنا التعليق المرافق للصورة.
تلك نماذج قليلة من عائلات فقدت كلّ ما تملك، ونزحت في انتظار انتهاء حرب قد تطول. الهدف من الجولة، كما يقول المصوّر الشهير هي &laqascii117o;زيارة أماكن بعيدة للاستماع إلى أكبر عدد ممكن من الناس"، في رحلة ستدوم 50 يوماً، يزور خلالها عشر دول. في بداية رحلته إلى كردستان سجّل ستانتن تعليقاً على صفحة المدوّنة على &laqascii117o;فايسبوك" يقول فيه: &laqascii117o;أبدأ حواراتي مع الناس بمجموعة من الأسئلة التي أثبتت جدواها في السابق، والتي أعتقد أنها ستنتزع حكاية ما: اللحظة الأكثر سعادة، اللحظة الأكثر حزناً، وأسئلة في هذا السياق. ولكنّ التعامل مع أناس هاربين من الحرب، يؤكّد استحالة مناقشة أي شيء أبعد من اللحظة التي يعيشونها. ظروفهم تغلب كلّ شيء. وأيّ محادثة بعيدة عن يأسهم الحالي، تبدو في غير مكانها".
في هارلم وتشاينا تاون وتايمز سكوير وأحياء نيويوركية أخرى، يصوّر براندن ستانتن أناساً يعيشون في أنحاء المدينة، ويروون قصصهم، منها المفرحة، ومنها الحزينة، قد تبتسم أو تحزن معها للحظات... ولكنّ الانتقال من شوارع نيويورك، إلى أحياء النزوح العراقي لا يبدو ترفاً أو محاولة لكسب شهرة لا يحتاجها صاحبها، بل ربما هو تصويب في اتجاه آخر، وانتقال عبر الزمان والمكان، من أكثر المدن استقطاباً للاهتمام والأضواء، إلى مخيّمات لا تزال رغم كلّ مآسيها، على الهامش.
المصدر: صحيفة السفير